کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 212

إنه يوم القيامة، لقيام الناس‏ «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ» و قيام الإشهاد «يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» و قيام الحساب‏ «يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ» و قيام عالم جديد بعد خراب العتيق‏ «وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ» (26: 90) قيامات و قيامات في قيامة واحدة، ف «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» .

يوم يقوم الناس- متجردين- لرب العالمين، ليس لهم يومئذ مولى سواه، و لا رب سواه، فقد ضلت الأرباب، و تقطعت الأسباب، و الأمر يومئذ للّه.

*** [سورة المطففين (83): الآيات 7 الى 17]

كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11)

وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (16)

ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)

.. كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏ :

الفجّار هم الذين يفجرون ستر العبودية و الحياء، المتجاوزون الحدود المقررة لهم، الهاتكون لها، و الفجور يقابل التقوى و هي الحفاظ على شؤون العبودية:

«وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها» (91: 7- 8) .

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 213

و الكتاب هنا و في أمثاله هو كتاب الأعمال و مسجلاتها الضوئية، صوتية و صورية، أن تسجّل في نفوس الفجار و في أعضائهم و في الأرض و الفضاء كما تدلنا آيات سجلات الأعمال و الأقوال، فإن الكتاب هو المكتوب أي المثبت، و الأشياء الثابتة عن المكلفين، التي تليق أن تكون حجة لهم أو عليهم يوم الدين، إنها ليست إلا صور الأعمال و أصوات الأقوال، و كما

يروى عن الرسول الأقدس صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوله: «إن الملك يرفع العمل للعبد يرى أن في يديه منه سرورا حتى ينتهي إلى الميقات الذي وصفه الله له فيضع العمل فيه فيناديه الحبار من فوقه:

إرم بما معك في سجين، و سجين: الأرض السابعة، فيقول الملك ما رفعت إليك إلا حقا فيقول صدقت إرم بما معك في سجين» «1» .

و هذه الأعمال الشريرة الفاجرة تجعل من روح الفاجر سجينا كما أنها أيضا سجين، و هي تدخل سجين، و على حد

قول باقر العلوم عليه السّلام: «و أما الكافر فيصعد بعمله و روحه حتى إذا بلغ السماء نادى مناد اهبطوا به إلى سجين ..» «2» .

و السجين مبالغة في السجن، و كتاب الفجار بأنفسهم و أعمالهم لفي سجين، سجين لا يظهر تماما يوم الدنيا، و هو يبرز تماما يوم الدين.

«كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ» : ليس كما يزعمه المطففون و المجرمون كل المجرمين أنهم متحللون عن أعمالهم و عقباتها، فلا حساب و لا جزاء، و أنهم أحرار يوم الدنيا و أحرار كذلك يوم الدين، لو كان هناك حساب أو لم يكن ..

إنهم يزعمونهم أحرارا و ليسوا إلا في سجين، فأرواحهم سجون الفضائل‏

(1). الدر المنثور 6: 325، أخرجه ابن مردويه عن جابر بن عبد اللّه قال: حدثني رسول اللّه (ص) ...

(2) نور الثقلين 5: 530 نقلا عن مجمع البيان.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 214

و المعطيات الربانية، تسجنها و تدفنها، و أعمالهم سجون لهم و لمجتمعهم، هؤلاء المطففون و أمثالهم البخلاء الذين يحصرون و يسجنون كل شي‏ء لهم و لشهواتهم، و لا يسمحون لأحد حرية إلا و يحددونها، و لا ثروة إلا و يستغلونها، و لا وجاهة إلا و يستقلونها .. فيحسبون أنفسهم كل شي‏ء، و لا يعتبرون غيرهم إلا خداما لهم و لكي يستعمروهم و يستثمروهم و يستحمروهم ..

فهؤلاء الفجار البخلاء الذين ليس كيانهم في المجتمع إلا أنهم سجون للناس و هم أحرار في استغلالهم، و يحسبونهم أنهم يحسنون صنعا.

هؤلاء هم السجين، أنفسهم، نفوسهم و أعمالهم، إنهم أولا و أخيرا سجّين و في سجّين.

وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. كِتابٌ مَرْقُومٌ‏ :

هنا تبرق حقيقة- كانت خفية- هي أن السجين- و في القيامة- هو كتاب مرقوم، و هو الخط الغليظ، إنه ليس كتابا مخطوطا بالمداد لكي تكون دلالته غير ظاهرة و قابلة للتأويل أو التكذيب، و إنما «كِتابٌ مَرْقُومٌ» مكتوب بخط غليظ، بقلم القدرة و النور، حيث تكتب و تسجل صور الأعمال و أصوات الأقوال في نفوس المجرمين و أعضائهم و سواها.

فلو كان الكتاب السجين مخطوطا بالمداد فما هي الحاجة لتوصيفه بالمرقوم؟

فكل كتاب من شأنه أن يحمل- و لا أقل- خطوطا! .. ثم كيف يكون كتاب الفجّار في كتاب مرقوم، فهل كتاب في كتاب؟.

فإنما السجين، و هو سجين الجحيم و من أسجن ما فيه من السجون، إنه ليس إلّا نفس النفوس و الأعمال، فإنها الكتاب المرقوم، الظاهر الذي لا يمكن إنكاره.

فكتاب الفجار، و هو الاضبارات و المسجلات لأعمالهم الفاجرة، هذا الكتاب‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 215

في سجين، في كتاب مرقوم، مما يدل على أن سجين الجحيم ليس إلا أعمالهم، كتاب فجورهم، الذي كان خفيا عنهم يوم الدنيا، ثم يبرز مرقوما ظاهرا يوم الدين: «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» (50: 22).

هذا و كما يقال أن خلافك هذا لفي سجن، إشارة إلى أن السجن نتيجة الخلاف، كذلك كتاب الفجار، نفوسهم الفاجرة بأعمالهم الشريرة، إنها لفي سجين، لفي جحيم هي حقيقة تلكم الأعمال، يحرق الفاجر بما أو قده، بوقوده الذي هو نفسه و أعماله: «إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ» (21: 98) .

لذلك نرى بعد آيات عدة يقول: «ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ» ، أي: لمحرقوا الجحيم، بماذا؟ بكتاب الأعمال، بالأعمال أنفسها، و بالنفس المجرمة الشريرة.

إذا فكتاب الفجّار هذا هو في نفسه الجحيم و هو السجين، و هو الكتاب المرقوم، الواضح الخط، الغليظ المحتوى.

إن كتاب الفجار- الخفي يوم الدنيا، غير المرقوم في أبصارهم الكليلة- سوف يكون في كتاب مرقوم، سوف يخرج عن الخفاء، فبصرك اليوم حديد، فالكتاب الخفي‏ «كِتابَ الفُجَّارِ» هو في كتاب جليّ في النهاية، كما كان الجلي في الخفي في البداية، و كلاهما سجين و في سجين، سجين يوم الدنيا و سجين يوم الدين.

أو إنه كتاب مرقوم ليوم الدنيا و الدين، مرقوم لمن رقمه مهما كان خفيا في الأولى عن أبصار الناظرين، و هذا الكتاب المرقوم لفي سجين، في حفاظ اللّه تعالى دون أن يمحى منه شي‏ء إلى أن يشهد يوم الحساب، فمعنى الآية إذا:

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 216

إن أعمال الفجار لفي سجين إلهي، محفوظ ثابت، و السجين هو الكتاب المرقوم، ظاهر بذوات الأعمال و الأقوال.

فيا لهذا الكتاب المرقوم من جلاء و ظهور، مرقوم بخطه الذاتي إذ كتب:

«إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (45: 29) .. يا له‏ «لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً» (18: 49) .. فهكذا رقم أوّلا.

ثم يتحول رقمه هذا- الظاهر- إلى رقمه الملكوتي الحقيقي، تحوّل الأعمال إلى نتائجها، جزاء ذاتي بنفس الأعمال، دون أن يكون جزاء قانونيا فقط، إنما جزاء تكويني: أن تتحول الأعمال إلى نتائجها «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏. وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى‏. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى‏» (53: 42) يجزى الساعي نفس سعيه، الجزاء الأوفى، جزاء وفاقا في السيئات و جزاء كريما في الحسنات.

