کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏22، ص: 210

غار العرش في الجو غور الطاقات الموجية، ثم نبع عند مجلس سليمان كما كان.

و قد يعنيه ايضا انخساف الأرض و انخراقها بينه و بين العرش تأويلا له بانخراق جو الأرض، إذ لا يكفي في تخطي هذه السرعة الهائلة- فقط- تحويل العرش إلى الأمواج، فلا بد لها من تعبيد المسيرة الجوية خرقا و خسفا حتى تتم الخارقة الربانية كما تمت و هذه خارقة رابعة.

و الظاهر من ارتداد الطرف هو التقاء الجفنتين بعد افتراقهما، فجفن العين هو دائم الانطباق و الافتتاح كعملية أوتوماتيكية دون ارادة، كما تلمح لها «يرتد» دون «يرد» و ذلك أبلغ ما يوصف به في السرعة، و قد يعنيها «أَوْ هُوَ أَقْرَبُ» بعد «كَلَمْحِ الْبَصَرِ» ف «قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ» أقل من طرفه إلى أن يبلغ إلى واحد الزمان الأم‏ «1» .

فليكن غور العرش تحولا له إلى ابسط طاقة موجية كأخفها وزنا و أسرعها قابلية للحركة لكي تجتاز مسيرة شهر في واحد من الزمان أم يزيد لأقل من ارتداد الطرف.

و مهما استطاع العلم في مستقبل ان يحوّل- حسب المحاولات و المعادلات الفيزاوية- مادة إلى طاقة موجية و لمّا، فليس بمستطاعه- و إن بلغ القمة المستطاعة لمن سوى اللَّه- ذلك المربع البارع من خرق العادة بمجرد المشيئة و دون محاولة عملية إلّا دعاء «2» فتلك- إذا- هي من آيات الرسالة

(1).

نور الثقلين 4: 88 بصائر الدرجات عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) ... ثم عادت الأرض كما كانت اسرع من طرفة عين ..

(2)

نور الثقلين 4: 92 عن مهج الدعوات في دعاء العلوي المصري عن علي (عليه السلام): الهي و اسألك باسمك الذي دعاك به آصف بن برخيا على عرش ملكة

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏22، ص: 211

الربانية، و هي هنا كحجة ثانية لاهتداء الملكة إلى اللَّه كما اهتدت فأسلمت مع سليمان للَّه رب العالمين.

كلام حول تبدل المادة طاقة و موجة

فالذرة هي طاقة متكاثفة معقّدة كما الطاقة هي ذرة منطلقة متحررة، و لا اختلاف بينهما إلّا بالتكاثف و الانتشار، و العلم الحديث بدء بمحاولة تبديل المادة إلى طاقة خالصة، أي نزع الصفة المادية للعنصر بصورة نهائية، و ذلك على ضوء جانب من النظرية النسبية ل «البرت انيشتاين» إذ تقرر أن كتلة الجسم نسبية و ليست ثابتة، فهي تزيد بزيادة السرعة، كما تؤكد التجارب التي أجراها علماء الفيزياء الذرية على الإلكترونات التي تتحرك في مجال كهربائي قوي، و دقائق (بيتا) المنطلقة من نويّات الأجسام المشعّة «1» .

و لما كانت كتلة الجسم المتحرك تزداد بازدياد حركته، و ليست الحركة إلّا مظهرا من مظاهر الطاقة، فالكتلة المتزايدة في الجسم هي إذن طاقته المتزايدة.

فلم يعد في الكون عنصران متمايزان أحدهما المادة التي يمكن مسّها،

سبأ فكان اقل من لحظ الطرف حتى كان مصورا بين يديه ..»

و

فيه (90) عن الامام علي الهادي (عليه السلام) كان عند آصف حرف فتكلم به فانحرقت له الأرض فيما بينه و بين سبأ .. و مثله في سائر روايات‏ القصة انه دعا، فلم تكن منه المشية دون دعاء، أو عملية علمية تجريبية.

(1). يقال اولى الاستحالات التي حصلت لعنصر ثابت كانت في 1919 م بواسطة راذفورد بآلية ساذجة جدا و قد فصل في كتاب الطاقة الذرية من السلسلة العلمية: ماذا أدرى ص 61.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏22، ص: 212

و تتمثل لنا في كتلة، و الآخر الطاقة التي لا ترى و ليست لها كتلة، كما كان يعتقد العلماء سابقا، بل أصبح العلم يعرف أن الكتلة ليست إلّا طاقة مركزة.

و يقول انيشتاين في معادلته ان: «الطاقة كتلة المادة* مربع سرعة الضوء، و سرعة الضوء 816000 ميلا في الثانية» كما ان الكتلة الطاقة/ مربع سرعة الضوء، و بذلك ثبت ان الذرة بما فيها من بروتونات و الكترونات ليست في الحقيقة إلّا طاقة متكاثفة، بالإمكان تحليلها و إرجاعها إلى حالتها الأولى.

