کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 357

إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ منصوب بفعل يفسره‏ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49) بتقدير حال من كل أي مقدرا، و قرئ كل و سقر علم لجهنم مشتق من سقرته الشمس أو النار أي لوحته، و يقال: صقرته بالصاد و هي مبدلة من السين و هو غير منصرف للعلمية و التأنيث اه خطيب.

و قوله: أي لوحته بالحاء المهملة تفعيل من التلويح و هو تغيير الجلد و لونه من ملاقاة حر النار اه شهاب.

و قال زكريا: لوحته أي أحمته اه.

قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ أي العامة على نصب كل على الاشتغال، و قرأ أبو السمال:

بالرفع، و قد رجح الناس النصب بل أوجبه بعضهم قال: لأن الرفع يوهم ما لا يجوز على قواعد أهل السنة، و ذلك أنه إذا رفع كل شي‏ء كان مبتدأ، و خلقناه: صفة لكل أو لشي‏ء، و بقدر خبره، و حينئذ يكون له مفهوم لا يخفى على متأمله، فيلزم أن يكون هناك شي‏ء ليس مخلوقا للّه تعالى و ليس بقدر كذا قرره بعضهم، و قال أبو البقاء: و إنما كان النصب أولى لدلالته على عموم الخلق و الرفع لا يدل على عمومه، بل يفيد أن كل شي‏ء مخلوق فهو بقدر، و إنما دل نصب كل على العموم، لأن التقدير إنا خلقنا كل شي‏ء خلقناه بقدر، فخلقناه تأكيد و تفسير لخلقنا المضمر الناصب لكل شي‏ء، فهذا لفظ عام يعم جميع المخلوقات، و لا يجوز أن يكون خلقناه صفة لشي‏ء، لأن الصفة و الصلة لا يعملان فيما قبل الموصول و لا الموصوف لا تكون تفسيرا لما يعمل فيما قبلهما، فإذا لم يبق خلقناه صفة لم يبق إلا أنه تأكيد و تفسير للمضمر الناصب و ذلك يدل على العموم، و أيضا فإن النصب هو الاختيار لأن إنا عندهم يطلب الفعل فهو أولى به فالنصب عندهم في كل هو الاختيار، فإذا انضم إليه معنى العموم و الخروج عن الإبهام كان النصب أولى من الرفع، و قال قوم: إذ كان الفعل يتوهم فيه الوصف و إن ما بعده يصلح للخبر، و كان المعنى على أن يكون الفعل هو الخبر اختير النصب في الاسم الأول حتى يتضح أن الفعل ليس بوصف، و منه هذا الموضع لأن قراءة الرفع تخيل أن الفعل وصف، و أن الخبر بقدر، و بقدر على قراءة النصب متعلق بالفعل الناصب، و في قراءة الرفع في محل رفع لأنه خبر لكل و كل و خبرها في محل رفع خبر لإن، و سيأتي قريبا عكس هذا من اختيار الرفع في قوله: و كل شي‏ء فعلوه في الزبر فإنه لم يختلف في رفعه، قالوا: لأن نصبه يؤدي إلى فساد المعنى لأن الواقع خلافه، و ذلك أنك لو نسبته لكان التقدير فعلوا كل شي‏ء في الزبر، و هو خلاف الواقع، إذ في الزبر أشياء كثيرة جدا لم يفعلوها.

و أما قراءة الرفع فتؤدي إلى أن كل شي‏ء فعلوه هو ثابت في الزبر و هو المقصود، و لذلك اتفق على رفعه و هذان الموضعان من نكت المسائل العربية التي اتفق مجيئها في سورة واحدة في مكانين متقاربين اه سمين.

قوله: خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ أي قضاء و حكم و قياس مضبوط و قسمة محدودة و قوة بالغة و تدبير محكم في وقت معلوم و مكان محدود مكتوب ذلك في اللوح قبل وقوعه اه خطيب.

قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه اللّه تعالى: أعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر، و معناه أن اللّه تعالى قدر الأشياء في القدم، و علم سبحانه و تعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عند سبحانه و تعالى، و على صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها اللّه تعالى، و أنكرت القدرية هذا

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 358

بالرفع مبتدأ خبره خلقناه‏

وَ ما أَمْرُنا لشي‏ء نريد وجوده‏ إِلَّا أمرة واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) و زعمت أنه سبحانه و تعالى لم يقدرها و لم يتقدم علمه بها، و أنها مستأنفة العلم أي إنما يعلمها سبحانه و تعالى بعد وقوعها و كذبوا على اللّه سبحانه و تعالى تعالى اللّه عن أقوالهم الباطلة علوا كبيرا، و سميت هذه الفرقة قدرية لإنكارهم القدر. قال أصحاب المقالات من المتكلمين: و قد انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع الباطل و لم يبق أحد من أهل القبلة عليه، و صارت القدرية في الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر، و لكن يقولون الخير من اللّه و الشر من غيره تعالى اللّه عن قولهم علوا كبيرا. و قال الخطابي: و قد يظن كثير من الناس أن معنى القضاء و القدر إجبار اللّه العبد و قهره على ما قدره، و ليس الأمر كما يتوهمونه و إنما معناه الأخبار عن تقدم علم اللّه تعالى بما يكون اكساب العباد و صدورها عن تقدير منه و خلق لها خيرها و شرها. قال: و القدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر، و يقال: قدرت الشي‏ء و قدرته بالتخفيف و التثقيل بمعنى واحد، و القضاء في هذا معناه الخلق كقوله تعالى: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ‏ [فصلت: 12] أي خلقهن، و قد تظاهرت الأدلة القطعية من الكتاب و السنّة و إجماع الصحابة و أهل العقد و الحل من السلف و الخلف على إثبات قدر اللّه سبحانه و تعالى، و قد قرر ذلك أئمة المتكلمين أحسن تقرير بدلائله القطعية السمعية و العقلية و اللّه أعلم اه خازن.

قوله: (و قرئ (؟ كل بالرفع)) أي قرئ شاذا.

قوله: وَ ما أَمْرُنا المراد به ضد النهي بدليل ذكر متعلقه بقوله: لشي‏ء و الشي‏ء هو المأمور بأن يوجد أو يعدم، و قوله: إلا واحدة من الأمر فلا يتكرر الأمر، و قوله: كلمح البصر حال من متعلق الأمر و هو الشي‏ء المأمور بالوجود أي حال كونه يوجد سريعا بالمرة من الأمر و لا يتراخى عنها، و قوله: في السرعة بيان لوجه الشبه، و قوله: و هي قول كن بيان للمرة من الأمر، و قوله: فيوجد معطوف على كن على حد أن نقول له: كُنْ فَيَكُونُ‏ [البقرة: 117]، و قوله: إِنَّما أَمْرُهُ‏ الخ استدلال على أن الشي‏ء يوجد بمرة واحدة من الأمر، و على أنه يوجد عقبها بسرعة اه.

قوله: إِلَّا (أمره) واحِدَةٌ أي: مرة من الأمر، و بينّها بقوله و هي قول‏ كُنْ‏ أي: و تلك المرة هي هذا الأمر و هي قول كن، و في الحقيقة ليس هناك إحداث قول، بل المراد التقريب للعقول في سرعة تعلق القدرة بالمقدور على وفق الإرادة الأزلية اه شيخنا.

و في الكرخي: قوله: إلا أمرة أي كلمة واحدة أو إلا فعلة واحدة و هو الإيجاد بلا معالجة و معاناة اه.

و في الخازن: و ما أمرنا إلا واحدة أي و ما أمرنا إلا مرة واحدة، و قيل: معناه و ما أمرنا للشي‏ء إذا أردنا تكوينه إلا كلمة واحدة كُنْ فَيَكُونُ‏ [البقرة: 117] لا مراجعة فيه، فعلى هذا إذا أراد اللّه سبحانه و تعالى شيئا قال له: كن فكان. فهنا بان الفرق بين الإرادة و القول، فالإرادة قدر و القول قضاء، و قوله:

واحدة فيه بيان أنه لا حاجة إلى تكرير القول بل هو إشارة إلى نفاذ الأمر اه.

