کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 107

درجات و في التخلف عنهما دركات.

و هنا في‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» انتقالة من غياب الحمد إلى حضور العبادة و الاستعانة، حيث المعرفة البدائية و هي شرط العبادة، هي غائبة بطبيعة الحال، و من ثم إلى حضور المعبود المعروف بما عرّف نفسه و تعرّفنا إليه في خطوات سابقة سابغة: «بِسْمِ اللَّهِ‏ - إلى- مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» أنت قبل صلاتك منشغل عن اللّه بمشاغل الحياة و شواغلها، فلما تكبّر و تعني به أنه أكبر من أن يوصف، تأخذ في التغافل عما سوى اللّه و الانشغال باللّه، و لكي تتهيّأ لحضوره في معراج الصلاة تقدّم ما تقدّم على‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ ..» و حين تكمّل أصول المعرفة و الدين بالبسملة- إلى- مالك يوم الدين، هنا يسمح لك أن تخاطب صاحب المعراج ب «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» .

فمن قبل كنت في غياب هو مطلق الحضور، و أنت الآن في الحضور المطلق.

ف «اعبد ربك كأنك تراه و إن لم تكن تراه فإنه يراك».

في‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» خرق لكافة الحجب ظلمانية و نورانية، و هو مجال فاسح لمقام التدلّي في «أو أدنى» بعد ما «دنى» فالدنو المعرفي العبودي كقاب قوسين، يعني أن ليس بينه و بين اللّه أحد، ثم التدلي هو أن ينمحي العابد عن نفسه كما محّى ما سواه فلا يبقى إلّا حجاب الذات المقدسة و هو لزام الألوهية: بيني و بينك إني ينازعني- فارفع بلطفك إني من البين.

اللّه تبارك و تعالى حاضر لدى كل كائن، و ناظر إليه رقيب عليه، و هو أقرب منه إليه‏ «وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» قربا علميا و قيوميا، لا

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 108

ذاتيا او زمانيا و مكانيا فانها بعد في ساحة الألوهية، و مس من كرامة الربوبية:

فلتكن في حاضر خاطرك، في علمك و عملك، في سرّك و علانيتك، في جوارحك و جوانحك، حاضرا لديه، أقرب منك إلى نفسك فضلا عما سواك، انمحاء لنفسك لكمال الحضور، فانعدم هنا عن كافة شخصياتك و تعلقاتك أمام ربك حتى تنوجد متعلقا بل و تعلقا بربك متدليا به.

أم تحضر بحضرته كما أنت حاضر لنفسك، ام- لأقل تقدير- كما أنت حاضر عند عزيز من أعزتك و أنت تراه، أم و ادنى منه أنه يراك، آه يا ويلنا و نحن بعيدون في معراجنا عن هذه الأربع، بل نجد كل ضالة سوى اللّه في صلاتنا! أ فنحن أضعف من نساء في المدينة بالنسبة لحضرة يوسف‏ «فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ» و يوسف عبد من عبيد اللّه، فهن؟؟؟ أنفسهن فيقطعن أيديهن من جمال الحضور، و نحن نتثاقل عن معراج الصلاة لحد النفور، فأين تفرون؟! فليكن المصلى في معراجه حضورا مطلقا لدى ربه دون غياب، فان إليه الإياب و عليه الحساب و هو رب الأرباب.

تتقدم «إياك» هنا على «نعبد و نستعين» تدليلا على حصر العبادة في اللّه و للّه، و حصر الاستعانة في اللّه: نعبدك أنت لا سواك، و نستعينك أنت لا سواك، تعبيرا عبيرا عن‏ «لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ» .

تتقدم، لأن اللّه أحق في التقديم عليك و على عبادتك بكل موازين التقديم، فمن أنت حتى تتقدم على ربك و إن في حضرة العبودية، و ما هي عبادتك حتى تتقدم على المعبود في حضرته؟! و «نعبد .. و نستعين» جمعا ليس جمع التعظيم للمفرد حيث المقام مقام‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 109

التطامن و التذلل، فإبراز نفسك كفرد زائد أمام ربك فضلا عن جمعك.

و إنما يعني أمورا عدة بين راجحة و مفروضة، و كلها مفروضة في شرعة المعرفة.

