کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 160

في ذلك الختام لعرض من رزق معلوم للمخلصين، هم يعتبرون مكانتهم قمة عليا يحتذى بها و يقتدى، ف- «العاملون» تستغرق كل العاملين للّه، و لو كان فيهم من هو أرقى و أحرى بالقمة العليا، لكان‏ «لِمِثْلِ هذا» خطأ في عمومها! أَ ذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) .

«أذلك» الرزق المعلوم‏ «خَيْرٌ نُزُلًا» : تقدمة الضيف النازل، و نزولا في يوم اللّه إلى دار اللّه‏ «أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ» و هي من الشجرة الملعونة في القرآن: «وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ‏ ... وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ» (17: 60) .

و الزقوم هي شديدة الكراهية الكريهة النتنة العفنة، و في سائر القرآن ثالوث من ذكرى أليمة من الزقوم، هذه و «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ» (44: 43) «ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ. لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ. فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ. فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ. فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ. هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ» (56: 56) «1» .

و للزقوم جرس اللفظ المعلن لجرس المعنى و ملمسه، كريه بأشدّه و شائك في أشدّه، بعيد عن التصور، ناء عن التصديق، فهو أكره طعام و أنتنه، ياتي في ثالوث الآيات و ثالوث الصفات:

إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (65) .

(1). راجع تفسير آيات الواقعة في ج 27 ص 80 و آيات الدخان في ج 25.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 161

هي فتنة للظالمين أيّا كانوا و في ايّ من الحياتين الأولى و الآخرة، فهنا يتقولون هازئين بالرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم) كما عن أبي جهلهم: يا جارية زقمينا، فأتته بتمر و زبد، فقال لأصحابه: تزقموا بهذا الذي يخوفكم محمد فيزعم أن النار تنبت الشجر و النار تحرق الشجر، فأنزل اللّه‏ «إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ» «1» .

الظالم الناكر ليوم الدين يزيد له نكرانا إذ يسمع شجرة الزقوم بمواصفاتها، أين الشجرة و النار بأشدها في أصل الجحيم، و هي تحرق بأخف النار؟! و ما يفيد تمثيلها في طلعها برءوس الشياطين، و لم ير أحدنا الشيطان؟! ان حماقى الطغيان و آباء الجهالات تجاهلوا القدرة الخلاقة للشجر و النار، و قد «جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ» ! و قد تكون شجرة الزقوم من جنس النار فلا تحرق بالنار بل و قد تزيد في حرقة النار!.

و مهما لم ير أحد رؤوس الشياطين، يرون في أنفسهم أنها أقبح الرؤوس فيما يرون، و كفى الشجرة هولا أنها في بعدي الجهالة من كيانها: شجرة تخرج في أصل الجحيم. طلعها كأنه رؤوس الشياطين.

إنها أكلة رؤوس الشياطين، فلتكن كرؤوس الشياطين، و إنهم وقود النار و أصولها فلتخرج هي من أصل الجحيم، رأسا برأس و أصلا بأصل.

و كما أن عدّة الزبانية للجحيم- التسعة عشر- فتنة للذين كفروا، و مزيد إيمان للذين آمنوا، كذلك شجرة الزقوم بأصلها في أصل الجحيم،

(1). نور الثقلين 4: 404 ح 32 في المجمع في رواية الزقوم بلغة البربر التمر و الزبد فقال ابو جهل لجاريته: ...

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 162

هنا هي فتنة للظالمين كما فتنوا، و واقع الفتنة العذاب لهم في أصل الجحيم.

صحيح أن الناس لا يعرفون رؤوس الشياطين، و لكنها مفزعة كما الشياطين، و مجرد تصورها في غيبها يثير الفزع و الجزع، فكيف إذا كانت طلعا يتطلع لطالع أكلتهم، و إذا كان طلعها كأنه رءوس الشياطين فما ذا- إذا- سائرها الذي أجمل عنه.

فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (67) .

