کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 89

ثانية ضرورة المعاد «لِتُجْزى‏ كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى‏» و لو لا المعاد لكانت رحمة الهداية زحمة، و كيف العالم القادر العدل الرحيم يترك القضاء العدل بين عباده؟ فإذ لا نرى جزاء وفاقا في الأولى فليكن في الأخرى «و لله الآخرة و الأولى».

فهذه جملة مما في البسملة من المبدء و المعاد و ما بين المبدء و المعاد.

و علّ من حكم تثليث الأسماء «اللَّهِ- الرَّحْمنِ- الرَّحِيمِ» لتشمل عباد اللّه أجمع‏ «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ» (35: 32) فهو «اللّه» للسابقين إذ يعبدونه لأنه اللّه و تلك عبادة الأحرار، و هو الرحيم للمقتصدين إذ يعبدونه بين طامع في ثوابه و خائف من عقابه، و هو الرحمن بسائر خلقه من الظالمين من يعفى عنهم و من لا يعفى، فإنهم تشملهم رحمته الرحمانية في الدنيا مهما كانوا كافرين!.

و البسملة حتى الضالين من كلامنا كما علّمنا ربنا كيف نكلّمه في معراجنا، فانه تعالى لا يستعين أو يبتدء و يصاحب أمرا في أموره‏ «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» كما و أنه لا يعبد و يستعين و إنما يعبد و يستعان، و لا يطلب الهداية لنفسه إلى صراطه المستقيم، مهما يحمد نفسه ب «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» و لكنه ايضا إعلام و تعليم.

ف «بِسْمِ اللَّهِ» في كل ما عناه لأنه «اللّه» و «بِسْمِ اللَّهِ» لأنه «الرحمن» و «بِسْمِ اللَّهِ» لأنه «الرحيم» فإذا «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» .

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) .

ان «الحمد له» تتلوا البسملة في الفضيلة فانها بداية كل امر ذي بال‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 90

كما هيه ف

«كلّ أمر ذي بال لم يبدأ، فيه بحمد اللّه فهو أقطع» «1»

فانها بلام الجنس تستغرق كل حمد من كل حامد للّه دون إبقاء، إذ تستجيش له كل حمد دون سواه، أولا لأنه‏ «اللَّهِ- الرَّحْمنِ- الرَّحِيمِ» و أخيرا لأنه‏ «رَبِّ الْعالَمِينَ‏ . مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» دون سواه ف «لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى‏ وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (28: 70) .

إنها فاتحة الكتاب كأول دعوى في الاولى، ثم في الاخرى لأهل الجنة هي آخر دعوى: «وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (10: 10) :

و هي خير تحميد للّه تبارك و تعالى بخير أوصاف كما علّمها عباده المخلصين: «وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» «2» و أكمله‏ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» كما هنا و في سواها «فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (40: 65) و قد ذكرت الحمد للّه رب العالمين قرينة بربوبيات خاصة (32) مرة في سائر القرآن، بيانا لربوبيته تعالى في مختلف الخلق و التدبير و يجمعه‏ «رَبِّ الْعالَمِينَ» .

و قد تشهد آيات من الحمد بخماسية السبب في اختصاص الحمد به دون سواه.

فلأنه اللّه: «قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ» (17: 111)

(1). حديث مستفيض في الحمد و البسملة عن الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم) و الائمة من آل الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم).

(2) فانها بنفس الصيغة تذكر في (6: 45) (10: 10) (37: 182) (39: 75) (40: 65).

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 91

و لأنه الرحمن: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ ..» (6: 1) .

و لأنه الرحيم: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً» (18: 2) و لأنه رب العالمين في آيات خمس سوى الفاتحة و «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ» (15: 98) و لأنه مالك يوم الدين: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ» (39: 24) و هذه الخمس هي أسس الربوبية المطلقة تبتدء باللّه و تنتهي إلى‏ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» و بينهما متوسطات‏ «رَبِّ الْعالَمِينَ- الرَّحْمنِ- الرَّحِيمِ» .

و يا له من تجاوب لطيف بين القرآن المحكم «الحمد» و القرآن المفصل في آيات الحمد ما يطمئن أن السبع المثاني صورة مصغّرة عن القرآن العظيم.

