کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 32

مضطجع لعلته « أَوْ قاعِداً » لعلة لا يقدر على القيام «أو قائما» لا علة له في الحالات الثلاث الأول، و «أو» إذا للترويد حيث لا تجتمع هذه الحالات الأخيرة له، فهو لا يزال يدعوا مقعدا أو سليما و في كل حالاته، حيث يعرض كل حالة و كل وضع و كل مظهر و منظر دون إبقاء في ذلك الدعاء!.

« فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ »: ذهب إلى ما كان يهواه من شهواته متغافلا عن ربه « كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى‏ ضُرٍّ مَسَّهُ‏ » فلو ذكر دعاءه ربه إلى ضر مسه لكان معتدلا في سلوكه، غير معرض عن ربه، و لكن « كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ » حيث « وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ‏ » (27: 24) و هذا جزاء لمن لا يرجو لقاء ربه: « إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ‏ » (27: 4).

ذلك، و إنها صورة سيئة ميّعة لنموذج إنساني مكرور على مدار التأريخ حيث يظل مندفعا بتيارات الحياة، يذنب و يطغى في ذنبه بصحة موفورة و ملابسات مؤاتية.

ثم إذا مسه الشر و الضر فإذا هو جزوع ذو دعاء عريض، ثم إذا كشف اللّه عنه ضره « مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى‏ ضُرٍّ مَسَّهُ‏ »! مر دون توقف ليفكر أو يشكر أو يعتبر، مندفعا مع تيار الحياة، غريقا في الشهوات دون أي زاجر أو كابح أو أية مبالات.

وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) .

تذكير بمصارع الغابرين نبهة للحاضرين و إلى يوم الدين « وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ‏ » كقرن نوح و عاد و ثمود و أصحاب الرس و فرعون و أضرابهم بمختلف ألوان الهلاك « لَمَّا ظَلَمُوا » ظلما يجازي هنا قبل الأخرى «و» الحال انهم « جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ‏ » ثم «و» الحال أنهم « ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا » فلو كانوا يؤمنون بعد كفرهم ما كنا مهلكيهم، « كَذلِكَ‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 33

نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ‏ » الذين يجرمون ثمرات الحياة قطفا لها قبل إيناعها فإفسادا إياها، فهذه سنة اللّه الجارية بحق المجرمين كما تقتضيه الحكمة الربانية في حياة التكليف.

و لقد انتهى بالمشركين العرب إسرافهم و ظلمهم لحد التهديد الشديد لهم بمصارع الغابرين، و هم أولاء يرون بقية لها في الجزيرة بمساكن عاد و ثمود و قرى قوم لوط: « أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ‏ » (20: 128) « فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا » (28: 58) « وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ‏ » (29:

38) « فَأَصْبَحُوا لا يُرى‏ إِلَّا مَساكِنُهُمْ‏ » (36: 25).

ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) .

و هنا «خلائف» جمع «خليفة» صيغة مكرورة عن آدم و بنيه أجمعين، في عامة الحقول و خاصتها، فآدم- بذريته- خليفة عن أمثاله الغابرين: « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » (2: 30) ثم الناجون من قوم نوح خلفاء من غرقوا: « وَ جَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا » (10: 73)- « وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ‏ » (7: 69) و كذلك الباقون بعد عاد: « وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ‏ » (7: 74).

و هكذا كل قرن حاضر عن كل قرن غابر « هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ‏ » (35: 39) « وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ‏ » (6: 165) ثم قرن خاص و قرون خاصة للصالحين هم خلفاء الأرض على الإطلاق: « أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ‏ » (27: 62).

ذلك، و ليست الخلافة إلا في حقل المتجانسين في كون أو كيان، بانقراض المستخلف عنه كونا، أم بقاءهم و انقراضهم كيانا، فلا تعني الخلافة على أية حال خلافة عن اللّه، إذ لا مجانسة بينه و بين أي من‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 34

الخلفاء، و لا انقراض له كونا أو كيانا.

و لا تعني خليفة اللّه في بعض الأدعية و الروايات إلا من جعله اللّه خليفة عن آخرين أشباههم مهما اختلفوا في درجات.

أجل، ليس للّه خليفة و لا نائب و لا وكيل و لا أي مثيل، اللّهم إلّا عباد، و هم في تعاليهم بدرجات العبودية رسل، و لا ثالث يعبر عن خلق اللّه.

أجل «جعلناكم» أنتم المكلفين من الجنة و الناس و سواهما أجمعين و «جعلناكم» أنتم الحاضرين ككل، أم أنتم الكافرين «خلائف» لهم تخلفونهم « فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ‏ » عائشين في حياة التكليف « لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏ » نظرا إلى واقع أعمالكم بعد ما هو عالم بما سوف تعملون.

فانظروا أنتم كيف تعملون فلا تأخذكم غرّة و لا عزّة بالإثم، فقد كفت لكم مصارع الغابرين عظة و معتبرا.

