کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 438

منها الذي هو خلاف مقصود الظهار من وصف المرأة بالتحريم‏ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أي اعتاقها عليه‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا بالوطء ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رقبة فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ‏ أي الصيام‏ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً عليه من قبل أن الشافعي يحصل بإمساك المظاهر منها في النكاح زمانا يمكنه مفارقتها فيه، و عند أبي حنيفة يحصل باستباحة استمتاعها و لو بنظر بشهوة، و عند مالك بالعزم على الجماع، و عند الحسن بالجماع أو بالظهار مرة أخرى اه بيضاوي.

قوله: (بأن يخالفوه بإمساكها) أي: زمنا يسع الفرقة و لا يرد عليه أن ثم تدل على التراخي الزماني و الإمساك المذكور معقب لا متراخ لأن مدة الإمساك ممتدة، و مثله يجوز فيه العطف بثم، و الفاء باعتبار ابتدائه و انتهائه اه شهاب.

قوله: (من وصف المرأة الخ) بيان للمقصود. قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مبتدأ خبره محذوف كما قدره، و الجملة خبر المبتدأ الذي هو الموصول، و كان عليه أن يقول عليهم لأن المبتدأ جمع لفظا و معنى و دخلت الفاء في الخبر لما تضمنه المبتدأ من معنى الشرط اه شيخنا.

قوله: (بالوطء) هذا قول للشافعي قديم، و الجديد أن المراد بالتماس الاستمتاع بما بين السرة و الركبة و ضمير التثنية للمظاهر و المظاهر منها اه شيخنا.

و في الخازن: و اختلفوا فيما يحرمه الظهار فللشافعي قولان، أحدهما: أنه يحرم الجماع فقط.

الثاني: و هو الأظهر أنه يحرم جمع جهات الاستمتاع و هو قول أبي حنيفة اه.

و في القرطبي: و لا يقرب المظاهر امرأته و لا يباشرها و لا يتلذذ منها بشي‏ء حتى يكفر خلافا للشافعي في أحد قوليه، لأن قوله لها: أنت عليّ كظهر أمي يقتضي تحريم كل استمتاع، فإن وطئها قبل أن يكفر استغفر اللّه و أمسك عنها حتى يكفر كفارة واحدة، و قال مجاهد و غيره: عليه كفارتان اه.

قوله: ذلِكُمْ‏ إشارة إلى الحكم المذكور و هو مبتدأ خبره توعظون به أي: تزجرون عن ارتكاب المنكر المذكور، فإن الغرامات مزاجر عن تعاطي الجنايات، و المراد بذكره بيان أن المقصود من شرع هذا الحكم ليس تعريضكم للثواب بمباشرتكم لتحرير الرقبة الذي هو علم في استتباع الثواب العظيم، بل هو ردعكم و زجركم عن مباشرة ما يوجبه اه أبو السعود.

قوله: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مبتدأ، و قوله: فصيام مبتدأ ثان خبره محذوف أي: عليه، و الجملة خبر الأول و سيشير الشارح لهذا اه شيخنا.

قوله: فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ‏ فإن أفطر فيهما و لو لعذر انقطع التتابع و وجب استئنافهما، و إن جامع ليلا لم ينقطع التتابع عندنا معشر الشافعية خلافا لأبي حنيفة و مالك اه بيضاوي.

لكن يجب الاستئناف عندنا لأنه و إن لم ينقطع التتابع بالمس ليلا إلا أنه قد فقد كون الكفارة قبل المس و قد شرطنا ذلك اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 439

يتماسّا حملا للمطلق على المقيد، لكل مسكين مدّ من غالب قوت البلد ذلِكَ‏ أي التخفيف في الكفارة لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تِلْكَ‏ أي الأحكام المذكورة حُدُودُ اللَّهِ وَ لِلْكافِرِينَ‏ بها عَذابٌ أَلِيمٌ‏ (4) مؤلم‏

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ‏ يخالفون‏ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ كُبِتُوا أذلوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ في مخالفتهم رسلهم‏ وَ قَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ‏ دالة على صدق الرسول‏ وَ لِلْكافِرِينَ‏ بالآيات‏ عَذابٌ مُهِينٌ‏ (5) ذو إهانة

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قوله: (عليه) أي من لم يستطع و من لم يجد فهو خبر عن كل من قوله فصيام و قوله: فإطعام اه شيخنا.

