کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 111

و إن كنت تعبد لمكان الربوبية فلا تعبد إلّا إياه فانه- فقط- رب العالمين لا سواه:

و إن كنت تعبد طمعا في الثواب أو خوفا من العقاب فلا تعبد إلّا إياه فانه- فقط- «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» لا سواه:

فمثلث: العبادة الحرة و طلب الثواب و خوف العقاب، منحصر في اللّه منحسر عن سواه، فكيف- إذا- تعبد سواه و قد «أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» ؟! ثم الواجب في شرعة التوحيد عبادة الذات «اللّه» حضورا و إدراكا:

«إِيَّاكَ نَعْبُدُ» «و من زعم أنه يعبد بالصفة لا بالإدراك فقد أحال على غائب» عبادة من لا يحضره فلا يعرفه اللّهم إلّا بما أنعم، فلولا النعمة لم تكن عبادة! و «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» تنافي الغياب، فاللّه تعالى حاضر لك و أقرب إليك منك، فلتكن حاضرا لديه علما به و إدراكا دون إحاطة، فلو كانت عبادتك بالصفة الفعلية فهي إحالة على غائب، و كثير هؤلاء الذين يعبدون الغائب:

«و من زعم أنه يعبد الصفة و الموصوف فقد أبطل التوحيد لأن الصفة غير الموصوف» و هي الصفة الفعلية دون الذاتية فانها عين الذات، فعبادة الذات بصفة الفعل، أم بصفة الذات اعتبارا لها زائدة على الذات، إنها ناحية عن خالص التوحيد إلى خالص الشرك أم شائبه، حيث الثانية شرك في الذات و شرك في العبادة، أن تعبد الذات بصفات الذات كأنها زائدة على الذات، و الأولى شرك في العبادة أن تعبده لأنه «الرحمن الرحيم- رب العالمين- مالك يوم الدين» فإنها عبادة التجار و العبيد دون الأحرار، حيث يعبدون اللّه لأنه اللّه، و مهما صحت الثلاث و قبلت، إلّا في شرك الذات- فالعبادة الصحيحة هي عبادة الذات سواء كانت للذات فقط، أم للذات‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 112

و الصفات تعليلا لعبادة الذات، و أما أن يعبد الذات و الصفات ذاتية او فعلية، او يعبد الصفات كما هيه، أو يعبد الصفات تفريعا عليها الذات، فكل ذلك إبطال للتوحيد فذلك بين إشراك و إلحاد! «و من زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر بالكبير» «1» حيث يجعل الصفات أصلا يفرّع عليها الذات، ففي عبادتهما هكذا مع بعض شرك أنحس من التسوية، و في عبادة الصفات أصالة بتفريع الذات انزلاق إلى إلحاد، و في عبادة الذات بأصالة الصفات، أن يعبده هو لهذه الصفات، تحلّل عن عبادة الأحرار إلى العبيد و التجار «وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (6: 91) .

فالعبادة درجات: 1- خوفا من عذاب اللّه و هي عبادة العبيد و كثير ما هم و 2- طمعا في ثواب اللّه و هي عبادة الأجراء و هم أقل منهم‏ «2» - 3 أن تعبد اللّه لأنه اللّه و هم أقل قليل و كما

عن مولانا امير المؤمنين علي (عليه السلام): ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك‏ «3» .

و هذه المراتب مطوية في‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» في ظلال ما قبلها، ف «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» لأنك اللّه، فأنت أهل أن تعبد «لا نريد منك غيرك، لا نعبدك بالعوض و البدل كما يعبدك الجاهلون بك المغيبون عنك» «4» .

(1). يرويه إخواننا عن الامام الصادق (عليه السلام) و بين الأقواس بيانات منا.

(2)

الكافي محمد بن يعقوب باسناده عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: ان العباد ثلاثة قوم عبدوا اللّه عز و جل خوفا فتلك عبادة العبيد و قوم عبدوا اللّه طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء و قوم عبدوا اللّه حبا فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة.

(3) مرآة العقول للمجلسي من باب النية ج 2 ص 101.

(4) تحف العقول عن الامام الصادق (عليه السلام):

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 113

و إياك نعبد لأنك «الرحمن- الرحيم- رب العالمين» طمعا في رحمتك و ربوبيتك:

و إياك نعبد لأنك‏ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» طمعا في ثوابك او خوفا من نارك و هذا أضعف العبادة.

