کتابخانه تفاسیر
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 105
الكلام في جزئية البسملة من باقي السور
هذا في الفاتحة، فأما في غيرها من السور،
فأخبرنا أبو القاسم الحبيبي، حدّثنا أبو العباس الأصم، حدّثنا الربيع بن سليمان، أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، أن أبا بكر بن حفص بن عاصم قال : صلى معاوية بالمدينة صلاة يجهر فيها بالقراءة، و قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لأم القرآن و لم يقرأ للسورة التي بعدها حتى قضى صلاته، فلمّا سلّم ناداه المهاجرون من كل مكان: يا معاوية، أ سرقت الصلاة أم نسيت؟ فصلى بهم صلاة أخرى و قرأ فيها للسورة التي بعدها.
و ما. «1» ..
النظر بآيات [السور] «2» مقاطع القرآن على ضربين متقاربة و متشاكلة.
و المتشاكلة نحو ما في سورة القمر و الرّحمن و أمثالهما، و المتقاربة قيل: في سورة ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ «3» ، و ما ضاهاها. ثم نظرنا في قوله: قَبْلِهِمْ ، فلم يكن من المتشاكلة و لا من المتقاربة، و وجدنا أواخر آي القرآن على حرفين: ميم و نون أو حرف صحيح قبلها نا مكسورة فأوّلها، أو واو مضموم ما قبلها، أو ألف مفتوح ما قبلها، و وجدنا سبيلهم هو هو مخالف لنظم الكتاب.
هذا و لم نر غير مبتدأ آية في كتاب الله .. «4» .. إذ يقول أيضا: إن التسمية لا [تخلو] «5» ؛ إما أن تكون مكتوبة للفصل بين السور، أو في آخر السور، أو في أوائلها أو حين نزلت كتبت، و حيث لم تنزل لم تكتب، فلو كتبت للفصل لكتبت. «6» .. و تراخ، و لو كتبت في الابتداء لكتبت في (براءة)، و لو كتبت في الانتهاء لكتبت في آخر قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ «7» . فلمّا أبطلت هذه الوجوه علمنا أنها كتبت حيث نزلت، و حيث لم تنزل لم تكتب.
يقول أيضا: إنا وجدناهم كتبوا ما كان غير قرآن من الآي و الأخرى، أو خضرة، و كتبوا التسمية بالسواد فعلمنا أنها قرآن، و بالله التوفيق.
حكم الجهر بالبسملة في الصلاة
ثم الجهر بها في الصلاة سنّة لقول الله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ «8» [فأمر] «9» رسوله أن يقرأ القرآن بالتسمية، و قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى «10» فأوجب الفلاح لمن صلّى بالتسمية.
(1) بياض في المخطوط.
(2) بياض في المخطوط و الظاهر ما أثبتناه.
(3) سورة ق: 1- 2.
(4) بياض في المخطوط.
(5) بياض في المخطوط و الظاهر ما أثبتناه.
(6) بياض في المخطوط.
(7) سورة الناس: 1.
(8) سورة العلق: 2.
(9) بياض في مصورة المخطوط، و الظاهر ما أثبتناه.
(10) سورة الأعلى: 14 و 15.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 106
و أخبرنا أبو القاسم [الحسن بن محمّد بن جعفر] حدّثنا أبو صخر محمد بن مالك السعدي بمرو، حدّثنا عبد الصمد بن الفضل الآملي، حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي بغوطة [دمشق] «1» قال : صليت خلف المهديّ أمير المؤمنين فجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، فقلت: ما هذه القراءة يا أمير المؤمنين؟ [فقال:] حدثني أبي عن أبيه عن عبد الله بن عباس أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم جهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قلت: أ آثرها عنك؟ قال: نعم «2» .
و حدّثنا الحسن بن محمد بن زكريا العنبري، حدّثنا محمد بن عبد السلام، حدّثنا إسحاق ابن إبراهيم، أخبرنا خيثمة بن سليمان قال: سمعت ليثا قال : كان عطاء و طاوس و مجاهد يجهرون ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
و حدّثنا الحسن بن محمد: حدّثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرّحمن المروزي، حدّثنا الحسن ابن علي بن نصير الطوسي، حدّثنا أبو ميثم سهل بن محمد، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخزاعي، عن عمّار بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان ، أن العبادلة كانوا يستفتحون القراءة ب بسم اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يجهرون بها: عبد الله بن عباس، و عبد الله بن عمر، و عبد الله بن الزبير، و عبد الله بن صفوان.
