کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 337

«صالح» (عليه السلام) يذكر في القرآن (13) مرة بدعوته قومه ثمود المذكورين فيه (26) مرة، و هم- كقوم نوح و هود و فرعون و ملاءه من أنحس طغاة التاريخ الرسالي على مدار الزمن.

و هنا عرض لنعمة سابقة سابغة ربانية بعد الدعوة التوحيدية أنه « هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها » إنشاء في التكوين و استعمارا فيه، و إنشاء في التشريع.

فطالما أصبحت صيغة الاستعمار صيغة زائفة كما السياسة و الاستثمار، حيث الساسة المستعمرون المستثمرون كانوا و لا يزالون يظلمون الناس فيما هم عاملون.

نرى هنا «وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها» من الصفات الربانية، و كما الاستثمار في الزخرف بمعناه: «وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا» (32) .

و لكن أين استعمار من استعمار، و استثمار من استثمار، و سياسة ربانية من سياسة شيطانية؟!.

فالاستعمار الرباني هو طلب العمران الإنساني في هذه الرقعة الأرضية، عمرانا للأرض نفسها لعمران الحياة الجسدانية فيها، و عمرانا للروح الإنسانية الساكنة الماكنة فيها و أين عمران من عمران؟.

لقد استعمرنا ربنا في الأرض التي أنشأنا منها استقرارا برياحة الحياة الأرضية، و استرواحا لأرواحنا، حيث العقل السليم هو في البدن السليم، فالأصل في الاستعمار هو استعمار الأرواح، في الأبدان المستعمرة العامرة إذ هي أمكنة الأرواح و مجالاتها العملية الظاهرة في مجالات للحياة.

إن المستعمرين الطغاة الظالمين إنما يهدفون من استعمار الأرض عمران حياتهم الأرضية بتهديم العمال عن بكرتهم و استحمارهم ليحنوا ظهورهم لهم فيركبوهم، و لا يطعمونهم شبعهم إلا سدّ رمقهم ليواصلوا في هذه العمالة الظالمة، فهو- إذا- استعمار لأنفسهم دون من يستعملونهم للعمار.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 338

و اللّه سبحانه خلق لنا الأرض قبل أن يخلقنا منها، ثم استعمرنا فيها بما خلق من معدات العمار فينا و في أرضنا، و جعل استعمار الأرض من العبادات ف « هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً » (2: 29)، خلقها و ما فيها لصالحنا، فعمّرنا فيها و أمّرنا- بما أمرنا- و قوّانا باستعمارها العادل الكافل للحياة الأرضية الراقية ماديا و معنويا.

و هكذا يأمر القائد الإسلامي السامي- بأمر اللّه- أن تستعمر الأرض و كما في عهد الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر النخعي متصرف لواء مصر من‏

قوله: «و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلّا بالعمارة، و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد و أهلك العباد، و لم يستقم أمره إلا قليلا، فإن شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش، خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، و لا يثقلن عليك شي‏ء خففت به المئونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك و تزيين ولايتك» (الخطبة 292).

هذا، و قد تعني‏ «اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها» إضافة إلى ما تعني من العمار، العمر، فهما معنيان، حيث العمر و العمار متلازمان، فقد أنشأكم من الأرض و جعل لكم فيها عمرا و عمارا، فبالعمر يحصل العمار، و بالعمار يطول العمر، فإن في عمار الأرض إصلاحها لصالح الحياة المعيشية الطويلة، رعاية لمتطلبات الحياة البدنية، و العقل السليم في البدن السليم.

قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَ تَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَ إِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) .

«قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا» و تراه كانوا يرجونه ليكون من الدعاة إلى الإشراك باللّه؟ أم مرجوا في السكوت عن الدعوة إلى اللّه؟.

بطبيعة الحال لم تكن في صالح ملامح الدعوة إلى الإشراك، بل هي الدعوة إلى اللّه، و لأنه قبل رسالته ما كان يجاهر بالدعوة إلى اللّه و فيه‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 339

مؤهلاته اللّامحة اللّامعة من عشرته و خلقه، لذلك‏ «قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا» أن كنت بيننا و ما كنت تدعونا إلى ما تدعو، فلتظل هكذا مرجوا فينا حفاظا على حرمتك و ظاهرة الوحدة بيننا.

ثم الظاهرة المعرفية الأدبية فيك كانت تدلنا على أنك نابغ نابع من عقلية بارعة، ندخرك ليوم تكون فيه رائدا و قائدا فينا تدعونا إلى ما يصلحنا و يحسن حالنا و ماضينا أكثر مما هيه، و إذا أنت تدعونا إلى ما يذهب بسوددنا و محتدنا العريق في عبادة الآلهة.

