کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 7

الجزء الثامن عشر

سورة الكهف‏

[سورة الكهف (18): الآيات 1 الى 8]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4)

ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (5) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى‏ آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (8)

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 8

المحور الرئيسى في الكهف هو تصحيح العقيدة و تثبيتها و إصلاح المنهج الفكري و النظري و اقامة القيم القيّمة بميزان اللَّه، فيها ابتداء بالحمد للَّه منزل الكتاب القيم الحاوي تلكم القيم، و انتهاء بالعمل الصالح و نفي الشرك، و بينهما قصص منقطعة النظير في سائر القرآن ترأسها الكهف و تختمها قصة ذي القرنين و بينهما قصة الجنتين، و قصة موسى مع خضر، و إشارة الى قصة آدم و إبليس، و هذه القصص تستغرق احدى و سبعين من عشر و مائة من آي السورة، ثم و ما تتبقّى منها تعقيبات على قصصها و إلى بعض مشاهد القيامة و سائر الحياة ام ماذا من مذكرات هذه القصص، فإنها ليست مجرد قصص تروى، بل هي حقائق تاريخية تلقى كدروس منضجة للعقول منتجة في كل الحقول لمن القى السمع و هو شهيد.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 9

و لماذا قصة الكهف بين قصصها تختص اسم السورة بنفسها؟ لأنها كهف لمن يفر بدينه، كهف للمتمسكين بالتوحيد، المستقيمين فيه، المحافظين عليه، و التوحيد هو حجر الأساس فيما يتبناه القرآن في سوره كلها، فلتكن هذه كهفا بينها.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) «الْحَمْدُ لِلَّهِ» تستغرق كل حمد من كل حامد و لكل محمود فتحصره في اللَّه، لأنه اللَّه، و تحسره عمن سوى اللَّه لأنه سوى اللَّه، ثم لأنه‏ «رَبِّ الْعالَمِينَ» كما في فاتحة الكتاب، ربوبية تكوينية و تشريعية للعالمين ككل، و هنا لأنه‏ «أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ» فانه كأنه هو ربوبيته كلها، فانه الغاية القصوى من خلق الكون بمن فيه العالمون، فالحمد للَّه لأنه‏ «أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ» كالحمد للَّه لأنه‏ «رَبِّ الْعالَمِينَ» ! و «انزل» اللّامحة بنزول دفعي كما التنزيل هو التدريجي- لا يعني هنا نزوله في ليلة القدر حيث الغاية المعنية هنا «لِيُنْذِرَ .. وَ يُبَشِّرَ» لا تناسب إلّا تفصيل الكتاب المنزل، اللهم إلّا اعتبارا للكتاب المفصل أمرا واحدا طيّا عن طول الزمان و عديد النزول، بل «الكتاب» ككل.

و لماذا «على عبده» لا محمد و لا الرسول؟ علّه للتدليل على الشرط الأصيل في ذلك الإنزال التنزيل و هو العبودية القمة، فبإنزال الكتاب على عبده تحصل الرسالة!.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 10

ثم و «عبده» مفردا كأنه هو عبده لا سواه، دون عبد من عباده؟

تلميحا لأنه في قمة العبودية، لا يساوى و لا يسامى‏ «قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ» .

فمحمد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) «عبده» كأنه فقط لا سواه، فلا نجد «عبده» في اشرف المواقف إلّا إياه‏ «نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى‏ عَبْدِهِ» «فَأَوْحى‏ إِلى‏ عَبْدِهِ» «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى‏ عَبْدِهِ» «أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ» اللّهم إلّا «ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نادى‏ رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا» «1» و لكن «زكريا» هنا تبين انه لولاه لما عرف ب «عبده».

و كذلك القرآن كتابه «الكتاب» كل الكتاب كأن لا كتاب سواه، كتاب في القمة ينزل على (عبد) في القمة و لأنه يحوي كل كتابات الوحي و زيادة! ثم‏ «وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً، قَيِّماً» حالان وصفيتان، أولاهما سالبة تسلب عنه كل نقص و انحراف، و أخراهما ايجابية تثبت له كل كمال، و هذه طريقة مثلي في كل تعريف كامل و كما في أسس الإسلام‏ «لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ» تخلية ثم تجلية.