و حدّثنا الحسن بن محمد، حدّثنا أبو نصر منصور بن عبد الله الاصفهاني، حدّثنا أبو القاسم الاسكندراني، حدّثنا أبو جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد أنه قال : «اجتمع آل محمد على الجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* ، و على أن يقضوا ما فاتهم من صلاة الليل بالنهار، و على أن يقولوا في أبي بكر و عمر أحسن القول و في صاحبهما».
و بهذا الإسناد قال : سئل الصادق عن الجهر بالتسمية، فقال: «الحق الجهر به، و هي التي التي ذكر الله عزّ و جلّ: وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً «3» ».
و حدّثنا الحسن، حدّثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى بن كعب العدل، حدّثنا الحسين ابن أحمد بن الليث، حدّثنا محمد بن المعلّى المرادي، حدّثنا أبو نعيم عن خالد بن
(1) بياض في مصورة المخطوط، و الظاهر ما أثبتناه.
(2) البداية و النهاية: 10/ 162.
(3) سورة الإسراء: 46.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 107
إياس عن سعيد ابن أبي سعيد المقرئ عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «أتاني جبريل فعلمني الصلاة» «1» [23]، ثم قام رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم و كبّر فجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
و حدّثنا الحسن بن محمد، حدّثنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن حمدون، حدّثنا الشرقي، حدّثنا محمد بن يحيى، حدّثنا ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب و نافع بن أيوب قالا: حدّثنا عقيل عن الزهري قال : من سنّة الصلاة أن تقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في فاتحة الكتاب [فإن] لم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لم يقرأ السورة. و قال: إن أوّل من ترك بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عمرو ابن سعيد بن العاص بالمدينة
، و احتجّ من أنّ إتيان التسمية أنها من الفاتحة، و الجهر بها في الصلاة بما
أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل النيسابوري القطّان، حدّثنا محمد بن إبراهيم الجرجاني، حدّثنا إبراهيم بن عمّار عن سعيد بن أبي عروبة عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أنس بن مالك قال : صليت مع رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم و أبي بكر و عمر و عثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
و أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن إسماعيل العماريّ، حدّثنا يزيد بن أحمد بن يزيد، حدّثنا أبو عمرو، حدّثنا محمد بن عثمان، حدّثنا سعيد بن بشير، عن قتادة عن أنس ، أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أبا بكر و عمر و عثمان كانوا لا يجهرون، و يخفون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
فعلم بهذا الحديث أنه لم ينف كون هذه الآية من جملة السورة، لكنه تعرّض لترك الجهر فقط، على أنه أراد بقوله: (لا يجهرون): أنهم لا يتكلفون في رفع الصوت و لم يرد الإسراء و التخافت أو تركها أصلا.
و يدل عليه ما
أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد الحبيبي، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، حدّثنا محمد بن عبد السلام الوراق و عبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن قالا:
حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا يحيى بن آدم، أخبرنا شريك، عن ياسر، عن سالم الأفطس، عن ابن أبي ليلى، عن سعيد، عن ابن عباس، قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ جهر بها صوته، فكان المشركون يهزئون بمكّة و يقولون: يذكر إله اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، و يسمونه الرّحمن، فأنزل الله: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ فيسمع المشركون فيهزؤون، وَ لا تُخافِتْ عن أمتك و لا تسمعهم وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا «2» .
و احتجّوا أيضا
بما أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن جعفر المطيري، حدّثنا بشر
(1) كنز العمّال: 7/ 441.
(2) سورة الإسراء: 110.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 108
ابن مطر [عن سفيان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة] عن أبيه عن قتادة عن أنس أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أبا بكر و عمر كانوا يستفتحون القراءة ب الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، و إنما عنى بها أنهم كانوا يستفتحون الصلاة بسورة (الحمد)، فعبّر بهذه الآية عن جميع السورة كما يقول:
قرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ و (البقرة)، أي سورة الْحَمْدُ لِلَّهِ و سورة (البقرة). «1»
.. أي رويناها نحكم على هذين الحديثين و أمثالهما و بالله التوفيق.
[سورة الفاتحة (1): الآيات 2 الى 3]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)
قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ
. «2» .. على نفسه، نعيما منه على خلقه. و لفظه خبر و معناه أمر، تقريره: قولوا: الحمد لله. قال ابن عباس: يعني: الشكر منه، و هو من الحمد .. «3» .. و الحمد للّه نقيض الذم. و قال ابن الأنباري: هو مقلوب عن المدح كقوله: جبل و جلب، و: بض و ضبّ.
