کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 344

فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏» و كما رفع ذكره في الملاء الأعلى: «وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ» و كما يذكر إدريس الصديق في كتابه بلغته السريانية هذه المكانة العليا لأهل بيت الرسالة المحمدية (صلّى اللّه عليه و آله و سلم):

يقول بعد عرض عريض في حوار بين آدم و بنيه حول «من هو أفضل الخليقة» فإذا انا «آدم» بأشباح خمسة باهرة في العرش في غاية العظمة و الجلال و الحسن و الضياء و البهاء و الجمال و الكمال حيث حيرتني أنوارهم فقلت رب! من هؤلاء؟ فأوحى الي أنهم أشرف خلقي و الوسطاء بيني و بينهم:.

إني لهو يوه أنا لبرين و ارخ لا الشماى و لا أل ارعا و لا الپردس و لا الكيهن و لا الشمس و لا السعر:

«لولاهم لما خلقتك» يا آدم «و لا السماء و لا الأرض و لا الجنة و لا النار و لا الشمس و لا القمر» قلت «آدم»: ما هي اسماء هؤلاء الأكارم؟ قال: انظر الى العرش ترى:- «پارقليطا» (محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) «إيليا»: علي (عليه السلام) «طيطه»: فاطمة (عليها السلام) «شپرّ»: حسن «شپير»:

حسين.

هليلوه لت اله شوق منّي محمّد انّوي داله»-: «هلّلوني فانه لا إله إلا أنا و محمد رسولي» «1»

(1). طبع كتاب إدريس (عليه السلام) باللغة السريانية في لندن 1895 و هذه البشارة في ص 514- 515 منه ينقله المغفور له ملا محمد صادق جديد الإسلام في كتابه أنيس الاعلام- و قد فصلناه في كتابنا «رسول الإسلام في الكتب السماوية ص 131 (عربية) و في كتابنا «بشارات عهدين» باللغة الفارسية ص 229.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 345

[سورة مريم (19): الآيات 58 الى 72]

أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلاَّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا (62)

تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَ اصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَ يَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً (67)

فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى‏ بِها صِلِيًّا (70) وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى‏ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72)

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 346

أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا (58) .

كما النعمة الربانية درجات كذلك المنعم بها عليهم درجات أفضلهم النبيون ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 347

فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» (4: 69) .

و قد تلمح‏ «مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ» دون «آدم و من ذريته» إلى أنه ما كان من النبيين مهما كان من المرسلين أمن ذا؟ .. و الذين أنعم اللّه عليهم- على درجاتهم- هم الذين نستهدي في صلواتنا صراطهم‏ «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» و نحن أيضا درجات كما هم درجات، فلا تستهدي كل درجة إلّا صراط من فوقها دون من يساويها او أدنى، و كما الرسول محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و هو على قمة الصراط لا يستهدي في صلاته إلّا أفضل من المنعم عليهم أجمع فانه إمامهم أجمع! و النبيون المذكورون هنا هم: زكريا و يحيى و عيسى و ابراهيم، و إسحاق و يعقوب و موسى و هارون و إسماعيل و إدريس، عشرة من المذكورين في سائر القرآن و سواهم، و مريم المذكورة معهم من الصديقين و «أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ» (5: 75) و قد تشملها «مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا» . «1» و ترى من‏ «النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ» اما كانت تشمل كافة صفحات النبوة في تاريخ البشرية؟ فما هي الحاجة الى «و ممن- و من- و ممن ..»؟.

قد تعني هذه الثلاث الثلاثة الباقية من المنعم عليهم و سائر النبيين ف «مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا» تعم الصديقين و النبيين غير المذكورين هنا، و أئمتنا المعصومون (عليهم السلام) كما فاطمة صديقة و مريم صديقة. ف

(1).

نور الثقلين 3: 351 ح 114 في كتاب المناقب في مناقب زين العابدين (عليه السلام) قال (عليه السلام): في قوله تعالى: «وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا» نحن عنينا بها.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 348

«مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ» و «مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا» تعمان كل نبي و كل صديق في تاريخ الرسالات الإلهية ثم‏ «وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ» تشمل كل شهيد و صالح.

إذ ليس‏ «مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ» نبي أم و لا صديق إلا في ذريته و ذريتهم، و النص‏ «مِمَّنْ حَمَلْنا» لا «من ذرية من حملنا» حتى تعني النبيين من هذه الذرية، ثم و لا تختص النبوة بذرية إبراهيم و إسرائيل حتى تعني النبيين من هذه الذرية.