و هذه الدرجات الثلاث كل منها درجات كما أن عبادة غير اللّه دركات.

و كما «الْحَمْدُ لِلَّهِ» تتبنّى هذه الخمس، كذلك‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» فإنه كمال الحمد.

و كما أن عبادة التأليه تخصه، كذلك عبادة الطاعة، و عبادة الأفعال و الأقوال، فالقول: لو لا اللّه و فلان لما نجحت إشراك في القول، و سجدة الاحترام و ركوعه لغير اللّه إشراك في فعل الاحترام، و الطاعة المطلقة لغير اللّه إشراك في طاعة اللّه، و إن كان‏ «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ» و لكنها طاعة للّه دون سواه.

و لماذا تتقدم‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» على‏ «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» ؟ و الاستعانة لزام العبادة، حيث الموكول إلى نفسه على توفّر العراقيل بينه و بين ربه ليس ليعبد ربه؟

علّه حث لاستجاشة الطاقات و تكريس الإمكانيات ل «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» ثم إكمالها ب «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» فالعبادة هي فعل العبد مشفوعا بعون اللّه، فعليك الحركة، و على اللّه البركة، رفضا للاتكالية في الأمور المختارة، و تحريضا على السعي ثم الاستعانة في كماله و إنتاجه.

كما و ان الاستعانة تعم العبادة و سواها، و العام يذكر بعد الخاص تعميما له و لسواه، ف «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» في‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» و في كل ما ترضاه.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 114

ثم العبادة لا تنحصر في مجالات الذكر و الصلاة و الحج: فانها تشمل كافة حركات الحياة و سكناتها، فلتكن كلها صلاة للّه وصلات باللّه لتصبح الكل عبادة للّه.

و لأن العابدين فرادى و جماعات لا يقدرون على إخلاص العبادة للّه لضعفهم في أنفسهم و وجاه عرقلات الشياطين، فلا حول عن معصية اللّه إلّا بعصمة اللّه، و لا قوة على طاعة اللّه إلّا بعون اللّه، فعلينا الاستعانة باللّه في‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» كما في سواه، استعانة تكوينية و تشريعية في: كيف نعبده، هديا إلى صراط مستقيم في عبادته، و في تحقيق حق العبادة الخالصة هديا إلى الصراط إيصالا إلى المطلوب منه، فلو لا الإعانة تشريعية و تكوينية لم تتحقق العبادة اللّائقة الخالصة.

ف «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» على طاعتك و عبادتك‏

«و على دفع شرور أعدائك و ردّ مكائدهم و المقام على ما أمرتنا به» «1»

و «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» : استزادة من توفيقه و عبادته و استدامة لما أنعم اللّه عليه و نصره‏ «2» «وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» : أفضل ما طلب به العباد حوائجهم‏ «3» .

و لماذا «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» دون «بك نستعين»؟

لأن بينهما فارقا و النص يوحي بتوحيد الأولى دون الثانية، سامحا للاستعانة بغير اللّه في اللّه و إلى اللّه حين يأذن اللّه و يرضى، فالمستعان- فقط- هو اللّه، ثم المستعان به في اللّه و إلى اللّه في إعانة هو اللّه و من يأذن به‏

(1). تفسير الامام الحسن العسكري (عليه السلام) عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم).

(2) من لا يحضره الفقيه عن العلل عن الرضا (عليه السلام).

(3) مجمع البيان عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم).

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 115

اللّه، حيث الدار دار الأسباب، و إن كان اللّه قد يقطع الأسباب كأيّة رسالة أو كرامة أو عناية خاصة بمن يحبّ و يرضى.

ففي توحيد الاستعانة باللّه منع عن كل استعانة بغير اللّه، و أمّا التوحيد في استعانته فهو سائد في الاستعانة بما يأذن به اللّه كما في الاستعانة باللّه.

فكما «الْحَمْدُ لِلَّهِ» و العبادة للّه، كذلك المستعان هو اللّه لا سواه، و مهما حمدنا سواه و استعنّا بسواه فلسنا لنعبد سواه إذ «أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» .

فنحن «نستعين» بهدي الرسول اللّه في: كيف نعبده‏ «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ» .

و «نستعين» باستغفار الرسول اللّه في غفرانه كما أمر اللّه: «وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً» (4: 64) .

