کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 23

وصولا إليها بحيطة شاملة علميا و معرفيا، و هو باين عن خلقه و خلقه باين منه، لا هو في خلقه و لا خلقه فيه.

ثم المفروض هو اللقاء المعرفي بكونه تعالى و توحيده و كل شئون ربوبيته، هنا تكليفا و ما أشبه من شئون نشأة الامتحان، و في الأخرى حسابا و جزاء وفاقا.

و « الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا » هم كل هؤلاء الذين ينكرون كل هذه اللقاءات أم بعضها، و ذلك النكران كفر كله مهما اختلفت دركاته حسب دركات النكرانات.

هؤلاء « الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا » تاركين الحياة العليا، إنهم « رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها » و هم « الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ‏ » « أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ ».

هنا « وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ‏ » تعم ناكري المبدإ و المعاد- حيث تعني آيات المبدإ و المعاد- و كذلك و ناكري المعاد تصديقا بالمبدإ مشركين و موحدين، و «آياتنا» تعم الآيات التكوينية- آفاقية و أنفسية- و التدوينية، و «غافلون» تعني الغفلة المتعمدة المقصرة حيث الغافل القاصر لا يعذب.

ذلك و من قبل هؤلاء الذين يحملون ثالوث « لا يَرْجُونَ لِقاءَنا- وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا- وَ اطْمَأَنُّوا بِها ». هم كلهم « مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ ».

هنا « رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا » معناه انحصار رضاهم بها و انحسارها عن الأخرى، كما « وَ اطْمَأَنُّوا بِها » تعني ذلك الانحصار الانحسار.

ذلك و

«من أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه»

«1» و وفقه للقائه الصالح‏

(1) مفتاح كنوز السنة عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله و سلم) نقلا عن بخ- ك 81 ب 41، ك 97 ب 35، مس- ك 48 ح 15- 18 تر- ك 8 ب 67، ك 34 ب 6 قا، نس- ك‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 24

بكل حقوله.

و مما لا بد منه في الحياة هو الاطمئنان بما يطمئن عن المضلات و المزلات، فالنفس المطمئنة باللّه لا ترضى إلا ما يرضاه اللّه: « الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ‏ » (13:

28)، و المطمئنة بالحياة الدنيا تختص رضاه و هواه بما يطمئن بها، و قد تخاطب النفسان ب- « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي‏ » (89: 27).

فالمطمئنة بالحياة الدنيا، الفارة الفالتة عن ربها، تدعى لترجع إلى ربها يوم الدنيا ما لم يفت الأوان، دخولا في عباد اللّه الصالحين هنا فدخولا في الجنة هناك.

ثم المطمئنة بربها تدعى لترجع إلى ربها هنا أكثر مما رجعت، و في الأخرى ترجع إليه « راضِيَةً مَرْضِيَّةً. فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي‏ »:

«و الدنيا جيفة فمن أرادها فليصبر على مخالطة الكلاب» «1»

ذلك و سلبية الرجاء للقاء اللّه في يوم الحساب تسقط كل حساب فيسقط الوحي عن بكرته، ثم ينعطف همّ الإنسان تماما إلى الحياة الدنيا، و اطمئنّ بها حيث لا مطمئنّ له إلّا إياها: « فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ‏ » (53: 30) و « مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ » (11: 15) فهم « مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ » و قدره، حيث إن‏ «جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» دون اللانهاية المزعومة!.

ف- «يا أيها الإنسان ما جرّأك على ذنبك، و ما غرك بربك، و ما

ب 10، مى- ك 20 ب 43، ما- ك 26 ح 50، حم- ثان ص 313 و 346 و 418 و 420 و 451، ثالث ص 107 و 122، رابع ص 259، قا خامس ص 238 و 316 و 321، سادس ص 44 و 55 و 207 و 218 و 236 قاط- ح 564 و 574.

(1) الدر المنثور 3: 301- أخرج أبو الشيخ عن يوسف بن أسباط قال قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): ..

