کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏29، ص: 99

أربعة و يوم القيامة ثمانية «1»

و روايات عدة أخرى تحصر الثمانية بيوم القيامة

كالمروي عن الصادق عليه السلام قال: حملة العرش- و العرش العلم- ثمانية: أربعة منا و أربعة ممن شاء اللّه» «2»

لو عني ب «منّا» الحملة البشر، أو حملته يوم الدنيا.

و بالنسبة لهؤلاء الأربعة لو نظرنا من زوايا عدة إلى نبوات عدة أصيلة كان الأربعة هم «نوح و ابراهيم و موسى و عيسى و محمد (ص)» فإن موسى و المسيح لم يحملا إلا رسالة واحدة هي التورات، فهما إذا واحد «3» .

و لو نظرنا إلى القمة المقسّمة على حملتها في الرسالة المحمدية الشاملة للرسالات كلها، المضيئة عليها كلها، كان الأربعة هم «محمد و علي و الحسن و الحسين» «4» و على أية حال هؤلاء هم حملة العلم و التربية الإلهية تحقيقا و جزاء.

و

عن الإمام أمير المؤمنين علي (ع) «5» : إذ سأله الجاثليق فقال: اخبرني عن اللّه عز و جل‏

(1). الدر المنثور 6: 261- ابن جرير عن ابن زيد قال: قال رسول الله (ص): و

في التفسير الكبير (ج 30 ص 109) عن النبي (ص): «هم اليوم اربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله باربعة آخرين فيكونون ثمانية».

(2) نور الثقلين 5: 406 عن الصادق (ع).

(3) راجع كتابنا «المقارنات العلمية و تفسير سورة الجن في هذا الجزء».

(4) نور الثقلين 5: 406 عن تفسير القمي قال: حملة العرش ثمانية: اربعة من الأولين و اربعة من الآخرين، فاما الاربعة من الأولين فنوح و ابراهيم و موسى و عيسى، و اما الآخرون فمحمد و علي و الحسن و الحسين، و معنى يحملون يعني العلم.

(5) نور الثقلين 5: 405- عن اصول الكافي عدة من أصحابنا عن‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏29، ص: 100

يحمل العرش أو العرش يحمله؟ فقال: اللّه عز و جلّ حامل العرش و السماوات و الأرض و ما فيهما و ما بينهما و ذلك قول اللّه عز و جلّ: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً قال: فأخبرني عن قوله‏ وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ : فكيف ذاك؟

و قلت: إنه يحمل العرش و السماوات و الأرض! فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«إن العرش خلقه اللّه من أنوار أربعة: نور أحمر منه احمرت الحمرة و نور أخضر منه اخضرت الخضرة، و نور أصفر منه اصفرت الصفرة، و نور أبيض منه ابيض البياض، و هو العلم الذي حمّله اللّه الحملة، و ذلك نور من نور عظمته.

فبعظمته و نوره أبصر قلوب المؤمنين، و بعظمته و نوره عاداه الجاهلون، و بعظمته و نوره ابتغى من في السماوات و الأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة، و الأديان المتشتتة، فكل شي‏ء محمول يحمله اللّه بنوره و عظمته و قدرته، لا يستطيع لنفسه ضرا و لا نفعا و لا موتا و لا حياتا و لا نشورا، فكل شي‏ء محمول و اللّه تبارك و تعالى الممسك لهما ان تزولا: و المحيط بهما من شي‏ء، و هو حياة كل شي‏ء و نور كل شي‏ء، سبحانه و تعالى عما يقولون علوا كبيرا، قال له فأخبرني أين هو؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام هو هاهنا و هاهنا و فوق و تحت و محيط بنا و معنا و هو قوله: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و لا خمسة إلا هو سادسهم و لا أدنى من ذلك و لا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا فالكرسي محيط بالسماوات و الأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى، و إن تجهر بالقول فإنه يعلم السر و أخفى، و ذلك قوله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ‏ فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حمّلهم اللّه علمه، و ليس يخرج عن هذه الأربعة شي‏ء خلقه اللّه في ملكوته، و هو الملكوت الذي‏

احمد بن محمد البرقي رفعه قال: سأل الجاثليق امير المؤمنين (ع) فقال له:

أخبرني عن قوله: وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ فكيف قال ذاك، و قلت: انه يحمل العرش و السماوات و الأرض! قال (ع): ...