قوله: (حملا للمطلق) أي: الذي هو وجوب الاطعام أطلق في الآية عن التقييد بكونه من قبل أن يتماسا على المقيد الذي هو وجوب الصيام و وجوب الرقبة قيد بكونه من قبل أن يتماسا، و الحمل معناه تقيده المطلق بالقيد الذي في المقيد اه شيخنا.

قوله: ذلِكَ‏ إلى ما مرّ من البيان و التعليم للأحكام و التنبيه عليها و ما فيه من معنى البعد قد مرّ سره مرارا، و محله إما الرفع على الابتداء أو النصب بمضمر معلل بما بعده أي: ذلك واقع أو فعلنا ذلك لتؤمنوا باللّه و رسوله و تعملوا بشرائعه التي شرعها لكم و ترفضوا ما كنتم عليه في جاهليتكم اه أبو السعود.

قوله: وَ لِلْكافِرِينَ‏ أي: المنكرين لها اه شيخنا.

قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ هم أهل مكة، فإن هذه الآية وردت في غزوة الأحزاب و هي في السنة الرابعة، و قيل: في الخامسة، و المقصود منها البشارة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين بأن أعداءهم المتحزبين القادمين عليهم يكبتون و يذلون و يتفرق جمعهم فلا تخشوا بأسهم، فقوله: كبتوا بمعنى يكتبون، و عبّر بالماضي على حد أتى أمر اللّه، و قوله: يخالفون اللّه أي يعادون اللّه و رسوله، فإن كلّا من المتعاديين كما أنه يكون في عدوة و شق في غير عدوة الآخر و شقة كذلك يكون في حد غير الحد الذي الآخر اه شيخنا.

و في زاده: و نقل عن الزجاج أنه قال: المحادة أن تكون في حد يخالف حد صاحبك، فتكون المحاذة كناية عن المعاداة لكونها لازمة للمعاداة اه.

قوله: كُبِتُوا (أي أذلوا) و قال أبو عبيدة، و الأخفش: أي: أهلكوا، و قال قتادة: أخذوا، و قال أبو زيد: عذبوا و قال السدي: لعنوا، و قال الفراء: أغيظوا يوم الخندق، و قيل: يوم بدر اه خطيب.

و في المصباح: كبت اللّه العدو كبتا من باب ضرب أهانه و أذله و كتبه لوجهه صرعه اه.

قوله: (في مخالفتهم) أي: بسبب مخالفتهم. قوله: وَ قَدْ أَنْزَلْنا الخ حال من الواو في كتبوا أي: كبتوا لمحادتهم، و الحال أنا أنزلنا آيات بينات تدل على صدق الرسول اه أبو السعود.

قوله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ‏ الخ منصوب بمهين فهو ظرف له هذا هو الظاهر من سكوت الشارح عن التنبيه على عامله، و قيل: عامله عذاب، و قيل: عامله الاستقرار في الظرف الواقع خبرا و هو قوله للكافرين، و قيل: منصوب بإضمار اذكر اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 440

شَهِيدٌ (6)

أَ لَمْ تَرَ تعلم‏ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ‏ بعلمه‏ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى‏ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَ‏ قوله: جَمِيعاً أي: كلهم بحيث لا يبقى منهم أحد غير مبعوث أو مجتمعين في حالة واحدة، و قوله: فينبئهم بما عملوا أي: من القبائح إما ببيان صدورها عنهم أو بتصويرها في صورة قبيحة هائلة على رؤوس الأشهاد تخجيلا لهم و تشهيرا لحالهم و تشديدا لعذابهم اه أبو السعود.

