کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 101

من الرعايا.

ثم المالك ليوم الدين على وجه الإطلاق يملك كل مالك بملكه و كل ملك بملكه حيث يملك مثلث الزمان و المكان بما فيهما، و لكن الملك قد يكون بجنبه مالكون، فالوجهة العامة في التصور عنهما تصور المالك المطلق أملك من الملك المطلق، مهما كانا في اللّه على سواء، و هو ملك كما هو مالك، و لكنما أم القرآن بسبعها المثاني تقتضي أمّ التعبير، و «مالك» أمّ ل «ملك» و إلى سائر التعبير كما الدين حيث يشمل كل ما في القيامة و هو أبرز سماته و حجر الأساس من كل خصوصياته.

إذا فهو مالك لكل كائن و ملك على كل كائن، ملكا و ملكا للزمان و المكان و ما فيهما، و من الهراء القول أن «مالك» لا يناسب‏ «يَوْمِ الدِّينِ» حيث لا يملك الزمان، فانه يخص كل زماني دون خالق الزمان! و إذا كان هو مالك الزمان فلما ذا خص هنا ب «يَوْمِ الدِّينِ» و هو مالك يوم الدنيا كما يملك يوم الدين؟ كما و أنه مالك الملك يوم الدنيا و يوم الدين.

إنه ليس في الحق من الإختصاص، فانما ترجيح ذكرا ليوم الدين، فان آيته تخص الإنذار بيوم الدين، و في عرض مالكيته بخصوصه تهيّؤ أكثر و تهيّب للمصدقين بالدين، و لان مالكيته يوم الدنيا كانت قرينة في طولها بمالكية عرضيّة مستودعة لأهل الدنيا، و هذه منفية عن أهلها يوم الدين‏ «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» فان قال «ملك الأيام» لم يكن بذلك التحديد و التهديد، حيث الملوك و الملّاك يوم الدنيا مخيّرون بجنبه فيما يفعلون و يفتعلون، فعلّهم كذلك يوم الدين، فلا يصل الى كل ذي حق حقه! و أما «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» فقد يحصر المالكية له يوم الدين دون سواه و إن مستودعا باختيار لاختبار، فإنهما ليسا في عقبى الدار.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 102

كما و ان مالكيته الحقيقية تبرز لنا كريها يوم الدين، و تزداد ظهور و بهورا لمصدّقيها يوم الدين، و في هذه الأربع كفاية لظاهر اختصاص «مالك» هنا ب «يَوْمِ الدِّينِ» .

و الدين في الأصل هو الطاعة و الشريعة، شريعة الطاعة و طاعة الشريعة، عنيت منه في (47) موضعا في القرآن، مهما عني الجزاء بها يوم الجزاء في (15) موضعا آخر.

و لكنما الجزاء على طاعة الشرعة و عصيانها هي بروز لحقيقة الطاعة أو عصيانها، فلها إذا يومان، يوم التكليف بها و هو الاولى، و يوم ظهورها بحقيقتها و هو الأخرى ف «هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (27: 90) فالدين هو الطاعة للشّرعة كما هو ظهورها جزاء في الآخرة ف «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» تعني الثانية مهما يملك يوم الأولى كما هيه.

فلأن بروز الطاعة بحقيقتها هو جزاءها في الأخرى، تسمى يوم الدين، كما المالكية الإلهية بارزة يوم الدين اكثر مما هي يوم الدنيا، تختص هنا بيوم الدين.

كما و أن من أيام اللّه‏ «وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ» (14: 5) هي الأيام التي تبرز فيها شريعة اللّه و حكمه و طاعته، و هي على الترتيب يوم الرجعة و الموت و القيامة، فيوم الدولة المهدوية (عليه السلام) من أيام اللّه حيث تظهر فيه شرعة اللّه كما في قسيميه مهما اختلف ظهور عن ظهور، كما و قد تظهر قبل دولة المهدي (عليه السلام) موضعيا و على هامشها فله نصيب من أيام اللّه قدر ما له نصيب من تحقيق شرعة اللّه.

و مالكية يوم الدين تمثّل قاعدة ضخمة رزينة رصينة، عميقة التأثير في حياة التكليف، فكثيرون يدينون بألوهية اللّه و خالقيته- أم- و توحيده، و لا

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 103

يدينون بيوم الدين، عائشين حياة اللامبالاة و الأريحيّة إذ لا يخافون يوما آخر للدين، و آخرون يدينون بيوم الدين معتبرين استمرارية الملك و الملك فيه لآخرين، فهم يملكون فيه إعفاء أو تخفيفا أو إفلاتا عن حكم أحكم الحاكمين.

