کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 150

ف- «ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» هي جزاؤكم بكمها و كيفها، فهي داؤكم معكم لزاما إلى يوم الدين، تبرز جزاء و دينا.

إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) .

أ ترى «إلا» استثناء؟ فعمّا هي تستثني؟ عن‏ «لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ» و هم أولاء المجرمون! دون شمول لفسقة المؤمنين فضلا عن المخلصين؟

و لو توسعنا في «إنكم» أنها تعني كل المكلفين، فحق الاستثناء «إلا المؤمنين» دون «المخلصين» حيث يظل المخلصون و من إليهم من المؤمنين من ذائقي العذاب الأليم! أم هي استثناء عن‏ «ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» في وجهها الشامل لكل المكلفين، أن الجزاء العدل الوفاق للمجرمين ليس إلّا «ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» و أما المخلصون فلهم أجرهم الوفاق و زيادة، فضلا إلى عدل؟ و «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏ وَ زِيادَةٌ» مخلصين كانوا ام مخلصين أم أيا من المحسنين! أم هي استثناء متصل عن‏ «وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ» في وجهها الشامل، و منقطع عن‏ «لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ» و متصل عن‏ «ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» حيث المخلصون و هم أصحاب اليمين و السابقون المقربون لا سؤال عنهم إلا تبجيلا و تجليلا، و ليسوا رهناء أعمالهم و ما كسبوا:

«كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ» (74: 39) كل المكلفين للحساب يحضرون‏ «فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» (37: 128) حيث استقروا في قرارة ثابتة من العبودية، فبم يحاسبون؟ و عم يتساءلون؟

إن مثلث الاستثناء- منفصلا بين متصلين- يناسب أدب اللفظ و حدب المعنى، فلأن الآيات المسبقة تحدثت عن جزاء ألدّ المجرمين، فليقابلهم‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 151

أخلص المؤمنين و هم‏ «عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» .

هناك مخلصون في عبوديتهم للّه- و طبعا- كما يسطعون، فليس إذا الإخلاص القمة، و قد يشوبه لمم و صغار الذنوب، أم غير خالص الطاعة كما يحق، قصورا ذاتيا أم و تقصيرا قاصرا حيث للشيطان عليهم سبيل‏ «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» و هنا مخلصون أكمل لهم ربهم إخلاصهم فعصموا عن كل غواية عامدة أم خاطئة، فهم المعصومون أيا كانوا، مرسلين أم خلفاء لهم منصوصين كالأئمة الاثنى عشر من عترة الرسول محمد (صلى اللّه عليه و آله و سلم).

هم خلاصهم عن اي ذنب هو بين إخلاصهم أنفسهم كما يستطيعون، و من ثم إخلاص اللّه لهم: «إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ» (38: 46) و هم المؤمنون حقا و معهم المخلصون: «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً» (4: 164) .

فالمخلصون مستثنون عن أية غائلة و هائلة قد تعم سائر المؤمنين:

«وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» (15: 40) «فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» (37: 74) «فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» (37: 128) «سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» (37: 160) «كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ» (12: 24) فلأن اللّه أخلصهم لنفسه: «وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي» (20: 41) فلا سبيل لغير اللّه إليهم و لا سلطان عليهم فضلا عن الشيطان.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 152

هنا على ذكر عباد اللّه المخلصين يعرض لهم صفحة جديدة ليوم الدين وجاه ذلك العذاب الأليم للمجرمين:

أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) .

آية منقطعة النظير في ساير القرآن تحمل ميّزات المخلصين ب- «رِزْقٌ مَعْلُومٌ» فما هي الميزة في‏ «رِزْقٌ مَعْلُومٌ» ؟

إنه رزقهم عند ربهم في بعدية ماديا و معنويا، و من الثاني أنهم لا يسألون:

«وَ لَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)» و غيرهم- ككلّ- من المحضرين المسئولين، مجرمين و مؤمنين مخلصين‏ «إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» .

