کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏2، ص: 219

رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر، أغدوا و روحوا و اذكروا، و من كان يحب أن يعلم منزلته عند اللّه فلينظر كيف منزلة اللّه عنده، فإن اللّه تعالى ينزل العبد حيث أنزل العبد اللّه من نفسه، و اعلموا أن خير أعمالكم عند مليككم و أزكاها و أرفعها في درجاتكم و خير ما طلعت عليه الشمس ذكر اللّه تعالى فانه تعالى أخبر عن نفسه فقال: أنا جليس من ذكرني .. و قال تعالى: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ» بنعمتي، اذكروني بالطاعة و العبادة أذكركم بالنعم و الإحسان و الراحة و الرضوان‏ «1» .

ثم الذكر في «فاذكروني» غيره في «أذكركم» فان اللّه لا يغفل و لا ينسى، فإنما هو أثر الذكر، ان يرحم عبده في مواقفه و منها مغفرته، دفعا عن العصيان حين اقترابه، ام رفعا للعصيان بعد اقترافه، و كما

يروى عن رسول الذكر (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) تفسيرا لآية الذكر: «اذكروني يا معاشر العباد بطاعتي أذكركم بمغفرتي» «2»

ف «طاعتي» تعم فعل الواجب و ترك الحرام، و «مغفرتي» تعم الدفع و الرفع، و الأوّل للأولين في ذكر اللّه و طاعته، و الثاني لمن بعدهم الآخرين، ثم العصيان حالة الغفلة و النسيان، هو أدنى من العصيان حالة الذكر فإنه طغيان «فحق على اللّه ان يذكر صاحبه بمقت» «3» .

(1). عدة الداعي قال: و روي ان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قد خرج على أصحابه فقال: ...

(2) الدر المنثور 1: 148- أخرج ابو الشيخ و الديلمي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ» يقول: ...

(3)

و فيه أخرج ابن لال و الديلمي و ابن عساكر عن أبي هند الداري عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) مثله بزيادة: فمن ذكرني و هو مطيع فحق عليّ ان اذكره بمغفرتي و من ذكرني و هو لي عاص فحق علي ان اذكره بمقت.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏2، ص: 220

ثم و نسيان ذكر اللّه كفر به و كفران، و ذكره شكر و شكران،

فقد قال موسى يا رب أخبرني كيف أشكرك؟ قال: «تذكرني و لا تنساني فإذا ذكرتني فقد شكرتني و إذا نسيتني فقد كفرتني» «1»

«كفرتني» تعني سترتني عن نفسك سترا لنفسك عني بعدا معرفيا، و هي مختلف عن «كفرت بي» فهذا كفر و ذاك كفران.

«فاذكروني» الظاهر في ذكر اللّه الدافع الى طاعته تقوى قد تشمل ذكره- أيضا- حال معصيته طغوى، فهي هنا أمر تعجيز و تهديد، كما الأوّل أمر تحجيز و تمديد، و كما

يروى‏ «أوحي اللّه إلى داود قل للظلمة لا يذكروني فإن حقا عليّ أذكر من ذكرني و إن ذكري إياهم أن ألعنهم» «2» .

إذا «وَ لا تَكْفُرُونِ» كما تعني الكفران بالنسيان، كذلك تعني الكفر بالذكر حالة الطغيان في العصيان، و لأن «أذكركم» هي كجزاء ل «فاذكروني» فلتكن أوسع من شرطها كما قال اللّه‏ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها فكذلك اللّه في مسرح الذكر حيث يقول:

«أنا عند ظن عبدي بي و أنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي و إن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منهم و إن تقرّب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا و إن تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه باعا و ان أتاني يمشي أتيته هرولة» «3»

و يقول:

«لا يذكرني أحد في نفسه إلّا ذكرته في ملاء

(1). الدر المنثور 1: 148- اخرج ابن أبي الدنيا و ابن أبي حاتم و البيهقي في شعب الايمان عن زيد بن اسلم ان موسى (عليه السلام) قال: ...

(2) المصدر أخرج ابن أبي شيبة في المصنف و احمد في الزهد و البيهقي في شعب الايمان عن ابن عباس ...

(3) المصدر أخرج احمد و البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال اللّه: ...

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏2، ص: 221

من ملائكتي و لا يذكرني في ملاء إلا ذكرته في الرفيق الأعلى» «1»

ف‏

«أحب الأعمال الى اللّه أن تموت و لسانك رطب من ذكر اللّه» «2»

ف‏

«ليس يتحسر أهل الجنة إلّا على ساعة مرت بهم لم يذكر اللّه تعالى فيها» «3» .

«وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ» و أوّل معرفة النعمة أنها من اللّه، ف‏

«ما أنعم اللّه على عبده من نعمة فعلم أنها من عند اللّه إلا كتب له شكرها قبل أن يحمده ...» «4» .

ثم النظر الصالح في مسرح الحياة لمرضات اللّه تعالى، ف‏

«من نظر في الدين إلى من فوقه و في الدنيا الى من تحته كتبه اللّه صابرا شاكرا، و من نظر في الدين إلى من تحته و نظر في الدنيا إلى من فوقه لم يكتبه اللّه صابرا و لا شاكرا» «5» .