و إذ كان اللّه لا سواه‏ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» يملك يومه بمن فيه و ما فيه من حساب و ثواب و عقاب او توبة و شفاعة و عفو أو إعفاء، إذا فلا مجال لأمنيّات كاذبة كاسدة رخيصة في فوضى الحساب و الجزاء يوم الدين، ف «الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ» (82: 19) و «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ» (88: 26) و «الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ» .

و قد تعم‏ «يَوْمِ الدِّينِ» مثلث أيام اللّه، مهما كان الأصل هو القيامة الكبرى إماتة و إحياء، فالبرزخ برزخ في الدين، و دولة المهدي (عليه السلام) ساعة من ساعات الدين كما هي من أشراط الساعة الدين.

و «يوم» هنا مطلق الزمان، محدودا كما لأهل النار، و غير محدود كما لأهل الجنة، ف «يَوْمِ الدِّينِ» كمطلقه غير محدود فإن لأهل الجنة «عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» .

و لأن «الدين» هو أبرز سمات ذلك اليوم و أجمعها، يختص السبع المثاني بذكره، إشارة إلى كل سماته في القرآن العظيم، إجمالا يشير إلى تفصيل، و كما هو سائر في آياتها السبع.

فالقيامة بتدميرها و تعميرها و حسابها و سائر ما لها من أسماء بسماتها، مطوية في «الدين» فانه ظهور الطاعة و خلافها، فهو الأصيل الأصيل، و هي كلها من فروعها و آثارها، و قد دلت عشرات من الآيات على انعكاس‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 104

الأعمال كلها يوم الدين، و أنها هي بنفسها الجزاء، و أنّ الدين الحق هو الميزان لثقل الميزان و خفته‏ «وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ» فالقيامة هي يوم الدين الشّرعة و الكتاب ميزانا، و الدين الطاعة و المعصية ظهورا، و الدين بحقيقته جزاء وفاقا.

و هكذا يكون آيات السبع المثاني بكلماتها، نماذج رئيسية محكمة عن تفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين.

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) .

العبادة هي الانتصاب للمعبود في منصب المعبودية، استجاشة لكل الطاقات و الإمكانيات في جانحة او جارحة لخدمته، بكل ذل و انكسار، بعيدا عن كل عزّة و استكبار، و هي درجات كما الاستكبار دركات، و لأن العبد «المملوك» قد يملك بعضه و يملك في بعض، لمالك او مالكين، و هو مطلق العبد، و آخر يملك كله لشركاء متشاكسين و هو العبد المطلق و لكن ليس في إطلاق العبودية و إخلاصه لمالك واحد، و قد يملكه مالك واحد و لكنه يستسلم له مع أهواء آخرين، و ذلك الثالوث خارج عن مغزى‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» فإنها عبادة خالصة للّه رب العالمين، بملكية حقيقة لا تشذ عن ذاته و لا عن عبادته شيئا لغير اللّه و في غير اللّه.

و هي جوهريا تنافي الاستكبار: «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ» (40: 60) كما الإخلاص فيها ينافي الإشراك لها: «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» (18: 110) كما و بأحرى ينافي الإشراك فيها «وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» (17: 23) .

إن المعبود الحق و هو اللّه يملك عبادا سواك ف «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 105

السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً، لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا» (19: 94) و لكنك لا تجد معبودا بحق سواه، و هو يربّيك كأن ليس له عبد سواك، ثم أنت تعبده- ان كنت عابده- كأن لك أربابا سواه! إنه لا بد لك من معبود حقا أو باطلا، و قولة القائل: إن العبودية ذلّ أيا كان المعبود، و الإنسان عزيز أيا كان، فليرفض العبودية لايّ كان، إنه هرطقة هراء، و اللّه منها براء.

أجل إن العبودية الذل أمام الذليل و الأذل كما يفعلها الذين يعبدون من دون اللّه، إنها ذلّ و ظلم و مس من كرامة الإنسان، و لكنها أمام اللّه عز و عدل و فضل يرجع إلى الإنسان، و لا يتحلّل أي ذي حجى أم ذي شعور عن عبادة مّا حقا أو باطلا.

و بصيغة مختصرة محتصرة إن في الكون إلهين اثنين معبودين: حق و باطل، فالباطل هو عبادة النفس و الهوى، و الحق هو عبادة اللّه على هدى، و ليست عبادة من سوى اللّه إلّا ناتجة عن عبادة الهوى: «وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» (38: 26) .

