کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 469

لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً متشققا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ‏ المذكورة نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏ (21) فيؤمنون‏

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ السر و العلانية هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ‏ (22)

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ‏ الطاهر عما لا يليق به‏ السَّلامُ‏ ذو السلامة من النقائص‏ الْمُؤْمِنُ‏ المصدق رسله بخلق المعجزة لهم‏ الْمُهَيْمِنُ‏ من هيمن المعترفون بإعجازه لا ترغبون في وعده و لا ترهبون من وعيده. و الغرض من هذا الكلام التنبيه على قساوة القلب لهؤلاء الكفار و غلظ طباعهم، و نظيره: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة: 74] و قيل: الخطاب للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم أي: لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت و تصدع من نزوله عليه، و قد أنزلناه عليك و ثبتناك له فيكون ذلك امتنانا عليه أن ثبته لما لم تثبت له الجبال، و قيل: إنه خطاب للأمة و اللّه تعالى لو انذر بهذا القرآن الجبال لتصدعت من خشية اللّه تعالى، و الإنسان أقل قوة و أكثر ثباتا فهو يقوم بحقه إن أطاع و يقدر على رده إن عصى، لأنه موعود بالثواب و مزجور بالعقاب اه.

و في القرطبي: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا حث على تأمل مواعظ القرآن، و بين أنه لا عذر في ترك التدبر، فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبال مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه و لرأيتها على صلابتها و رزانتها خاشعة متصدعة أي: متشققة من خشية اللّه، و الخاشع الذليل و المتصدع المتشقق، و قيل: خاشعا للّه بما كلفه من طاعته متصدعا من خشية اللّه أن يعصيه فيعاقبه، و قيل: هو على وجه المثل للكفار اه.

قوله: (المذكورة) أي: في هذه السورة أو سائر القرآن، و منها قوله: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ‏ الخ.

قوله: هُوَ اللَّهُ الَّذِي‏ الخ لما وصف القرآن بالعظم، و معلوم أن عظم الصفحة تابع لعظم الموصوف أتبع ذلك بوصف عظمته تعالى فقال: هو أي الذي وجوده من ذاته عدم فلا عدم له بوجه من الوجوه فلا شي‏ء يستحق الوصف بهو غيره لأنه الموجود دائما أزلا و أبدا، فهو حاضر في كل ضمير غائب بعظمته عن كل حس، فلذلك تصدع الجبل من خشيته، و لما عبّر عنه بأخص اسمائه أخبر اسمائه أخبر عنه لطفا بنا و تنزلا لنا بأشهرها الذي هو مسمى الأسماء كلها بقوله: اللّه أي المعبود الذي لا تنبغي العباد و الألوهية إلا له فإنه لا مجانس له و لا يليق و لا يصح و لا يتصور أن يكافئه أو يدانيه شي‏ء اه خطيب.

قوله: (السر و العلانية) أو المعدوم و الموجود، فالمراد بالغيب حينئذ ما غاب عن الوجود اه كرخي.

قوله: (ذو السلامة الخ) أشار به إلى أنه صفة ذات، و قال الخطابي: معناه الذي سلم الخلق من ظلمه فيكون صفة فعل اه كرخي.

و في القرطبي: قال ابن العربي: اتفق العلماء رحمة اللّه عليهم على أن معنى قولنا في اللّه السّلام‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 470

يهيمن إذا كان رقيبا على الشي‏ء، أي الشهيد على عباده بأعمالهم‏ الْعَزِيزُ القوي‏ الْجَبَّارُ النسبة تقديره ذو السلامة، ثم اختلفوا في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال، الأول: معناه الذي سلم من كل عيب و برئ من كل نقص، الثاني: معناه السّلام أي: المسلم على عباده في الجنة كما قال:

سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ. [يّس: 458] الثالث: أن معناه الذي سلم الخلق من ظلمه. قلت: و هذا قول الخطابي و عليه و الذي قبله يكون صفة فعل، و على أنه البري‏ء من العيوب و النقائص يكون صفة ذات، و قيل: السّلام معناه السّلام لعباده اه

فإن قلت: على تفسير السّلام بالسلامة من النقائص لا يبقى بين القدوس و السّلام فرق، فيكون كالتكرار و ذلك لا يليق بفصاحة القرآن. قلت: الفرق بينهما أن كونه قدوسا إشارة إلى براءته من جميع العيوب و النقائص في الماضي و الحاضر، و السّلام إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شي‏ء من العيوب و النقائص في المستقبل، فإن الذي يطرأ عليه من ذلك تزول سلامته و لا يبقى سليما اه خازن.