ثم أن يصرف كل ما أنعمه اللّه في مرضاته، و بالتالي كأرفع الشكر ان يعترف بعجزه عن شكر ربه كما

قال موسى (عليه السلام) يوم الطور: يا رب إن أنا صليت فمن قبلك و إن أنا تصدقت فمن قبلك و إن أنا

(1). المصدر أخرج الطبراني عن معاذ بن أنس قال قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال اللّه عز و جل ذكره: ...

(2) المصدر عن مالك بن يخامر ان معاذ بن جبل قال ان آخر كلام فارقت عليه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) ان قلت اي الأعمال أحب الى اللّه؟ قال: ان تموت ...

(3) المصدر أخرج الطبراني و البيهقي عن معاذ بن جبل قال قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): ...

(4)

الدر المنثور 1: 153 عن عائشة عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال: «و ما علم اللّه من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له ذلك قبل ان يستغفره ان الرجل ليشتري الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد اللّه فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له».

(5) المصدر اخرج البيهقي عن انس قال قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): ...

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏2، ص: 222

بلغت رسالاتك فمن قبلك فكيف أشكرك؟ قال: «يا موسى الآن شكرتني» «1» .

ثم و ترك كل مرتبة من الشكر كفّر حسبها بمعنى الكفران، اللّهم إلا ذكرا لنعمته و كفرا بالمنعم فمكفر باللّه. و كما الذكر درجات كذلك الشكر درجات، و النسيان و الكفران و الكفر- أيضا- دركات: ففي الشكر تبدأ بالاعتراف بفضل اللّه و ان كل النعم هي من اللّه، و تنتهي بالتجرد لشكره في كل حقول المعرفة و العمل و الاعتراف بالعجز عن شكره، في كل حركة بدن، و كل لفظة لسان، و في كل خفقة قلب، و في كل خطرة جنان، و بين المبدء و المنتهى متوسطات.

[سورة البقرة (2): الآيات 153 الى 167]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)

إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى‏ مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)

وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)

(1). المصدر اخرج الخرائطي عن أبي عمر الشيباني قال قال موسى ...

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏2، ص: 224

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) .

الصبر كاستقامة سلبية حفاظا على كيان الإيمان هو الناحية السلبية من كلمة التوحيد، كما الصلاة قوامة إيجابية- تداوم التكامل لحاصل الإيمان- هو الناحية الإيجابية لكلمة التوحيد، فالصبر ككلّ يعني الشطر الأوّل لهذه الكلمة، و الصلاة ككل للشطر الثاني، و «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» تأكيد للمرحلة الأولى فإنها أهم من الثانية، و هذه المعية الربانية للصابرين كافلة لصالح المرحلتين.

هنا ترجّح ميزانية الصبر حيث المسرح يستقبل حكم الجهاد بملاقات الأهوال و مقارعة الأبطال فالاهتمام بالصبر فيه أهم، و هناك في أخرى‏ «وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ» (7: 45) ترجّح ميزانية الصلاة لأنها كأصل و ضابطة خير موضوع و هي عمود الدين، و نظرا إلى احتمال ثان «إنها» تعني الاستعانة بكلا الصبر و الصلاة، فهما- إذا- ردف بعض و لصق بعض في حظيرة الإيمان، مهما

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏2، ص: 225

اختلفت مجالاته في تأثير أهم لأحدهما صبرا او صلاة، و قد فصلنا القول فيهما على ضوء آية الخاشعين، و أن من الصبر ممدوح مأمور به، و منه مقبوح منهي عنه كالصبر على الظلم و الضيم.

و الاستعانة بالصبر و الصلاة في كل المجالات لها دور عظيم عميم لإدارة الشؤون الحيوية الإيمانية، فردية و جماعية في كل الحقول، و لا سيما في حقل الجهاد، فانه للمسلمين حياد و مهاد و سداد، فعلى الأنفس المؤمنة أن تكون مشدودة الأعصاب، شديدة الاعتصاب، مجندة القوى، يقظة للمداخل و المخارج، و للداخل و الدخيل و الخارج، و الزاد الأوّل في كل ذلك هو الصبر، صبرا عن المعاصي و على الطاعات، و على جهاد المشاقين اللّه، و الكائدين بشرعة اللّه، و صبرا على بطء النصر، و على بعد الشقة و على كل مشقة في هذه السبيل الشاقة الطويلة، و على انتفاش الباطل و قلة الناصر، و على التواء النفوس و ضلال القلوب و ثقلة العناد و مضاضة الأغراض، و من «استقبل البلايا بالرحب و صبر على سكينة و وقار فهو من الخاص و نصيبه» ما قال اللّه عز و جل:

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‏ «1» و حين يقل الصبر أو يكلّ فالصلاة، و إنها المعنى الذي لا ينصب، و الزاد الذي لا ينفد، تجدّد الطاقة الكليلة، و تزوّد القلوب العليلة، فيمتد- إذا- حبل الصبر دونما انقطاع، ف‏ «اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» ، و من الصبر في المقال بعد الصبر في الحال و الفعال:

وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) .

(1).

صفحه بعد