و اختلف العلماء في الفرق بين الحمد و الشكر، فقال بعضهم: الحمد: الثناء على الرجل بما فيه من الخصال الحميدة، تقول: حمدت الرجل، إذا أثنيت عليه بكرم أو [حلم] أو شجاعة أو سخاوة، و نحو ذلك. و الشكر له: الثناء عليه أو لآله.
فالحمد: الثناء عليه بما هو به، و الشكر: الثناء عليه بما هو منه.
و قد يوضع الحمد موضع الشكر، فيقال: حمدته على معروفه عندي، كما يقال: شكرته، و لا يوضع الشكر موضع الحمد، [ف] لا يقال: شكرته على علمه و حلمه.
و الحمد أعمّ من الشكر؛ لذلك ذكره الله فأمر به، فمعنى الآية: الحمد للّه على صفاته العليا و أسمائه الحسنى، و على جميع صنعه و إحسانه إلى خلقه.
و قيل: الحمد باللسان قولا، قال الله: وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً «4» ، و قال:
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى «5» و الشكر بالأركان فعلا، قال الله تعالى:
اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً «6» .
و قيل: الحمد للّه على ما حبا و هو النعماء، و الشكر على ما زوى و هو اللأواء.
و قيل: الحمد للّه على النعماء الظاهرة، و الشكر على النعماء الباطنة، قال الله تعالى:
وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً «7» .
(1) بياض في المخطوط.
(2) بياض في المخطوط.
(3) بياض في المخطوط.
(4) سورة الإسراء: 111.
(5) سورة النمل: 59.
(6) سورة سبأ: 13.
(7) سورة لقمان: 20.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 109
و قيل: الحمد ابتداء و الشكر «1» ....
حدّثنا الحسن بن محمد بن جعفر النيسابوري لفظا، حدّثنا إبراهيم بن محمد بن يزيد النسفي، حدّثنا محمد بن علي الترمذي، حدّثنا عبد الله بن العباس الهاشمي، حدّثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عبد الله بن عمرو [بن العاص] قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم : «الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده» «2» [24].
و حدّثنا الحسن بن محمد، أخبرنا أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه، حدّثنا عبد الله بن محمود السعدي، حدّثنا علي بن حجر، حدّثنا شعيب بن صفوان عن مفضّل بن فضالة عن علي بن يزيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه سئل عن الْحَمْدُ لِلَّهِ قال: كلمة شكر أهل الجنة
. في إعراب الْحَمْدُ لِلَّهِ
و قد اختلف القرّاء في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ ، فقرأت العامّة بضمّ الدال على الابتداء، و خبره فيما بعده. و قيل: على التقديم و التأخير، أي للّه الحمد.
و قيل: على الحكاية. و قرأ هارون بن موسى الأعور و رؤبة بن العجاج بنصب الدال على الإضمار، أي أحمد الحمد؛ لأن الحمد مصدر لا يثنّى و لا يجمع. و قرأ الحسن البصري بكسر الدال، أتبع الكسرة الكسرة. و قرأ إبراهيم بن أبي عبلة الشامي بضم الدال و اللام، أتبع الضمة الضمّة.
رَبِّ الْعالَمِينَ قرأ زيد بن علي: رَبَّ الْعالَمِينَ بالنصب على المدح، و قال أبو سعيد ابن أوس الأنصاري: على معنى أحمد ربّ العالمين. و قرأ الباقون رَبِّ الْعالَمِينَ بكسر الباء، أي خالق الخلق أجمعين و مبدئهم و مالكهم و القائم بأمورهم، و الرب بمعنى السيّد، قال الله تعالى: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ «3» أي سيّدك، قال الأعشى «4» :
و اهلكن يوما ربّ كندة و ابنه
و ربّ معبين خبت و عرعر «5»
(1) بياض في المخطوط.
(2) المصنّف لعبد الرزّاق: 10/ 424، ح 19574.
(3) سورة يوسف: 42.
(4) في المصدر نسبه إلى لبيد بن ربيعة.
(5) جامع البيان للطبري: 1/ 93.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 110
و ربّ عمر و الرومي من رأس حضية
و أنزلن بالأسباب رب المشقرة
يعني: رئيسها و سيّدها.
