کتابخانه تفاسیر
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 121
و قال عبد العزيز بن يحيى: يعني طريق السواد الأعظم. [و قال] أبو بكر الورّاق: يعني صراطا لا تزيغ به الأهواء يمينا و شمالا. و قال محمد بن علي النهدي: يعني طريق الخوف و الرجاء. و قال أبو عثمان الداراني: [يعني] طريق العبودية.
و سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد يقول: سمعت أبا نصر منصور بن عبد اللّه بهرات يقول: سمعت أبا الحسن عمر بن واصل العنبري يقول: سمعت [سهل] بن عبد اللّه التستري يقول : طريق السنّة و الجماعة لأن البدعة لا تكون مستقيمة.
و أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن المفسّر: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب الأصم: حدّثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي: أخبرنا أبو بكر بن عيّاش عن عاصم عن زر عن أبي وائل عن عبد اللّه قال : خطّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خطّين، خطّا عن يمينه و خطّا عن شماله ثم قال: «هذه السبل، و على كلّ سبيل منهما شيطان يدعو إليه، و هذا سبيل اللّه» [30] «1» ، ثم قرأ وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ «2» .
و أخبرنا عبد اللّه بن حامد، أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف، حدّثنا معمّر بن سفيان الصغير، حدّثنا يعقوب بن سفيان الكبير، حدّثنا أبو صالح عبد اللّه بن صالح، حدّثنا معاوية بن صالح أن عبد الرّحمن بن جبير بن نصر حدّثه عن أبيه جبير عن نواس بن معاذ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال : «ضرب اللّه مثلا (صِراطاً مُسْتَقِيماً)* و على جانبي الصراط ستور مرخاة فيها أبواب مفتّحة و على الأبواب ستور مرخاة، و على باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط و لا تعوجوا، و داع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد فتح شيء من تلك الأبواب قال: ويلك لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلجه بالصراط: الإسلام. و الستور حدود اللّه، و الأبواب المفتحة محارم اللّه، و ذلك الداعي على الصراط كتاب اللّه عزّ و جلّ، و الداعي من فوق واعظ اللّه في قلب كل مسلم» [31] «3» .
[سورة الفاتحة (1): آية 7]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)
صِراطَ بدل من الأول الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ يعني: طريق الذين أنعمت عليهم بالتوفيق و الرعاية، و التوحيد و الهداية، و هم الأنبياء و المؤمنون الذين ذكرهم اللّه تعالى في قوله:
(1) مسند أحمد: 1/ 465، السنن الكبرى: 6/ 343 بتفاوت.
(2) سورة الأنعام: 153.
(3) مسند أحمد: 4/ 182، المستدرك: 1/ 73 بتفاوت يسير.
(4) سورة النساء: 69.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 122
قال ابن عباس: هم قوم موسى و عيسى من قبل أن يغيّروا نعم اللّه عليهم.
و قال شهر بن حوشب هم أصحاب الرسول صلّى اللّه عليه و رضي عنهم و أهل بيته (عليهم السلام). و قال عكرمة: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) بالثبات على الإيمان و الاستقامة.
و قال علي بن الحسين بن داود: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بالشكر على السرّاء و الصبر على الضرّاء. و قال .. «1» .. بن .. «2» ..: بما قد سنّه محمد صلّى اللّه عليه و سلّم. و قال الحسين بن الفضل: يعني أتممت عليهم النعمة فكم من منعم عليه .. «3» ...
و أصل النعمة المبالغة و الزيادة، يقال: دققت الدواء فأنعمت دقّه أي بالغت في دقه، و منه
قول العرب النبي صلّى اللّه عليه و آله «إن أهل الجنة يتراءون الغرفة منها كما يتراءون الكوكب الدرّي الشرقي أو الغربي في أفق السماء و إن أبا بكر و عمر منهم و أنعما» «4» [32].
أي زادا عليه. و قال أبو عمرو: بالغا في الخير.
و قرأ الصادق : (صراط من أنعمت عليهم)، و به قرأ عمرو بن الزبير و علي
، حرف اللام يجر ما بعده. و في عَلَيْهِمْ سبع قراءات:
الأولى: عَلَيْهِمْ - بكسر الهاء و جزم الميم- و هي قراءة العامّة.