قوله: أَحْصاهُ اللَّهُ‏ استنئاف وقع جوابا عما نشأ مما قبله من السؤال إما عن كيفية التنبئة أو عن سببها، كأنه قيل: كيف كان ينبئهم بأعمالهم و هي أعراض منقضية متلاشية؟ فقيل: أحصاه اللّه أي: لم يفته منه شي‏ء، و قوله: و نسوه حال من مفعول أحصى بإضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهور، و قوله: و اللّه على كل شي‏ء شهيد اعتراض تذييلي مقرر لإحصائه تعالى، و قوله: أ لم تر أن اللّه الخ استشهاد على شمول شهادته في قوله: و اللّه على كل شي‏ء شهيد اه أبو السعود.

قوله: وَ نَسُوهُ‏ أي: لكثرته أو لتهاونهم به و اعتقادهم أنه لا يقع عليه حساب اه كرخي.

قوله: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ الخ استنئاف مقرر لما قبله من سعة علمه تعالى مبين لكيفيته، و يكون من كان التامة، و من نجوى فاعلها بزيادة من أي يقع من تناجي ثلاثة، فالنجوى مصدر معناها التحديث سرا و إضافتها إلى ثلاثة من إضافة المصدر إلى فاعله، و قوله يعلمه أي: فيعلم نجواهم كأنه حاضر معهم و مشاهد لهم، كما تكون نجواهم معلومة عند الرابع الذي يكون معهم اه أبو السعود و خازن.

قوله: إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ‏ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ‏ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ‏ كل هذا الجمل بعد إلا في موضع نصب على الحال أي: ما يوجد شي‏ء من هذه الأشياء إلا في حال من هذه الأحوال، فالاستثناء مفرغ من الأحوال العامة، و قرأ أبو جعفر: ما تكون بتاء التأنيث لتأنيث النجوى. قال أبو الفضل: الأكثر في هذا الباب التذكير على ما في قراءة العامة اه سمين.

قوله: (بعلمه) نبه به على ما هو المراد و فيه إشارة إلى أن سبب عمله بذلك هو ذاته أي: بغير سبب خارجي، و خص الثلاثة و الخمسة بالذكر لأن قوما من المنافقين تخلفوا للتناجي و كانوا بعدة العدد المذكور مغايظة للمؤمنين فنزلت الآية بصفة حالهم تعريضا بهم أن لأن العدد الفرد أشرف من الزوج، لأن اللّه تعالى وتر يحب الوتر، فخص العددان المذكوران بالذكر تنبيها على أنه لا بد من رعاية الأمور الإلهية في جميع الأمور ثم بعد ذكرهما زيد عليهما ما يعم غيرهما من المتناجين اه كرخي.

قوله: وَ لا أَدْنى‏ مِنْ ذلِكَ‏ أي: المذكور من العددين، فالأدنى من الخمسة الأربعة، و الأدنى من الثلاثة الاثنان، و لا يتأتى الواحد لأن النجوى لا تقع إلا من متعدد اه شيخنا.

و في الكرخي: و لا أدنى من ذلك كالواحد فإنه أيضا يناجي نفسه اه.

و عبارة الخازن: فإن قلت: لم خص الثلاثة و الخمسة؟ قلت: لأن أقل ما يكفي في المشاورة ثلاثة حتى يتم الغرض فيكون الاثنان كالمتنازعين في النفي و الإثبات، و الثالث كالمتوسط الحاكم‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 441

اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ‏ (7)

أَ لَمْ تَرَ تنظر إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى‏ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ‏ هم اليهود نهاهم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم عما كانوا يفعلون من تناجيهم أي تحدثهم سرا ناظرين إلى المؤمنين ليوقعوا في قلوبهم الريبة وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ‏ أيها النبي‏ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ‏ بينهما، فحينئذ تحمد المشاورة أي: تحمد تلك المشاورة و يتم الغرض، و كذا كل جمع يجتمع للمشاورة لا بد من واحد يكون حكما بينهم مقبول القول، و قيل: إن العدد الفرد أشرف من الزوج، فلهذا خص اللّه تعالى الثلاثة و الخمسة اه.

