کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 334

أيضا من شؤونها، فقد ألهمت النفس الروح فجورها: «النفس الأمارة» و تقواها (اللوامة و المطمئنة- العقل).

فهنا النفس بين تزكية و تدسيس، ففلاح أو خيبة، و رغم أن فجورها أقرب إليها من تقواها، و كما توحي إليه آيتها: «فُجُورَها وَ تَقْواها» : قربا جسدانيا حيوانيا، و لكنما العقل- و هو الحيوية الإنسانية- إنه أقرب إليها كإنسان، و إن معركة العقل و النفس لهي من العقبات التي لزام الإنسان أن يجتازها فائرا عاقلا، لا فاشلا جاهلا.

و واقع الفلاح و الإصلاح ليس إلا بتزكيتها، مستجيرا باللّه، و على‏

قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها و مولاها، و زكها أنت خير من زكاها» «1» .

و المزكي الأول للنفس هو المحاول لأن يتزكى، ثم اللّه يؤيده في تزكيها:

مَنْ زَكَّاها» : زكى نفسه، فزكاها ربه، و كذلك التدسيس على سواء، و هو من اللّه الختم و سلب التوفيق، و كما عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم‏ «2» .

و التزكية هي الإنماء، و التدسيس هو الإدغال و إدخال شي‏ء في شي‏ء بضرب الاحتيال، فتزويد النفس بتقواها هو تزكيتها، و إدغالها هو تدسيسها، و كلاهما من الإنسان، ثم من اللّه كما يناسب عدله و فضله.

(1). الدر المنثور 6: 356 عن ابن عباس و زيد بن أرقم و أنس و أبو هريرة قالوا: كان رسول اللّه (ص) إذا تلا هذه الآية «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» يقول: ..

(2)

الدر المنثور 6: 357 عن ابن عباس سمعت رسول اللّه (ص) يقول: قد أفلح من زكاها:

أفلحت نفس زكاها اللّه، و خابت نفس خيبها اللّه من كل خير.

أقول: فالضمير في «زكاها و دساها» راجع إلى النفس و إلى اللّه، من زكاها هو- من زكاها اللّه.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 335

و ليؤخذ مثالا لتدسيس النفس قصة ثمود، في تكذيبها و طغواها و الدمدمة الإلهية التي دمرتهم.

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها. إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها. فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَ سُقْياها. فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها. وَ لا يَخافُ عُقْباها :

طغوى في قولهم «فكذبوه»* و عمليا «فَعَقَرُوها» و الخيبة التي لحقتهم من هذه الطغوى هي الدمدمة الربانية: «وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها ..» (11: 68) «إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فكانوا كهشيم المحتضر» (54: 31) و هذه هي الدمدمة، فجرس اللفظ يوحي بجرس المعنى الواقع.

إن عاقر الناقة كان واحدا هو المنبعث فيهم: «إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها» و صاحبهم الذي نادوه لهذه الجريمة: «فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى‏ فَعَقَرَ» (54: 29): أخذ عنهم سيفهم و نحر، فرغم أنه وحده كان العاقر الناحر، ينسب العقر إليهم أجمع.

«فَعَقَرُوها» «فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ» (7: 77) «فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ» (11: 65) «فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ» (26: 157) .

فلما ذا ينسب العقر إليهم و هم منه براء؟ لأنهم نادوه، و أعطوه سيفهم، و بعثوه للجريمة، فأشركهم اللّه فيها و عذبهم بها، و صاحبهم أشدهم عذابا و أنكى،

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 336

و هو

«أشقى الأولين: أحيمر ثمود، رجل عارم عزيز منيع في رهطه مثل أبي زمعة» «1» ،

كما أن ابن ملجم أشقى الآخرين على حد قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم‏ «2» .

(1). كما في الدر المنثور 6: 357 عن النبي (ص).

(2)

نور الثقلين 5: 587 قال رسول اللّه (ص) لعلي (ع): من أشقى الأولين؟ قال:

عاقر الناقة، قال: صدقت، فمن أشقى الآخرين؟ قال: قلت: لا أعلم يا رسول اللّه! قال:

الذي يضر بك على هذه، و أشار إلى يافوخه.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 337

سورة الليل- مكية- و آياتها واحد و عشرون‏

[سورة الليل (92): الآيات 1 الى 21]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ (1) وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى (2) وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى‏ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)

فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَ اتَّقى‏ (5) وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ (7) وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى‏ (8) وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ (9)

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏ (10) وَ ما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‏ (12) وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى‏ (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14)

لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلَّى (16) وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى‏ (19)

إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى‏ (20) وَ لَسَوْفَ يَرْضى‏ (21)

***

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 338

أقسام بشتى الخلق، و خالقه، الناحي منحى واحدا هو الصلاح و الإصلاح، لتدل الخلق على وجوب تخلقهم بأخلاق اللّه، و اتجاههم- في مساعيهم الشتات- جهة الصلاح و الإصلاح، و لكنما النفوس- على شتاتها- ليست لتلتقي في سعيها على ملتقى واحد، و إنما هي صفان يتجهان، إما إلى الخير أو إلى الشر، ففي شتات السعي، و شتات المناهج و الغايات و الاتجاهات، ليس إلا النجدين، خيرا و شرا، نفعا و ضرا.

