کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 542

بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى‏ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً. أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً. أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ..» (4: 54).

كانوا يحسدون الرسول كأنهم يملكون فضل اللّه، فليستأذنهم اللّه فيمن يصطفيه رسولا! و هم لا يرضون رسالة إلا في إسرائيل!.

و لقد كانت جماعة من أهل الكتاب تحاول أن ترد المسلمين كفارا: «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ» (2: 109) .

فعلى المحسود ذي النعمة أن يحافظ على ما أنعم اللّه عليه بفضل سعيه هو و بفضل اللّه، و لا سيما النعم الروحية، ثم يحاول من وراء ذلك أن يجرّ الحاسد إلى ما هو عليه من النعمة ما أمكن، بتوجيهه إلى السعي اللازم.

و على الحاسد أن يخرج من حماقة الطغيان إلى ميدان السعي و الإيمان باللّه، فما وصل إليه بالسعي فهو، و ما لم يصل إليه فليثق باللّه و لا يتهمه في تفضيل المحسود عليه، و أن ليس للإنسان إلا ما سعى.

و للحسود علامات منها: «يغتاب إذا غاب، و يتملق إذا شهد، و يشمت بالمصيبة» و من مقالات الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في التنديد بالحاسدين:

«أما بعد فإن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطرات المطر إلى كل نفس بما قسم لها من زيادة أو نقصان، فإذا رأى أحدكم لأخيه غفيرة في أهل أو مال أو نفس، فلا تكونن له فتنة، فإن المرء المسلم البري‏ء من الخيانة ما لم يغش دناءة فيخشع لها إذا ذكرت، و تغرى بها لئام الناس، كان كالفالج الياسر، الذي ينتظر

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 543

أول فورة من قداحة توجب له المغنم، و يرفع بها عنه المغرم، و كذلك المرء المسلم البري‏ء من الخيانة، ينتظر من الله إحدى الحسنيين: إما داعي الله، فما عند الله خير، و إما رزق الله، فإذا هو ذو أهل و مال و معه دينه و حسبه، إن المال و البنين حرث الدنيا، و العمل الصالح حرث الآخرة، و قد يجمعهما الله لأقوام، فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه، و اخشوه خشية ليس بتعذير، و اعملوا في غير رياء و لا سمعة، فإنه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له، نسأل الله منازل الشهداء، و معايشة السعداء، و مرافقة الأنبياء».

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 544

سورة الناس- مكية- و آياتها ست‏

[سورة الناس (114): الآيات 1 الى 6]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4)

الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (6)

*** ندرس في سورة الناس كيف يجب علينا أن نستعيذ؟ و بمن؟ و ممن؟ و ما هي الاستعاذة؟ و لماذا تجب؟

أركان الاستعاذة أربعة: المستعيذ- المستعاذ به- المستعاذ منه- المستعاذ من أجله.

و هي على الترتيب: 1- المكلف- 2- الرب الملك الإله- 3- الوسواس الخناس من الجنة و الناس- 4- مطلق الشر.

و الاستعاذة هي طلب الإعاذة- و ليس طلبها لفظا باللسان، و لا عقدا بالجنان، و ليس المقال هنا إلا إشارة إلى الحال: كيف يجب أن تكون حالة الإنسان- النفسية و العملية- تجاه هذه الشرور؟ إنها حالة الفرار: لفظيا و عقيديا و عمليا بكل ما لديه من طاقات الايجابية، و لكنها ليست بالتي تعيذه،

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 545

لو لم تدركه الرحمة و العصمة الإلهية، فعبادة الرحمان و عصيان الشيطان كلاهما بحاجة ماسة إلى تأييد اللّه و إعانته: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» فكما لا عبادة دون استعانة كالعكس، كذلك لا فرار عن الشيطان دون استعاذة، كما لا استعاذة دون محاولة الفرار بكل ما لدينا من الطاقات.

هنا نعرف: لماذا يؤمر الرسول بالاستعاذة على عصمته؟ يؤمر بها لأن عصمته منوطة باستعاذته: «وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا» (17: 74) بعد ما هي مربوطة بمحاولاته لمنتهى المكنة و الاستطاعة قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ‏ :

إنه أمر أن يخبر العبد عن نفسه: أنه يستعيذ، و ليست الاستعاذة من مقولة اللفظ، إنما هو يحكي عنها حكاية صادقة أم كاذبة، و القرآن لا يأمرنا بالقول الكذب، إنما يأمر هنا بما تتطلبها هذه المقالة، من استعاذة عقائدية و عملية: أن نفرّ من شيطنات العقائد و الأعمال، مستعيذين حالها و قبلها و بعدها، بالرب الملك الإله المتعال.

هذه الاستعاذة تستحضر من صفات اللّه ما به يدفع الشر، الوسواس فعلى المستعيذ أن يستظل في ظلال الربوبية: علميا و تربويا، و في ظلال ملكيته طاعة و استقامة، و في ظلال الألوهية تخضعا و عبادة، و لكي يعيذه اللّه تعالى من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس.

و في كل واحدة من هذه الثلاث كفاية لكي نتخذه تعالى وكيلا و معيذا:

يدل على ذلك عدم العطف هنا «.. بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ‏ فانه» ردف دون عطف، و كما أفردت بذكر كل واحدة منها في آيات ثلاث: «ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ» (39: 6) «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا» (730: 9) «لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» (57: 5) هذا- و لكنما الجمع بين الثلاث هنا، فيه كمال‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 546

العوذ و اللواذ باللّه تعالى، و كلما كان الاستظلال في ظل هذه الظلال أوسع و أعمق كانت الاستعاذة أوفق، فهو بالإعاذة أحرى و أحق‏ «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏» .