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 25

آنسك بهلكة نفسك، أما من داءك بلول، أم ليس من نومك يقظة، أما ترحم من نفسك ما ترحم به غيرك، فلربّما ترى الضاحي من حرّ الشمس فتظله، أو ترى المبتلى بألم يمضّ جسده فتبكي رحمة له، فما صبرك على داءك، و جلّدك بمصابك، و عزّاك عن البكاء على نفسك و هي أعز الأنفس عليك، و كيف لا يوقظك خوف بيات نقمة و قد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته، فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة، و من كرى الغفلة في ناظرك بيقظة، و كن للّه مطيعا، و بذكره آنسا، و تمثّل في حال تولّيك عنه إقباله عليك يدعوك إلى عفوه، و يتغمّدك بفضله، و أنت متولّ عنه إلى غيره- فتعالى من قوي ما أكرمه، و تواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصية و أنت في كنف ستره مقيم، و في سعة فضله متقلب، فلم يمنعك فضله، و لم يهتك عنك ستره، بل لم تخل من لطفه مطرف عين، في نعمة يحدثها لك، أو سيئة يسترها عليك، أو بلية يصرفها عنك، فما ظنك به لو أطعته، و أيم اللّه لو أن هذه الصفة كانت في متفقين في القوة، متوازنين في القدرة، لكنت أول حاكم على نفسك بذميم الأخلاق، و مساوئ الأعمال- و حقا أقول: ما الدنيا غرتك، و لكن بها اغتررت، و لقد كاشفتك العظات، و آذنتك على سواء، و لهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك، و النقص في قوتك، أصدق و أوفى من أن تكذبك أو تغرك، و لرب ناصح لها عندك متهم، و صادق من خبرها مكذّب، و لئن تعرفتها في الديار الخاوية، و الربوع الخالية، لتجدنها من حسن تذكيرك، و بلاغ موعظتك بمحلة الشفيق عليك، و الشحيح بك، و لنعم دار من لم يرض بها دارا، و محلّ من لم يوّطنها محلا، و إن السّعداء بالدنيا غدا هم الهاربون منها اليوم» (الخطبة 214).

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) .

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 26

تلك ضفة الكفر و هذه ضفة الإيمان و عمل الصالحات للإيمان، و ترى كيف « يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ » و إلى م يهديهم؟ يهديهم ربهم بإيمانهم الذي طبقوه بعمل الصالحات إلى إيمان أعلى بربهم و كما يؤمرون به « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ » (4: 136) كما و يهديهم إلى صالحات هي أصلح مما سلف، ثم و يهديهم بعد موتهم بإيمانهم إلى جناته: « تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ‏ » حيث « نُورُهُمْ يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا » (66: 8).

« دَعْواهُمْ فِيها » على طول خط الخلود الأبد « سُبْحانَكَ اللَّهُمَ‏ » عما وصفك به الجاهلون، و عن كل نقص و شين « وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ‏ » مما يدل على أن السلام هو أعلى قمم التحيات، تحيتهم من اللّه و تحية بعضهم بعضا اعتبارا بوجهي الإضافة، إلى الفاعل أو المفعول، ثم « وَ آخِرُ دَعْواهُمْ‏ » التي لا دعوى لهم غيرها « أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ » فقد جمعوا حياتهم في الجنة بين كلمة السلب و الإيجاب من «لا إله إلّا اللّه» و كما عاشوها في حياة التكليف.

و لا تعني «آخر» هنا آخر أعمارهم في الجنة إذ لا آخر لها و لا لأعمارهم، بل القصد إلى آخر دعواهم و جاه أول دعواهم اللذين يشكلان كلمة الإخلاص، فقد تشكل دعواهم من « سُبْحانَكَ اللَّهُمَ‏ » و « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ » أم ليست لهم دعوى فيها إلا « أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ».

أجل، و لأنه الانطلاق من هموم الحياة الدنيا و شواغلها و مشاغلها و الارتفاع عن ضروراتها و حاجاتها و حاجياتها، و الرفرفة في آفاق الرضا و التسبيح و الحمد و السلام، إذا فأقصى ما يشغلهم حتى ليوصف بأنه «دعواهم» هو تسبيح اللّه و حمده و السلام على عباده حيث يتخلل بين التسبيح و الحمد.

و مهما كان في حياة التكليف غشاوات عن صالح السلب هذا و إيجابه قضية الحجابات المسدولة بين أهل الحق و حاق الحق رغم أنهم ب

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 27

مؤمنون، فقد تزول هذه الغشاوات عن وجه السلب و الإيجاب، سلبا يحلّق على كل ما لا يليق بساحته سبحانه، و إيجابا يحلق على كل ما يليق بجنابه، فقد يصفونه تعالى كالعباد المخلصين ف « سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏ » (3: 16) و هم يصفونه في الجنة:

« وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا » (7: 43) « وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ‏ » (35: 34) « وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ‏ » (39: 74).

صحيح أن كل عباد اللّه يحمدون اللّه و لا سيما في صلواتهم ليل نهار، و لكن أين حمد من حمد، هنا محجوب و هناك غير محجوب.

و

عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله و سلم): «إذا قال العبد سبحان اللّه سبح كل شي‏ء معه ما دون العرش فيعطى قائلها عشر أمثالها، و إذا قال:

الحمد للّه أنعم اللّه عليه بنعيم الدنيا حتى يلقاه بنعيم الآخرة و هي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها و الكلام ينقطع في الدنيا ما خلا الحمد للّه و ذلك قوله: «وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ...» «1» .

