کتابخانه تفاسیر
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 87
...... «1» ...
فيكون معنى التفسير: كشف المنغلق من المراد بلفظه و إطلاق المحتبس عن فهمه.
و التأويل: بكون الأول معنى مجمله موافق لما قبلها و ما بعدها، و أصله من الأول، و هو من الرجوع، تقول العرب: أوّلته. قال: أي صرفته فانصرف.
و سمعت أبا القاسم بن أبي بكر السدوسي يقول: سمعت رافع بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا حبيب زيد بن المهتدي يقول: سمعت الحسن بن محمد بن البصري يقول: «2» ... عن جدّه النضر أنه قال : «أصله من الإيالة، و هي السياسة، تقول العرب: قد ألنا، و إيل علينا، أي سسنا، و ساسنا غيرنا، فكأنّ المؤول للكلام [يسوى الكلام و يضع المعنى فيه موضعه] «3» القادر عليه، و واضعه موضعه. و إنما بنوهما على التفعيل؛ لأنه يدلّ على التكثير، و كأنه تتبع سورة بعد سورة و آية بعد آية
، و أمّا الفرق بينهما:
قالت العلماء: التفسير: علم نزول الآية و شأنها و قصّتها، و الأسباب التي نزلت فيها. فهذا و أضرابه [محظورة] على الناس القول إلّا باستماع الأثر. فأما التأويل فالأمر فيه أسهل؛ لأنه صرف الآية إلى معنى يحتمله، و ليس بمحظور على العلماء استنباطه و القول فيه و إنّما يكون مرآتنا الكتاب و السنّة.
(1) بياض في المخطوط.
(2) بياض في المخطوط.
(3) زيادة عن البرهان للزركشي: 2/ 149.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 89
تفسير فاتحة الكتاب
[أسماؤها]
أخبرنا عبد الرّحمن بن إبراهيم بن محمّد بن يحيى، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطّان، و أخبرنا محمد بن أحمد بن عبدوس، أخبرنا محمد بن المؤمّل بن الحسن بن عيسى، حدّثنا الفضل بن محمد بن المسيّب، حدّثنا خلف بن هشام، حدّثنا محمد بن حسان عن المعافى ابن عمران عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، سبع آيات أوّلهنّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، و هي السبع المثاني، و هي أمّ القرآن، و هي فاتحة الكتاب» «1» [5].
نزولها:
و اختلفوا في نزولها؛
أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر قراءة، أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمود بن عبد اللّه المروزي قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمود السعدي، حدّثنا أبو يحيى القصريّ، حدّثنا مروان بن معاوية عن الولاء بن المسيّب عن الفضل بن عمرو عن علي ابن أبي طالب (رضي اللّه عنه) قال : «نزلت فاتحة الكتاب بمكّة من كنز تحت العرش» «2» .
و على هذا أكثر العلماء.
يدلّ عليه ما
أخبرنا الحسن بن محمد بن جعفر، حدّثنا محمد بن محمود، حدّثنا أبو لبابة محمد بن مهدي، حدّثنا أبي عن صدقة بن عبد الرّحمن عن روح بن القاسم [العبري] عن عمر ابن شرحبيل قال : إن أوّل ما نزل من القرآن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، و ذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أسرّ إلى خديجة (رض) و قال: «لقد خشيت أن يكون خالطني شيء». فقالت: و ما ذاك؟
قال: «إني إذا خلوت سمعت النداء فأفرّ». قال: فانطلق به أبو بكر إلى ورقة بن نوفل، فقال له ورقة: إذا أتاك فاجث له. فأتاه جبريل فقال له: «قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » «3» [6].
(1) تفسير ابن كثير: 1/ 10 بتفاوت.
(2) أسباب النزول للواحدي: 11.
(3) بتفاوت في أسباب النزول للواحدي: 11.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 90
و حدّثنا الحسن بن جعفر، حدّثنا محمد بن محمود، حدّثنا عمرو بن صالح عن ابن عباس، حدّثنا أبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قام النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بمكة فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ . فقالت قريش: دق «1» اللّه فاك.
و أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن، أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن يعقوب، حدّثنا أبو زيد، حدّثنا أبو حاتم بن محبوب الشامي، أخبرنا عبد الجبار العلاء عن معن عن منصور عن مجاهد قال : «فاتحة الكتاب أنزلت في المدينة».
و قال الحسن بن الفضل: لكل عالم هفوة، و هذه منكرة من مجاهد لأنه تفرّد بها، و العلماء على خلافه.
و صح الخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في حديث أبي بن كعب أنها من: «أوّل ما نزل من القرآن» «2» [7] و أنها: «السبع المثاني»
«3» [8]، و سورة الحجر مكيّة بلا اختلاف. و معلوم أن اللّه تعالى لم يمتنّ عليه بإتيانه السبع المثاني و هو بمكة، ثم أنزلها بالمدينة، و لا يسعنا القول بأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان بمكة يصلي عشر [سنوات] «4» بلا فاتحة الكتاب، هذا ممّا لا تقبله العقول.