قوله: وَ لا أَكْثَرَ العامة على الجر عطف على لفظ نجوى، و قرأ الحسن، و الأعمش، و ابن أبي إسحاق، و أبو حيوة، و يعقوب بالرفع و فيه و جهان، أحدهما: أنه معطوف على موضع نجوى لأنه مرفوع و من مزيدة فيه فإن كان مصدرا كان على حذف مضاف كما تقدم أي من ذوي نجوى، و إن كان بمعنى المتناجين فلا حاجة إلى ذلك. و الثاني: أن يكون أدنى مبتدأ، و إلّا هو معهم خبره فيكون و لا أكثر معطوفا على المبتدأ، و حينئذ يكون و لا أدنى من باب عطف الجمل لا المفردات اه.

قوله: أَيْنَ ما كانُوا أي من الأماكن، و لو كانوا تحت الأرض فإن علمه تعالى بالأشياء ليس لقرب مكان حتى يتفاوت بقرب الأمكنة و بعدها اه أبو السعود.

فأين ظرف للاستقرار المفهوم من المعية في قوله معهم أي مصاحب لهم بعلمه في أي مكان استقروا فيه اه شيخنا.

قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى‏ الخ نزلت في اليهود و المنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم و يتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين، فنهاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثم عادوا لمثل فعلهم اه بيضاوي.

قوله: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ‏ صيغة المضارع للدلالة على تمكن عودهم و تجدده و استحضار صورته العجيبة، و قوله: و يتناجون الخ معطوف عليه، و في صيغة المضارع ما تقدم، و قوله: بالإثم أي ما هو إثم في نفسه، و قوله: و العدوان أي عداوة الرسول و المؤمنين و معصية الرسول أي التواصي فيما بينهم بمعصية الرسول اه أبو السعود.

فائدة:

رسمت معصية هذه و التي بعدها بالتاء المجرورة، و إذا وقف عليها فأبو عمرو و ابن كثير و الكسائي يقفون بالهاء غير أن الكسائي يقف بالإمالة على أصله، و الباقون يقفون بالتاء على الرسم و اتفقوا في الوصل على التاء اه خطيب.

قوله: (ليوقعوا في قلوبهم الريبة) أي فيوهموهم أنه قد بلغهم خبر إخوانهم الذين خرجوا في السرايا و أنهم قتلوا أو ماتوا أو هزموا، فيقع ذلك في قلوبهم و يحزنهم اه خطيب.

و في القرطبي: قال ابن عباس: نزلت في اليهود و المنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم و ينظرون للمؤمنين و يتغامزون بأعينهم، فيقول المؤمنون: لعلهم بلغهم عن إخواننا و قراباتنا من المهاجرين و الأنصار قتل أو مصيبة أو هزيمة فيسؤوهم ذلك، فلكثرة شكواهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نهاهم عن النجوى‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 442

و هو قولهم: السام عليك أي الموت‏ وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا هلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ‏ من التحية، و أنه ليس بنبي إن كان نبيا حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) هي‏

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ‏ فلم ينتهوا فنزلت، و قال مقاتل: كان بين النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و بين اليهود موادعة، فإذا مرّ بهم رجل من المؤمنين تناجوا به حتى يظن المؤمن شرا فيعرج عن طريقه، فنهاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فلم ينتهوا فنزلت، و قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان الرجل يأتي النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فيسأله الحاجة و يناجيه و الأرض يومئذ حرب فيتوهمون أنه يناجيه في حرب أو بلية أو أمر مهم فيفزعون لذلك اه.

قوله: حَيَّوْكَ‏ أي خاطبوك‏ بِما أي بتحية لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ‏ أي لم يشرعه و لم يأذن فيه أو يقال لك، و في المصباح: و حياة تحية أصله الدعاء بالحياة، و منه التحيات اللّه أي البقاء، و قيل: الملك ثم كثر حتى استعمل في مطلق الدعاء ثم استعمله الشرع في دعاء مخصوص و هو سلام عليك اه.