و قد يعني من انقطاع الكلام في الدنيا الذي يختص بحاجيات الدنيا و محاصيلها و كما في آخر

«و ينقطع الكلام الذي يقولونه في الدنيا ما خلا الحمد»

، فلا كلام- إذا- في الجنة إلا ما يحول حول التوحيد مع اللّه و عباده، أو ما يحول حول السلام مع عباده، إذ لا حاجة لهم إلى محاويج‏

(1) في الإختصاص بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله و سلم): .. و

في العلل بإسناده إلى الحسن بن عبد اللّه عن آباءه عن جده الحسن بن علي (عليهم السلام) عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله و سلم) حديث طويل في تفسير «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر» و في آخره قال: و إذا قال العبد الحمد للّه أنعم اللّه عليه بنعيم الدنيا موصولا بنعم الآخرة و هي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها و ينقطع الكلام ...

و ذلك قوله عزّ و جلّ: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ .

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 28

الدنيا حتى يتكلموا بها صناعة أو زراعة أو تجارة أو دراسة أماهيه.

ذلك و على حد

المروي عن رسول اللّه (صلى اللَّه عليه و آله و سلم): «إذا قالوا سبحانك اللّهم أتاهم ما اشتهوا من الجنة من ربهم» «1»

و تراهم- إذا- بكما عن أي كلام إلا هذا، فلا محادثة بينهم و لا مؤانسة بأي كلام إلا إياه؟ إنهم يتحادثون و يتآنسون مع بعضهم البعض، و لكنها كلها تحوم حوم «لا إله إلا اللّه» و أية حظوة لهم روحية مثلها ثم الخطوات الجسمية هي رهن المشيئة « لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ » (50: 35)، فهم أقوالهم و أفعالهم و أحوالهم هي كلها تفاصيل ل «لا إله إلا اللّه» كما المؤمن المخلص في حياة التكليف، مهما كان بين الحالتين بون قضية اختلاف النشأتين، ثم «تحيتهم» من اللّه و من أنفسهم بعضهم بعضا «سلام» قوليا و عمليا، فليس لهم هناك من إله و منهم إلا سلام يشمل كافة الخيرات و البركات في الجنة.

ذلك، و قد تعني «دعواهم» بدايتها ثم «آخر دعواهم» نهايتها، فكل كلام لهم محتف بهما مهما كان، لا يخرج عن تفاصيلهما.

أو تعني «دعواهم» ذكرهم دعاء و خطابا، مهما كانت لهم قالات أخرى، حيث الدعوى و هي مصدر دعى تعني خصوص الدعوة الطالبة، و لا تطلب هنا إلا من اللّه دون سواه، خلاف الحياة الدنيا حيث هي حياة التداعي ذريعة إلى حاجياتها، و لكن المدعو هناك إنما هو اللّه لا سواه، و على أية حال فهم ليسوا ليحرموا في الجنة من قالات الإيمان و محادثاته و مؤانساته و « لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ‏ » (50: 35).

وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) .

(1) الدر المنثور 3: 301- أخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال قال رسول اللّه (صلى اللَّه عليه و آله و سلم): ..

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 29

« وَ رَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا » (18: 58) « وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ‏ » (16: 61).

«لو» هنا تحيل تعجيل الشر فقضاء الأجل إلى تأجيله وقت قضاء الأجل، إملالا و إمهالا و استدراجا قضية حياة التكليف الامتحان.

هنا اللّه يستعجل الناس بالخير رغم استحقاقهم الشر، فخير الحياة و الأموال و البنين و ما يشتهون يستعجل لهم فيها لينظر كيف يعملون، و شرها يستأجل لهم فيه إلى يوم لقاءه جزاء بما كانوا يعملون.

فتخلفات النسناس من الناس تقتضي عقابا عاجلا فيه قضاء أجلهم، إلا أن في ذلك قضاء على فسحة الامتحان، و تبديلا لدار البلية و الامتحان إلى دار الجزاء الامتهان.

فلأن رحمته سبقت غضبه فقد يقدم رحمته على غضبه فيؤجل مؤاخذة العصاة إلى أجلهم المقرر لهم: « وَ رَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا » (18: 58).

و هنا «استعجالهم» من إضافة المصدر إلى مفعوله و هو اللّه، أم و إلى فاعله حيث تعني استعجال الناس إلى الخير «1» فلو أن اللّه يستعجل لهم الشر عقوبة كما يستعجلون الخير و هو ما يلائم أهوائهم فقد يعني «الخير» كما هنا ما يختارونه بأهوائهم الطائشة: « وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ » (100: 8) أمّا هو أعم منه: « وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى‏ حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى‏ وَجْهِهِ‏ » (22:

11).

صفحه بعد