و على الإنسان النابه البصير أن يدرس في شتات سعيه، من كائنات الوجود، و يوحّد هدفه و اتجاهه إلى الوجهة الموحدة لها، هي السعي إلى مرضاة اللّه.

فلندرس من الليل- إذا يغشى النهار و الأفق، و يخفي ما فيه- ندرس درسه الصالح من إخفاء العيوب، و غشي النهار لصالح الراحة، لا من غاسقة إذا وقب، و استغل ظلامه للشرور.

و لندرس من النهار إذا تجلى: أسفر عن ظلم الليل- ندرس درسه الصالح من المحاولة في تجلي الفطرة بصفائها، فتجلي صاحبها في شتات المجالات الحيوية جلواتها الإنسانية.

و لندرس من ربنا الخالق الذكر و الأنثى، الهادف وحدة الحياة الإنسية من هذين المختلفين المتناحرين حسب البنى و الطاقات الجسدانية و العقلية.

لندرس دروس الإعطاء و الاتقاء و التصديق بالعقيدة الحسنى و الحياة الحسنى، و لكي نتيسر لليسرى، و لا نكون ممن بخل و استغنى و كذب بالحسنى فنيسّر للعسرى.

«فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏» : نفسه و نفيسه‏ «وَ اتَّقى‏» : في هذا العطاء ما يجب إنسانيا أن يتقى‏ «وَ صَدَّقَ» : بالعقيدة و الحياة «بِالْحُسْنى‏» : أحسن مراحل الحياة، و هي الأخرى. «فَسَنُيَسِّرُهُ» : ذاته و كيانه بأعماله و أحواله‏ «لِلْيُسْرى‏» :

الحياة الطيبة اليسرى: «مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 339

حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» (16: 97) ثم و لا أ تختص اليسرى بالحياة الأخرى، فهي تشمل الآخرة و الأولى، و مهما كانت في لأولى مشوبة، فهي في الأخرى خالصة: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ» (7: 32) .

«وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ» : العطاء، «وَ اسْتَغْنى‏» : عن الاتقاء، و أخذ حريته في حيونة الحياة «وَ كَذَّبَ» بالحياة و العقيدة «بِالْحُسْنى‏، فَسَنُيَسِّرُهُ» : ذاته بماله‏ «لِلْعُسْرى‏» : حياة قصيرة عسرة ضنك هنا، ثم حياة دائبة عسيرة ضنك هناك:

«وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ..» (20: 124) . «وَ ما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ» في تحسين الحياة هنا و هناك‏ «إِذا تَرَدَّى» : سقط من عل في شيطنة الحياة هنا، و عند العرض و الحساب هناك، فليس المال بمنجّيه من تبعات الأحوال و الأعمال، اللهم إلا الإعطاء و الاتقاء و التصديق بالحسنى.

إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‏ :

فرض فرضه اللّه على نفسه: «كَتَبَ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» الرحمة و الهدى بوجها النجدين‏ «وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» : هدى في العقول و الفطر، و هدى بكائنات العالم، و هدى بالنبيين و الكتب، و هي كلها هدى الدلالة، ثم هدى التوفيق لمن آمن و اهتدى: «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً» (18: 13) .

وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى‏ :

فلا يحسبن الذين كفروا أن لهم الأولى يفعلون فيها ما يشاءون، ف «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً» (17: 18) .. و إنما تختلف عن الأخرى أنها حياة التكليف و الابتلاء، و الأخرى حياة الجزاء.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 340

«فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى. لا يَصْلاها» : لا يوقدها «إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلَّى» فله صليها و إيقادها، و للشقي وردها و الاتقاد بها، فإنهما ليسا على سواء، فالمتبوع هو الجحيم بذاته، و التابع يحرق بجحيمه.

وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى‏ :

لا يقرب إليها عذابا لأنه الأتقى: «الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ» : ماله، و ما- له «يتزكى»* فحياته كلها إيتاء و عطاء في سبيل اللّه، فحق له أن يجنبها، و لكنما التقي غير الأتقى، الذي اقترف ما ينافي التقوى أحيانا، إنه قد يمسه العذاب تخليصا له عن الدرن، عذاب الدنيا، ثم البرزخ، ثم القيامة، ثم مصيره إلى الجنة، فعذاب غير الأتقى درجات، بقدر ما خالف التقى.

إذا، فالآيات هنا تقسيم ثنائي إلى من محّض الإيمان محضا: «الأتقى» و من محض الكفر محضا: «الأشقى»* و بينهما درجات بين الجنة و النار، و مصيرهم الجنة أخيرا، و على حدّ

قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شرد البعير على أهله».

هذا الأتقى يؤتي ماله دون ابتغاء جزاء ممن آتاه، أو شكور، فليس لأحد عنده من يد أو نعمة يجزى بها: «وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى‏» فليس عطاؤه و إيتاؤه ابتغاء شي‏ء من مال الدنيا و منالها: «إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى‏» .

صفحه بعد