قوله: (المصدق رسله الخ) و قيل: المؤمن المصدق للمؤمنين ما وعدهم به من الثواب، و المصدق للكافرين ما أوعدهم به من العقاب، و قيل: المؤمن الذي يأمن أولياؤه من عذابه و يأمن عباده من ظلمه، يقال: آمنه من الأمان الذي هو ضد الخوف، كما قال تعالى: وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ‏ [قريش:

4] فهو مؤمن، و قال مجاهد: المؤمن الذي وجد نفسه بقوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:

18] اه قرطبي.

قوله: (إذا كان رقيبا على الشي‏ء) و قيل: هو القائم على خلقه برزقه، و قيل: هو المصدق، و قيل: هو القاضي، و قيل: هو بمعنى الأمين و المؤتمن، و قيل: العلي، و قيل: المهيمن اسم من اسماء اللّه تعالى هو أعلم بتأويله اه خازن.

قوله: الْجَبَّارُ قال ابن عباس: جبروت اللّه عظمته، فعلى هذا هو صفة ذات، و قيل؛ هو من الجبر يعني الذي يغني الفقير و يجبر الكسير، فعلى هذا هو سبحانه و تعالى كذلك يجبر كل كسير و يغني كل فقير، و قيل: هو الذي يجبر الخلق و يقهرهم على ما أراد. و سئل بعضهم عن معنى الجبار، فقال:

هو القهار الذي إذا أراد أمرا فعله لا يحجزه عنه حاجز، و قيل: الجبار فو الذي لا ينال و لا يداني، و الجبار في صفة اللّه تعالى صفة مدح و في صفة الناس صفة ذم، و كذلك المتكبر في صفة الناس صفة ذم لأن المتكبر هو الذي يظهر من نفسه الكبر، و ذلك نقص في حقه لأنه ليس له كبر و لا علو بل له الحقارة و الذلة، فإذا أظهر الكبر كان كاذبا في فعله فكان مذموما في حق الناس، و أما المتكبر في صفة اللّه تعالى فهو صفة مدح لأن له جميع صفات العلو و العظمة، لهذا قال في آخر الآية سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ كأنه قيل: إن بعض الخلق يتكبر فيكون ذلك نقصا في حقه، أما اللّه تعالى فله العلو و العظمة و العز و الكبرياء فإن أظهر ذلك كان ذلك ضم كمال إلى كمال قال ابن عباس: المتكبر هو الذي تكبر بربوبيته فلا شي‏ء مثله، و قيل: هو الذي يتكبر عن كل سوء، و قيل: هو المتعظم عما لا يليق بجماله و جلاله، و قيل: هو المتكبر عن ظلم عباده، و قيل: الكبر و الكبرياء الامتناع اه خازن.

قوله أيضا: الْجَبَّارُ استدل به من يقول إن أمثلة المبالغة تأتي من المزيد على الثلاثة، فإنه من‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 471

جبر خلقه على ما أراد الْمُتَكَبِّرُ عما لا يليق به‏ سُبْحانَ اللَّهِ‏ نزه نفسه‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ (23) به‏

هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ‏ المنشى‏ء من العدم‏ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ التسعة و التسعون الوارد بها الحديث، و الحسنى مؤنث الأحسن‏ يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ (24) تقدم أوّلها.

أجبره على كذا أي: قهره. قال الفراء: و لم أسمع فعالا من أفعل إلا جبار و دراك من أدرك اه سمين.

و تقدم أنه يستعمل ثلاثيا أيضا اه.

