کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 309

الآخرة بزعمهم‏

أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً بك ليهلكوك في دار الندوة فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ‏ (42) المغلوبون المهلكون، فحفظه اللّه منهم، ثم أهلكهم ببدر

أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ (43) به من الآلهة، و الاستفهام بأم في مواضعها للتقبيح و التوبيخ‏

وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً بعضا مِنَ السَّماءِ و المعارضة بحيث ينسب لهم هذا الزعم ه شيخنا.

قوله أيضا: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ‏ قال قتاده: هو جواب لقولهم نتربص به ريب المنون أي:

أعندهم الغيب الذي كتب في اللوح المحفوظ حتى علموا أن الرسول يموت قبلهم، فهم يكتبون ذلك بعد ما وقفوا عليه، و قيل: هو ردّ لقولهم إنا لا نبعث و لو بعثنا لم نعذب، فعلى الأول يكون وجه اتصال قوله: أم يريدون كيدا بما قبله أنه يكون جوابا آخر له، و المعنى على الثاني بل أنهم لا يكتفون بهذه المقالة الفاسدة و يريدون مع ذلك أن يكيدوا بك فإن زعموا أن لهم آلهة تنصرهم و تحفظهم عن أن يعود عليهم ضرر كيدهم و تعالى اللّه عن أن يكون له شريك يقاومه و يدفع ما أراده اه زاده باختصار.

قوله: (أي علمه) أي اللوح المحفوظ المثبت فيه المغيبات فالغيب بمعنى الغائب كما قاله ابن عباس و الألف و اللام في الغيب لا للعهد و لا لتعريف الجنس، بل المراد نوع الغيب كما تقول: اشتر اللحم تريد بيان الحقيقة لا كل اللحم و لا لحما معينا اه كرخي.

قوله: أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً أي: مكرا و تحيلا في هلاكك، و في المصباح: كاده كيدا من باب باع خدعه و مكر به و الاسم المكيدة اه.

و الاستفهام إنكاري على معنى نفي اللياقة و الانبغاء أي: لا ينبغي و لا يليق منهم هذه الارادة أي:

التشاور و الاجتماع على كيدك كما ذكر في قوله تعالى‏ وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ‏ [الانفال:

30] الآية. و كان هذا المكر في دار الندوة و هي دار من دور أهل مكة اه شيخنا.

قوله: (في دار الندوة) الظاهر أنه من الإخبار بالغيب، فإن السورة مكية و ذلك الكيد كان وقوعه ليلة الهجرة اه كرخي.

قوله: فَالَّذِينَ كَفَرُوا هذا من وقع الظاهر موقع المضمر تنبيها الى اتصافهم بهذه الصفة القبيحة و الأصل أم يريدون كيدا فهم المكيدون أو حكم على جنس هم نوع منه فيندرجون فيه اندراجا لتوغلهم في هذه الصفة اه سمين.

قوله: (ثم أهلكهم ببدر) يعني عند انتهاء سنين عدتها عدة ما هنا من كلمة أم و «هي خمس عشرة، فإن بدرا كانت في الثانية من الهجرة و هي الخامسة عشرة من النبوة فتعبيره بثم أولى من تعبير غيره بالواو اه كرخي.

قوله: أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ‏ استفهام انكاري على معنى نفي الحصول من أصله أي ليس لهم في الواقع إله غير اللّه، و على معنى نفي الانبغاء و اللياقة بالنظر لاعتقادهم أن هناك آلهة غيره كما أشير له بقوله‏ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ اه شيخنا.

قوله: (و الاستفهام بأم) أي المقدرة ببل و الهمزة، أو بالهمزة وحدها حتى يكون هناك استفهام،

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 310

ساقِطاً عليهم كما قالوا فأسقط علينا كسفا من السماء، أي تعذيبا لهم‏ يَقُولُوا هذا سَحابٌ مَرْكُومٌ‏ (44) متراكب نروى به و لا يؤمنوا

فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ‏ (45) يموتون‏

يَوْمَ لا و أما تقديرها ببل وحدها فليس فيها استفهام، و قوله: في مواضعها أي التي هي خمسة عشر و محصل كلامه أنها في المواضع كلها للاستفهام بواسطة تقديرها بالهمزة. إذا عرفت هذا عرفت أن الأولى له فيما سبق في قوله أم يقولون شاعر أن يقدرها ببل الهمزة أو بالهمزة وحدها على أنه قدرها ببل وحدها و هي لا تفيد الاستفهام فينافي ما ذكره هنا بقوله و الاستفهام بأم في مواضعها الخ. و كان عليه أن يقول للتوبيخ و التقريع و الانكار، لأنه صريح في بعض المواضع بالنفي كقوله في: أم تأمرهم أحلامهم أي لا تأمرهم، و أشار إلى النفي في موضع أخر كقوله في: خلقوا من غير شي‏ء أم هم الخالقون و لا يعقل مخلوق بغير خالق الخ، فأشار إلى أن المعنى على النفي، و كقوله في: أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏ [الطور: 36] و لا يقدر على خلقهما إلا اللّه، فأشار به أيضا إلى أن المعنى على النفي، فالحاصل أنها في المواضع كلها مفيدة للاستفهام المقصود منه التوبيخ و الانكار إما بمعنى نفي الحصول أو بمعنى نفي الانبغاء و الاستحسان أي: لا ينبغي و لا يحسن أن يكون كذا كما في قوله: أم يقولون شاعر أي لا ينبغي منهم هذا القول و لا يليق، و إن كان قد صدر منهم بالفعل فليس الانكار متوجها لحصوله و وقوعه بل لانبغائه و لياقته يأمل اه شيخنا.

قوله: وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً من المعلوم أن قريشا لم ينزل عليهم قطع من السماء تعذيبا لهم كما قال تعالى: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ‏ [الأنفال: 33] الآية. فالكلام على سبيل الفرض و التقدير، كأنه يقول: لو عذبناهم بسقوط قطع من السماء عليهم لم ينتهوا و لم يرجعوا، و يقولون في هذا النازل عنادا و استهزاء و إغاظة لمحمد إنه سحاب مركوم اه شيخنا و أشار له الخطيب.

قوله: كِسْفاً أي: قطعة، و قيل: قطعا واحدتها كسفة مثل سدرة و سدر اه خطيب.

قوله: (كما قالوا فأسقط علينا كسفا الخ) الآية التي ذكرها إنما وردت في قوم شعيب كما ذكر في سورة الشعراء فكان الأولى للشارح أن يستدل بما نزل فيهم أي: في قريش في سورة الإسراء، و هو قوله: أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا اه شيخنا.

قوله: فَذَرْهُمْ‏ جواب شرط مقدر أي إذا بلغوا في الكفر و العناد إلى هذا الحد، و تبين أنهم لا يرجعون عن الكفر فدعهم حتى يموتوا عليه اه زاده.

قوله: يُصْعَقُونَ‏ قرأ ابن عامر، و عاصم بضم الياء مبنيا للمفعول، و باقي السبعة بفتحها مبنيا للفاعل و قرأ أبو عبد الرحمن بضم الياء و كسر العين، فأما الأولى فيحتمل أن تكون من صعق فهو مصعوق مبنيا للمفعول و هو ثلاثي حكاه الأخفش فيكون مثل سعدوا و أن يكون من أصعق رباعيا يقال أصعق فهو مصعق، و المعنى أن غيرهم أصعقهم، و قراءة السلمي تؤذن بأن أفعل بمعنى فعل اه سمين.

قوله: (يموتون) أي من شدة الأهوال كما صعق بنو إسرائيل في الطور، و لكن بنو إسرائيل قد أحياهم اللّه من هذه الصعقة، و أما هؤلاء فلا يقومون من صعقتهم إلا عند النفخ في الصور ليحشروا للحساب الذي كانوا يكذبون به. قال البقاعي: و الظاهر أن هذا اليوم يوم بدر فإنهم كانوا قاطعين بالنصر فيه فما أغنى أحد عن أحد شيئا اه خطيب.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 311

يُغْنِي‏ بدل من يومهم‏ عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ‏ (46) يمنعون من العذاب في الآخرة

وَ إِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا بكفرهم‏ عَذاباً دُونَ ذلِكَ‏ أي في الدنيا قبل موتهم، فعذبوا بالجوع و القحط سبع سنين، و بالقتل يوم بدر وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ‏ (47) أن العذاب ينزل بهم‏

وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ‏ بإمهالهم، و لا يضق صدرك‏ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا بمرأى منا، نراك و نحفظك‏ وَ سَبِّحْ‏ متلبسا بِحَمْدِ رَبِّكَ‏ أي قل: سبحان اللّه و بحمده‏ حِينَ تَقُومُ‏ (48) من منامك أو من مجلسك‏

وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ‏ حقيقة أيضا وَ إِدْبارَ النُّجُومِ‏ (49) مصدر، أي عقب غروبها سبحه أيضا، أو صلّ في الأوّل العشاءين، و في الثاني الفجر، و قيل: الصبح.