و منه‏ «أَ فَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى‏ (59)» و لمن سواهم موتة ثانية هي عن الحياة البرزخية إلى الحياة الآخرة:

«وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ» فالمخلصوص هم‏ «مَنْ شاءَ اللَّهُ» ألّا يصعقوا بعد صعقتهم الأولى و هي موتتهم الأولى.

و منه أنهم ليسوا رهناء أعمالهم‏ «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ» فليس جزاءهم كالمجرمين قدر أعمالهم، و لا كسائر المحسنين أنهم يسألون فيثابون قدر إحسانهم و زيادة قدرهم، فإنهم لا يحاسبون و لهم أجرهم من غير حساب و لا حدود، لأنهم كانوا مخلصين في عبودية اللّه دون حساب و لا حدود.

فذلك الرزق المعلوم، نعلم طرفا منه كما هنا و في ساير القرآن، و نجهل طرفا آخر، فهو لنا معلوم لحدّ، و للّه معلوم دون حدّ، و لعمّاله يوم القيامة معلوم كما يحدّ.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 153

و هنا حسب السنة القرآنية يبتدئ بطرف من الرزق المحسوس، ترغيبا لأحاسيس المؤمنين، و من ثم طرف كما تطرّفناه من الرزق غير المحسوس، و أخيرا «لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ» :

فَواكِهُ وَ هُمْ مُكْرَمُونَ (42) .

فواكه غيرهم‏ «كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ» (23: 19) «فَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ» (77: 42) إنها قد لا تمازجها إكراميات سواها، أم لهم منها قدرهم كجزائهم بفضله المقرر لهم، فلهم مطلق الإكرام، و لكن أولئك لهم الإكرام المطلق دون جدّ و هم يأكلون فواكههم مكرمين و متفكهين.

فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) آي الجنات النعيم في سائر القرآن سبع‏ «1» ، اثنتان منها- و هذه منهما- تختصان بالمخلصين و السابقين المقربين: «وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ» (56: 12) و الخمسة الباقية تعم المتقين، و لكن اين نعيم من نعيم؟ فنعيم المخلصين المقربين هو أصل النعيم المطلق: «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» و نعيم الباقين مطلق النعيم الفرع، و كما هم‏ «مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» (4: 69) .

عَلى‏ سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (44) تقابلهم على سررهم في أصله لا يختص بهم، فهو يعمهم و سائر أهل الجنة، و إنما يمتاز المخلصون ألّا يقابلهم إلّا من هو منهم لا دونهم، فالمكلفون هناك أشتات حسب شتات الدرجات أو الدركات و لا يظلمون‏

(1). هذه 65/ 5 9/ 10 56/ 22 8/ 31 17/ 52 12/ 56

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 154

نقيرا، فالمقابلة على السرر في جنات النعيم الأصيلة تختص بأهلها، مهما كانت لمن دونهم معهم لقاءات و زيارات.

و حين نجد في هذه المواصفات ما تعمهم و كل أصحاب الجنة، تعمهم في درجاتهم، أو أن هذه المجموعة من ميّزاتهم مهما عمتهم مفردات بسواهم.

يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيها غَوْلٌ وَ لا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (47) .

تذكر خمر الجنة في آيات عدة لسائر أهل الجنة، بمواصفات لها فصلناها في طياتها، و لكنها هنا لا تذكر للمخلصين بلفظ الخمر، إكراما لهم زائدا على من سواهم من أصحاب الجنة، و تختص لهم ب- «بيضاء» إبعادا للونها كاسمها و سماتها عن خمر الدنيا، ثم‏ «لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ» و في تنكير «لذة» إعظام لها لحد لا يحد و لا يوصف‏ «وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ» (47: 15) «لا فِيها غَوْلٌ» هي ثانية البيضاء في ميّزات معين المخلصين‏ «وَ لا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ» تعمهم و سواهم: «لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَ لا يُنْزِفُونَ» (56: 19) فالنزف هي النزف، و علّ الغول- كذلك- هي التصدّع، بفارق أن الغول هو إهلاك الشي‏ء من حيث لا يحسّ به، و التصدع اشتقاق الرأس و صداعه من الوجع.