قال الأستاذ: و قلت: قال بعض العلماء و قد لفق بين هذين القولين: أنها مكية و مدنية، نزل بها جبرئيل مرتين مرّة بمكة و مرّة بالمدينة حين حلّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم تعظيما و تفضيلا لهذه السورة على ما سواها و لذلك سميت مثاني، و اللّه أعلم.
أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أبي الفرات، أخبرنا أبو موسى عمران بن موسى، حدّثنا جعفر ابن محمد بن سوار، أخبرنا أحمد بن نصر، أخبرنا سعيد بن منصور، حدّثنا سلام عن زيد العمّي عن ابن سيرين عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال : «فاتحة الكتاب شفاء من السمّ» «5» [9].
و أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم بن أحمد، حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أيّوب، حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن صاحب، حدّثنا المأمون بن أحمد، حدّثنا أحمد بن عبد اللّه، حدّثنا أبو معاوية الضرير عن أبي مالك الأشجعي عن ابن حمران عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم : «إن القوم ليبعث اللّه عليهم العذاب حتما مقضيّا فيقرأ صبيّ من صبيانهم في الكتاب: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فيسمعه اللّه عزّ و جلّ فيرفع عنهم ذلك العذاب أربعين سنة» «6» [10].
(1) في الأصل موجود فوقها: رق.
(2) تفسير القرطبي: 20/ 117.
(3) سنن الدارمي: 2/ 445.
(4) في المخطوط: سنة.
(5) الجامع الصغير: 2/ 207.
(6) كشف الخفاء: 1/ 221.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 91
و حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هاني، حدّثنا الحسين بن الفضل، حدّثنا عفان بن مسلم الصفّار عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال :
أنزل اللّه عزّ و جلّ مائة و أربعة كتب من السماء أودع علومها أربعة: التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان، ثم أودع علوم هذه الأربعة الفرقان، ثم أودع علوم القرآن المفصّل، ثم أودع علوم المفصّل فاتحة الكتاب. فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع كتب اللّه المنزلة، و من قرأها فكأنما قرأ التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان.
في فضل التسمية:
حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن علي، حدّثنا أحمد بن سعيد، حدّثنا جعفر بن محمد بن صالح، و حدّثنا محمد بن القاسم الفارسي، حدّثنا أبو محمّد عبد اللّه بن أحمد الشيباني، أخبرنا أحمد بن كامل بن خلف، حدّثنا علي بن حماد بن السكن، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الهروي حسام بن سليمان المخزومي عن أبي مليكة عن ابن عباس (رضي اللّه عنه) قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يقول : «خير الناس و خير من يمشي على جديد الأرض المعلّمون؛ فكلما خلق الدين جدّدوه.
أعطوهم و لا تستأجروهم، فتحرجوهم فإن المعلّم إذا قال للصبي: قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، فقال الصبي: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتب اللّه براءة للصبي، و براءة لأبويه و براءة للمعلّم من النار» «1» [11].
و أخبرنا أبو الحسن بن أبي الفضل المولى، أخبرنا أبو عليّ الاسفرائيني الحافظ، حدّثنا ابن الحسن البصري، حدّثنا محمد بن مروان أبو جعفر، حدّثنا أبي، حدّثنا عمر بن ذر، عن عطاء عن جابر قال : (لما نزلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هرب الغيم إلى المشرق، و سكنت الرياح، و هاج البحر، و أصغت البهائم بآذانها، و رجمت الشياطين من السماء، و حلف اللّه بعزته أن لا يسمّى اسمه على شيء إلّا شفاه و لا يسمّى اسمه على شيء إلّا بارك عليه، و من قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* دخل الجنة) «2» .
و أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن، حدّثنا محمد بن محمد بن الحسن، أخبرنا الحسن ابن علي بن نصر، حدّثنا عبد اللّه بن هاشم، أخبرنا وكيع بن الجراح، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد اللّه بن مسعود قال : (من أراد أن ينجيه اللّه من الزبانية التسعة عشر فليقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* فإنّها تسعة عشر حرفا ليجعل اللّه له بكل حرف منها جنة من كلّ واحد) «3» [12].
(1) تفسير القرطبي: 1/ 336.
(2) تفسير ابن كثير: 1/ 19 بتفاوت.
(3) تفسير ابن كثير: 1/ 19.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 92
(التفسير و بالله التوفيق)
[سورة الفاتحة (1): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
قوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اعلم أنّ هذه الباء زائدة، و هي تسمّى باء التضمين أو باء الإلصاق، كقولك: كتبت بالقلم، فالكتابة لاصقة بالقلم. و هي مكسورة أبدا؛ و العلة في ذلك أن الباء حرف ناقص ممال. و الإمالة من دلائل الكسر، قال سيبويه: لما لم يكن للباء عمل إلّا الكسر كسرت.