و يكون بمعنى المالك،
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم : «أ ربّ إبل أنت أم رب غنم؟» «1» [25]. فقال: من كل قد آتاني الله فأكثر و أطنب
و قال طرفة:
كقنطرة الرومي أقسم ربها
لتكتنفنّ حتى تشاد بقرمد «2»
و قال النابغة:
و إن يك ربّ أذواد فحسبي
أصابوا من لقائك ما أصابوا «3»
و يكون بمعنى الصاحب، قال أبو ذؤيب:
فدنا له رب الكلاب بكفّه
بيض رهاب ريشهن مقزع «4»
و يكون بمعنى المرعى، يقول: ربّ يربّ ربابة و ربوبا، فهو ربّ، مثل برّ و طب، قال الشاعر:
يربّ الذي يأتي من العرف إنه
إذا سئل المعروف زاد و تمّما «5»
و يكون بمعنى المصلح للشيء، قال الشاعر:
كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت
سلاءها في أديم غير مربوب «6»
أي غير مصلح.
و قال الحسين بن الفضل: الرب: اللبث من غير إثبات أحد، يقال: ربّ بالمكان و أربّ، و لبث و ألبث إذا أقام و في الحديث أنه كان يتعوّذ بالله من فقر ضرب أو قلب قال الشاعر:
ربّ بأرض تخطّاها الغنم
لب بأرض ما تخطاها الغنم «7»
و هو الاختيار؛ لأن المتكلمين أجمعوا على أنّ الله لم يزل ربّا
و سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبي يقول : سئل أبو بكر محمد بن موسى الواسطي عن الرب، فقال: هو الخالق ابتداء، و المربي غذاء، و الغافر انتهاء.
و لا يقال للمخلوق: هو الرب، معرّفا بالألف
(1) مسند الحميدي: 2/ 390، غريب الحديث: 1/ 166.
(2) لسان العرب: 5/ 118، و القرمد: الحجارة.
(3) التبيان: 6/ 144.
(4) لسان العرب: 1/ 438.
(5) تاج العروس: 1/ 261.
(6) الصحاح: 1/ 55.
(7) لسان العرب: 1/ 731.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 111
و اللام، و إنما يقال على الإضافة: هو رب كذا؛ لأنه لا يملك الكل غير اللّه، و الألف و اللام تدلّان على العموم. و أمّا العالمون فهم جمع عالم، و لا واحد له من لفظه «1» ، كالأنام و الرهط و الجيش و نحوها.
و اختلفوا في معناه،
حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن، أخبرنا أبو إسحاق بن أسعد بن الحسن بن سفيان عن جدّه عن أبي نصر ليث بن مقاتل عن أبي معاذ الفضل بن خالد عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم عن الربيع بن أنس عن شهر بن حوشب عن أبي بن كعب قال :
العالمون هم الملائكة، و هم ثمانية عشر ألف ملكا منهم أربعة آلاف و خمسمائة ملك بالمشرق، و أربعة آلاف و خمسمائة ملك بالمغرب، و أربعة آلاف و خمسمائة ملك بالكهف الثالث من الدنيا، و أربعة آلاف و خمسمائة ملك في الكهف الرابع من الدنيا، مع كل ملك من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلّا اللّه عزّ و جلّ و من ورائهم أرض بيضاء كالرخام .. «2» .. مسير الشمس أربعين يوما، طولها لا يعلمه إلّا اللّه عزّ و جلّ مملوءة ملائكة يقال لهم الروحانيون، لهم زجل بالتسبيح و التهليل، لو كشف عن صوت أحدهم لهلك أهل الأرض من هول صوته فهم العالمون، منتهاهم إلى حملة العرش.
و قال أبو معاذ [النحوي]: هم بنو آدم.
و قال أبو هيثم خالد بن يزيد: هم الجن و الإنس؛ لقوله تعالى: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً «3» ، و هي رواية عطية العوفي و سعيد بن جبير عن ابن عباس.
و قال الحسين بن الفضل: العالمون: الناس، و احتجّ بقوله تعالى: أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ «4» .
و قال العجاج: بخلاف هذا العالم.
و قال الفراء و أبو عبيدة: هو عبارة عمن يعقل، و هم أربع أمم: الملائكة، و الجن، و الإنس، و الشياطين، لا يقال للبهائم: عالم. و هو مشتق من العلم، قال الشاعر:
ما إن سمعت بمثلهم في العالمينا
و قال عبد العزيز بن يحيى الكناني: هم أهل التنزيه من الخلق. و قال عبد الرّحمن بن زيد ابن أسلم: هم المرتزقون. و قال الخضر بن إسماعيل: هو اسم الجمع الكثير، قال ابن الزبعري:
(1) أي من لفظ العالم.
(2) بياض في المخطوط.
(3) سورة الفرقان: 1.