عند ما تشوكهم شائلة الأكلة المالئة من هذه الشجرة الملعونة، حارقة بطونهم، تطلعوا- بطبيعة الحال- إلى شراب يخفف عن وطئتها، و يطفف عن وقعتها، فإذا لهم بشوب من حميم يشوبها، فهو يغلي كما تغلي، شوبا ثنائيا من غلي البطون: «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ. كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ» (44: 43) «فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ. فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ» (56: 55) شوب الحميم داخلي إذ شابه ما يحمّه أكثر من نفسه، و خارجي إذ شابته شجرة الزقوم، و ثالث ثالوثهم في عذابهم الأليم أنه‏ «شُرْبَ الْهِيمِ» و هل لهم مرجع يرجعون إليه و يلجئون؟:

ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (69) فَهُمْ عَلى‏ آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) .

الجحيم: النار الشديدة التأجج، هي مرجعهم فتحرقهم بعد ما احترقوا بنزلهم ف- «إِنَّهُمْ أَلْفَوْا» و وجدوا «آباءهم» القدامى «ضالين» و رغم ضلالهم‏ «فَهُمْ عَلى‏ آثارِهِمْ» في الضلالة «يهرعون» و يسرعون،

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 163

فكما كان مرجعهم في الاولى آباءهم الضالين، كذلك يوم الدين‏ «مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ» و بذلك يختم مشهد الظالمين و كأنه طرف من واقعهم المشهود! فما الحياة الآخرة إلّا صورة واقعية عن الحياة الدنيا، اللهم الا فضلا للذين أحسنوا ف- «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏ وَ زِيادَةٌ» .

[سورة الصافات (37): الآيات 71 الى 113]

وَ لَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)

وَ نَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى‏ نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)

إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (85)

أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)

فَراغَ إِلى‏ آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَ لا تَأْكُلُونَ (91) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قالَ أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (95)

وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ (96) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى‏ رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)

فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى‏ فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى‏ قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)

إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى‏ إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)

إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى‏ إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 165

وَ لَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) .

و تلكم الأكثرية الضالة دائبة في الطول التاريخي و العرض الجغرافي، رغم تواتر الإنذار من المنذرين، فكان ضلالهم معمّدا بعد التحذير و الإنذار، «فانظر» نظرا في عمق الغابر «كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ» المصدقين منهم و الناكرين:

إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) .

فهم بينهم لم تكن لهم عاقبة إلّا الحسنى، رغم السائرين من مكذبين، او مصدقين قاصرين او مقصرين، حيث نالوا ما قصروا او قصرّوا شطرا في الأولى‏ «ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى‏» ! و الاستثناء يعم «من‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏25، ص: 166

ضل» و «المنذرين» فإن للشيطان سبيلا الى غير المخلصين مهما كان لمما أو كبيرة.

و من هنا استعراضات وجيزة لعاقبة المنذرين و المنذرين، من مخلصين و سائر المؤمنين أو المكذبين، بادئا بأول المرسلين العظام نوح عليه السلام:

وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) .

نداء و إجابة مهما كان بينهما من بون كما تقتضيه الحكمة الإلهية، و من ندائه‏ «فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ... وَ حَمَلْناهُ عَلى‏ ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ. تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ» (54: 14) «قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَ نَهاراً ... مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً ... وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ...» (71: 28) و الجمع في «نادانا» و «المجيبون» يعني جمعية الصفات جلالا بسحق الكافرين، و جمالا بنجاة المؤمنين‏ «فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ» لمن هو نعم العبد! ...

«صدقت ربنا أنت أقرب من دعي و أقرب من يعطي فنعم المدعى و نعم المعطي و نعم المسؤول و نعم المولى أنت ربنا و نعم النصير» «1»

وَ نَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) .

هذه ثلاث إجابات لما دعا نوح (عليه السلام) بين نفي لغير أهله و إثبات لأهله، و أهله- هنا- الآهلون للنجاة، من أهله في النسب و أهله‏

(1).

صفحه بعد