قوله: (جبر خلقه) أشار به إلى أنه بمعنى القاهر، و قال ابن عباس: هو العظيم من الجبروت و جبروت اللّه عظمته و عليه فهو صفة ذات اه كرخي.

قوله: (عما يليق به) أي: من صفات الحدوث و الذم و الكبر في صفات اللّه مدح، و في صفات المخلوقين ذم و في الحديث الصحيح: «الكبرياء ردائي و العظمة إزاري فمن نازعني واحدة منهما قصته ثم حذفته في النار» و قال حجة الإسلام الغزالي: المتكبر هو الذي يرى الكل حقيرا بالإضافة إلى ذاته و لا يرى العظمة و الكبرياء إلا لنفسه فينظر إلى غيره نظر الملوك الى العبيد، فإن كانت هذه الرؤية صادقة كان التكبر حقا و كان صاحبها متكبرا حقا و لا يتصور ذلك على الإطلاق إلا اللّه تعالى اه كرخي.

قوله: الْخالِقُ‏ أي: المقدر لما يوجد فيرجع إلى صفة الإرادة و تعلقها التنجيزي القديم، و قوله: المنشى‏ء أي: المبدع للإعيان و المبرز لها من العدم إلى الوجود فيرجع لتأثير القدرة الحادث، لكن في خصوص الأعيان و قوله: المصور معناه مصور الأمور و مركبها على هيئات مختلفة، فالتصوير آخرا و التقدير أولا و البرء بينهما اه كرخي.

و في المختار: و برأ اللّه الخلق من الباب قطع أي: خلقها، و في المصباح: و أصل الخلق التقدير يقال: خلقت الأديم للسقاء إذا قدرته له اه.

قوله: (مؤنث الأحسن) أي: الذي هو أفعل تفضيل أي: مؤنث أحسن المقابل لامرأة حسناء، في القاموس: و لا تقل رجل أحسن في مقابلة امرأة حسناء و عكسه غلام أمر، و لا يقال جارية مرداء، و إنما يقال هو الأحسن على إرادة أفعل التفضيل و جمعه أحاسن و الحسنى بالضم ضد السوأى اه.

و في البحر في سورة الأعراف عند قوله تعالى: وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها [الأعراف:

180] ما نصه: قال الزمخشري: و للّه الأسماء الحسنى التي هي أحسن الأسماء لأنها تدل على معان حسنة من تحميد و تقديس و غير ذلك اه.

فالحسنى هنا تأنيث الأحسن و وصف الجمع الذي لا يعقل بما توصف به الواحدة كقوله: وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى‏ [طه: 18] و هو فصيح و لو جاء على المطابقة للجمع لكان التركيب الحسن على وزن الأخر كقوله: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] و هو فصيح و لو جاء على المطابقة للجمع لكان التركيب الحسن على وزن الأخر كقوله: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184 و 185] لأن جمع ما لا يعقل يخبر عنه و يوصف بجمع المؤنثات و إن كان المفرد مذكرا اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 472

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ‏ أي كفار مكة أَوْلِياءَ تُلْقُونَ‏ توصلون‏ إِلَيْهِمْ‏ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم بكسر الحاء أي: المختبرة أضيف الفعل إليها مجازا، كما سميت سورة براءة المبعثرة و الفاضحة لما كشفت عن عيون المنافقين، و على هذا فالإضافة بيانية أي: السورة الممتحنة و من قال في هذه السورة الممتحنة بفتح الحاء فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت في شأنها و هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قال اللّه تعالى: فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ‏ [الممتحنة: 10] الآية، و هي امرأة عبد الرحمن ابن عوف والدة إبراهيم بن عبد الرحمن اه قرطبي.

و في زاده: الممتحنة بكسر الحاء المختبرة أضيفت السورة إلى الجماعة الممتحنة من حيث إنه ذكر فيها أمر جماعة المؤمنين بالامتحان، و على هذا فليست الإضافة بيانية، و إن فتحت الحاء يكون المعنى سورة المرأة المهاجر التي نزلت فيها آية الامتحان اه.

قوله: (مدنية) بالإجماع اه قرطبي.