قوله: (و هو قولهم السّلام عليك) أي يوهمون أنهم يقولون السّلام عليك و كان صلّى اللّه عليه و سلّم يرد فيقول عليكم. و في البخاري: أن اليهود أتوا النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقالوا: السام عليك. قالت عائشة: ففهمتها فقلت عليكم السام و لعنكم اللّه و غضب عليكم، فقال عليه الصلاة و السلام: «مهلا يا عائشة عليك بالرفق و إياك و العنف و الفحش». قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: «أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم و لا يستجاب لهم في»، و السام: الموت قال الخطابي: عامة المحدثين يروون إذا سلم عليكم أهل الكتاب فإنما يقولون: السام عليكم فقولوا و عليكم، الحديث فيثبتون الواو في و عليكم. و كان سفيان بن عيينة يرويه بغير واو، قال: و هو الصواب لأنه إذا حذفت الواو و صار قولهم الذي قالوه مردودا عليهم بعينه، و إذا أثبتت الواو وقع التشريك معهم لأن الواو تجمع بين الشيئين، و العنف ضد الرفق و اللين، و الفحش الردي‏ء من القول اه خازن.

تنبيه:

اختلف العلماء في رد السّلام على أهل الذمة، فقال ابن عباس، و الشعبي، و قتادة: هو واجب لظاهر الأمر بذلك، و قال مالك: ليس بواجب، فإن رددت فقل عليك و عندنا يجب أن يقول له و عليك لما مرّ في الحديث، و قال بعضهم: يقول في الرد علاك السّلام أي ارتفع عنك، و قال بعض المالكية:

يقول في الرد السّلام عليك بكسر السين يعني الحجارة اه خطيب.

قوله: وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ‏ أي فيما بينهم إذا خرجوا من عند رسول اللّه اه شيخنا.

قوله: (إن كان نبيا) عبارة أبي السعود: هلا يعذبنا اللّه بذلك لو كان محمد نبيا اه.

فقول الشارح إن كان نبيا مرتبط بقولهم لو لا يعذبنا اللّه، و المعنى أنهم يخافون من عذاب اللّه على فرض كونه نبيا، لكن لا يعتقدون ذلك و لا يسلمونه اه.

قوله: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ‏ المعنى أن تقديم العذاب إنما يكون بحسب المشيئة و المصلحة، و إذا لم تقتض المشيئة و المصلحة تقديمه في الدنيا فعذاب جهنم كافيهم اه خازن.

و قوله: يصلونها حال.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ‏ خاطب للمؤمنين زاجر لهم عن أن يفعلوا مثل ما فعل اليهود

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 443

فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ‏ (9)

إِنَّمَا النَّجْوى‏ بالإثم و نحوه‏ مِنَ الشَّيْطانِ‏ بغروره‏ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ‏ هو بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ أي إرادته‏ وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏ (10)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا توسعوا فِي‏ على حد يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ [النساء: 136] اه أبو السعود.

روى ابن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الثالث إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنه». و عن عبد اللّه بن مسعود أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: إذا كان ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه» فبيّن في الحديث غاية المنع و هي أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر، فإنه كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتى دعا رابعا فقال له و للأول تأخرا و ناجى الرجل الطالب للمناجاة خرّجه في الموطأ، و نبّه على العلة بقوله من أجل أن يحزنه، و على هذا يستوي في ذلك كل الأعداد فلا يتناجى أربعة دون واحد و لا عشرة و لا ألف مثلا دون واحد لوجود ذلك المعنى في حقه، بل وجوده في العدد الكثير أمكن و أوقع، فيكون المنع أولى، و إنما خص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتأتى ذلك فيه. قال القرطبي: و ظاهر الحديث يعم جميع الأزمان و الأحوال، و ذهب إليه ابن عمر و مالك و الجمهور، و سواء أكان التناجي في واجب أو مندوب أو مباح، فإن الحزن ثابت به، و قد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك في أول الإسلام لأن ذلك كان حال المنافقين فيتناجى المنافقون دون المؤمنين، فلما فشا الإسلام سقط ذلك، و قال بعضهم: ذلك خاص بالسفر و بالمواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه، فأما في الحضر و بين العمارة فلا لأنه يجد من يغيثه بخلاف السفر فإنه مظنة الاغتيال و عدم الغوث اه خطيب.

قوله: مِنَ الشَّيْطانِ‏ أي: فإنه المزين لها و الحامل عليها، و الجار و المجرور خبر أول، و من ابتدائية، و قوله: ليحزن خبر ثان و اللام تعليلية اه أبو السعود.