و هذه من الدعايات المضللة في حقول الدعوات أن يندّد بالداعية خلاف ما يهوون أنك على ما كنّا نعرف منك كنت فينا مرجوا لتقودنا في ملتنا، فإذا أصبحت تخالفنا في عزنا و كرامتنا! و تعارضنا في ملتنا.

«أ تنهاها» مع هذه السابقة السابغة «أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا» من ذي قبل، ناسين حسبنا و نسبنا، حال « وَ إِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ‏ » غارقين في خضمّه و هو «شَكٍّ مُرِيبٍ» يريبنا ماضيك و حالك و مآلك، حيث تخالفنا في سنتنا العريقة.

ويكأن سكوته لفترة بينهم قبل رسالته، دليل استمراره فيه بعد رسالته، و لكلّ حال قال كما لكل قال حال، فقضية الرسالة تبليغها دون أي فتور، و مهما كان المؤمن، عليه أن يكون داعية إلى اللّه بسند إيمانه، و لكنه حين يعيش بمفرده كارا كهؤلاء فعليه أن يتقيهم حفاظا على حياته، و لكي يبقى له مجال لدوره في رسالته، فلما أرسل فقد مضى دور التقية، إذ لا تقية في دعوة الرسالة مهما كانت بقية و تقية لحياة الرسول، و هكذا « قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا » إذ كنت ساكتا عما تدعو إليه لنا و لا علينا، و كانت لك لباقة و لياقة القيادة الإشراكية لنبوغك، و قد تكفي هذه التحولة عما كنا نرجوه فيك أن نصبح « لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ‏ ».

فلقد خاب رجاءنا فيك إلى معاكس مكالس و فالس خالص، أ فترجونا بعد أن نصدقك رسولا من اللّه؟! «أ تنهانا» بعد « أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا » و إنها القاصمة الحاسمة لكل رجاء فيك.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 340

و هكذا يبلغ التحجر بالناس النسناس أن يعجبوا من الحق اليقين بمجرد أنه يخالف شهواتهم و عناياتهم الجاهلة التي تعوّدوا عليها، و إنها لطبيعة واحدة و رواية فاردة مكرورة على مدار الزمن الرسالي.

و هنا يجيب صالح صالح الإجابة التي مضت عن جده نوح (عليه السلام) و هي إجابة الرسل صيغة واحدة و صبغة واحدة:

قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) .

إنّ كوني فيكم مرجوا قبل هذا ليست بينة لكم عليّ، حيث السكوت عن دعوة مّا لفترة مّا ليس بينة لواجب السكوت في كل الفترات و الحالات، ثم « أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي‏ » و أنا بنفسي و ما زوّدني ربي بينة من ربي‏ «وَ آتانِي مِنْهُ رَحْمَةً» الوحي الرسالي، فهل أترك هذه الرحمة الغالية لكي أظلّ مرجوا فيكم بما تشتهون، إذا « فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ‏ » في بينته و رحمته « فَما تَزِيدُونَنِي‏ » بدعايتكم هذه‏ «غَيْرَ تَخْسِيرٍ» أن أخسر رحمة ربي لكي أربح رجاءكم فيّ لما تهوونه؟! رجاء قاحلا جاهلا ماحلا.

أجل و ذلك تخسير على تخسير، خسارة الوحي و الرسالة بعصياني و انعزالي عنها، و خسارة النقمة الربانية إن عصيته في رسالته المفروضة على حين أرفضها.

ذلك، و حيث تريدون بينة غيري و ما أنا عليه من بينة ف:

وَ يا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) .

« هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ‏ » أنتم النوق «آية» و أين ناقة من هؤلاء النوق؟

فقد أشبهت‏ «لَكُمْ آيَةً» كما أشبه ثعبان موسى للثعابين الفرعونيين.

«هذه لكم آية» متطلّبة بنوعها لإثبات الرسالة، فاغتنموها « فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ‏ » دون أن يكلفكم أكلا من عندكم أنفسكم أو شربا،

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 341

إنما هي «ناقة الله تأكل في أرض الله»- «وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ» صنيعكم كما أنتم متعوّدون، حيث تسيئون إلى رسل اللّه و آياته و رسالاته‏ «فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ» لثالوث: نكرانكم رسالة اللّه، و آية بينة من اللّه، و مسكم ناقة اللّه.

فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) .

و كيف‏ «فَعَقَرُوها» و إنما عقرها واحد منهم؟ لمكان « فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى‏ فَعَقَرَ » (54: 29)؟ ذلك لأنهم نادوه لعقرها راضين عنه مشجّعين إياه، فقد عاونوه على عقرها فهم إذا كلهم عاقرون، و هذه معاونة على الإثم و العدوان، تعدّ المعاونين كلهم آثمين عادين مهما اختلفت دركاته بين الأصيل و الفصيل.

