کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 86

الخاصة، كما هي له تكون لسواه، مهما بان البون بين الرحمتين على أية حال.

كما و الرحمن خاصة بالأولى لعموم الخلق و الهداية فيها، دون الأخرى حيث المعاد في المعاد هم المكلفون فقط لا سواهم، و المرحومون بينهم هم المؤمنون لا سواهم، و الرحيم تعم النشأتين «فالرحيم أرق من الرحمن و كلاهما رفيقان» «1» .

و قد تعم الرحمن الآخرة كما الاولى نسبيا ف «الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ» (25: 26) فهو «رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما» «2» حيث المكلفون كلهم يحشرون برحمة رحمانية كما خلقوا اوّل مرة ثم المؤمنون منهم يرحمون برحمة رحيمية.

و لأن الرحمة العامة أوفق بالأولى من الأخرى، كما الخاصة أوفق بالأخرى من الأولى، إذا ف «الرحمن رحمن الدنيا و الرحيم رحيم الآخرة» «3» .

«وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ»

(1).

الدر المنثور 1: 9- اخرج البيهقي عن ابن عباس عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم) في حديث‏ تقسيم الحمد، بين اللّه و عبده فإذا قال العبد «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» قال اللّه: عبدي دعاني باسمين رفيقين أحدهما ارق من الآخر فالرحيم ارق من الرحمن و كلاهما رفيقان.

(2) المصدر-

اخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال‏ كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) يدعو بهؤلاء الكلمات و يعلمه: اللهم فارج الهم و كاشف الكرب و مجيب المضطر و رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك.

(3) مجمع البيان للطبرسي عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم): ..

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 87

(7: 156) فالرحمة الواسعة هي الرحمانية حيث تسع كل شي‏ء، و المكتوبة هي الرحيمية التي تخص المؤمنين المتقين.

و ما

«الرحمن بجميع خلق و الرحيم بالمؤمنين خاصة» «1»

إلّا بيانا لمصداق خاص للرحيم بين مختلف مصاديقها، فانها تعم الكافر الذي هو في سبيل الهدى كما تصرح لها آيات و تلمح لها أخرى، كما تعم السابقين و المقربين المخلصين، و بينهما متوسطون، و هم المؤمنون فعلا بدرجاتهم‏ «بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» (9: 128) .

ثم الرحمة و هي في الخلق رقة، ليست في الخالق كما هيه، فانه‏

«رحيم لا يوصف بالرقة» «2»

ف

ان الرحمة ما يحدث لنا منها شفقة، و منها وجود، و ان رحمة اللّه ثوابه لخلقه، و الرحمة من العباد شيئان أحدهما يحدث في القلب الرأفة و الرقة لما يرى بالمرحوم من الضر و الحاجة و ضروب البلاء، و الآخر ما يحدث منا بعد الرأفة و اللطف على المرحوم، و المعرفة بما نزل به، و قد يقول القائل: أنظر إلى رحمة فلان، و إنما يريد الفعل الذي حدث عن الرقة التي في قلب فلان، و إنما يضاف إلى اللّه عز و جل من فعل ما حدث عنا من هذه الأشياء، و أما المعنى الذي في القلب فهو منفي عن اللّه كما وصف عن نفسه، فهو «رحيم لا رحمة رقة» «3» .

فالرحمن و الرحيم هما من الصفات المتشابهة: كالسميع و البصير و أضرابهما، يجب ان تجرد للّه عن صفات الحدوث، مشاركة في الألفاظ

(1). تفسير البرهان 1: 44 محمد بن يعقوب باسناده عن عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن تفسير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ فقال ...

(2) نهج البلاغة عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام).

(3) في كتاب الإهليلجية عن الامام الصادق (عليه السلام).

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 88

و مباينة في المعاني، فانه تعالى و تقدس «باين عن خلقه و خلقه باين عنه» و «لا يتغير بانغيار المخلوقين كما لا يتّحد بتحديد المحدودين» فإنما رحمته تعالى رحمانية و رحيمية هي معاملة الرحمة دون رقة في قلب أو سواه، إذ ليس له انفعال و انغيار أو رقة في قلب أو سواه، فصفات اللّه تعالى تفسّر كما يناسب ساحة الذات‏ «سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ‏ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» .