قوله: كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ اللمح: النظر بالعجلة، و في المصباح: لمحه إذا أبصره بنظر خفيف، أي: فكما أن لمح أحدكم ببصره لا كلفة عليه فيه، فكذلك الأفعال كلها عندنا بل أيسر اه خطيب.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 359

في السرعة و هي قول كن فيوجد

إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏ وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ‏ أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) استفهام بمعنى الأمر، أي اذكروا و اتعظوا

وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ فَعَلُوهُ‏ أي العباد مكتوب‏ فِي الزُّبُرِ (52) كتب الحفظة

وَ كُلُّ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ من الذنب أو العمل‏ مُسْتَطَرٌ (53) مكتتب في اللوح المحفوظ

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ‏ بساتين‏ وَ نَهَرٍ (54) أريد به الجنس و قرئ بضم النون و الهاء جمعا، كأسد و أسد، المعنى: أنهم يشربون من أنهارها الماء و اللبن و العسل و الخمر

فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ‏ مجلس حق لا لغو فيه و لا تأثيم، و أريد به الجنس و قرئ مقاعد، المعنى: أنهم في مجالس من الجنات سالمة من اللغو و التأثيم، بخلاف مجالس الدنيا، فقلّ أن تسلم من ذلك، و أعرب هذا خبرا ثانيا و بدلا و هو صادق ببدل البعض و غيره‏ عِنْدَ مَلِيكٍ‏ مثال مبالغة أي عزيز الملك واسعه‏ مُقْتَدِرٍ (55) قادر لا يعجزه شي‏ء و هو اللّه تعالى، و عند إشارة إلى الرتبة و القربة من فضله تعالى.

قوله: (أشباهكم في الكفر) أي و القدرة عليكم كالقدرة عليهم فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم، و لذلك تسبب عنه قوله: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أي: بما وقع لأشباهكم أنه مثل من مضى بل أضعف اه خطيب.

قوله: فِي الزُّبُرِ جمع زبور و هو الكتاب. قوله: (أريد به الجنس) أي لمناسبة جمع الجنات، و إنما أفرد في اللفظ لموافقة رؤوس الآي اه.

قوله: (و قرئ بضم النون و الهاء) أي شاذا.

قوله: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ‏ من إضافة الموصوف إلى صفته اه سمين.

قوله: (و قرئ (؟ مقاعد)) أي شاذا. قوله: (و هو صادق ببدل البعض) أي لأن المقعد بعض الجنات، و قوله: و غيره أي بدل الاشتمال لأنها مشتملة عليه و الأول أظهر اه كرخي.

قوله: عِنْدَ مَلِيكٍ‏ خبر ثالث. قوله: (مثال مبالغة) أي صيغة مبالغة. قوله: (و عند إشارة إلى الرتبة) أي فهي عندية مكانة، و قوله: و القربة أي التقريب المعنوي، فالقربة و الرتبة بمعنى واحد، و قوله: من فضله تعالى حال من الرتبة أي حال كونها من فضله تعالى و إحسانه اه شيخنا.

و في الكرخي: أشار بهذا إلى أن عند ليست على بابها من المصاحبة بل هي كناية عن تقريب المكان و الرتبة، أي: مقربين عند من تعالى أمره في الملك و الاقتدار بحيث أبهم على ذوي الأفهام و اللّه أعلم اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 360

سورة الرحمن مكية أو إلا يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ الآية فمدنية و هي ست أو ثمان و سبعون آية

الرَّحْمنُ‏ (1)

عَلَّمَ‏ من شاء الْقُرْآنَ‏ (2)

خَلَقَ الْإِنْسانَ‏ (3) أي الجنس‏

عَلَّمَهُ‏ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و تسمى عروس القرآن اه خطيب.

و في القرطبي: و عن علي كرم اللّه وجهه أنه قال، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «لكل شي‏ء عروس و عروس القرآن سورة الرحمن» اه.

قوله: (الآية) صوابه الآيتين كما صرّح به الكازروني، و الآيتان هما: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ‏ [الرحمن: 29] هذه واحدة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ هذه أخرى اه.

و قيل: كلها مدنية كما ذكره البيضاوي و الخازن، عن ابن عباس في أحد قوليه اه شيخنا.

