کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 340

و هكذا يبلغ التحجر بالناس النسناس أن يعجبوا من الحق اليقين بمجرد أنه يخالف شهواتهم و عناياتهم الجاهلة التي تعوّدوا عليها، و إنها لطبيعة واحدة و رواية فاردة مكرورة على مدار الزمن الرسالي.

و هنا يجيب صالح صالح الإجابة التي مضت عن جده نوح (عليه السلام) و هي إجابة الرسل صيغة واحدة و صبغة واحدة:

قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) .

إنّ كوني فيكم مرجوا قبل هذا ليست بينة لكم عليّ، حيث السكوت عن دعوة مّا لفترة مّا ليس بينة لواجب السكوت في كل الفترات و الحالات، ثم « أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي‏ » و أنا بنفسي و ما زوّدني ربي بينة من ربي‏ «وَ آتانِي مِنْهُ رَحْمَةً» الوحي الرسالي، فهل أترك هذه الرحمة الغالية لكي أظلّ مرجوا فيكم بما تشتهون، إذا « فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ‏ » في بينته و رحمته « فَما تَزِيدُونَنِي‏ » بدعايتكم هذه‏ «غَيْرَ تَخْسِيرٍ» أن أخسر رحمة ربي لكي أربح رجاءكم فيّ لما تهوونه؟! رجاء قاحلا جاهلا ماحلا.

أجل و ذلك تخسير على تخسير، خسارة الوحي و الرسالة بعصياني و انعزالي عنها، و خسارة النقمة الربانية إن عصيته في رسالته المفروضة على حين أرفضها.

ذلك، و حيث تريدون بينة غيري و ما أنا عليه من بينة ف:

وَ يا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) .

« هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ‏ » أنتم النوق «آية» و أين ناقة من هؤلاء النوق؟

فقد أشبهت‏ «لَكُمْ آيَةً» كما أشبه ثعبان موسى للثعابين الفرعونيين.

«هذه لكم آية» متطلّبة بنوعها لإثبات الرسالة، فاغتنموها « فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ‏ » دون أن يكلفكم أكلا من عندكم أنفسكم أو شربا،

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 341

إنما هي «ناقة الله تأكل في أرض الله»- «وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ» صنيعكم كما أنتم متعوّدون، حيث تسيئون إلى رسل اللّه و آياته و رسالاته‏ «فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ» لثالوث: نكرانكم رسالة اللّه، و آية بينة من اللّه، و مسكم ناقة اللّه.

فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) .

و كيف‏ «فَعَقَرُوها» و إنما عقرها واحد منهم؟ لمكان « فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى‏ فَعَقَرَ » (54: 29)؟ ذلك لأنهم نادوه لعقرها راضين عنه مشجّعين إياه، فقد عاونوه على عقرها فهم إذا كلهم عاقرون، و هذه معاونة على الإثم و العدوان، تعدّ المعاونين كلهم آثمين عادين مهما اختلفت دركاته بين الأصيل و الفصيل.

فيا

«أيها الناس إنما يجمع الناس الرضى و السخط و إنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم اللّه بعذاب لما عمّوه بالرضى فقال سبحانه:

«فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ» فما كان إلّا أن خارت أرضهم بالخسفة خوار السكة المحماة في الأرض الخوارة» «1» .

فهذه ضابطة عامة مستفادة من‏ «فَعَقَرُوها» أن سبب الجريمة و مباشرها مجرمان اثنان مهما اختلفت دركاتها حسب مختلف حركاتها، فلكلّ عقوبته جزاء وفاقا، طالما يستثنى عن القود غير القاتل لنفس محترمة ما لم يكن مباشرا، فلا يقتص من غير المباشر اللّهم إلّا نصيبا من الدية المفروضة في مجالاتها، أم إذا كان هو أقوى من المباشر لحد يعتبر هو المباشر.

و هؤلاء العاقرون الناقة عقروها بما عقرها صاحبهم المنادي لهم لعقرها و هو «أحمر ثمود» «2» كما قال اللّه: « فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ‏ »

(1) نهج البلاغة عن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام).

(2)

البحار 11: 376 عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا و علي بن أبي طالب (عليه السلام) في غزوة العشيرة نائمين في صور من النخل و دقعاء من التراب فو الله ما أهبنا إلا رسول الله-

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 342

(7: 77) حيث أمرهم أن «ذروها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ‏ » و لكنهم تعاونوا على إثم العقر و عدوانه نداء لصاحبهم بديلا عن منعه عن عقرها: « فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها. وَ لا يَخافُ عُقْباها » (91: 14).

« فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ‏ » هي‏ «عَذابٌ قَرِيبٌ» و « ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ‏ ».

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) .

و «أمرنا» هذا هو «صاعقة» (41: 13) «طاغية»: « فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ » (69: 5) و صيحة كما هنا، صاعقة طاغية، سائغة لهؤلاء الطائفة الصاعقة الطاغية.

فقد « كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها .. فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها. وَ لا يَخافُ عُقْباها »! و هنا « نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا » هي رحمة الإيمان، و رحمة من اللّه لأهل الإيمان ثم « وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ » إذ كان عذابا مخزيا، ثم خزي يوم القيامة فإنه أخزى، « إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ » فبقوته و عزته يعذب أهله و يرحم أهلها.

و هو

«قوي لا بقوة البطش المعروف من المخلوق، و لو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه، و لا احتمل الزيادة، و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان، و ما كان ناقصا كان غير قديم و كان عاجزا» «1» .