قوله: عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ هذان مفعولان لتتخذوا، و العدو لما كان بزنة المصادر وقع على الواحد فما فوقه، و أضاف العدو إلى نفسه تعالى تغليظا في جرمهم اه سمين.

قوله: (أي كفار مكة) تفسير للعدو. قوله: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ‏ مفعول محذوف فسّره بقوله: قصد النبي غزوهم، و الباء في قوله: بالمودة سببية اه.

و قيل: زائدة في المفعول و لا حذف اه سمين.

و معنى المودة نصيحتهم بإرسال الكتاب إليهم اه قرطبي.

و في جملة تلقون أربعة أوجه، أحدها: أنها تفسير لموالاتهم إياهم. الثاني: أنها استئناف و إخبار بذلك فلا يكون لها على هذين الوجهين محل من الإعراب. الثالث: أنها حال من فاعل تتخذوا أي: لا تتخذوهم أولي‏ء حال كونكم ملقين المودة. الرابع: أنها صفة لأولياء اه سمين.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 473

قصد النبي صلّى اللّه عليه و سلّم غزوهم الذي أسره إليكم و ورّى بحنين‏ بِالْمَوَدَّةِ بينكم و بينهم، كتب حاطب بن قوله: (و ورّى بحنين) أي: بغزوة حنين أي: أظهر لعامة الناس أنه يريد غزوة حنين على عادته من أنه كان إذا خرج لغزوة يوري بغيرها، كأن يسأل عن طريق الغير و عن كونه عنده ماء أو لا سترا عن المنافقين، لئلا يرسلوا إلى المطلوب غزوهم فيتنبهوا و يتيقظوا فيفوت تدبير الحرب اه شيخنا.

و في المختار: و ورى الخبر تورية سترة و أظهر غيره، كأنه مأخوذ من وراء الإنسان كأنه يجعله وراءه حيث لا يظهر اه.

و يقع في بعض النسخ، و ورى بخيبر و هو تصحيف من النساخ فإن غزوة خيبر كانت في المحرم من السنة السابعة، و فتح مكة كان في رمضان من السنة الثامنة، و حنين كانت بعد الفتح في شوال من سنة الفتح، فورى بها على عادته في غزواته فتجهز من غير إعلام أحد بذلك اه كرخي.

قوله: (كتاب حاطب بن أبي بلتعة الخ) و كان حاطب ممن هاجر مع النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و هذا بيان لسبب نزول قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآيتين إلى قوله: وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ و في القرطبي: روى الأئمة و اللفظ لمسلم عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنا و الزبير و المقداد فقال: ائتوا روضة خاخ بالصرف و تركه موضع بينه و بين المدينة اثنا عشر ميلا فإن ظعينة معها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا نهادى خيلنا أي: نسرعها، فإذا نحن بامرأة فقلنا اخرجي الكتاب، فقالت. ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لتقلن الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: يا حاطب ما هذا؟ فقال: لا تعجل علي يا رسول اللّه إني كنت أمرأ ملصقا في قريش، قال سفيان: كان حليفا لهم و لم يكن من أنفسها و كان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي و لم أفعله كفرا و لا ارتدادا عن ديني و لا رضا بالكفر بعد الإسلام، و قد علمت أن اللّه ينزل بها بأسه و أن كتابي لا يغني عنهم شيئا و أن اللّه ناصرك عليهم، فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم صدق فقال عمر رضي اللّه عنه: دعني يا رسول اللّه أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: إنه شهد بدرا و ما يدريك لعل اللّه أطلع على أهل بدر فقال: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فأنزل اللّه عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ قيل: اسم المرأة سارة من موالي قريش، و كان في الكتاب: أما بعد، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، و أقسم باللّه لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره اللّه بكم و لأنجز له موعده فيكم، فإن اللّه وليه و ناصره ذكره بعض المفسرين، و ذكر القشيري، و الثعلبي: أن حاطب بن أبي بلتعة كان رجلا من أهل اليمن، و كان في مكة حليف بني أسد بن عبد العزى رهط الزبير بن العوام، و قيل: كان حليفا للزبير بن العوام، فقدمت من مكة سارة مولاة أبي عمر ابن صيفي بن هشام بن عبد مناف إلى المدينة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يتجهز لفتح مكة و قيل: كان هذا في زمن الحديبية فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: أمهاجرة جئت يا سارة؟ فقالت: لا: فقال: أمسلمة جئت؟ قالت: لا.