بِرَبِّ النَّاسِ‏ :

بمالكهم و مربيهم، الذي يعرف ناسهم و نسناسهم، يعرف فضائل الأخلاق و رذائلها، فله أن يخرجنا من الظلمات لأنه يعرفها، إلى النور لأنه يعرفه، يعرف الخير و الشرّ و كما هدانا إليهما.

و على المستعيذ، من اللاتربية إلى التربية، أن يستعيذ برب الناس: و ليعرف الموازين التربوية، علمية و تطبيقية، و ليعرف الشيطنات كلها، و لكي يستطيع الفرار من الظلمات إلى النور، في ظل ربوبية الرب المعيذ.

إننا لا نستعيذ بالأنبياء، فهم المستعيذون أيضا كأمثالنا لا معيذون نهتدي بدلالاتهم الرسالية: و إنما نستعيذ برب الناس: رب الرسل و المرسل إليهم ..

ثم قد تكون الاستعاذة ناقصة غير ناجحة، إذا لم يكن المعيذ ملكا قديرا، فربّ ربّ يحاول الإعاذة و لكنه لا يملكها، لأنه ليس ملكا قديرا يدحر الشياطين بقوة، فكمال الاستعاذة إذا يتطلب أن تكون بملك الناس:

مَلِكِ النَّاسِ‏ :

الذي يملك الجنة و الناس، و يملك الخير و الشر، و لكنه ليس منه شر، إنما يدفع عنه إلى الخير، فالمحاولات التربوية لا تكفي إعاذة من الشرور واقعيا مهما كانت قوية.

فقد تتطلب قوة للدفع و لتطبيق شريعة اللّه و دحر الشياطين، فشريعة اللّه ليست شريعة علم و أحكام فحسب، إنها شريعة القدرة و الطاقة الجبارة أيضا:

إنها نظام و تطبيق، فالنظام بحاجة إلى تطبيق، و التطبيق فاشل ما لم تكن سلطة.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 547

ثم إذا واجهتنا القوة المعاندة، يأتي دور الاستعاذة ب: «بملك الناس» ..

الملك الرب، فلتجابه الطاقات المعاندة بالملكية العادلة.

إِلهِ النَّاسِ‏ :

و في آخر المطاف نعطف بأنفسنا و بهم إلى الإله: طوعا و كرها، فهو أول المطاف‏ «بِرَبِّ النَّاسِ» و هو آخر المطاف‏ «إِلهِ النَّاسِ» و قد تجب في الوسط السيطرة الملكية لحمل النسناس إلى سيرة الناس، و لكي يعقلوا أخيرا و يضطروا للخضوع أمام: «مَلِكِ النَّاسِ» .

هنا لك تمت الاستعاذة، و توفرت شروطها: استعاذة و مستعاذا به، و ليكن الإنسان هو الموضوع، و يحمل عليه و في هامشه سائر المكلفين من الجنة و سواهم، و لا يختص الناس بإنسان الأرض، إنه يعمه و سواه من إنسان الكون، في الكرات المعمورة ..

فاختصاص الناس هنا بالذكر ليس إلّا لأنهم من أفضل المكلفين، فلا يخرج الجن عنهم، إنما يخرج النسناس من الجنة و الناس الذين يستعاذ منهم، هؤلاء الذين يفقدون التربية الإلهية كأن اللّه ليس ربهم، و إنما هو الشيطان، كما

سئل الإمام الحسن عليه السّلام عن الناس؟ فقال: «نحن الناس، و شيعتنا أشباه الناس، و سائر الناس نسناس» «1» .

مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ‏ :

صفات ثلاث للمستعاذ منه، على عدد الثلاث للمستعاذ به: ثلاث و جاه‏

(1). هنا الإمام يشطر بني آدم إلى شطري الناس و النسناس، و في الناس أصول و فروع، فالقادة الهداة المعصومون هم الأصول، و أشياعهم هم الفروع، ثم المتخلفون عن شريعة اللّه هم النسناس، من الجنة و الناس.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏30، ص: 548

ثلاث، و كما أن جنود العقل و الجهل تساوى بعضها البعض عددا و عددا، خمسة و سبعين بخمسة و سبعين، كذلك هنا، إلا في العدد فهما، لأن اللّه تعالى لا ينهزم في المعركة، طالما عباده ينهزمون لو لم يستعيذوا به كما يؤمرون، و إذا لم يخرجوا من طاعة الشيطان إلى طاعته.

هنا تطلق الصفة أولا: «الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ» ثم حدود العمل و مجاله:

«الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ» ثم العامل المحاول في التضليل: «مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ» .

فبالصفات تعرف الذوات، فذات الشرير، الحيادية، لا يجب دحرها، إنما لصفاتها المعادية المتعدية: الوسواس ..

«مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ» : إن المضلل لا يأتيك كمصلل لتعرفه فتحذره فيخيب سعيه، إنما يأتيك كمدلل، فيوسوس في صدرك الذي فيه قلبك، يوسوس إلى صدرك و يجتازه إلى قلبك، فيملك زمامك في أمورك كلها لو انك فتحت له باب صدرك فقلبك فالوسواس قد يتخفى في الجانب الخفي من كيان الإنسان، كالنفس الأمارة بالسوء: «وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» (50: 16) و كالشيطان‏ «فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما» (7: 20) فالنفس و الشيطان يتخفيان في صدر الإنسان الذي هذا الفتحة الاصلية إلى قلبه.

أو أنه جلي في ذاته خفي في وسواسه، كما الإنسان الشيطان كذلك: «مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ» خفية او جلية.

صفحه بعد