و إذا كان البدء باسم اللّه يمثّل ما يعيشه المسلم من الكلية الأولى من توحيد اللّه، فان استغراق الرحمة لحالاتها و مجالاتها رحمانية و رحيمية يمثّل كلية ثانية تقريرا لعلاقة المسلم في حياته كلها باللّه، عائشا في ظلال رحمته أينما حلّ و ارتحل.

و قد أجملت البسملة عن الأصول الثلاثة، ما توضّحه الفاتحة، و تفصّله القرآن العظيم.

ف «بِسْمِ اللَّهِ» تعني الفقر الى اللّه، و لزوم مصاحبة عبادة اللّه، تدليلا من رسول اللّه، و سواها مما تعنيه في مثلّث معاني الباء و مسبّع الاسم.

كما «اللّه» تدل على وحدانيته، حيث الكائن اللّامحدود و هو صرف الوجود بكافة اللّانهايات من كمالات الوجود، يستحيل تعدده، فان لزام التعدد وجدان كل ما يفقده الآخر و هو نقص وحدّ.

ثم الرحمن تدلنا على باسط رحمته و واسع رأفته، و قضيته‏ «أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏» (20: 50) و كما الأشياء درجات، فهدايتها درجات حسب الدرجات، و للإنسان و هو في أحسن تقويم أعلى الهدايات.

ثم الرحيم تقتضي هذه الرحمة الخاصة بالإنسان، و قضيتها هداية الوحي المعصوم بواسطة نبي معصوم حيث يحمل رسالة اللّه بهداه، و قضيته‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 89

ثانية ضرورة المعاد «لِتُجْزى‏ كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى‏» و لو لا المعاد لكانت رحمة الهداية زحمة، و كيف العالم القادر العدل الرحيم يترك القضاء العدل بين عباده؟ فإذ لا نرى جزاء وفاقا في الأولى فليكن في الأخرى «و لله الآخرة و الأولى».

فهذه جملة مما في البسملة من المبدء و المعاد و ما بين المبدء و المعاد.

و علّ من حكم تثليث الأسماء «اللَّهِ- الرَّحْمنِ- الرَّحِيمِ» لتشمل عباد اللّه أجمع‏ «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ» (35: 32) فهو «اللّه» للسابقين إذ يعبدونه لأنه اللّه و تلك عبادة الأحرار، و هو الرحيم للمقتصدين إذ يعبدونه بين طامع في ثوابه و خائف من عقابه، و هو الرحمن بسائر خلقه من الظالمين من يعفى عنهم و من لا يعفى، فإنهم تشملهم رحمته الرحمانية في الدنيا مهما كانوا كافرين!.

و البسملة حتى الضالين من كلامنا كما علّمنا ربنا كيف نكلّمه في معراجنا، فانه تعالى لا يستعين أو يبتدء و يصاحب أمرا في أموره‏ «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» كما و أنه لا يعبد و يستعين و إنما يعبد و يستعان، و لا يطلب الهداية لنفسه إلى صراطه المستقيم، مهما يحمد نفسه ب «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» و لكنه ايضا إعلام و تعليم.

ف «بِسْمِ اللَّهِ» في كل ما عناه لأنه «اللّه» و «بِسْمِ اللَّهِ» لأنه «الرحمن» و «بِسْمِ اللَّهِ» لأنه «الرحيم» فإذا «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» .

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) .

ان «الحمد له» تتلوا البسملة في الفضيلة فانها بداية كل امر ذي بال‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 90

كما هيه ف

«كلّ أمر ذي بال لم يبدأ، فيه بحمد اللّه فهو أقطع» «1»

فانها بلام الجنس تستغرق كل حمد من كل حامد للّه دون إبقاء، إذ تستجيش له كل حمد دون سواه، أولا لأنه‏ «اللَّهِ- الرَّحْمنِ- الرَّحِيمِ» و أخيرا لأنه‏ «رَبِّ الْعالَمِينَ‏ . مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» دون سواه ف «لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى‏ وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (28: 70) .