و مثلا على العابدين الإنسان أيا كان، و حتى الذي يدعي الألوهية من دون اللّه، فإن له إلها و آلهة من أصنام و أوثان، مهما كان هو طاغوتا لمستضعفي الإنسان، و لأقل تقدير هو يعبد نفسه و هواه‏ «أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ» (45: 26) .

إنه ليست للّه تعالى حظوة في عباداتنا، فنحن الذين نحظوا بعبادته، حظوة معنوية لأنها اتصال معرفي باللّانهاية في الكمال، و أخرى حيويّة أخرى، أنه يدلنا بها إلى التقوى و يردعنا عن الطغوى: «ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 106

هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» (51: 58) «يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (2: 21) .

و الناس بين من يعبد اللّه وحده على درجاتهم، أم يعبده مشركا في عبادته، أم مشركا به معبودا سواه، ام لا يعبد إلا سواه، بديل ألّا يعبد إلّا إياه‏ «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» فضلا عن تخصيص العبادة لغير اللّه.! إن العبودية العادلة الحكيمة هي مفرق الطريق بين التحرر المطلق عن كل عبودية، و بين العبودية لغير اللّه من طواغيت، و أوثان و أصنام و نظم و أوهام و عادات و أحلام، فالناس بين عابدين لغير اللّه، و مدعين التحلل عن كل عبادة و عبودية حتى اللّه، مفرطين فيها أو مفرّطين عنها، رغم استحالة التحلّل عن أية عبادة و عبودية، فإنهم يعبدون شهواتهم و مشتهيات غيرهم من طواغيت ثم يدعون التحلل عن كل عبودية و لهم منها أبطلها و أحمقها!.

فإذا يعبد الإنسان ربه الخالق له المدبر أمره فهذه مفخرة له إذ ترفع من كيانه، و حين يعبد أضرابه أو من دونه فقد حطّ من كيانه كإنسان، و ردّ إلى أسفل سافلين.

ثم و «نعبد» قد تكون من العبودة كما هي من العبادة، فمن العبودة الرضى بلا خصومة، و الصبر بلا شكاية، و اليقين بلا شبهة، و الشهود بلا غيبة، و الإقبال بلا رجعة، و الإيصال بلا قطيعة.

و من العبادة الصلاة بلا غفلة، و الصوم بلا غيبة، و الصدقة بلا منة، و الحج بلا إراءة، و الغزو بلا سمعة، و الذكر بلا ملالة، و سائر العبادات بلا أية رئاء و سمعة و آفة.

ف «نعبد» تشمل بإطلاق التعبير كلا العبادة و العبودة كما كلّ منهما

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 107

درجات و في التخلف عنهما دركات.

و هنا في‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» انتقالة من غياب الحمد إلى حضور العبادة و الاستعانة، حيث المعرفة البدائية و هي شرط العبادة، هي غائبة بطبيعة الحال، و من ثم إلى حضور المعبود المعروف بما عرّف نفسه و تعرّفنا إليه في خطوات سابقة سابغة: «بِسْمِ اللَّهِ‏ - إلى- مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» أنت قبل صلاتك منشغل عن اللّه بمشاغل الحياة و شواغلها، فلما تكبّر و تعني به أنه أكبر من أن يوصف، تأخذ في التغافل عما سوى اللّه و الانشغال باللّه، و لكي تتهيّأ لحضوره في معراج الصلاة تقدّم ما تقدّم على‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ ..» و حين تكمّل أصول المعرفة و الدين بالبسملة- إلى- مالك يوم الدين، هنا يسمح لك أن تخاطب صاحب المعراج ب «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» .

فمن قبل كنت في غياب هو مطلق الحضور، و أنت الآن في الحضور المطلق.

ف «اعبد ربك كأنك تراه و إن لم تكن تراه فإنه يراك».

في‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» خرق لكافة الحجب ظلمانية و نورانية، و هو مجال فاسح لمقام التدلّي في «أو أدنى» بعد ما «دنى» فالدنو المعرفي العبودي كقاب قوسين، يعني أن ليس بينه و بين اللّه أحد، ثم التدلي هو أن ينمحي العابد عن نفسه كما محّى ما سواه فلا يبقى إلّا حجاب الذات المقدسة و هو لزام الألوهية: بيني و بينك إني ينازعني- فارفع بلطفك إني من البين.

صفحه بعد