کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 50

3- إن اللّه تعالى لم يك يعامل الخلق إلا بفضله دون عدله، فالجنة الخالدة اللانهائية للصالحين ليست إلا من فضله، إذ هم لم يعملوا الصالحات إلا لصالحهم دون استحقاق للجزاء إلا فضلا و إحسانا من اللّه في أصل الجنة و خلودها اللانهائي.

و نرى أنه يجازي بالحسنة عشرا و أعشارا و يزيد، و لا يجازي على السيئة إلا مثلها و يعفو عن كثير، بتوبة أو شفاعة أو تكفير: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً» (4: 31) «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ» (11: 114) «فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ» (25: 70) .

و لو أن اللّه عامل خلقه بعدله دون فضاء لم ينج أحد من عذابه أو لم يستحقوا رحمته.

4- إن العفو أحب إليه من الانتقام- لو كان العذاب انتقاما- و كما أمرنا بالعفو عمّن ظلمنا: «وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‏» (2: 237) .

إذا فكيف لا يخفف عن أهل النار عذابهم اللانهائي، لو كان هو الحق العدل؟! هذه مما يبرهن لنا فناء النار بأهلها، و خروج غير الآبدين قبل استحقاقهم، و كما يغفر المذنبين فضلا منه و رحمة.

لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً. إِلَّا حَمِيماً وَ غَسَّاقاً. جَزاءً وِفاقاً :

هناك حرمان من ذوق البرد و الشراب إلا حميما و غساقا .. بدل البرد حميم، و بدل الشراب غساق.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 51

فما هو البرد و ما هو الشراب؟

البرد كل ما يبرد الجسم- ظاهره و باطنه- من هواء بارد، و ريح ناعمة، و ظل ظليل، و من ماء يغمسه أو يغسل به بدنه أو يشربه .. لا يذوقونه ذوقا، في أيّ من هذه، فضلا عن أن يستفيدوا منه بشرب أم سواه.

بردا يعم الشراب و سواه- «وَ لا شَراباً» يبرد الباطن فيريح الظاهر، شرابا ينوب البرد في التبريد- أيّ تبريد- لا يذوقونه فضلا عن شربه.

ليس للطاغين برد و لا شراب إلا حميم و غساق: الماء الساخن الذي يشوي الوجوه و الخلوق و البطون: «بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً» .. فهذا هو بردهم، و الغساق الذي يغسق من أجساد المحروقين و يسيل، و يغسق على الإنسان حياته كغسق الليل، و هذا هو شرابهم: «وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً» (18: 29) .

جزاء وفاقا: إن جهنم المرصاد المآب، و لبثها الأحقاب، و عدم ذوق البرد و لا الشراب، كل ذلك جزاء وفاق، لا يزيد عما قدموا لأنفسهم أو قد ينقص.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 52

إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً. وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً. وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً. فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً .

إن مهمة اعتناق عقيدة الحياة بعد الموت، تنحو نحو الحساب، و إذ لا تصديق بالحساب الحق فلا يجدي الاعتراف بالحياة الأخرى نفعا.

لذلك تركّز الآية على‏ «إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً» و إن كانوا يرجون حياة أو لا يرجون، فإن رجاء الحساب هو أقل ما يدفع الإنسان إلى الصالحات رجاء الثواب، و يمنعه عن محارم اللّه رجاء العقاب‏ «1» ، ثم فوقه الإيقان بالحساب، و الموقنون أيضا درجات.

هؤلاء الطاغون لم يكن الحساب عندهم حتى و لأدنى ما يجب، أن يرجوا حساب اللّه الذي وعده و أكّد عليه .. كانوا يعيشون نكران الحساب، فأخذوا حريتهم في حيونة الحياة كأنهم يعلمون ألّا حساب! ..

«كانُوا لا يَرْجُونَ» : لا يأملون و لا يخافون حسابا، أي حساب، قليلا و لا كثيرا، فقد تركوا ما فيه أمل الثواب و اقترفوا ما فيه خوف العقاب، و لو أنهم أملوا الثواب لأقبلوا إلى الطاعات، و لو أنهم خافوا العقاب لأدبروا عن موجبات العقاب، و لكنهم كانوا لا يرجون حسابا أي حساب: رجاء الثواب أو خوف العقاب، ثم و كذبوا بآيات اللّه الكذاب.

«وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً» : كذبوا بالآيات الآفاقية و الأنفسية، التكوينية و التشريعية، إذ كذبوا بآيات اللّه الواقعية و العقلية و الفطرية، التي تدل على وجوده و توحيده، و كذبوا بآيات النبوات: معجزات الأنبياء، فكذبوا الرسل و كذبوا بآيات الوحي في كتابات السماء، و من ضمنها كذبوا بآيات الحساب.

(1). الرجاء من اللغات المتضادة جاءت بمعنى الأمل و الخوف و قد نعنيهما معا كما هنا.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 53

كذبوا بهذه الآيات الإلهية رغم أنها آيات: علامات قاطعة تدل على أنها إلهية، لمن أبصر بها و تذرع لمعرفة ما وراءها و معها من حقائق إلهية.

كذبوا بها كذابا: تكذيبا عجيبا في أصله و في كيفيته، في أصله أن كذبوا ما أحاطت به بينات الصدق، و في كيفيته أن كرّسوا كافة طاقاتهم و إمكانياتهم في تكذيبها، فأصبح تكذيبهم عجبا على عجب: «كذابا»*! فجرس اللفظ يوحي بشدة التكذيب كما المعنى يسانده في جرسه .. «وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً» !