كما «نستعين» بدعاء الرسول و شفاعته اللّه بإذنه «لا يملكون الشفاعة إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً» (78: 38) .

او «نستعين» اللّه بالرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم) و ذويه (عليهم السلام) في كشف الكربات و دفع الأذيّات و أضرابها من حاجات كوسائل كريمة مأذونة لم تخرج عن توحيد استعانة اللّه، ابتغاء الوسيلة إليه بإذنه:

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (5: 35) .

وسيلة مشفوعة بالتقوى و الجهاد، دون اكتفاء بها و استقلال لها متاركين التقوى فيها و الجهاد، و إنما استغلالها بأمر اللّه و إلى ابتغاء مرضات اللّه:

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 116

فليس لنا ان نتوسل بكل شي‏ء إلى اللّه، و لا أن نؤصّل شيئا فيما نبغي أمام اللّه فنستقلها بجنب اللّه.

إذا فاللّه يستعان فقط دون سواه، و بغير اللّه يستعان إلى اللّه و في اللّه بإذنه و رضاه، فقد نستعين اللّه فيما نستعين به ممن سوى اللّه، لأن الإعانات كلها من اللّه، و راجعة إلى اللّه، بوسائط أم دون وسائط، و لكنما الوسيط في الاستعانة تكوينا و تشريعا لا بد له من إذن اللّه، و كما استعان ذو القرنين في بناء الردم بمن ظلموا: «قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً» (18: 95) .

إذا فالاستعانات الإيمانية بإذن اللّه كلّها استعانة اللّه، و هي هي اللّاإيمانية إشراك باللّه أو إلحاد في اللّه.

فالتوسل بالأصنام و الأوثان أو عبادتها ليقربوكم إلى اللّه زلفى، أم يؤثّروا تأثيرات، استعانة بغير اللّه فيما منع اللّه شركا باللّه أو إلحادا في اللّه.

كما التوسل بالأحجار و الأشجار أماذا من جمادات و نباتات أم حيوان و إنسان أم ملك أو جان أم أيا كان، كل ذلك توسّل شركي إن توسلت بها إلى اللّه، أم إلحادي فيما تستقلها من دون اللّه.

فنحن نتعاون في اللّه: «تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ» (5: 2) و نستعين بعبادة اللّه: «وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ» (2: 45) و نستعين برسل اللّه و كل الهداة الى اللّه تعرفا الى مرضاة اللّه، و كلّ ذلك استعانة اللّه و استعانة باللّه‏ «وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى‏ ما تَصِفُونَ» (12: 112) .

و الضابطة السارية في الاستعانة بغير اللّه في اللّه و إلى اللّه في أمور عادية غير عبادية، أن تكون مأذونة بالوحي بصورة خاصة أو عامة، فعدم‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 117

الإذن- إذا- دليل المنع لأن منصب العون خاص باللّه فضلا عن المنع.

و من المأذونة بصورة عامة هو التعاون و الاستعانة في كافة الأمور و المشاغل الحيويّة المباحة، و هي في غير المباحة- فقط- غير مباحة دون شرك أو إلحاد، إلّا إذا أشركت باللّه أم استقلّت بجنب اللّه.

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) هل يصح «السراط» كما في الشواذ؟ كلّا و إن اتحد المعنى، حيث النص المتواتر هو «الصراط» مهما كان أصله اللغوي من سرط الطعام‏ «1» .

و هو هنا الدين ككل لأنه مؤدّ إلى استحباب الثواب و استدفاع العقاب، طريقا قاصدا و منهجا رائدا و بيانا زائدا يوصل إلى الهدف المقصود.

إنها خير دعاء و استدعاء في قلب السبع المثاني، و هي قلب الصلاة، كما هي قلب العبادات فإنها خير موضوع، و إن لها خير موضع في خير موضوع، فإنها بعد خطوات المعرفة و العبودية و الاستعانة، فلأن الدعاء هي مخّ العبادة فلتكن في مخّ العبادة.

و إنها دعاء لا يستغني عنها أحد من عباد اللّه حتى أسبق السابقين و أقرب المقربين محمد (صلى اللّه عليه و آله و سلم) و آله الطاهرين (عليهم السلام) فضلا عمن دونهم من سائر المخلصين و المخلصين و عباد اللّه أجمعين.

صفحه بعد