قوله: الرَّحْمنُ‏ فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه خبر مبتدأ مضمر أي اللّه الرحمن. الثاني: أنه مبتدأ و خبره مضمر أي الرحمن ربنا، و هذان الوجهان عند من يرى أن الرحمن آية مع هذا المضمر، فإنهم عدوا الرحمن آية، و لا يتصور ذلك إلا بانضمام خبر أو مخبر عنه إليه إذ الآية لا بد أن تكون مفيدة، و سيأتي ذلك في قوله: مُدْهامَّتانِ. الثالث: أنه ليس بآية و أنه مع ما بعده كلام واحد و هو مبتدأ خبره علم القرآن اه سمين. قيل: لما نزلت اسجدوا للرحمن قال كفار مكة: و ما الرحمن فأنكروا، و قالوا: لا نعرف الرحمن، فأنزل اللّه الرحمن يعني الذي أنكرتموه هو الذي علم القرآن، و قيل: هذا جواب لأهل مكة حين قالوا: إنما يعلمه بشر فقال تعالى: الرحمن علم القرآن يعني علم محمدا القرآن، و قيل: علم القرآن يسره للذكر ليحفظ و يتلى، و ذلك أن اللّه عز و جل عدد نعمه على عباده فقدم أعظمها نعمة و أعلاها رتبة و هو القرآن العزيز لأنه أعظم وحي اللّه إلى أنبيائه و أشرفه منزلة عند أوليائه و أصفيائه و أكثره ذكرا و أحسنه في أبواب الدين أثرا و هو سنام الكتب السماوية المنزل على أفضل البرية اه خازن.

قوله: عَلَّمَ الْقُرْآنَ‏ فيه و جهان، أظهرهما: أنها علم المتعدية إلى اثنين أي عرف من التعليم،

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 361

الْبَيانَ‏ (4) النطق‏

الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ‏ (5) يجريان بحساب‏

وَ النَّجْمُ‏ ما لا ساق له من النبات‏ وَ الشَّجَرُ ما له ساق‏ يَسْجُدانِ‏ (6) يخضعان بما يراد منهما

وَ السَّماءَ رَفَعَها وَ وَضَعَ الْمِيزانَ‏ (7) أثبت العدل‏

أَلَّا تَطْغَوْا أي لأجل أن لا تجوروا فِي الْمِيزانِ‏ (8) ما يوزن به فعلى هذا المفعول الأول محذوف، فقيل: تقديره علم جبريل القرآن، و قيل: علم محمدا، و قيل: علم الإنسان و هذا أولى لعمومه، و لأن قوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ‏ دال عليه. و الثاني: أنها من العلامة فالمعنى جعله علامة و آية يعتبر بها، فإن قيل: لم قدم تعليم القرآن للإنسان على خلقه و هو متأخر عنه في الوجود. قيل: لأن التعليم هو السبب في إيجاده و خلقه اه سمين.

قوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ‏ هاتان الجملتان خبران أيضا عن المبتدأ الذي هو الرحمن و أخلاهما من العاطف لمجيئهما على نهج التعداد للنعم اه كرخي.

فلشدة الوصل ترك العاطف اه سمين.

قوله: (أي الجنس) عبارة الخازن: خلق الإنسان يعني آدم عليه السّلام قاله ابن عباس: علّمه البيان يعني اسماء كل شي‏ء، و قيل: علمه اللغات كلها، فكان آدم يتكلم بسبعمائة لغة أفضلها العربية، و قيل: الإنسان اسم جنس و أراد به جمع الناس، فعلى هذا يكون معنى علمه البيان أي النطق الذي يتميز به عن سائر الحيوان، و قيل: علمه الكتاب و الفهم و الافهام حتى عرف ما يقول و ما يقال له، و قيل:

علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به، و قيل: أراد بالإنسان محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم علمه البيان يعني بيان ما يكون و ما كان لأنه صلّى اللّه عليه و سلّم ينبى‏ء عن خبر الأولين و الآخرين و عن يوم الدين، و قيل: علمه بيان الأحكام من الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام اه.

قوله: بِحُسْبانٍ‏ خبر المبتدأ الذي هو الشمس و القمر متعلق بمحذوف هو في الحقيقة الخبر كما قدره اه كرخي.

أي: الشمس و القمر يجريان بحساب معلوم مقدر في بروجهما و منازلهما يتسق بذلك أمور الكائنات السفلية، و تختلف الفصول و الأوقات و تعلم السنون و الحساب اه بيضاوي.