قوله: (يمنعون من العذاب في الآخرة) فيه شي‏ء لأنه قد حمل يوم صعقهم على يوم موتهم و هو يو م بدر، فكان عليه أن يقول يمنعون من القتل و الأسر النازلين بهم، كما أشار لذلك بعض حواشي البيضاوي اه شيخنا.

قوله: دُونَ ذلِكَ‏ أي غير ذلك، أو غير ذلك فدون بمعنى غير أو بمعنى أمام اه شيخنا.

قوله: (فعذبوا بالجوع و القحط) أي قبل يوم بدر، لأنه كان في ثانية الهجرة و القحط وقع لهم قبلها شيخنا.

قوله: (بمرأى منا) أي: و إنما جمع لفظ الأعين مع أن مدلوله واحد و هو المصدر لمناسبة نون العظمة اه خطيب.

قوله: (من منامك) عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة بأي شي‏ء كان يفتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا استيقظ من نومه؟ فقالت: ما سألني عنه أحد قبلك كان إذا قام كبّر عشرا و حمد اللّه عشرا، و سبح عشرا و هلل عشرا، و استغفر عشرا و قال: «اللهم اغفر لي و ارحمني و اهدني و ارزقني و عافني» و كان يتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة أخرجه أبو داود و النسائي، و قوله: أو من مجلسك عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك كان كفارة لما بينهما» في رواية كان كفارة له اه من الخازن.

قوله: (أي عقب غروبها) المراد بغروبها ذهاب ضوئها بغلبة ضوء الصبح عليه، و إن كانت باقية في السماء. و ذلك بطلوع الفجر اه خطيب.

قوله: (أصل في الأول) أي الليل، فهذا راجع لقوله قوله: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ إِدْبارَ النُّجُومِ‏ و أمه‏ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ‏ فالمراد به قول سبحان اللّه لا غير، و الوجهان إنما هما في قوله:

وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ‏ الخ اه شيخنا.

قوله: (و في الثاني و الفجر) أي: الركعتين اللتين هما سنة الصبح، و قوله (و قيل الصبح) أي فريضة صلاة الصبح اه من الخازن.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 312

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

سورة النجم مكية و هي اثنتان و ستون آية

وَ النَّجْمِ‏ الثريا إِذا هَوى‏ (1) غاب‏

ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ‏ محمد عليه الصلاة و السّلام عن‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ قوله: (مكية) عبارة القرطبي: مكية كلها في قول الحسن و عكرمة و عطاء و جابر، و قال ابن عباس، و قتادة: إلا آية منها و هي قوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ‏ [الشورى: 37] [و النجم: 32] الآية. و قيل: ان السورة كلها مدنية و الصحيح أنها مكية لما روي عن ابن مسعود أنه قال: هي أول سورة أعلنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بمكة اه.

تنبيه:

أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها، فإنه تعالى قال في آخر تلك: وَ إِدْبارَ النُّجُومِ‏ [الطور:

49] و قال في أول هذه‏ وَ النَّجْمِ إِذا هَوى‏ قال الرازي: و الفائدة في تقييد المقسم به بوقت هويه أنه إذا كان في وسط السماء يكون بعيدا من الأرض لا يهتدي به الساري، لأنه لا يعلم به المشرق من المغرب و لا الجنوب من الشمال، فإذا نزل عن وسط السماء تبين بنزوله جانب المغرب من المشرق و الجنوب من الشمال اه خطبي.