إذا ف «من» الأولى بيانية و سائر الأربع تبعيضية، تحمل الخمس المنعم عليهم الاربعة «مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ» .

و في تقسيم أبعاض الآية الى المذكورين تكلف ظاهر: أن‏ «مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ» هو إدريس و حقه إذا «من نبي من ذرية آدم»! ثم‏ «وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ» إنه إبراهيم إذ هو من ذرية من حمل مع نوح، و حقه إذا «و من ذرية نوح او من ذرية من حملنا مع نوح»! ثم‏ «وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ» ان «من ابراهيم»: «إسماعيل و إسحاق» و من إسرائيل «زكريا و يحيى و عيسى و موسى و هارون! و حقه إذا «مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ» حيث تعم كافة النبيين من فرعيه: إسماعيل و إسرائيل دون اختصاص بالمذكورين.

و قد يكون في «من‏ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ» صديق كما فيهم صالح و شهيد، و لكنما «وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا» يعم مع النبيين غير المذكورين هنا كل صديق و صالح و شهيد، كما «مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ» تعم كافة النبيين في صفحات النبوات!.

و مواصفة لهم ثانية شاملة للأربع: «إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا» فإنهم المنعم عليه بنعمة الهداية و العبادة القمة، لا تخالجهم‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 349

غواية في أية حلّة و ترحالة، سجّدا للرحمن و بكيا في كل حالة و مقالة و فعالة، فعّل الخرور سجدا و بكيّا هو كمال الخضوع و الخشوع أمام آيات الرحمن حين تتلى عليهم، من وحي آيات الوحي المتلوة عليهم بشؤون الربوبية و العبودية و الرسالة و النبوة، سواء أ كان التالي هو الرحمن ام وسيط في الوحي وحيا إمّا ذا من تلاوة حسب درجات المنعم عليهم، من النبيين الى الصالحين، حيث الآيات تأخذ بازمة قلوبهم فيخرون بكيا و من ثم بقوالبهم فيخرون سجدا.

و إذا كانت السجدة و البكاء للرحمن فلما ذا هي‏ «إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ» و لا يختص مقام الرحمن بما تتلى؟ إنه مزيد الايمان و الانجذاب إلى الرحمن حين يكلم المنعم عليهم‏ «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَ عَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» (8: 2) و «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (59: 21) .

ثم للسجود و البكاء حين تتلى آيات الرحمن درجات أدناها الاستماع إليها و الإنصات لها «وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (7: 204) فإنهما من السجود الخضوع دون تمامه، و هما لزام لأصل الايمان و أدناه: «فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ» (84: 21) مهما كان كمال السجود و البكاء لزام كمال الايمان و أعلاه‏ «إِذا تُتْلى‏ ... خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا» فكما يجب ان يكون المؤمن باللّه ساجدا للّه خاضعا له في أحواله كلها، كذلك السجود لآيات اللّه و لا سيما حين تتلى، فترك الاستماع إليها و الإصغاء لها نابع من عدم الايمان! و لماذا «آياتُ الرَّحْمنِ» دون «اللّه» او «الرحيم» لان العناية المناسبة

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏18، ص: 350

لمطلق السجود و البكاء تقتضي الرحمة العامة بما فيها بشارة الثواب و نذارة العقاب، فالسجود نتيجة البشارة و البكاء نتيجة النذارة مهما عمهما السجود و البكاء في توسّع يليق بالمنعم عليهم.

و كما السجود في وجه عام يشمل أدناه إلى أعلاه كذلك البكاء تشمل التباكي و حالة البكاء كما تشمل أعلى البكاء، درجات حسب الدرجات.

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) .

«فخلف» هؤلاء المنعم عليهم «خلف» «1» خالفوهم فيما هم و تخلفوا عما هم حيث‏ «أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» كما خلف من بعدهم خلف أقاموا الصلاة و تركوا الشهوات فسوف يلقون ريا.

لكل صاحب دعوة إلهية خلف و خلف، و طبيعة الدعوة و صنيعتها تقتضي الخلف دون الخلف، و خلف الدعوة الصارمة و التخلف عنها لزامه مضاعفة الغي و العذاب، كما ان خلفها و الاستمرار فيها لزامه مضاعفة الري و الثواب! فلان آيات الرحمن منها مبشرة لمن يعبد الرحمن و قمتها الصلاة، و أخرى منذرة لمن يتركها اتباعا للشهوات، فهؤلاء الخلف طول الرسالات و الدعوات الإلهية أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات، نقطة مضادة لأسلافهم المنعم عليهم‏ «إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا» !

صفحه بعد