فهذه الطاقة هي الأصل العميم للعالم في التحليل الحديث و هي التي تظهر في اشكال مختلفة و صور متعددة: صوتية و مغناطيسية و كهربائية و كيماوية و ميكانيكية أمّاهيه؟، و على هذا الضوء لم يعد الازدواج بين المادة و الإشعاع بين الجسمانيات و الموجات، أو بين ظهور الكهرب على صورة مادة أحيانا، و ظهوره على صورة كهرباء أحيانا أخرى، لم يعد ذلك غريبا، بل أصبح مفهوما بمقدار، ما دامت كل هذه المظاهر صورا لحقيقة واحدة هي الطاقة.

و لقد أثبتت التجارب علميا صحة هذه النظريات، إذ أمكن للعلماء ان يحوّلوا المادة إلى طاقة و الطاقة إلى مادة.

فالمادة تتحول إلى الطاقة عن طريق التوحيد بين نواة ذرة الهيدروجين و نواة ذرة ليثيوم، فتنتج عن ذلك نواتان من ذرات الهليوم، و طاقة هي في الحقيقة الفارق بين الوزن الذري لنواتين من الهليوم، و الوزن الذري لنواة هيدروجين و نواة ليثيوم.

و الطاقة تتحول إلى المادة عن طريق تحويل أشعة «جاما» و هي أشعة لها

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏22، ص: 213

طاقة دون وزن، تتحول إلى دقائق مادية من الإلكترونات السالبة و الإلكترونات الموجبة، التي تتحول بدورها إلى طاقة، إذا اصطدم الموجب منها بالسالب.

و من أعظم التفجيرات للمادة الذي توصّل إليها العلم، هو التفجير الذي يمكن للقنبلة الذرية و الهيدروجنية أن تحققه، إذ يتحول بسببها جزء من المادة إلى طاقة هائلة.

و تقوم الفكرة في القنبلة الذرية على إمكانية تحطيم نواة ذرة ثقيلة بحيث تنقسم الى نواتين أو اكثر من عناصر أخف، و قد تحقق ذلك بتحطيم النواة في بعض اقسام عنصر اليورانيوم، الذي يطلق عليه اسم اليورانيوم 235 نتيجة لاصطدام النيوترون بها.

و تقوم الفكرة في القنبلة الهيدروجينية على ضم نوى ذرات خفيفة إلى بعضها، لتكون بعد اتحادها نوى ذرات أثقل منها، بحيث تكون كتلة النواة الجديدة أقل من كتلة المكونات الأصلية.

و هذا الفرق في الكتلة هو الذي يظهر في صورة طاقة، و من أساليب ذلك دمج أربع ذرات هيدروجين بتأثير الضغط و الحرارة الشديدين، و إنتاج ذرة من عنصر الهليوم، مع طاقة هي الفارق الوزني بين الذرة الناتجة و الذرات المندمجة و هو كسر ضئيل جدا في حساب الوزن الذري.

رجوع إلى الآية بتكملتها

: «فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ» استقرارا عن تلك السرعة الهائلة، و استقرارا إلى أصله عن الموجة المحول إليها، فقد تمت في ذلك الاستقراء خوارق اربع تكفي كل واحدة حجة بارعة.

«قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي» ليس من فضلي أنا و لا آصف‏ «لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ» بلوى حسنة تبرز شكرانا أم كفرانا بهذه‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏22، ص: 214

النعمة السابغة الفائقة و سواها مما أنعم به عليّ، و لقد استشعر أن النعمة كهذه الخارقة البارقة ابتلاء مخيف ضخم، أمامها مسئولية هامة خطرة، فالمنعم بحاجة إلى يقظة ليجتازها سليما مسلما شاكرا، فان زهرة الحياة و زهوة النعمة قد تدفع الإنسان إلى الكفران، بل هو طبيعة الحال إلّا لمن اعتصم باللَّه فعصمه اللَّه.

«وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ» دون ربه‏ «وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ» غني عن ان يشكر، و غني عن ألّا يكفر، فإنما الشكران و الكفران راجعان إلى الشاكر و الكافر.

قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ‏ 41.

«نَكِّرُوا لَها» غيروا معالمه المميزة له بحيث لا يعرف لأوّل وهلة «نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي» إلى عرشها المستأنس لها طيلة ملكتها، و كان من حقها في نظرتها البدائية ألّا تعرفه لتنكّره و استبعادها الإتيان به بهذه السرعة.

