کتابخانه تفاسیر
الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج13، ص: 7
الجزء الثالث عشر
[بقية سورة التوبة]
[سورة التوبة (9): الآيات 25 الى 36]
الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج13، ص: 9
«لقد» في تأكيدين اثنين «نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ» : من جبهات القتال و سواها، حيث عشتم نصر اللّه، «وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ» فلما كثرتم فأعجبتكم كثرتكم انكسرتم حيث انفلت عنكم صالح التوكل على اللّه و رجاء نصر اللّه «فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً» حين تركتم ما يغنيكم من نصر اللّه «وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ» : أرض المعركة أم و سواها «بِما رَحُبَتْ» رحبة كأرض الصراع و الوقاع لمكان كثرتكم أم ككل الأرض، و ضيقة بما ضيقكم إعجابكم و ثقتكم بأنفسكم «ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ» فرارا عن عدوكم، و في الأثر أن «مَواطِنَ كَثِيرَةٍ» هذه هي ثمانون موطنا.
و ترى «كثيرة» هنا دليل عناية ثمانين فيما تطلق على أية حال؟
و المطلق إذا عني أكثر منها أو أقل لا يعني من كثرته إلّا ما عنى، و إذا لم يعن حدا معينا فعرفية الكثرات تختلف حسب الحالات و الملابسات و الإمكانيات، فمن مقلّ كثيرة أقل من ثمانين بكثير، و من مكثر ثريّ كثيرة أكثر منه بكثير طالما اتفق، صدق «كثيرة» لمن يملك مالا يعد الثمانون له
الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج13، ص: 10
كثيرا، إذا فكيف يستدل ب «كثيرة» هنا أنها معنية لأقل تقدير فيما تطلق بحقل الإنفاق أم سواه؟ «1» .
ثم «كثيرة» في مواطن القتال هي أكثر كثيرة، و من ثمّ هي في مواطن أخرى بين كثيرة و قليلة، و الثالثة هي الأخرى قلة قليلة، فمن ينذر أن يتزوج كثيرا لا تعدو كثرته أربعا و ما زاد، و الذي يملك مليارات حين ينذر أن يدفع كثيرا لا يعد ثمانون منه إلّا أقل قليل!.
إذا فالكثيرة في كل حقل و حالة و ملابسة لها حدّها كما تعرفها أعرافها، دون أن يحد لها حد خاص هو قليل أو أقل قليل في بعض، أم كثير أو أكثر كثير في آخر و بينهما عوان.
«وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ» و هو واد بين مكة و الطائف وقعت فيه غزوة حنين حيث تناصر فيها هوازن و ثقيف على رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله و سلم) و الذين معه، فانهزموا في البداية ثم هزموا بنصر اللَّه في النهاية، و اختصاص «يَوْمَ حُنَيْنٍ» بالذكر بين كل المواطن دليل أنه أهم مما سواه، و حتى من فتح مكة، فإن تغلّب زهاء ثمانين من المؤمنين على أربعة آلاف هو منقطع النظير في كل تاريخ الحروب!: فلما فتح رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله و سلم) مكة و قد بقيت من رمضان أيام خرج متجها إلى حنين لقتال هوازن و ثقيف بعد ما بلغه انهم جمعوا له ليقاتلوه، فسبقهم إلى أرض
(1).
نور الثقلين 2: 196 في معاني الأخبار عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) انه قال في رجل نذر أن يتصدق بمبال كثير فقال: الكثير ثمانون فما زاد لقول اللَّه تبارك و تعالى «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ»
و كانت ثمانين موطنا. و