و قال المبرّد: العلّة في كسرها ردّها إلى الأصل، ألا ترى أنك إذا أخبرت عن نفسك فإنك قلت: بيبيت، فرددتها إلى الياء و الياء أخت الكسرة كما أن الواو أخت الضمة و الألف أخت الفتحة، و هي خافضة لما بعدها فلذلك كسرت ميم الاسم.
و طوّلت هاهنا و شبهت بالألف و اللام؛ لأنهم لم يريدوا أن يفتتحوا كتاب اللّه إلّا بحرف مفخّم معظّم. قاله القيسي.
قال: و كان عمر بن عبد العزيز (رحمه اللّه) يقول لكتّابه: (طوّلوا الباء، و أظهروا السين، و فرّجوا بينهما، و دوّروا الميم تعظيما لكلام اللّه تعالى).
و قال أبو .... «1» .. خالد بن يزيد المرادي: العلّة فيها إسقاط الألف من الاسم، فلما أسقطوا الألف ردّوا طول الألف الى الباء ليكون دالّا على سقوط الألف منها. ألا ترى أنهم لمّا كتبوا: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ «2» بالألف ردّوا الباء إلى صيغتها، فإنما حذفوا الألف من (اسم) هنا فالكثرة دورها على الألسن عملا بالخفّة، و لمّا لم يكثر أضرابها كثرتها أثبتوا الألف بها.
و في الكلام إضمار و اختصار تقديره: قل، أو ابدأ بسم اللّه.
و قال آدم: الاسم فيه صلة، مجازه: «3» بالله الرّحمن الرحيم هو، و احتجوا بقول لبيد:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما
و هل أنا إلّا من ربيعة أو مضر «4»
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
و من يبك حولا كاملا فقد اعتذر «5»
(1) بياض في المخطوط.
(2) سورة العلق: 1.
(3) أو معناه. (هامش المخطوط)
(4) شرح الرضي على الكافية: 2/ 242.
(5) الصحاح: 2/ 738.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 93
أي ثم السلام عليكما.
و معناه: بالله تكوّنت الموجودات، و به قامت المخلوقات. و أدخلوا الاسم فيه ليكون فرقا بين المتيمّن و المتيمّن به. فأمّا معنى الاسم، فهو المسمى و حقيقة الموجود، و ذات الشيء و عينه و نفسه و اسمه، و كلها تفيد معنى واحدا. و الدليل على أن الاسم عين المسمّى قوله تعالى: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى «1» ، فأخبر أنّ اسمه يحيى، ثمّ نادى الاسم و خاطبه فقال: يا يَحْيى «2» . فيحيى هو الاسم، و الإسم هو يحيى.
و قوله تعالى: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها «3» و أراد الأشخاص المعبودة؛ لأنهم كانوا يعبدون المسمّيات.
و قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «4» ، و تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ «5» .
و
قوله صلّى اللّه عليه و سلّم : «لتضربنّ مضر عباد اللّه حتّى لا يعبد له اسم»
«6» [13] أي حتى لا يعبد هو.
ثم يقال: رأينا للتسمية اسم، و استعمالها في التسمية أشهر و أكثر من استعمالها في المسمّى، و لعل الاسم أشهر، و جمعه: أسماء، مثل قنو و أقناء، و حنو و أحناء، فحذفت الواو للاستثقال، و نقلت حركة الواو إلى الميم فأعربت الميم، و نقل سكون الميم إلى السين فسكنت، ثم أدخلت ألف مهموزة لسكون السين؛ لأجل الابتداء يدلّك عليه التصغير و التصريف يقال:
سميّ و سميّة؛ لأن كل ما سقط في التصغير و التصريف فهو غير أصلي. و اشتقاقه من (سما) (يسمو)، فكأن المخبر عنه بأنه معدوم ما دام معدوما فهو في درجة يرتفع عنها إذ وجد، و يعلو بدرجة وجوده على درجة عدمه. و الإسم الذي هو العبارة و التسمية للمخبر و الصفة للمنظر.
و أصل الصفة ظهور الشيء و بروزه، و اللّه أعلم.
فأمّا ما ورد في تفسيرها بتفصيلها فكثير، ذكرت جلّ أقاويلها في حديث و حكاية.
أخبرنا الأستاذ أبو القاسم بن محمد بن الحسن المفسّر، حدّثنا أبو الطيّب محمد بن أحمد ابن حمدون المذكر، أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد، حدّثنا أحمد بن هشام الأنطاكي، حدّثنا الحكم بن نافع عن إسماعيل بن عبّاس عن إسماعيل عن يحيى عن أبي مليكة عن مسعود بن عطيّة العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : «إن عيسى بن
(1) سورة مريم: 7.
(2) سورة مريم: 13.
(3) سورة يوسف: 48.
(4) الأعلى: 1.
(5) الرّحمن: 78.