(صلى اللّه عليه و آله و سلم) يحركنا برجله و قد تترّبنا من تلك الدقعاء فقال (صلى اللّه عليه و آله و سلم) ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) قال: أحمر ثمود الذي عقر الناقة و الذي يضربك يا علي على هذه- و وضع يده على قرنه- حتى يبل منها هذه- و أخذ بلحيته-.

(1)

نور الثقلين 2: 375 في أصول الكافي محمد بن أبي عبد اللّه رفعه إلى أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فسأله رجل فقال: أخبرني عن-

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 343

وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) .

هذه صيحة مدمرة و صاعقة طاغية مدمدمة مزمجرة، أخذت « الَّذِينَ ظَلَمُوا » أخذة قاسية قاضية « فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ‏ » و هي قريتهم بدورها و شرورها «جاثمين» حسوما جاسمين، واقعين على وجوههم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية.

وي « كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها »: إقامة، « فَهَلْ تَرى‏ لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ » فترى دورهم غير دورهم، و دورهم غير دورهم، إذ أصبحوا بدورهم بورا في دورهم، لا أثر عنهم إلّا حسرات تنادي بها أثرات.

« أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ‏ » عن فطرهم و عقولهم، حيث كفروا و ستروا عن أنفسهم آيات اللّه آفاقية و أنفسية، فكفروا به و كذبوه و كذبوا رسله‏ «أَلا بُعْداً لِثَمُودَ» - «ألا بعدا لعاد كما بعدت ثمود» بعدا عن ذكرى التاريخ إلّا بسوء، و عن آثارهم إلّا دائرة بائرة، و عن مستقبلهم إلّا عذاب اللّه كما في ماضيهم.

[سورة هود (11): الآيات 69 الى 83]

وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى‏ قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى‏ أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى‏ قَوْمِ لُوطٍ (70) وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى‏ أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى‏ يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي‏ءَ بِهِمْ وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَ قالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَ جاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَ مِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)

قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)

الرب تبارك و تعالى له اسماء و صفات في كتابه و أسماءه و صفاته هي هو؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) إن لهذا الكلام وجهين- إلى قوله- و كذلك سمينا ربنا قويا لا بقوة البطش ...

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 345

وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى‏ قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) .

علّ هذه «البشرى» هي بشرى إبراهيم و زوجه بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب، لمكان « فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ .. » ثم « وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى‏ » فقد لا تعني بشرى العذاب لقوم لوط حيث يأتي خبرهم لمّا أرسل الرسل إلى لوط، ثم البشرى بعيدة عن العذاب إلّا تهكما للمعذبين، و هنا البشرى لإبراهيم و لوط (عليهما السلام).

ذلك، و قد تعني هذه البشرى بضمنها بشرى العذاب فإنها بشارة لإبراهيم و لوط لقومه المجرمين، تعنيها عناية ضمنية، و لكن لا شاهد لها من هذه الآيات إلّا احتمالا صالحا للعناية الضمنية، ثم و آيات الحجر تصرح ببشرى العذاب بعد بشرى الولادة فهما إذا معنيّان.

«قالُوا سَلاماً» و هو التحية السليمة الإسلامية التي امر بها المسلمون للّه‏ «قالَ سَلامٌ» و قد قدّر هنا و هناك «عليك و عليكم» فإن قول «سلام» هو

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏14، ص: 346

الصيغة الصالحة التي تعني السلام على، ف «سلام» بمجردها دون عناية «عليك أو عليكم» لفظيا أو مقاميا لا جواب له، و قد قدّر في «سلام» من إبراهيم إضافة إلى «عليكم» زيادة مأمورة محبورة لمكان « إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ».

ثم و لا يشترط في أصل الإجابة و نوعيتها معرفة المسلّم عليك و كما لم يعرف إبراهيم هؤلاء الرسل بداية مجيئهم حتى عرّفوه أنفسهم فعرفهم، فللسلام إجابة من أيّ كان و أيان، مهما كان لها موقعها الأرقى حين يعرف المسلّم بمحتده الأرقى‏ «1» .

« فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ »: سمين مشويّ على حجارة الرضف المحماة، و هكذا يواجه الضيف، و قبل أن يعرفوا أو يعلم أنهم جائعون، فإن ذلك أدب الأريب، و إرب الأديب في إضافته أيا كان الضيف، أن يحضر له مائدة قدر الإمكانية غير المحرجة فور ورده.

فَلَمَّا رَأى‏ أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى‏ قَوْمِ لُوطٍ (70) .

(1)

البحار 12: 168 عن النجاشي عن أبي يزيد الحمّار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إن اللّه بعث أربعة أملاك بإهلاك قوم لوط: جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و كروبيل فمروا بإبراهيم و هم متعممون فسلموا عليه و لم يعرفهم و رأى هيئة حسنة فقال: لا يخدم هؤلاء إلا أنا بنفسي و كان صاحب أضياف فشوى لهم عجلا سمينا حتى أنضجه ثم قربه إليهم فلما وضعه بين أيديهم و رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم و أوجس منهم خيفة فلما رأى ذلك جبرئيل حسر العمامة عن وجهه فعرفه إبراهيم فقال له: أنت هو؟ قال: نعم، و مرت امرأته سارة «فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ» قالت ما قال اللّه و أجابوها بما في الكتاب فقال إبراهيم: فيما جئتم؟ قالوا: في هلاك قوم لوط، فقال لهم: إن كان فيها مائة من المؤمنين أ تهلكونهم؟ فقال جبرئيل: لا، قال: إن كانوا خمسين؟

صفحه بعد