فالإنسان نفسه كتاب، لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ‏ :

وا حسرتاه في ذلك اليوم العصيب إذ برزت كتب الفجار بأرقامها، للمكذبين يوم الدين، أ فهل يكذبون أيضا بما عملوه يوم الدنيا حيث يظهر مرقوما يوم الدين؟

وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ‏ :

فإنما الاعتداء و الإثم هما القائدان صاحبهما إلى التكذيب بيوم الدين، فالفطرة السليمة لا تكذّب، و العقل لا يكذب، و واقع الحياة لا يكذب، و إنما المعتدي الأثيم يكذب به، و لكيلا يرى أمامه عقبة كئودة، يكذب بالجزاء العدل الوفاق‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 217

مهما صدّق بالبعث، إلا أنه بعث عبث، أو يصدق بالحساب، لكنه حساب فوضى، و مهما يكن من شي‏ء فالمعتدي الأثيم يركز في جرمه على نكران الجزاء الوفاق، و لكي يصدقه البسطاء المتخلفون، يكذب آيات البعث و الحساب ضمن ما يكذب، راميا لها أنها من أساطير الأولين و خرافاتهم، ليس لها أصل سماوي، أو إذا كان فإنما هو من الديانات السابقة فلا جديد إذا في القرآن يفرض علينا اتباعه:

إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏ :

خرافاتهم و أوهامهم المختلقة المسطورة التي تنتقّل للتّفكّه، أو الآيات التي نزلت على أنبياء اللّه من قبل، إذا فلا جديد في القرآن من حقائقه و خرافاته:

«وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» (16: 24) أنزل في قرآنه ما كان ينزله في كتاباته من قبل: «وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا» (25: 5) «لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَ آباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» (23: 83) «1» .

فأين‏ «آياتُنا» ؟ و أين‏ «أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ؟ فآيات اللّه هي بأنفسها تدل على أنها إلهية إذ لا يسطع عليها إلّا اللّه، و الأساطير الخرافية بأنفسها تدل على أنها من غير اللّه، بل و من السفهاء، و من حماقة التعبير أن يقال عن آيات اللّه أنها أساطير الأولين، و ليس هكذا حكم أحمق إلا لأن قلوبهم أصبحت مقلوبة بما كانوا

(1). أساطير أما جمع الجمع، أي: أسطر و أسطور و أسطار، فهو بمعنى ما سطره و كتبه الأولون، أو جمع أسطور و أسطير و هو أيضا ما يكتب، و لكنما الأسطور هو الحديث الذي لا أصل له، فالأساطير أعم مما سطره الأولون و لا أصل له أو ما له أصل قديم، و على الوجهين فرمي القرآن بأنه أساطير الأولين تجعله لا شي‏ء، إما أنه لا جديد فيه و إن كان صحيحا، أو أنه من خرافات الأولين!.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 218

يكسبون، فليست هنا أية حجة و دافع لهم في هكذا تعبير إلا رين قلوبهم الناتج عن الاعتداء و الإثم المتواصلين، فبين القلوب و الأعمال تعامل مزدوج يؤثر فساد كل في الآخر، كما يؤثر صلاحه في صلاح الآخر.

إنّ فريتهم هذه على آيات اللّه البينات يدفعها عجزهم عن الإتيان بمثلها، و إن ادعوا أنهم قادرون عليها «وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» (8: 31) .

فلو استطاعوا لأتوا بسورة مثله و هم يحتالون كل الحيل أن يعارضوها، و هم بأمس الحاجة لعرقلة دعوة القرآن، و لكنهم لم يفعلوا و لن‏ «وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى‏ عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ» (2: 23- 24) .

لا يقدر على ذلك لا أهل الكتاب من كتابات الوحي، و لا المشركون- و أحرى- من كتابات الأساطير.

كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ :

إنها ليست آيات اللّه هي الأساطير، و إنما هي شموس الهداية لأولي الأبصار دون عميان القلوب‏ «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» (22: 46)

«فإن كثرة الذنوب مفسدة للقلب» «1»

و

«هي ترين كما يرين السيف‏

(1).

صفحه بعد