قال: فما جاء بك؟ قالت: كنتم الأهل و الموالي و الأصل و العشيرة، و قد ذهب بعض الموالي يعني قتلوا يوم بدر، و قد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني و تكسوني فقال عليه السّلام: فأين‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 474

أبي بلتعة إليهم كتابا بذلك لما له عندهم من الأولاد و الأهل المشركين فاستردّه لنبي صلّى اللّه عليه و سلّم ممن أرسله معه بإعلام اللّه تعالى له بذلك، و قبل عذر حاطب فيه‏ وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ‏ أي دين الإسلام و القرآن‏ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاكُمْ‏ من مكة بتضييقهم عليكم‏ أَنْ تُؤْمِنُوا أي لأجل أن آمنتم‏ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً للجهاد فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي‏ و جواب الشرط دلّ عليه ما قبله، أنت من شباب أهل مكة و كانت مغنية قالت: ما طلب مني شي‏ء بعد وقعة بدر، فحث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بني عبد المطلب على إعطائها فكسوها و حملوها و أعطوها، فخرجت إلى مكة و أتاها حاطب فقال: أعطيك عشرة دنانير و بردا على أن تبلغي هذا الكتاب إلى أهل مكة، و كتب في الكتاب أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يريدكم فخذوا حذركم. فخرجت سارة سائرة إلى مكة، و نزل جبريل فأخبر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فبعث عليا و الزبير و أبا مرثد الغنوي، و في رواية عليا و الزبير و المقداد، و في رواية أرسل عليا و عمارا و عمر و الزبير و طلحة و المقداد و أبا مرثد، و كانوا كلهم فرسانا، و قال لهم: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة و معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها و خلوا سبيلها، فإن لم تدفعه لكم فاضربوا عنقها.

فأدركوا في ذلك المكان، فقالوا: أين الكتاب؟ فحلفت ما معها كتاب ففتشوا أمتعتها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع، فقال علي: و اللّه ما كذب رسول اللّه و سل سيفه و قال: أخرجي الكتاب و إلا و اللّه لأجردنك و لأضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها، و في رواية من حجزتها، فخلوا سبيلها و رجعوا بالكتاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فأرسل إلى حاطب فقال: هل تعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم و ذكر الحديث بنحو ما تقدم، و روي أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أمن جميع الناس يوم فتح مكة إلا أربعة هي إحداهم اه قرطبي.

و روي أن سارة عاشت إلى خلافة عمر و أسلمت و حسن إسلامها اه خازن.

قوله: (فاسترده النبي) أي: طلب ودّه بأن أرسل عليا و من معه لرده، و قوله: ممن من واقعة على امرأة و الضمير المستتر في أرسل يعود على حاطب، و البارز على الكتاب و الضمير في معه يعود على من الواقعة على المرأة، و المعنى فاسترده النبي من المرأة التي أرسله معها حاطب فصلة من جرت على غير من هي له، فكان عليه أن يبرز الضمير فيقول ممن أرسله هو معها، و قوله: بإعلام اللّه له متعلق باسترده أي: استرده بسبب إعلام اللّه بذلك أي: الكتاب، و قوله: و قبل عذر حاطب فيه أي في الكتاب قوله: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ‏ يجوز أن يكون مستأنفا و أن يكون تفسيرا لكفرهم فلا محل لها على هذين، و أن يكون حالا من فاعل كفروا، و قوله: و إياكم عطف على الرسول و قدم عليهم تشريفا له، و قد استدل به من يجوز انفصال الضمير من القدرة على اتصاله إذ كان يجوز أن يقال يخرجونكم و الرسول فيجوز يخرجونكم و الرسول في غير القرآن و هو ضعيف اه سمين.