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏29، ص: 101

أراه اللّه أصفياءه و أراه خليله فقال: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ‏ و كيف يحمل حملة العرش اللّه؟ و بحياته حييت قلوبهم، و بنوره اهتدوا إلى معرفته».

أقول: علّ الأركان الثلاثة الأول هي مقادير التقدير و التدبير و الإبرام في سائر الكائنات تكوينا، و الركن الرابع هو زاوية العلم: تشريعا و تكوينا و ما أشبهها.

ثم الأربعة الآخرون يوم القيامة، علهم من الملائكة الكروبيين الخصوص، أو أنهم هم لا سواهم، إذ لو كانوا من الحملة يوم الدنيا لانتفى دورهم يوم الدين! و هؤلاء المكرمون الثمانية- أيا كانوا- هم فوق الخلائق أجمع، و يحملون عرش الرب فوقهم اجمع: وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ .

و علهم- كما احتملنا مسبقا- ثمانية صفوف أو صنوف، فلتشمل كافة حملة الرسالات الإلهية، و حملة أمر اللّه تعالى: يوم الدنيا و يوم الدين، منقسمين إلى صفوف أو صنوف ثمانية، و انما ذكرت الروايات اولي العزم من الرسل لأنهم القمة فيما يحمّلون، و الائمة فيما يحملون.

و أخيرا ما أروعه و أعمقه حديثا عن العرش‏

يروى عن الصادق عليه السلام، إذ يسأله حنان بن سدير عن العرش و الكرسي فقال: ان للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة، فقوله: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏ يقول: رب الملك العظيم، و قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى‏ يقول:

على الملك احتوى، و هذا علم الكيفوفية في الأشياء، ثم العرش في الوصل مفرد عن الكرسي لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، و هما جميعا غيبان، و هما في الغيب مقرونان، لأن الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع، و منها الأشياء كلها، و العرش هو الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف و الكون و القدر و الحد و الأين و المشية و صفة الإرادة و علم الألفاظ و الحركات و الترك و علم العدد و البدء، فهما في العلم بابان مقرونان، لأن ملك العرش سوى‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏29، ص: 102

ملك الكرسي، و علمه اغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏ ، أي: صفته أعظم من صفة الكرسي، و هما في ذلك مقرونان، قلت:

جعلت فداك، فلم صار في الفضل جار الكرسي؟ قال عليه السلام: إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه و فيه الظاهر من أبواب البداء و انيتها و حد رتقها و فتقها، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف، و بمثل صرّف العلماء، و ليستدلوا على صدق دعواهما، لأنه يختص برحمته من يشاء و هو القوي العزيز «1» .

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى‏ مِنْكُمْ خافِيَةٌ : تعرضون على اللّه بشهود الأعمال، عرضا حاضرا حاذرا مشهودا، بعد ما كنتم معروضين عليه يوم الدنيا غير مشهودين، ثم ذلك عرض للحساب، و هنا عرض العلم، و في ذلك العرض الشهادة الحساب‏ لا تَخْفى‏ مِنْكُمْ خافِيَةٌ : خافية النيات و العقائد و الأعمال و السرائر، مهما حاولتم في اخفائها، إخفاء عن اللّه؟ كلا! وَ عُرِضُوا عَلى‏ رَبِّكَ صَفًّا (18: 48) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى‏ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْ‏ءٌ (40: 16) بارزون لأنفسهم و سواهم، فكيف يخفى على اللّه منهم شي‏ء، و لا تخفى عليه خافية!.