قوله: لِيَحْزُنَ‏ أي الشيطان الذين آمنوا أي ليوهمهم أنها بسبب شي‏ء وقع مما يؤذيهم، و الحزن هم غليظ و توجع يدق يقال: حزنه و أحزنه بمعنى. قال في القاموس: و أحزنه جعله حزينا، و قرأ نافع بضم الياء و كسر الزاي من أحزنه، و الباقون بفتح الياء و ضم الزاي من حزن و القراءة الأولى أشد في المعنى على ما في القاموس اه خطيب.

و هذا يقتضي أن الموصول مفعول به على كل من القراءتين، و في السمين: أنه على قراءة ليحزن بفتح الياء فاعل اه.

قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ‏ الخ لما نهى اللّه المؤمنين عما يكون سببا للتباغض و التنافر أمرهم الآن بما يصير سببا لزيادة المحبة و المودة بقوله: يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم الخ اه خطيب.

و قيل: و سبب نزولها أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم كان يكرم أهل بدر من المهاجرين و الأنصار، فجاء ناس منهم يوما و قد سبقوا إلى المجلس فقاموا حيال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فسلموا عليه فرد عليهم السّلام، ثم سلموا على‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 444

الْمَجالِسِ‏ مجلس النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أو الذكر حتى يجلس من جاءكم، و في قراءة المجالس‏ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ‏ في الجنة وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا قوموا إلى الصلاة و غيرها من الخيرات‏ فَانْشُزُوا و في القوم فردوا عليهم، ثم سلموا على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فردّ عليهم، ثم سلموا على القوم فردوا عليهم، ثم قاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا، و شق ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال لمن حوله من غير أهل بدر: قم يا فلان و أنت يا فلان فأقام من المجلس بقدر أولئك الذين قاموا بين يديه من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه، و عرف النبي صلّى اللّه عليه و سلّم الكراهية في وجوههم، فأنزل اللّه هذه الآية اه خازن.

و روي عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس بن شماس، و ذلك أنه دخل المسجد، و قد أخذ القوم مجالسهم و كان يريد القرب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم للوقر أي للصم الذي كان في أذنيه، فوسعوا له حتى قرب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، ثم ضايقه بعضهم و جرى بينه و بينهم كلام فنزلت، و قد تقدمت قصته في سورة الحجرات، و قال القرطبي: الصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير سواء كان مجلس حرب أو ذكر، أو مجلس يوم الجمعة و أن كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه. قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به و لكن يوسع لأخيه ما لم يتأذ بذلك» فيكون المراد بالمجلس الجنس و يؤيده قراءة الجمع اه خطيب.

و في القرطبي مسألة إذا أمر إنسان إنسانا أن يبكر إلى الجامع فيأخذ له مكانا يقعد فيه لا يكره، فإذا جاء الآمر يقوم من الموضع لما روي أن أنس بن سيرين كان يرسل غلامه إلى مجلس له في يوم الجمعة فيجلس له فيه، فإذا جاء قام له منه اه.

و أما إذا أرسل سجادة أو نحوها لتفرش له في المسجد حتى يحضر هو فيجلس عليها، فذلك حرام لما فيه من تحجير المسجد بلا فائدة، و قيل: مكروه و الأول هو المعتمد كما في حواشي المنهج اه.

قوله: (مجلس النبي صلّى اللّه عليه و سلّم) فإنهم كانوا يتضامون فيه تنافسا على القرب منه و حرصا على استماع كلامه اه كرخي.

قوله: (أو الذكر) كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه و لكن تفسحوا و توسعوا و لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة و لكن ليقل افسحوا» أو المراد مجلس القتال إذا اصطفوا للحرب قاله ابن عباس اه كرخي.

قوله: (و في قراءة المجالس) أي سبعية و الجمع باعتبار أن لكل واحد منهم مجلسا اه سمين.

قوله: يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ‏ مجزوم في جواب الأمر الواقع جوابا للشرط، و كذا يقال في قوله: يرفع اللّه الذي آمنوا منكم تأمل. قوله: (في الجنة) أي و غيرها من كل ما يريدون التفسيح فيه كالمكان و الرزق و الصدر و القبر اه بيضاوي.

صفحه بعد