إن‏ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» هي «رأس الشكر» «1» و «فاتحة الشكر و خاتمته» «2» فائقا على النعم المشكور لها فلا قيمة لها أمامها «3»

(1). الدر المنثور 1: 11- أخرجه جماعة من ارباب السنن عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) ..

(2)

تفسير الفخر الرازي 1: 284 روي عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم) ان ابراهيم الخليل (عليه السلام) سأل ربه و قال: يا رب! ما جزاء من حمدك؟ فقال:

الحمد للّه، فالحمد للّه فاتحة الشكر و خاتمته.

(3)

الدر المنثور 1: 11- 12- اخرج جماعة عن انس قال قال رسول اللّه (صلّى اللّه‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 92

و هي‏

كمال العقل في مدحته لربه‏ «1» .

و كما لام الحمد تستغرقه للّه، كذلك اللام في للّه تختصه باللّه دون أن يعدوه إلى سواه.

و على الحامد للّه أن يحمده بفطرته و عقله و صدره و قلبه و لبه و فؤاده و كل جوانحه و جواره، فيصبح بكله حمدا للّه وفاقا بين جنباته دون نفاق، دون قولة فارغة منافقة يكذبها الجنان و سائر الأركان.

فعلينا أن نعيش‏ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» و نعيّش ب «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» في كل حل و ترحال، على أية حال و مجال، في كل فكر او فعل او قال حتى نصبح‏ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» تجاوبا مع الكون كله في محراب الحمد، من رعده و برقه و الملائكة من خيفته:

عليه و آله و سلم): ما أنعم اللّه على عبده نعمة فقال: الحمد للّه الا كان الذي اعطى أفضل مما اخذه‏ و روى مثله عن جابر و الحسن عنه (صلى اللّه عليه و آله و سلم)

و

في تفسير الفخر الرازي عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم) انه قال: إذا أنعم اللّه على عبده نعمة فيقول العبد «الْحَمْدُ لِلَّهِ» فيقول اللّه تعالى: انظروا الى عبدي أعطيته ما لا قدر له فأعطاني ما لا قيمة له‏

، أقول: و هذه نهاية الرحمة الإلهية و مما لا قدر له أنه علمنا الحمد له ثم وفقنا بالحمد له ثم قدر انه لا قيمة له!.

(1).

تفسير الفخر الرازي روى عن علي (عليه السلام) انه قال: خلق اللّه العقل من نور مكنون مخزون من سابق علمه فجعل العلم نفسه و الفهم روحه، و الزهد رأسه و الحياء يمينه و الحكمة لسانه و الخير سمعه و الرأفة قلبه و الرحمة همه و الصبر بطنه ثم قيل له تكلم فقال: الحمد للّه الذي ليس له ند و لا ضد و لا مثل و لا عدل الذي ذل كل شي‏ء لعزته فقال الرب: و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا أعز عليّ منك:

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 93

«وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ» (13: 13) و من كل شي‏ء: «وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» (17: 44) .

و من لزام الحمد معنويا أن يشفّع بالتسبيح، تسبيحا بحمده، حيث الحمد ثناء على ثبوتية الصفات، فلأنها فيما نعرفه من صفات تصاحب خالجة الإمكانيات الخارجة عن ساحة الذات، نسبّحه بحمده عن صفات الممكنات، فنعني من حمده بعلمه و حياته و قدرته نفي الجهل و الموت و العجز عن ذاته حيث الثابتات منها في معروفنا ممكنات و لا نستطيع تصورها كما يناسب ساحة قدسه ف «سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» (37: 16) :

لذلك لم يرد في ساير القرآن حمد بألسنة غير المخلصين من المكلفين، إلّا اللّه حيث يحمد نفسه، فهذا نوح يؤمر: «فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (23: 28) : و إبراهيم‏ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ» (14: 39) و محمد (صلى اللّه عليه و آله و سلم): «وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» (27: 93) و داود و سليمان‏ «وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ» (27: 15) إلّا ما حكاه عن أهل الجنة و هم المطهرون من خطأ القول و خطله: «وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (10: 10) .

فنحن إذ نؤمر بالحمد في الحمد و في ساير الأحوال فلنشفعه بتسبيحه حتى يكون كما وصفه عباده المخلصون: «وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» (7: 180) .