فلكي لا تكذب في صلاتك ادعاء لحصر عبادتك في اللّه، تدمج نفسك في جموع العابدين، من الملائكة و الجنة و الناس أجمعين، من السابقين و المقربين و أصحاب اليمين، حتى تصدق دعواك في حصر العبادة، فان المخلصين صادقون في حصرهم بأسرهم، فأنا- إذا- قائل عنهم، و ناقل منهم و ان لم أكن بنفسي أهلا لتلك الدعوى، فلّعلي أسير بسيرتهم فأكون معهم‏ وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (4: 69) .

فإذا أنت تقبل حق العبادة أيها الرب الجليل، فاقبل مني أنا الذليل البائس الهزيل، تلك العبادة الخليطة بعبادات المخلصين.

ثم دمجا لنفسي في كل العالمين ممن يعبده و يسجد له طوعا أو كرها ف «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً» و الكون محراب فسيح تعبد فيه الكائنات ربها بلسان فصيح و غير فصيح.

و لأن الصلاة جماعة أحرى أم هي مفروضة كأصلها ف «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» هي حكاية الحال الحاضرة و المقال لجموع المصلين، و معنا ملائكة اللّه إن كنا في صلاتنا فاردين، و معنا سائر الكون على أية حال.

و حتى إن كنا في حصر العبادة للّه صادقين، علينا أن نخفي أنفسنا في جموع العابدين تحرزا عن الإنّية و الظهور، و إعفاء لأثر الشخوص و الغرور، فلا أنا لائق للإشخاص و الشخوص، و لا عبادتي تليق بحضرة المعبود، إذا ف «نعبد و نستعين و اهدنا» في مثلث من انمحاء الشخصية أمام‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 110

حضرة المعبود.

إن العبودية المطلقة تقتضي الطاعة المطلقة و بينهما عموم مطلق، فكل عبودية طاعة و ليست كل طاعة عبودية اللهم إلّا مطلق العبودية الجامعة مع الشرك خفيا و جليا.

و لماذا تنحصر العبادة بأسرها في اللّه؟ لأنه «اللّه- الرحمن- الرحيم- رب العالمين- مالك يوم الدين» و كل من هذه برهان تام لا مردّ له على ضرورة الانحصار.

فهو «اللّه» في مثلث الزمان و قبله و بعده، سرمديا ما له من فواق و لا رفاق، الكمال المطلق الصادر منه كل كامل و كمال‏ «فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ» ؟ «فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ» ؟! و هو «الرحمن» لا سواه، قبل أن يخلقك و بعد خلقك، لا رحمان إلّا إياه، «فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ» «أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ» ؟!.

و هو «الرحيم» بمن يستحق خاصة الرحمات لا سواه.

و هو «رَبِّ الْعالَمِينَ» لا ربّ سواه خلقا و لا تدبيرا، فمن ذا نعبد إلّا إياه؟

و هو «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» ليس إلّا إيّاه فكيف نعبد سواه، و إليه الإياب و عليه الحساب؟

فإن كنت تعبد ما تعبد حبا للكمال المطلق فهو اللّه فلا تعبد- إذا- إلّا إياه.

و إن كنت تعبد استدرارا للرحمة أم إدرارا فالرحمة المدرار خاصة باللّه فلا تعبد إلا إياه، شكرا و استكمالا به، و احتراما لديه ما أنت المحتاج إليه دونه.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 111

و إن كنت تعبد لمكان الربوبية فلا تعبد إلّا إياه فانه- فقط- رب العالمين لا سواه:

و إن كنت تعبد طمعا في الثواب أو خوفا من العقاب فلا تعبد إلّا إياه فانه- فقط- «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» لا سواه:

فمثلث: العبادة الحرة و طلب الثواب و خوف العقاب، منحصر في اللّه منحسر عن سواه، فكيف- إذا- تعبد سواه و قد «أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» ؟! ثم الواجب في شرعة التوحيد عبادة الذات «اللّه» حضورا و إدراكا:

«إِيَّاكَ نَعْبُدُ» «و من زعم أنه يعبد بالصفة لا بالإدراك فقد أحال على غائب» عبادة من لا يحضره فلا يعرفه اللّهم إلّا بما أنعم، فلولا النعمة لم تكن عبادة! و «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» تنافي الغياب، فاللّه تعالى حاضر لك و أقرب إليك منك، فلتكن حاضرا لديه علما به و إدراكا دون إحاطة، فلو كانت عبادتك بالصفة الفعلية فهي إحالة على غائب، و كثير هؤلاء الذين يعبدون الغائب:

«و من زعم أنه يعبد الصفة و الموصوف فقد أبطل التوحيد لأن الصفة غير الموصوف» و هي الصفة الفعلية دون الذاتية فانها عين الذات، فعبادة الذات بصفة الفعل، أم بصفة الذات اعتبارا لها زائدة على الذات، إنها ناحية عن خالص التوحيد إلى خالص الشرك أم شائبه، حيث الثانية شرك في الذات و شرك في العبادة، أن تعبد الذات بصفات الذات كأنها زائدة على الذات، و الأولى شرك في العبادة أن تعبده لأنه «الرحمن الرحيم- رب العالمين- مالك يوم الدين» فإنها عبادة التجار و العبيد دون الأحرار، حيث يعبدون اللّه لأنه اللّه، و مهما صحت الثلاث و قبلت، إلّا في شرك الذات- فالعبادة الصحيحة هي عبادة الذات سواء كانت للذات فقط، أم للذات‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 112

و الصفات تعليلا لعبادة الذات، و أما أن يعبد الذات و الصفات ذاتية او فعلية، او يعبد الصفات كما هيه، أو يعبد الصفات تفريعا عليها الذات، فكل ذلك إبطال للتوحيد فذلك بين إشراك و إلحاد! «و من زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر بالكبير» «1» حيث يجعل الصفات أصلا يفرّع عليها الذات، ففي عبادتهما هكذا مع بعض شرك أنحس من التسوية، و في عبادة الصفات أصالة بتفريع الذات انزلاق إلى إلحاد، و في عبادة الذات بأصالة الصفات، أن يعبده هو لهذه الصفات، تحلّل عن عبادة الأحرار إلى العبيد و التجار «وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (6: 91) .

فالعبادة درجات: 1- خوفا من عذاب اللّه و هي عبادة العبيد و كثير ما هم و 2- طمعا في ثواب اللّه و هي عبادة الأجراء و هم أقل منهم‏ «2» - 3 أن تعبد اللّه لأنه اللّه و هم أقل قليل و كما

عن مولانا امير المؤمنين علي (عليه السلام): ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك‏ «3» .

و هذه المراتب مطوية في‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» في ظلال ما قبلها، ف «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» لأنك اللّه، فأنت أهل أن تعبد «لا نريد منك غيرك، لا نعبدك بالعوض و البدل كما يعبدك الجاهلون بك المغيبون عنك» «4» .

(1). يرويه إخواننا عن الامام الصادق (عليه السلام) و بين الأقواس بيانات منا.

(2)

الكافي محمد بن يعقوب باسناده عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: ان العباد ثلاثة قوم عبدوا اللّه عز و جل خوفا فتلك عبادة العبيد و قوم عبدوا اللّه طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء و قوم عبدوا اللّه حبا فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة.

(3) مرآة العقول للمجلسي من باب النية ج 2 ص 101.

(4) تحف العقول عن الامام الصادق (عليه السلام):

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 113

و إياك نعبد لأنك «الرحمن- الرحيم- رب العالمين» طمعا في رحمتك و ربوبيتك:

و إياك نعبد لأنك‏ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» طمعا في ثوابك او خوفا من نارك و هذا أضعف العبادة.

و هذه الدرجات الثلاث كل منها درجات كما أن عبادة غير اللّه دركات.

و كما «الْحَمْدُ لِلَّهِ» تتبنّى هذه الخمس، كذلك‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» فإنه كمال الحمد.

و كما أن عبادة التأليه تخصه، كذلك عبادة الطاعة، و عبادة الأفعال و الأقوال، فالقول: لو لا اللّه و فلان لما نجحت إشراك في القول، و سجدة الاحترام و ركوعه لغير اللّه إشراك في فعل الاحترام، و الطاعة المطلقة لغير اللّه إشراك في طاعة اللّه، و إن كان‏ «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ» و لكنها طاعة للّه دون سواه.

و لماذا تتقدم‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» على‏ «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» ؟ و الاستعانة لزام العبادة، حيث الموكول إلى نفسه على توفّر العراقيل بينه و بين ربه ليس ليعبد ربه؟

علّه حث لاستجاشة الطاقات و تكريس الإمكانيات ل «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» ثم إكمالها ب «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» فالعبادة هي فعل العبد مشفوعا بعون اللّه، فعليك الحركة، و على اللّه البركة، رفضا للاتكالية في الأمور المختارة، و تحريضا على السعي ثم الاستعانة في كماله و إنتاجه.

صفحه بعد