و العوج فتحا هو ما يدرك بالبصر سهلا، و كسرا ما يدرك بالبصيرة، فلا يرى ارباب البصيرة في القرآن و نبيه انحرافا و اعوجاجا و فطورا:

«فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى‏ مِنْ فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ» (67: 4) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ» (39: 28) و حقيقته ان يكون فيما يصح عليه ان ينتصب، و يميل و يضطرب و يستقيم،

(1). على الترتيب 25: 1- 52: 1- 57: 9- 29: 26 و 19: 2.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 11

فقد يجعل اللَّه ما يتوارد عليه الحالتان فهو غير معصوم، أم لا يتوارد له الا حالة واحدة كما القرآن و نبي القرآن، فالعصمة لزامهما دون نكوب عن المنهاج و لا هوة الاعوجاج.

و القيم هو مؤكد القيام و القوام، تعنيهما «قيّما» أيا كان، قواما في نفسه إذ يهدي للتي هي أقوم، و قياما في دعوته إذ يقوّم القاعدين و يستيقظ النائمين، في سائر القرآن لا نجد قيوما إلّا اللَّه و لا قيما إلّا القرآن و قد يقرنان:

«اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ» (3: 2) فمن قيموميته نزل ذلك الكتاب القيّم، فهو قيّم كما اللَّه منزله قيوم، باق يدوم ما بقي الدهر دون تحرّف او نسخ.

فالقرآن قيّم كما نبي القرآن، والدين منهما و بينهما قيّم‏ «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ» (30: 43) «رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً. فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ» (98: 3) «وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» (98: 5) و أقوم القيّم في هذا الدين و الكتاب قمة التوحيد القيمة «أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» (12: 40) و كما ينبو من الفطرة التي فطر الناس عليها، «ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» (30: 30) .

ثم «له» في الحال الاولى تعني «عبده» و «الكتاب» على البدل، كما الجملة حال عن الإنزال، فتعني: انزل‏ «وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً» : إنزال دون عوج، كما و منزل دون عوج: الكتاب، و منزل دون عوج «عبده» حال مثلثة عن ثلاث: إنزالا و منزلا و منزلا! و «قيما» حال مربعة، هذه، و اللَّه، فانه قيّم و إنزاله قيّم و كتابه قيّم و عبده قيم!

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 12

و من العوج في إنزال الكتاب الوحي ان يشتبه بوحي الشيطان او ينسى، و من العوج في «عبده» نقصان في مثلث العصمة: تلقيا و إلقاء و تطبيقا لوحي الكتاب، و من العوج في الكتاب، تعرضه لتحريف او نسخ، او عوج له في دلالة او مدلول أما ذا «قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ» .

و كما اللَّه قيم، فانزاله «الكتاب» قيم و كتابه قيم و رسوله قيم بقمة العبودية و قوامتها أمّاذا من لزامات الرسالة بالوحي.

فكل عوج من العوج عن الثلاث منفية، و كل قوامة و قيام للأربع مثبتة.

و لماذا «لم يجعل» و العبد دون اتصال بالوحي اعوج دون ان يجعل له عوج، و هو متصلا بالوحي ليس له عوج؟

و هكذا الأمر في الكتاب، و أما الأنزال فطالما العبد متصلا بالوحي ليس له عوج؟

علّ جعل العوج في «عبده» ان ينقص من كماله الرسالي كما في الكتاب من كماله في الوحي، فلان الوحي و الرسالة يقتضيان كمالا دون عوج، فلا يتصور لهما عوج إلّا ان يجعل لهما عوجا.

و ما هو الهدف في ذلك الإرسال مختصرا لا محتصرا؟: «لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً. ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً» .

و ترى ما هو البأس الشديد؟ و من لدن من هو؟ انه بأس شديد من اللَّه عذابا في الدنيا و أشد منه في الاخرى، و بأس شديد من رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) حربا منه و محاربا هو من لدنه كعلي (عليه السلام) فانه من رسول اللَّه و حربه منه فمن لدنه: اللَّه، يعم عذابات اللَّه، و من لدن رسول اللَّه: يعم لدنه متصلا: حربه، و منفصلا محاربه الذي هو من لدنه‏ «1» .

صفحه بعد