أجل و إن هذا التصور عن الواقع المكرور الذي يصوره القرآن يظل مثيرا في الإنسان يقظة و حساسية مرهفة إن ظل إنسانا غير متجاهل كرامته الإنسانية إلى دركات الحيوانية، يقظة هي له صمام الأمن و الطمأنينة، فشعور الإنسان بأنه ممتحن و مبتلى بآياته على أرض التكليف، و بما مّلكه اللّه و خوّله إياه، إنه يمنحه مناعة ضد الاغترار و الانخداع و الغفوة، المناعة المانعة له عن مستغرق اللجة البهيمية و التكالب على عرض هذا الأدنى « لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏ »؟.

و تراه نظرا بعد جهل؟ علما بعد جهل! كلّا، إنه علم بعد علم، ف « كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏ » علما، هو حاصل قبل «تعملون» و لكنه خارج عن الامتحان، إنما هو علم و علامة واقعية لتقع موقع الامتحان.

إذا ف « كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏ » تعني كيف الواقع دون كيف العلم، فالنظر هو النظر إلى الواقع المرام، دون غير الواقع المرام إذ لا محنة فيه.

أجل ف «لننظر» هنا ناظر إلى نظر الواقع و هو مجال الامتحان بالتكليف، دون نظر العلم المجرد عن الواقع أنه ان وقع كان كذا إذ لا مجال فيه لامتحان بتكليف.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 35

فكما أن « لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ‏ » و ما أشبه لا تعني إلا العلم و العلامة بامتحان التكليف، كذلك «لننظر» و ما أشبه.

[سورة يونس (10): الآيات 16 الى 25]

قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَ ما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَ يَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)

وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى‏ دارِ السَّلامِ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 37

وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) .

« آياتُنا بَيِّناتٍ‏ » في أنها منّا حيث الكلام بوزنه و وزانه يدل على كيان صاحبه، و قد سميت الجملات القرآنية آيات اللّه لأنها دالات على ربانية صدورها و كما تدل على اللّه، دلالة ذات بعدين اثنين، قاطعة لا محيد عنها و لا حول عنها، و لكن: « قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا » لما يسمعون منها كل تحذير و تنذير بعاقبة السوء يوم الأخرى « ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ‏ » غير هذا عن بكرته أو بدله إلى ما نهواه ألّا يحدّد شهواتنا و لا يهددنا بعقوباتها.

« قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ‏ » أي تبديل « مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي‏ » رغم محتدي الرسالي، حيث القضية الرسالية على طول خطها هي « إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَ‏ » فليس لي دون وحي أن أبدله و لو شطر كلمة أو حرف أو اعراب أو نقطة، فمثلي مثلكم في أن اللّه يعذبني إن عصيته: « إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏ ».

هنا « بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا » دليل أن هناك قرائين الوحي و هي كتابات الرسل، و مثلها: « إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ‏ » (17: 9) «1»

(1) للتفصيل حول القرآن بعديد ذكره السبعين إلا «قرآن الفجر» و «قرآنه» و عديد أسماءه‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 38

ف « هذَا الْقُرْآنُ‏ » كما هنا و في آيات أخرى، تدل على أن هناك قرائين أخرى، مهما عني ب «القرآن» طليقا هذا القرآن كعلم له‏ «1» كما «الكتاب» حيث يجمع كافة كتب الوحي و قرائينه، فطالما التوراة و الإنجيل هما قرآنان و لكنهما أمام القرآن كأنهما ليسا به: « وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ‏ » (9: 111) كما أن سائر الوحي أمام وحي القرآن كأنها ليست بوحي: « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ‏ » (42: 13) و كما أن سائر الرسل أمام هذا الرسول كأنهم ليسوا برسل، فلذلك لم يأت النبي و لا الرسول طليقا مفردا إلا لهذا الرسول النبي (صلى اللَّه عليه و آله و سلم).

ذلك و لا يعني هؤلاء الأنكاد من « بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ‏ » إلّا ما يوافق شهواتهم و غاياتهم دون أية مضادة، جمعا بينها و بين شرعة الوحي، أن يتبع الحق أهواءهم: « وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ‏ » (23: 17).

أجل « ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا » الذي يوحد اللّه و ينذر بلقاء يوم اللّه و يكلفنا خلاف أهوائنا، و كما تطلّب جماعة من مشركي الطائف منه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) ألا يكسر صنمهم «اللات» و يضع عنهم فرض الصلاة حتى يؤمنوا، فأجابهم أن أهم أصول هذا الدين هو التوحيد الذي ينافي اللات و غير اللات، و أهم فروعه هي الصلاة، فكيف أجيبكم إلى تطلبّكم هذا.

و قولتهم هذه « ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ‏ » هي بين شيطنة الجد و الهزل، و الفرق بين هذين الاقتراحين أن «غير هذا» هو المغاير تماما إياه إلى ما تهواه أنفسهم، ثم «أو بدله» يعني تبديله إلى ما هو أسهل منه‏

- الأربعين، و عديد معانيه السبعة: طهارة- تطهير- قراءة- إبلاغ- رؤية- جمع- أقتراب، راجع الفرقان (15: 78- 83).

صفحه بعد