كتب الأعمال الضوئية و الصوتية:

وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً :

الإحصاء هو الضبط أيا كان، و الكتاب هو المكتوب الثابت منه واقعيا، فكل شي‏ء: من أقوال و أعمال و أفكار، أحصاه اللّه تعالى إحصائا كتابيا، لئلا تذهب هدرا، و لكي تبقى حجة تنطق على العاملين: «وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» (17: 15- 16) فهذا كتاب في عمق الذات.

يكتب اللّه تعالى على جوانح المكلفين و على جوارحهم صور الأعمال و أصوات الأقوال- الصادرة عنها- و يا له من كتاب لا سبيل إلى نكرانه، لأن اللّه هو الذي استنسخ كل شي‏ء في عنق الإنسان: «وَ تَرى‏ كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى‏ إِلى‏ كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (45: 28- 29) فهل يا ترى إن الاستنساخ الإلهي يكون عن أسماء الأعمال؟ فليس هذا استنساخا! إنما هو عن أصول الأعمال بصورها و أقوالها و أحوالها .. استنساخا في كتاب الذات و في الأرض و جوّها، و فيما لا نعلمه و اللّه يعلمه.

هذه الأرض التي نعيش عليها هي كتاب آخر لأعمالنا و سوف‏ «تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى‏ لَها. يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ» .

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 54

كتاب و كتب إلهية تضبط كل شي‏ء دون مغادرة و لا مثقال ذرة: «وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» (18: 48) «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ» (3: 30).

و كل شي‏ء أحصيناه كتابا: إحصائا كتابيا في إمام مبين: «وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ» (36: 12) و علّه كتب الأعمال أو تشملها و ما في اللوح المحفوظ .. كتب الأعمال: النفسية و الأرضية، و شهود الأعمال ملائكية و رسالية و رسولية .. شهود و شهود تشهد بالحق دون إمكانية النكران بحقهم، فإنهم يشهدون علينا معنا: «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ» (24: 25- 26).

«فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً» : ذوقوا أعمالكم لا أقل و لا أكثر، فنفس الأعمال بظهورها في حقائقها، هي الجزاء لا سواها: و «هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (27: 90) فلن نزيدكم باستدعاء الغفران إلا عذابا تستحقونه، جزاء وفاقا، إذ إنكم ما كنتم تزدادون- على ضوء الآيات البينات- إلا كذابا «وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ» .

فأصل العذاب بأصل الطغيان، و ازدياده بازدياده، كل على حسبه و لا ظلم اليوم.

فهؤلاء هم الطاغون، ثم ما هي حال المتقين؟ «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً ..» .

***

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 55

[سورة النبإ (78): الآيات 31 الى 40]

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَ أَعْناباً (32) وَ كَواعِبَ أَتْراباً (33) وَ كَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذَّاباً (35)

جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً (38) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ مَآباً (39) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40)

. لما كانت جهنم مرصادا و مآبا للطاغين، دون انفلات منها و لا جواز عنها، فإن المتقين، الذين اتقوا و تحذروا عن الجحيم يوم الدنيا، إن لهم هناك مفازا:

ظفرا بالخير على سلامة في كيانهم من الشر: خيرا على خير يوم الآخرة، كما كانوا خيرا على خير يوم الدنيا .. إنهم ينتهون إلى مفازة و منجاة عن الجحيم إلى الجنة:

«جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً» : «مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ» (6: 16) «وَ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ» (39: 61) «وَ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ كانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً» (48: 5) «وَ مَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (50: 9)، فالمفاز كيانه ازدواجية الخير: بعدا عن النار و دخولا في الجنة.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 56

مفازا روحانيا إلى جنة الرضوان: «وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (9: 111) .. و مفازا جسدانيا إلى جنة النعيم: «حَدائِقَ وَ أَعْناباً. وَ كَواعِبَ أَتْراباً. وَ كَأْساً دِهاقاً» .. فائزين كلتا الجنتين: «وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» (55: 46- 47) .

إن للمتقين مفازا، يتمثل- جسدانيا- في أفضل المناظر: حدائق و أعنابا- و جنسيا- في أجمل البنات: و كواعب أترابا .. و جوا بعيدا عن كل أذى:

لا يسمعون فيها لغوا و لا كذابا .. حياة مصونة من اللغو و من التكذيب الذي يصاحبه الجدل و هي حالة من الرفعة و المتعة تليق بدار الخلود.

حدائق ذات بهجة .. غلبا، لا كغلب الدنيا و بهجتها فإنها مثال ضئيل عما في الجنة، و الحديقة قطعة من الأرض ذات ماء و كلاء، محصورة بجدران و أبواب تحدق بها من أطرافها، إيحاء إلى صلوحها للسكن دون فوضى و لا تدخل لغير صاحبها فيها، مستورة عن الناظرين إليها.

حدائق تضم من كافة الأشجار و الفواكه و الوردان ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين، و من أعمها نفعا، و أتمها فائدة، و أقواها غذاء، و ألذها طعما هي الأعناب.

وَ أَعْناباً :

تستحق التخصيص بالذكر أكثر من كل الفواكه لجمعها فوائدها و زيادة ..

تذكر في عشر مواضع دون سواها من الفواكه‏ «1» .

فهي شراب و إدام و طعام و دواء و فاكهة، تأتي إلى السوق قبل الفواكه و تخرج بعدها، و يابسها تحفظ خواص رطبها، فهي مثال تام عن عالم الفواكه.

صفحه بعد