فيا

«أيها الناس إنما يجمع الناس الرضى و السخط و إنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم اللّه بعذاب لما عمّوه بالرضى فقال سبحانه:

«فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ» فما كان إلّا أن خارت أرضهم بالخسفة خوار السكة المحماة في الأرض الخوارة» «1» .

فهذه ضابطة عامة مستفادة من‏ «فَعَقَرُوها» أن سبب الجريمة و مباشرها مجرمان اثنان مهما اختلفت دركاتها حسب مختلف حركاتها، فلكلّ عقوبته جزاء وفاقا، طالما يستثنى عن القود غير القاتل لنفس محترمة ما لم يكن مباشرا، فلا يقتص من غير المباشر اللّهم إلّا نصيبا من الدية المفروضة في مجالاتها، أم إذا كان هو أقوى من المباشر لحد يعتبر هو المباشر.

و هؤلاء العاقرون الناقة عقروها بما عقرها صاحبهم المنادي لهم لعقرها و هو «أحمر ثمود» «2» كما قال اللّه: « فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ‏ »

(1) نهج البلاغة عن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام).

(2)

البحار 11: 376 عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا و علي بن أبي طالب (عليه السلام) في غزوة العشيرة نائمين في صور من النخل و دقعاء من التراب فو الله ما أهبنا إلا رسول الله-

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 342

(7: 77) حيث أمرهم أن «ذروها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ‏ » و لكنهم تعاونوا على إثم العقر و عدوانه نداء لصاحبهم بديلا عن منعه عن عقرها: « فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها. وَ لا يَخافُ عُقْباها » (91: 14).

« فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ‏ » هي‏ «عَذابٌ قَرِيبٌ» و « ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ‏ ».

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) .

و «أمرنا» هذا هو «صاعقة» (41: 13) «طاغية»: « فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ » (69: 5) و صيحة كما هنا، صاعقة طاغية، سائغة لهؤلاء الطائفة الصاعقة الطاغية.

فقد « كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها .. فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها. وَ لا يَخافُ عُقْباها »! و هنا « نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا » هي رحمة الإيمان، و رحمة من اللّه لأهل الإيمان ثم « وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ » إذ كان عذابا مخزيا، ثم خزي يوم القيامة فإنه أخزى، « إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ » فبقوته و عزته يعذب أهله و يرحم أهلها.

و هو

«قوي لا بقوة البطش المعروف من المخلوق، و لو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه، و لا احتمل الزيادة، و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان، و ما كان ناقصا كان غير قديم و كان عاجزا» «1» .

(صلى اللّه عليه و آله و سلم) يحركنا برجله و قد تترّبنا من تلك الدقعاء فقال (صلى اللّه عليه و آله و سلم) ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) قال: أحمر ثمود الذي عقر الناقة و الذي يضربك يا علي على هذه- و وضع يده على قرنه- حتى يبل منها هذه- و أخذ بلحيته-.

(1)

نور الثقلين 2: 375 في أصول الكافي محمد بن أبي عبد اللّه رفعه إلى أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فسأله رجل فقال: أخبرني عن-

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 343

وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) .

هذه صيحة مدمرة و صاعقة طاغية مدمدمة مزمجرة، أخذت « الَّذِينَ ظَلَمُوا » أخذة قاسية قاضية « فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ‏ » و هي قريتهم بدورها و شرورها «جاثمين» حسوما جاسمين، واقعين على وجوههم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية.

وي « كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها »: إقامة، « فَهَلْ تَرى‏ لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ » فترى دورهم غير دورهم، و دورهم غير دورهم، إذ أصبحوا بدورهم بورا في دورهم، لا أثر عنهم إلّا حسرات تنادي بها أثرات.

« أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ‏ » عن فطرهم و عقولهم، حيث كفروا و ستروا عن أنفسهم آيات اللّه آفاقية و أنفسية، فكفروا به و كذبوه و كذبوا رسله‏ «أَلا بُعْداً لِثَمُودَ» - «ألا بعدا لعاد كما بعدت ثمود» بعدا عن ذكرى التاريخ إلّا بسوء، و عن آثارهم إلّا دائرة بائرة، و عن مستقبلهم إلّا عذاب اللّه كما في ماضيهم.

[سورة هود (11): الآيات 69 الى 83]

وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى‏ قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى‏ أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى‏ قَوْمِ لُوطٍ (70) وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى‏ أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى‏ يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي‏ءَ بِهِمْ وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَ قالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَ جاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَ مِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)

قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)

صفحه بعد