إنه «كأس‏ مِنْ مَعِينٍ» : جار- نهرا و سواه، ما يزيد في طراوته «بيضاء» كأحسن لون و أنضره و انظره للناظرين، ففيها «لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ» نظرة كما هي لهم طعما و شربة، ففيها كافة محاسن المشروب، بما ينفى عنها كافة مضاره‏ «لا فِيها غَوْلٌ وَ لا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ» و ينزفون، نزف الجسم‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 155

و نزحه، ام نزح الروح و نزفه، بل و تزيد في الجسم طراوة و طلاوة، و في العقل نزاهة و علاوة.

خمر الدنيا تخمر الجسم و العقل تنقيصا، و خمر الآخرة تخمر النقص و الجهل تمحيصا، و تجعل شاربها سكرانا في اللّه، غفلانا عما سوى اللّه، إذ تزداده معرفة باللّه و هيمانا في اللّه، و كما تبلور جسمه أكثر مما كان! نزيف خمر الدنيا في انتزاح الجسم و افتضاح الروح، و اغتياله لكلا الجسم و الروح، يجعلها تخمر الإنسانية و تسترها، و خلافه المضاد في خمر الآخرة يجعلها تخمر كل نقصان، فإنها «بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ. لا فِيها غَوْلٌ وَ لا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ‏ . يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ» (52:) 23).

في خمر الدنيا كل لغو و تأثيم و كل تصدّع و نزف و كل غول، و بخلافها خمر الآخرة التي تزيد شاربها كل صحة و معرفة، لذة حسية و معرفية، جسمية و عقلية أمّا هي من لذات لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر! وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) .

«هم» الذكور هنا للأغلبية الساحقة حيث المخلصات كالصديقة الطاهرة و مريم أمّن هي، هن بينهم قليلات، و «قاصرات» تعم الإنسيات و الحوريات و الجنيات، فإن بين الجن مخلصين كالإنس مهما اختلفت الدرجات.

و «قاصِراتُ الطَّرْفِ» عن أزواجهن، لا تعدوهم عيونهن حتى طرفا، لأزواجهن، و كذلك حيائهن و عفافهن الظاهر في قصور الطرف و خفضه، فهن اللواتي جعلن نظرهن مقصورا على أزواجهن، و حبسن‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 156

نظرهن عليهم فلا يتعدينهم إلى غيرهم.

و إنما تقع الكناية عن ذلك بقصور الطرف، لأن طماح الأعين في الأكثر يكون سببا لتتبع النفوس و تطرب القلوب.

و انك إن أرسلت طرفك رائدا

لقلبك يوما أتعبتك المناظر

و من قصور طرفهن أنهن لم ينظرن قبلهم إلى أزواج آخرين:

«فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ» (55: 56) و «عين» هي واسعات العيون و جميلاتها كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) .

بيض مكنون برياشها، مخبوءة عن سائر طلابها إلّا أصحابها، فلا تبتذلها الأيدي و لا العيون، و علّها بيض النعام فان كنّها أحفظ و أستر من سائر الكن، و هي أجمل من سائر البيض حيث يكنها الريش في عش عشيش، فلا يمسها الأيدي و يغبرها الغبار، فهي على صفائها كما بيضت، بيضاء تميل إلى صفراء، و ذلك الخلط الغالب عليه البياض من محاسن النساء.

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (50) و هم‏ «عَلى‏ سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» يتساءلون عما مضى من حوارهم مع أصحاب الجحيم أمّاذا من تساءل حبيب حميم:

قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَدِينُونَ (53) .

صفحه بعد