و الحمد- ككل- هو الثناء الجميل على الجميل ذاتا و أفعالا و صفات، ف «اللّه» حمد للذات بصفات الذات، و «رَبِّ الْعالَمِينَ» حمد لصفات الفعل و الأفعال، فهو «الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏» (20: 50)

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 94

كما و أسماءه جميلة: «لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها» (7: 180) كما و ذاته أجمل الذوات.

ثم و كل جمال و كمال في الخلق فائض منه و راجع إليه، فليختص به الحمد كلّه، كشعور يفيض به قلب المؤمن حين يذكر اللّه، في كل خطوة و في كل لحظة أو لمحة، و في كل خالجة او خارجة، كقاعدة رصينة للتصور الايماني المباشر المعاشر.

فليكن‏ «الْحَمْدُ لِلَّهِ» كما البسملة في موقعها اللائق و هو كل أمر ذي بال، و لا أقل من أقل الحلال، فإنها في غير الحلال تستبع‏ «اسْتَغْفِرِ اللَّهَ» .

ثم الرب هو المالك المدبر المتصرف للإصلاح و التربية اللائقة السابغة، فمن مالك لا يدبّر جهلا أو عيّا او بخلا أمّاذا، و من مدبّر لا يملك المدبّر حتى يسطع على إصلاحه كما يحبّ و يجب، و هذا و ذاك هما مطلق التدبير و الملك، و للّه الربوبية المطلقة لا يعرقلها اي مانع و لا يردعها اي رادع، لا كربوبية الخلق دون الأمر، و لا الأمر دون الخلق‏ «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ» (7: 54) .

و كما ربوبية الخلق تعم الخلق لا من شي‏ء كالخلق الاوّل، و الخلق من شي كسائر الخلق، كذلك ربوبية تدبير الأمر و هي هداية كل شي‏ء لشيئه: «رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏» (20: 50) من جماد و نبات و حيوان و الملائكة و الإنس و الجان أم أيا كان، فلكلّ سبيل يسلكه بما هدى اللّه، تكوينية و غريزية و تشريعية أماهيه؟.

فإطلاق الربوبية للعالمين دون إبقاء هو نظام التوحيد الحق و جاء فوضاها التي تفسح لغير اللّه مجال ربوبيات أو تسمح، و قد تطاردها براهين‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 95

العقل و الآيات حيث توحّد الربوبية في اللّه و توحده في كافة الربوبيات.

و هذا هو مفرق الطريق بين نظام الربوبية و فوضاها، تزيل كل شائبة و كل غبش و هاجسة عن توحيد اللّه، هذه التي تعزل الرب عن الحياة و تصرفاتها، انقساما في الألوهية بين الذات و الصفات و الأفعال.

ف «رَبِّ الْعالَمِينَ» هو مالكهم و خالقهم و سائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون و من حيث لا يعلمون، فالرزق معلوم مقسوم و هو يأتي ابن آدم على أي سيرة سارها من الدنيا ليس تقوى متق بزائده و لا فجور فاجر بناقصه، و بينه و بينه ستر و هو طالبه ..) «1» .

و العالمين هم الخلق أجمعين، و هو جمع العالم من العلم العلامة، او من العلم المعرفة، و كل العالم علامة للخالق و آية، و كل العالم يعلم ربه و يسبح بحمده، و جمعه السالم سليم عن الشذوذ، ففيما يعني الخلائق أجمعين هو ترجيح لجانب العقلاء بينهم برزخا وسطا من الحقيقة و المجاز، ام هو حقيقة تحتاج الى قرينة كما هنا و في سائر ال (73) موضعا من الذكر الحكيم، اللّهم إلّا فيما يخص ذوي العقول، كذكرى القرآن: «إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى‏ لِلْعالَمِينَ» (6: 90) و الرسول: «إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ» (12: 104) و رحمة الرسالة: «وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» (41: 107) و نذارتها «لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً» (25: 1) .

حيث القرآن، و الرسول برسالته و نذارته يخصّان العقلاء المكلفين دون سائر العالمين، و لان الملائكة غير مكلفين برسالة القرآن و منهم الرسل الى الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم) و ليست لهم شهوة النفس حتى يسمى‏

صفحه بعد