إنها فاتحة الكتاب كأول دعوى في الاولى، ثم في الاخرى لأهل الجنة هي آخر دعوى: «وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (10: 10) :

و هي خير تحميد للّه تبارك و تعالى بخير أوصاف كما علّمها عباده المخلصين: «وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» «2» و أكمله‏ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» كما هنا و في سواها «فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (40: 65) و قد ذكرت الحمد للّه رب العالمين قرينة بربوبيات خاصة (32) مرة في سائر القرآن، بيانا لربوبيته تعالى في مختلف الخلق و التدبير و يجمعه‏ «رَبِّ الْعالَمِينَ» .

و قد تشهد آيات من الحمد بخماسية السبب في اختصاص الحمد به دون سواه.

فلأنه اللّه: «قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ» (17: 111)

(1). حديث مستفيض في الحمد و البسملة عن الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم) و الائمة من آل الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم).

(2) فانها بنفس الصيغة تذكر في (6: 45) (10: 10) (37: 182) (39: 75) (40: 65).

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 91

و لأنه الرحمن: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ ..» (6: 1) .

و لأنه الرحيم: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً» (18: 2) و لأنه رب العالمين في آيات خمس سوى الفاتحة و «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ» (15: 98) و لأنه مالك يوم الدين: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ» (39: 24) و هذه الخمس هي أسس الربوبية المطلقة تبتدء باللّه و تنتهي إلى‏ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» و بينهما متوسطات‏ «رَبِّ الْعالَمِينَ- الرَّحْمنِ- الرَّحِيمِ» .

و يا له من تجاوب لطيف بين القرآن المحكم «الحمد» و القرآن المفصل في آيات الحمد ما يطمئن أن السبع المثاني صورة مصغّرة عن القرآن العظيم.

إن‏ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» هي «رأس الشكر» «1» و «فاتحة الشكر و خاتمته» «2» فائقا على النعم المشكور لها فلا قيمة لها أمامها «3»

(1). الدر المنثور 1: 11- أخرجه جماعة من ارباب السنن عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) ..

(2)

تفسير الفخر الرازي 1: 284 روي عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم) ان ابراهيم الخليل (عليه السلام) سأل ربه و قال: يا رب! ما جزاء من حمدك؟ فقال:

الحمد للّه، فالحمد للّه فاتحة الشكر و خاتمته.

(3)

الدر المنثور 1: 11- 12- اخرج جماعة عن انس قال قال رسول اللّه (صلّى اللّه‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 92

و هي‏

كمال العقل في مدحته لربه‏ «1» .

و كما لام الحمد تستغرقه للّه، كذلك اللام في للّه تختصه باللّه دون أن يعدوه إلى سواه.

و على الحامد للّه أن يحمده بفطرته و عقله و صدره و قلبه و لبه و فؤاده و كل جوانحه و جواره، فيصبح بكله حمدا للّه وفاقا بين جنباته دون نفاق، دون قولة فارغة منافقة يكذبها الجنان و سائر الأركان.

فعلينا أن نعيش‏ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» و نعيّش ب «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» في كل حل و ترحال، على أية حال و مجال، في كل فكر او فعل او قال حتى نصبح‏ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» تجاوبا مع الكون كله في محراب الحمد، من رعده و برقه و الملائكة من خيفته:

عليه و آله و سلم): ما أنعم اللّه على عبده نعمة فقال: الحمد للّه الا كان الذي اعطى أفضل مما اخذه‏ و روى مثله عن جابر و الحسن عنه (صلى اللّه عليه و آله و سلم)

و

في تفسير الفخر الرازي عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم) انه قال: إذا أنعم اللّه على عبده نعمة فيقول العبد «الْحَمْدُ لِلَّهِ» فيقول اللّه تعالى: انظروا الى عبدي أعطيته ما لا قدر له فأعطاني ما لا قيمة له‏

، أقول: و هذه نهاية الرحمة الإلهية و مما لا قدر له أنه علمنا الحمد له ثم وفقنا بالحمد له ثم قدر انه لا قيمة له!.

(1).

صفحه بعد