قوله: وَ النَّجْمِ إِذا هَوى‏ قال ابن عباس، و مجاهد: معنى النجم إذا هوى الثريا إذا سقطت مع الفجر، و العرب تسمي الثريا نجما و إن كانت في العدد نجوما. يقال: إنها سبعة أنجم، ستة ظاهرة و واحدة خفية يمتحن الناس بها أبصارهم، و في الشفاء للقاضي عياض: أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم كان يرى في الثريا أحد عشر نجما و عن مجاهد أيضا أن المعنى و القرآن إذا نزل لأنه كان ينزل نجوما و قاله الفراء، و عنه أيضا: يعني نجوم السماء كلها حين تغرب، و هي قول الحسن أقسم اللّه بالنجوم إذا غابت و ليس يمتنع أن يعبر بلفظ واحد و معناه جمع اه قرطبي.

و في العامل في هذا الظرف أوجه، و على كل منهما اشكال أحد الأوجه: أنه منصوب بفعل القسم المحذوف تقديره أقسم بالنجم وقت هويه قاله أبي البقاء و غيره و هو مشكل، فإن فعل القسم إنشاء و الإنشاء حال و إذ لما يستقبل من الزمان فكيف يتلاقيان، الثاني: أن العامل فيه مقدر على أنه حال من النجم أي أقسم به حال كونه مستقرا في زمان هويه و هو مشكل من وجهين، أحدهما: إن النجم جثة

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 313

طريق الهدى‏ وَ ما غَوى‏ (2) ما لابس الغي، و هو جهل من اعتقاد فاسد

وَ ما يَنْطِقُ‏ بما يأتيكم به‏ عَنِ الْهَوى‏ (3) هوى نفسه‏

إِنْ‏ ما هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى‏ (4) إليه‏

عَلَّمَهُ‏ إياه ملك‏ شَدِيدُ الْقُوى‏ (5) و الزمان لا يكونن حالا منها كما لا يكون خبرا. و الثاني: أن إذا للمستقبل فكيف يكون حالا، و قد أجيب عن الأول بأن المراد بالنجم القطعة من القرآن، و القرآن قد نزل منجما في عشرين سنة، و هذا تفسير ابن عباس و غيره، و عن الثاني بأنها حال مقدرة. الثالث: أن العامل فيه نفس النجم إذا اريد به القرآن قاله أبو البقاء و فيه نظر لأن القرآن لا يعمل في الظرف إذا أريد به أنه اسم لهذا الكتاب المخصوص، و قد يقال: إن النجم بمعنى المنجم كأنه قيل: و القرآن المنجم في هذا الوقت و هذا البحث وارد في موضع منها وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها [الشمس: 41] و ما بعدها و منها قوله تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ [الليل:

1] و منها وَ الضُّحى‏ وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى‏ [الضحى: 1] و سيأتي في الشمس بحث أخص من هذا تقف عليه إن شاء اللّه تعالى: و قيل: المراد بالنجم الجنس، و قيل: بل المراد نجم معين الثريا و قيل الشعرى لذكرها في قوله تعالى: وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى‏ [النجم: 49] و قيل: الزهرة لأنها كانت تعبد، و الصحيح أنه الثريا لأنه صار علما بالغلبة، و هوى يهوى إذا سقط من علو، و هوي يهوي هوى أي صبا، و قال الراغب:

الهوي سقوط من علو، ثم قال: و الهوي ذهاب في انحدار، و الهوى ذهاب في ارتفاع، و قيل: هوى في اللغة خرق الهواء و مقصده السفل أو مصيره إليه و إن لم يقصده اه سمين.

قوله: (الثريا) و سمي الكوكب نجما لطلوعه، و كل طالع نجم يقال: نجم السن و النبت و القرن إذا طلع اه خطيب.

و بابه قعد كما في المصباح.

قوله: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ‏ هذا جواب القسم و عبر بالصحبة لأنها مع كونها أدل على القصد مرغبة لهم فيه و مقبلة بهم إليه، و مقبحة عليهم اتهامه في إنذاره و هم يعرفون طهارة شمائله اه خطيب.

قوله: (عن طريق الهداية) أشار به إلى أن الضلال معناه المخالفة، فيرجع الأمر إلى أنه فعل المعاصي، فحينئذ الفرق بينه و بين الغي التباين الكلي، فإن الضلال فعل المعاصي و الغي هو الجهل المركب اه شيخنا.