و ما أخطره هول المطلع و العرض و ما أفظعه و أصعبه، ألا إنه ليوم عصيب أعصب من دك الأرض و مور السماء: وقوف الإنسان عريان الجسد، عريان النفس، عريان الضمير، عريان الحاضر و الغابر، عريان الآمال و الأعمال ما ظهر منها و ما استتر، أين؟ امام تلك الحشود الهائلة من خلق اللّه، و امام عظمة اللّه و جلاله! ألا انه حقا لأمر أمرّ من كل أمر و أدهى، فليحسب له الإنسان حسابه، و ليعدّ له عدّته، سبحان الغفار العظيم!

[سورة الحاقة (69): الآيات 19 الى 37]

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22) قُطُوفُها دانِيَةٌ (23)

كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (24) وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (25) وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (26) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (27) ما أَغْنى‏ عَنِّي مالِيَهْ (28)

هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)

وَ لا يَحُضُّ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (35) وَ لا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (36) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (37)

(1). التوحيد للصدوق باسناده عن حنان بن سدير:

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏29، ص: 103

يوم العرض الأكبر إذ يظهر لأهل الجمع كل ما ستر، يؤتى الأخيار و الأشرار كتبهم: كتب الأعمال، فالحساب، فالسقوط أو النجاح، كتب تتناسب في التدليل على مواقف أصحابها، و لعلهم قبل الكل تؤتاهم كتب الشريعة:

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ‏ : تدليلا على أنه ناجح بما عاش يمين الحياة بيمين الكتاب الإلهي على ضوء تطبيقه‏ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ‏ : يقولها في فرحة غامرة بين الحشر تملأ الفرحة كيانه، و تظهر على لسانه هاتفا أهل الجمع:

هاؤُمُ‏ : هاكم‏ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ‏ : كتاب الأعمال و الحساب و النجاح.

إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ‏ .

و الظن هذا أعم من ظن القلب الذي يساور يقين العقل الذي يدفع للصالحات فإن من يقين العقل ما لا يدفع للصالحات فضلا عن ظنه- و أعم من ظن العقل، فإن من المحشرين من يدخل الجنة بلا حساب و منهم من يدخلها بحساب، فهو يظن نفسه من الآخرين متهما نفسه تخضعا للّه، فإذا هو من الأولين و كما عن الصادق عليه السلام في ظن الشك الممدوح‏ «1» ، و عن أمير المؤمنين (ع) في ظن اليقين‏ «2» و لفظ الآية يتحملهما

(1).

نور الثقلين 5: 407 القمي في الآية قال الصادق (ع) كل امة يحاسبها امام زمانها- الى قوله- فيعطوا أولياءهم كتابهم بيمينهم فيمروا الى الجنة بلا حساب .. فإذا نظر أولياؤهم في كتابهم يقولون لإخوانهم:

هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ‏ .

(2)

المصدر في الاحتجاج للطبرسي عن امير المؤمنين (ع) و اما قوله:

وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها يعني: تيقنوا انهم داخلوها، و كذلك قوله: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ‏ و اما قوله للمنافقين: وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا فهو ظن شك و ليس ظن يقين».

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏29، ص: 104

معا حيث الظن يشملهما هنا لفظيا و معنويا: اني أيقنت لقاء الحساب و ظننت انني ادخل الجنة بحساب، فإذا بي أدخلها بلا حساب!، و تشمل الآية أيضا من يدخل الجنة بحساب فيختص بالوجه الأول.

فهذا الكتاب يحمل حسابي بعلامة النجاح‏ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ : عيشة بالغة في أنها مرضية لحد كأن الرضا أدغمت في ذاتها فأصبحت راضية، كما يقال:

شعر شاعر و ليل ساهر و سحر ساحر، مبالغة في كمالها و جمالها، راضية يوم الدين كما كانت راضية يوم الدنيا: صورة طبق الأصل، و تفضله هناك لظهوره تامة فيها، و لمزيد الرحمة الإلهية المضافة إليها.

فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ : عالية في المكان و المكانة، و في الرحمات الجسدانية و الروحانية «فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر» قُطُوفُها دانِيَةٌ : أثمارها التي تقطف دانية إلى طلابها، لا تتكلف القيام و لا التوسل بأية وسيلة.

كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ : اكلا و شربا هنيئا سائغا لا تنغيص فيه في الحلقوم، و ذلك بما اسلفتموه من الصالحات في الأيام الماضية: أيام التكليف يوم الدنيا.

وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ‏ : علامة السقوط فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ‏ : فانه عذاب فوق العذاب و قبله‏ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ‏ فانه يدخل النار بحساب، و دراية الحساب أيضا قبل العذاب عذاب فوق العذاب، فإتيان الكتاب بالشمال عذاب، و عرفان الحساب عذاب، ثم بعدهما واقع العذاب بقدر الحساب.

يا لَيْتَها : القارعة المسبق ذكرها كانَتِ الْقاضِيَةَ : علي، الماحقة لوجودي بعد الموت فحسب، دون أن تتلوها قارعة العذاب بعد صيحة الإحياء في حياة الحساب، و هي تشبه مقالة الكافر: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً .

ما أَغْنى‏ عَنِّي مالِيَهْ‏ : مالي و ما، لي: ما ادخرت من أموال، و ما كنت‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏29، ص: 105

املك من طاقات جسدانية و نفسية كنت احسبها تغنيني، و من أعوان و أنصار تكفيني، كل هذه ما أغنت عني يوم الفقر الأكبر، الذي لم أحسب له حسابا.

هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ‏ : فلا ماله بقي و لا ما له و قد هلكا، و لا السلطان و القدرات فما بقي لها نفع، فسلطان الطاقات، و سلطان الأعوان و الصداقات، و سلطان الجاه و المال كلها كانت قوى وهمية و واهية، انها هلكت و بقيت لي فقط سيئات الأعمال، و ليس المآل الا أمر اللّه المتعال:

خُذُوهُ فَغُلُّوهُ‏ : كما غل نفسه يوم الدنيا باغلال الشهوات، و استغل معطيات الحياة كلها للحيوانات‏ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ‏ : أوقدوه نارا شديدة التأجج، فبوقوده تتأجج فيحرق حوامش الضلالة ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ‏ : الغل الأكبر بعد الغل المسبق قبل الجحيم، و السلسلة السبعون تسلكه، و بعد ماذا؟ بعد ما يصدر من العلي الأعلى الأمر بأخذ هذه الحشرة الصغيرة المكروبة المذهولة، فيبتدر لتحقيق أمر اللّه الملائكة الغلاظ الشداد و معهم من معهم من المنتدبين للتنفيذ، تدور السلسلة حوله فتقيدة، و لو كان هناك مجال لأصبحت السلسلة ملايين الأمتار لتسابق النادبين في سلكه بالسلسلة، لكنما المغلول محدود هكذا، و أمر اللّه محدد بالسبعين، عله مقصود لحده، و عله كناية عن طوله و مده بالكثرة الكثيرة: و

«لو أن حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها» «1»

و لماذا هذا العذاب الشديد؟

إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ‏ : كأن كيانه بشرّه أصبح تأبيا عن الإيمان باللّه «كان» مستمرا معاندا دائبا لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ‏ الذي ترى عظمته في الخلق أجمع، و في ضمير هذا الصغير! و أقل جزاء له هذا العذاب الشديد.

وَ لا يَحُضُّ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ‏ : فقد قطع حبلا من اللّه إذ لم يؤمن به،

(1). نور الثقلين (5: 409) الحديث 44: عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع).

صفحه بعد