و يجوز في حسبان و جهان، أحدهما: أنه مصدر مفرد بمعنى الحساب فيكون كالغفران و الكفران.

و الثاني: أنه جمع حساب كشهاب و شهبان و رغيف و رغفان اه سمين.

قوله: (يخضعان) أي: بطريق الطوع منهما كالسجود من المكلفين طوعا اه بيضاوي.

قوله: (أثبت العدل) أي شرعه و أمر به اه كرخي.

قوله: (أي لأجل أن لا تجوروا) أشار به إلى أن أن هي الناصبة، و لا نافية، و تطغوا منصوب بأن و قبلها لام العلة مقدرة قيل لا للنهي، و أن تفسيرية بمعنى أي و تطغوا مجزوم بلا الناهية ورد بأن شرط المفسرة تقدم جملة عليها فيها معنى القول، و وضع الميزان ليس فيه معنى القول، و قد يجاب عنه بتوهم أن وضع الميزان يستدعي كلاما من الأمر بالعدل فيه فجاءت أن مفسرة بهذا الاعتبار اه كرخي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 362

وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ بالعدل‏ وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ‏ (9) تنقصوا الموزون‏

وَ الْأَرْضَ وَضَعَها أثبتها لِلْأَنامِ‏ (10) للخلق، الإنس و الجن و غيرهم‏

فِيها فاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ‏ المعهود ذاتُ الْأَكْمامِ‏ (11) أوعية طلعها

وَ الْحَبُ‏ كالحنطة و الشعير ذُو الْعَصْفِ‏ التبن‏ وَ الرَّيْحانُ‏ (12) الورق قوله: وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ‏ الخ فيه إشارة إلى جواب ما قيل قوله: أَلَّا تَطْغَوْا مغن من الجملتين المذكورتين بعد، و إيضاحه أن الطغيان فيه أخذ الزائد و الاخسار إعطاء الناقص و القسط التوسط بين الطرفين المذمومين اه كرخي.

و في القرطبي: و أقيموا الوزن بالقسط أي افعلوه مستقيما بالعدل، و قال أبو الدرداء: أقيموا لسان الميزان بالقسط و العدل، و قال أبو عبيدة: الإقامة باليد و القسط بالقلب، و قال مجاهد: القسط العدل بالرومية، و قيل: هو كقوله أقام الصلاة أي أتى بها في وقتها، و أقام الناس أسواقهم أي أتوها لوقتها، أي: لا تدعوا التعامل بالوزن بالعدل، و لا تخسروا الميزان أي لا تنقصوا الميزان و لا تبخسوا الكيل و الوزن، و هذا كقوله: و لا تنقصوا المكيال و الميزان، و قال قتادة في هذه الآية: اعدل يا بن آدم كما تحب أن يعدل لك و أوف كما تحب أن يوفى لك، فإن العدل صلاح الناس، و قيل: المعنى و لا تخسروا ميزان حسناتكم يوم القيامة فيكون ذلك حسرة عليكم اه.

قوله: (أثبتها) عبارة البيضاوي: خفضها مدحوة اه.

قوله: (للأنام) أي لمنافعهم أي لأجل انتفاعهم بها.

قوله: فِيها فاكِهَةٌ أي: ما يتفكه به الإنسان من أنواع الثمار، و يجوز أن تكون هذه الجملة حالا من الأرض إلّا أنها حال مقدرة، و الأحسن أن يكون الجار و المجرور هو الحال، و فاكهة رفع بالفاعلية و نكرت لأن الانتفاع بها دون الانتفاع بما ذكر بعدها فهو من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى اه كرخي.

قوله: (أوعية طلعها) عبارة القرطبي: الأكمام جمع كم بالكسر. قال الجوهري: و الكم بالكسر و الكمامة وعاء الطلع و غطاء النور، و الجمع كمام و أكمة و أكمام و أكاميم أيضا، و الكمام بالكسر و الكمامة أيضا ما يكم به فم البعير لئلا يعض، يقال منه، بعير مكموم أي محجوم و كممت الشي‏ء غطيته، و الكم ما ستر شيئا و غطّاه و منه كم القميص بالضم و الجمع كمام و كمة و الكمة القلنسوة المدورة لأنها تغطي الرأس، و قال الحسن: ذات الأكمام أي ذات الليف، فإن النخلة قد تكلم بالليف و كمامها ليفها الذي في أعناقها، و قال ابن زيد: ذات الطلع قبل أن يتفتق، و قال عكرمة: ذات الأحمال اه.