و في الكرخي: قوله: ما لابس الغي الخ. أشار به إلى تغاير الضلال و الغي ردا على من زعم اتحادهما، أو المعنى ما ضل في قوله: و لا غوى في فعله، و بتقديره اتحادهما يكون ذلك من باب التأكد باللفظ المخالف مع اتحاد المعنى، و قيل: الغي الانهماك في الباطل، و في كلامه إشارة أيضا إلى أن الغي هو الجهل المركب فعطفه على ما ضل من عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الاعتقاد، و إيضاحه: أن الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد لا صالحا و لا فاسدا، و قد يكون من اعتقاد بشي‏ء فاسد، و هدا الثاني يقال له غي اه.

قوله: (و هو جهل من اعتقاد فاسد) أي: ناشى‏ء من اعتقاد الخ أو من بمعنى مع.

قوله: عَنِ الْهَوى‏ عن على بابها متعلقة بينطق من نوع تضمين. أي: و ما يصدر نطقه عن هوى نفسه و مثل النطق الفعل اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 314

ذُو مِرَّةٍ قوة و شدة، أو منظر حسن، أي جبريل عليه السّلام‏ فَاسْتَوى‏ (6) استقر

وَ هُوَ بِالْأُفُقِ‏ قوله: إِنْ هُوَ أي الذي يتكلم به من القرآن و كل أقواله و أفعاله و أحواله اه خطيب.

قوله: يُوحى‏ الجملة صفة لوحي، و فائدة المجي‏ء بهذا الوصف نفي المجاز أي هو وحي حقيقة لا بمجرد التسمية، كما تقول: هذا قول يقال، و قيل: تقديره يوحى إليه ففيه مزيد فائدة اه سمين.

و قد أشار الشارح إلى الوجه الثاني اه.

قوله: عَلَّمَهُ‏ الضمير المذكور و هو المفعول هو المفعول الأول عائد للنبي، و الثاني محذوف كما قدره و هو عائد على الوحي اه شيخنا.

و من شدة قوته أنه اقتلع قرى لوط و رفعها إلى السماء، ثم قلبها و صاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين، و كان هبوطه على الأنبياء و صعوده أسرع من رجعة الطرف، قوله: (قوة و شدة) أي قوة في العقل وحدة بحيث لا يدفع عما يزاوله دافع و لا يسأم من شي‏ء يزاوله، فحصل الفرق بين القوة و المرة، و من جملة شدته و قوته قدرته على التشكل، فلذلك قال فاستوى فهو معطوف على شديد القوى أي فتسبب على شدته أنه استوى اه من الخطيب.

و هذه القوة ثابتة له و لو كان على صورة الآدميين. و في البيضاوي: ذو مرة أي حصافة في عقله و رأيه اه.

و الحصافة: بفتح الحاء و الصاد المهملتين و بالفاء بعد الألف مصدر. يقال: حصف بضم الصاد حصافة بمعنى الاستحكام و هي مخصوصة بالعقل و التدبير، و هذا بيان لما وضع له اللفظ، لأن العرب تقول لكل قوي العقل و الرأي ذو مرة من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله اه شهاب.

و أصله من شدة فتل الحبل كأنه استمر به الفتل حتى بلغ إلى غاية يضعف معها الحبل اه قرطبي.

و في السمين: و المرة بالكسر مزاج من أمزجة البدن و قوة الخلق و شدته و العقل و الاصالة و الاحكام و القوة و طاقة الحبل اه.

قوله: فَاسْتَوى‏ معطوف على قوله: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى‏ كما يشير له صنيع القرطبي و نصه:

فاستوى أي ارتفع جبريل و علا إلى مكانه في السماء بعد أن علّم محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم. قال سعيد بن المسيب، و ابن جبير و قيل: فاستوى أي قام و ظهر في صورته التي خلق عليها لأن كان يأتي النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في صورة الآدميين كما يأتي إلى الأنبياء، فسأله النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أن يريه نفسه التي جبله اللّه عليها، فأراه نفسه مرتين مرة في الأرض و مرة في السماء، و لم يره أحد من الأنبياء على صورته التي خلق عليها إلّا نبينا صلّى اللّه عليه و سلّم، و قول ثالث: إن معنى فاستوى أي استوى القرآن في صدره و فيه على هذا و جهان، أحدهما: في صدر جبريل حين نزل به عليه السّلام. الثاني: في صدر محمد صلّى اللّه عليه و سلّم حين نزل عليه، و قول رابع: أن معنى فاستوى فاعتدل يعني محمدا في قوته، و الثاني: في رسالته ذكره الماوردي: قلت: و على الأول يكون تمام الكلام ذو مرة، و على الثاني شديد القوى، و قول خامس: أن معناه فارتفع و فيه على هذا و جهان، أحدهما: أنه جبريل ارتفع إلى مكانة على ما ذكرناه آنفا. الثاني: أنه النبي صلّى اللّه عليه و سلّم ارتفع بالمعراج، و قول سادس: فاستوى يعني اللّه عز

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 315

الْأَعْلى‏ (7) أفق الشمس أي عند مطلعها على صورته التي خلق عليها، فرآه النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و كان بحراء قد سدّ الأفق إلى المغرب، فخرّ مغشيا عليه، و كان قد سأله أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها، فواعده بحراء، فنزل جبريل له في صورة الآدميين‏

ثُمَّ دَنا قرب منه‏ فَتَدَلَّى‏ (8) زاد في و جل أي استوى على العرش على قول الحسن اه.

قوله: وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى‏ أي الأعلى من الأرض اه قرطبي.

و الواو للحال. و في القرطبي: و هو بالأفق الأعلى جملة في موضع الحال، و المعنى فاستوى عاليا أي أستوى جبريل عاليا على صورته، و لم يكن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قبل ذلك رآه عليها حتى سأله إياها على ما ذكرنا، و الأفق ناحية السماء و جمعه آفاق، و قال قتادة: هو الموضع الذي تأتي منه الشمس، و كذا قال سفيان هو الموضع الذي تطلع منه الشمس، و يقال: أفق مثل عسر و عسر.

قوله: (و كان) أي النبي بحراء، و قوله: و قد سد الأفق حال.

قوله: (و كان قد سأله الخ) تعليل لقوله: فاستوى الخ، و قوله: فواعده معطوف على سأله، و الضمير المستتر في واعده يرجع لجبريل و البارز للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و قوله: بحراء متعلق بحذوف أي فواعده أن يريه صورته الأصلية و النبي بحراء، و عبارة الخطيب: و قد واعده جبريل أن يأتيه و هو بحراء، انتهت.

قوله: (فنزل) معطوف على فخر مغشيا عليه و توطئة لما بعده اه.

قوله: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ‏ ههنا مضافات محذوفة يضطر لتقديرها، أي: فكان مقدار مسافة قربه منه مثل مقدار مسافة قاب قوسين، و القاب القدر تقول هذا قاب هذا أي قدره، و مثله القيب و القاد و القيد و القيس. قال الزمخشري: و قد جاء التقدير بالقوس و الرمح و السوط و الذراع و الباع و الخطوة و الشبر و الفتر و الإصبع اه سمين.

و في القرطبي: و القاب ما بين المقبض و السية و لكل قوس قابان، و قال بعضهم في قوله تعالى:

فكان قاب قوسين أراد قابي فقلبه اه.

و في المصباح: سية القوس خفيفة الياء و لامها محذوفة و ترد في النسبة، فيقال: سوى و الهاء عوض عنها طرفها المنحني. قال أبو عبيدة: و كان رؤبة يهمزه و العرب لا تهمزه، و يقال: لسيتها العليا يدها و لسيتها السفلى رجلها اه.

ثم قال القرطبي: و قال سعيد بن المسيب: القاب صدر القوس العربية حيث يشد عليه السير الذي يتنكبه صاحبه، و لكل قوس قاب واحد فأخبر أن جبريل قرب من محمد كقرب قاب قوسين و قال سعيد ابن جبير و عطاء و أبو إسحاق الهمداني و غيرهم: فكان قاب قوسين أي قدر ذراعين، و القوس و الذراع يقاس بها كل شي‏ء و هي لغة بعض الحجازيين، و القوس يذكر و يؤنث فمن أنث قال في تصغيرها قويسة، و من ذكر قال قويس و الجمع قسي و أقواس و قياس، و القوس أيضا بقية التمر في الجلد أي الوعاء و القوس برج في السماء اه.

صفحه بعد