و من خلال ذلك الهدي «تهتدي» إلى ربها حيث تجوزّ خارقة السرعة، اهتداء ذا بعدين في ذلك المضمار «أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ» كملإها الذين كانوا معها، إذ لم يهتدوا لا إلى معرفة العرش، و لا بمعرفته إلى معرفة اللَّه، و هنا تعرّف سليمان إلى ذكائها و إسلامها بذلك الاختبار و الاعتبار.

فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَ هكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَ أُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَ كُنَّا مُسْلِمِينَ‏ 42.

هنا ينكّر السئوال‏ «أَ هكَذا عَرْشُكِ» دون «أ هذا» كما نكّر عرشها، فهو بين مثلث من التنكير ثالثه بعد المسافة و سرعة السير، و انها مفاجأة ضخمة لا تخطر للملكة على بال، فأين عرشها في سبإ و عليها أقفالها

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏22، ص: 215

و حرّاسها، و اين بيت المقدس بمسيرة شهر، و كيف جي‏ء به و من ذا الذي جاء به؟ و لكن العرش رغم كل ذلك التنكير هو عرشها، و هي تعرفه، فانتهت إلى جواب محتاط أريب أديب: «قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ» فروسية بارعة في مواجهة هذه الظاهرة المريبة العجيبة، و ما قولة «كأنه هو» في هذه المجالة المريبة إلّا تصديقا لأنه هو و كما يؤيده‏ «وَ أُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَ كُنَّا مُسْلِمِينَ» فانه في ظاهر السياق من قولها تثيبتا ل «كأنه هو» و انها بعد ليست بحاجة إلى آية للإسلام.

و قد يعني الضمير المؤنث في «قبلها» آية العرش، فقد علمنا من إلقاء الكتاب إلينا و من مضمونها أنك على حق‏ «وَ كُنَّا مُسْلِمِينَ» و ما قصة الهدية إلّا تأكّدة لما علمنا أنك لست من أهل المتع الدنيوية، و يا للعرش آية مؤكدة لآيات سبقته، و قد كان من قبل عرشا للسلطة المشركة، و هكذا يبدل اللَّه آية الضلال آية الهدى.

و قد يعني‏ «وَ أُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها» أن عرشها أتي به قبل ارتداد طرف و هي بعد في قصرها، حيث فقدته بأسره دون ان تفتح الأبواب أو ترى حملة يحملونه، و صالح الآية البينة يقتضيه حتى تعزم على الرحيل إلى سليمان مسلمة عارفة بالقضية، مهما كان إسلام التسليم أم إسلام الاستسلام، و لكنها أسلمت بعد مع سليمان للَّه رب العالمين.

وَ صَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ‏ 43.

الصد، بمعنى الفصل المانع، يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد و هو هنا «ها» الملكة، و «ما كانَتْ ..» فاعله- بطبيعة الحال- فالواو- إذا- حالية، و المصدود عنه هو سبيل اللَّه، فهي تقول هنا «وَ كُنَّا مُسْلِمِينَ» حال انها قبل استسلامها و إسلامها صدها ما كانت تعبد من دون اللَّه عن عبادة

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏22، ص: 216

اللَّه، فانها كانت من قوم كافرين، و قد زال ذلك الصد- منذ بلوغها كتاب سليمان إلقاء إليها، و رجوع المرسلين بهديتها بما حملوه من تهديد- زال لحد الاستسلام، ثم هنا الإسلام «و أسلمت ..»، و احتمال ان فاعل الصد هو سليمان بما فعل، أو العرش بما تحول وارد، مهما لا يحتمل كلّ بمفرده إذ يقتضي تقدير «عن» ل «ما» تعدية إلى ثاني المفعولين، و الجمع بينهما أحلى و أحرى، فكما صدها ما كانت تعبد من دون اللَّه، عن اللَّه، كذلك و بالمآل صدها سليمان و العرش عما كانت تعبد من دون اللَّه‏ «إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ» إذا ف «ما كانت» فاعل و مفعول، و يصح الثاني ضمن الأوّل حذفا للجار فيه و دون حذف في فاعله.

قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَ كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ 44.

«الصرح» هو القصر العالي، ثم‏ «حَسِبَتْهُ لُجَّةً» و «مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ» ترفعانه على أرضية قارورية فوق الماء، لذلك حسبته في تلك المفاجأة البديعة لجة الماء، و «كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها» دليل على عمق طفيف للماء خفيف، لا يخاف منه الغرق.

فقد «كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها» كيلا تبتلّ، و بعد خوض المفاجئة كشف لها سليمان عن سرّ الصرح‏ «قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ» و هو المملّس منها، لا فقط تملّسا أرضيا إذ ليس إلّا أرضه، و النص «صرح» فليكن كله مملسا من قوارير، و منه أرضه القائمة قواريرها على الماء، لحد يحسبه غير العارف بحاله أنه لجة.

صفحه بعد