قوله: وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ‏ قرأ ابن عامر: بنصب الثلاثة أي الحب، و ذا العصف و الريحان بخلق مضمرا أي و خلق الحب و ذا العصف و الريحان، و قرأ حمزة، و الكسائي: برفع الحب و ذو عطفا على فاكهة و جر الريحان عطفا على العصف، و الباقون برفع الثلاثة عطفا على فاكهة أي:

فيها فاكهة و حب ذو عصف و ريحان اه خطيب.

قوله: ذُو الْعَصْفِ‏ يرسم بالواو على قراءة الرفع و بالألف على قراءة النصب و هما سبعيتان اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 363

أو المشموم‏

فَبِأَيِّ آلاءِ نعم‏ رَبِّكُما أيها الإنس و الجن‏ تُكَذِّبانِ‏ (13) ذكرت إحدى و ثلاثين مرة، و الاستفهام فيها للتقرير، لما روى الحاكم عن جابر قال: «قرأ علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سورة قوله: (التبن) عبارة الخازن: ذو العصف، قال ابن عباس: يعني التبن، و عنه أنه ورق الزرع الأخضر إذا قطعت رؤوسه و يبس، و قيل: هو ورق الزرع، و قيل: العصف ورق كل شي‏ء يخرج منه الحب اه.

قوله: (الورق) و في نسخة: الرزق و كل صحيح، و عبارة الخطيب: الريحان في الأصل مصدر، ثم أطلق على الرزق في لغة حمير. تقول: خرجت أبتغي ريحان اللّه أي رزقه اه.

و قال في المختار: الريحان نبت معروف و هو الرزق أيضا، و العصف: ساق الزرع، و الريحان:

ورقه عند الفراء اه.

قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله: للأنام و سينطق به قوله: أَيُّهَ الثَّقَلانِ‏ و المعنى: فبأي فرد من أفراد النعم تكذبان أبتلك النعم المذكورة هنا أم بغيرها اه أبو السعود و خطيب.

و المراد بالتكذيب الإنكار و الآلاء النعم و هو قول جميع المفسرين، واحدها إلي و ألى مثل معي و حصى و إلى و ألى أربع لغات حكاها النحاس اه قرطبي.

قوله: (ذكرت) أي هذه الآيات إحدى و ثلاثين مرة، ثمانية منها ذكرت عقب آيات فيها تعداد عجائب خلق اللّه و بدائع صنعه و مبدأ الخلق و معادهم، ثم سبعة منها عقب آيات فيها ذكر النار و شدائدها بعدد أبواب جهنم و حسن ذكر الآلاء رفع البلاء و تأخير العذاب، و بعد هذه السبعة ثمانية في وصف الجنتين و أهلهما بعدد أبواب الجنة، و ثمانية أخرى بعدها في الجنتين اللتين هما دون الجنتين الأولتين أخذا من قوله و من دونهما جنتان، فمن اعتقد الثمانية الأولى و عمل بموجبها استحق هاتين الثمانيتين من اللّه و وقاه السبعة السابقة اه من شيخ الإسلام في متشابه القرآن.

و في الخازن: و كررت هذه الآية في هذه السورة في أحد و ثلاثين موضعا تقريرا للنعمة و تأكيدا للتذكير بها، ثم عدد على الخلق آلاءه و فصل بين كل نعمتين بما نبههم عليه ليفهمهم النعم و يقررهم بها كقول الرجل لمن أحسن إليه و تابع إليه بالأيادي و هو ينكرها و يكفرها. ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا، ألم تكن عريانا فكسوتك أفتنكر هذا، ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا؟ و مثل هذا الكلام شائع في كلام العرب، و ذلك أن اللّه تعالى ذكر في هذه السورة ما يدل على وحدانيته من خلق الإنسان و تعليمه البيان، و خلق الشمس و القمر و السماء و الأرض إلى غير ذلك مما أنعم به على خلقه، ثم خاطب الجن و الإنس فقال: فبأي آلاء ربكما تكذبان من الأشياء المذكورة لأنها كلها منعم بها عليكم اه.

صفحه بعد