قوله: (لأجل أن آمنتم الخ) أشار به إلى أن تؤمنوا في محل نصب مفعول له أي: يخرجوكم لإيمانكم باللّه الخ اه كرخي.

قوله: (إن كنتم خرجتم) أي: من مكة. قوله: (للجهاد) أشار به إلى النصب على المفعول له، و يجوز أن يكون النصب على الحال أي: حال كونكم مجاهدين، و كذا ابتغاء أي: مبتغين اه كرخي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏7، ص: 475

أي فلا تتخذوهم أولياء تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ‏ أي إسرار خبر النبي إليهم‏ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ‏ (1) أخطأ طريق الهدى و السواء في الأصل الوسط

إِنْ يَثْقَفُوكُمْ‏ يظفروا بكم‏ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ‏ بالقتل و الضرب‏ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ بالسب و الشتم‏ وَ وَدُّوا تمنوا لَوْ تَكْفُرُونَ‏ (2)

لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ‏ قراباتكم‏ وَ لا أَوْلادُكُمْ‏ قوله: (و جواب الشرط دل عليه الخ) عبارة السمين: قوله: إن كنتم خرجتم جوابه محذوف عند الجمهور لتقدم لا تتخذوا أو هو لا تتخذوا عند الكوفيين و من تابعهم و قد تقدم تحريره، و قال الزمخشري: إن كنتم خرجتم متعلق بلا تتخذوا يعني لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي، و قول النحويين في مثله هو شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه يريدون أنه متعلق به من حيث المعنى، و أما من حيث الإعراب فكما قاله جمهور النحويين.

قوله: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ‏ بدل من تلقون إليهم بدل بعض، لأن إلقاء المودة أعم من السر و الجهر أو هو استئناف و مفعول تسرون على قياس ما تقدم، كما أشار له بقوله: أي: اسرار خبر النبي، و الباء في قوله المودة سببية أو زائدة في المفعول كما تقدم، و قوله: و أنا أعلم جملة حالية من فاعل تلقون و تسرون، و اعلم أفعل تفضيل أي: من كل أحد، و يصح أن يكون فعلا مضارعا و عدي بالباء لأنك علمت بكذا و قوله: بما أخفيتم أي: في صدوركم، و ما أعلنتم أي: بألسنتكم اه شيخنا.

قوله: (طريق الهدى) إشارة إلى أن ضل متعد و سواء السبيل مفعوله، و يجوز أن يجعل قاصرا و ينصب سواء السبيل على الظرفية اه كرخي.

قوله: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ‏ في المصباح: ثقف الشي‏ء ثقفا من باب تعب أخذته، و ثقفت الرجل في الحرب أدركته و ثقفته ظفرت به، و ثقفت الحديث فهمته بسرعة و الفاعل ثقيف اه.

قوله: يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً أي: يظهروا العداوة لكم. قوله: وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ‏ معطوف على جملة الشرط و الجزاء، و يكون تعالى قد أخبر بخبرين بما تضمنته الجملة الشرطية و بودادتهم كفر المؤمنين، و جعل الشيخ هذا راجحا على غيره من الاحتمالات ه سمين.

قوله: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ‏ الخ لما اعتذر حاطب بأن له أولادا و أرحاما فيما بينهم بيّن اللّه عز و جل أن الأهل و الأولاد لا ينفعون شيئا يوم القيامة اه قرطبي.

و في الخطيب: لما كانت عداوتهم معروفة و إنما غطاها محبة القرابات، لأن الحب للشي‏ء يعمي و يصم خطأ تعالى رأيهم في موالاتهم بما أعلمهم به من حالهم، فقال مستأنفا إعلاما بأنها خطأ على كل حال لن تنفعكم أرحامكم و لا أولادكم أي: لا يحملنكم ذوو أرحامكم و قراباتكم و أولادكم الذين بمكة على خيانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين و ترك مناصحتهم و نقل أخبارهم و موالاة أعدائهم، فإنه لا تنفعكم أرحامكم و لا أولادكم الذين عصيتم اللّه لأجلهم اه.

صفحه بعد