و الثانية:
عليهُمْ- بضم الهاء و جزم الميم- و هي قراءة الأعمش و حمزة. و روي ذلك عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و عمر (رضي اللّه عنه) .
و الثالثة: عليهُمُ- بضم الهاء و الميم و إلحاق الواو- و هي قراءة عيسى بن عمر و ابن أبي إسحاق.
و الرابعة: عليهمو- بكسر الهاء و ضم الميم و إلحاق الواو- و هي قراءة ابن كثير و الأعرج.
و الخامسة: عليهِمِ- بكسر الهاء و الميم و إلحاق الياء- و هي قراءة الحسن.
و السادسة: عليهِمُ- بكسر الهاء و ضم الميم مضمومة مختلسة- و هي رواية عبد اللّه بن عطاء الخفّاف عن أبي عمرو.
و السابعة: عليهِمِ- بكسر الهاء و الميم- و هي قراءة عمرو بن حامد.
(1) بياض في المخطوط.
(2) بياض في المخطوط.
(3) بياض في المخطوط.
(4) الجامع الصغير: 2/ 203.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 123
فمن ضمّ الهاء ردّه إلى الأصل لأنه لو أفرد كان مضموما عند الابتداء به، و من كسره فلأجل الياء الساكنة. و من كسر الهاء و جزم الميم فإنه يستثقل الضمّ مع مجاورة الياء الساكنة، و الياء أخت الكسرة و الخروج من الضم إلى الكسر ثقيل. و من ضمّ الهاء و الميم أتبع فيه الضمّة.
و من كسر الهاء و ضمّ الميم فإنه كسر الهاء لأجل الياء و ضمّ الميم على الأصل، و الاختلاس للاستخفاف، و إلحاق الواو و الياء للإتباع و اللّه أعلم. قال الشاعر في الميم المختلسة:
و اللّه لو لا شعبة من الكرم
وسطة في الحي من خال و عم «1»
لكنت فيهم رجلا بلا قدم
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ غير: صفة الذين. و الذين معرفة و لا توصف المعارف بالنكرات و لا النكرات بالمعارف إلّا إن الذين ليس بمعرفة موقتة و لكنّه بمنزلة قولك: إني لأمرّ بالصادق غير الكاذب، كأنك قلت: من يصدق لا من يكذب. و لا يجوز: مررت بعبد اللّه غير الظريف.
و معنى كلامه: غير صراط الذين غضبت عَلَيْهِمْ .
في معنى الغضب
و اختلفوا في معنى الغضب من اللّه عزّ و جلّ، فقال قوم: هو إرادة الانتقام من العصاة.
و قيل: هو جنس من العقاب يضادّ و الرضا. و قيل: هو ذم العصاة على قبح أفعالهم.
و لا يلحق غضب اللّه تعالى العصاة من المؤمنين بل يلحق الكافرين.
وَ لَا الضَّالِّينَ عن الهدى.
و أصل الضلال الهلاك، يقال ضلّ الماء في اللبن إذا خفي و ذهب، و: رجل ضالّ إذا أخطأ الطريق، و: مضلّل إذا لم يتوجّه لخير، قال الشاعر:
ألم تسأل فتخبرك الديار
عن الحي المضلل أين ساروا «2»
قال الزجاج و غيره: و إنما جاز أن يعطف ب (لا) على غير؛ لأن غير متضمّن معنى النفي؛ فهو بمعنى لا، مجازه: غير المغضوب عليهم و غير الضالين كما تقول: فلان غير محسن و لا مجمل. فإذا كان (غير) بمعنى سوى لم يجز أن يعطف عليها ب (لا)؛ لأنه لا يجوز في الكلام عندي سوى عبد اللّه و لا زيد. و روى الخليل بن أحمد عن ابن كثير: غَيْرَ الْمَغْضُوبِ نصبا.
و قرأ عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنهما-: (و غير الضالين)
، و قرأ السختياني (و لأ الضالئين) بالهمزة؛ لالتقاء الساكنين، و اللّه أعلم.
(1) كتاب المنمق للبغدادي: 130.
(2) تفسير القرطبي: 1/ 150.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 124
فأما التفسير:
فأخبرنا عبد اللّه بن حامد، أخبرنا أحمد بن عبد اللّه المزني، حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن سليمان، أخبرنا أحمد بن حنبل و محمد بن دينار قالا: حدّثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سماك قال: سمعت عباد بن حبيش عن عديّ بن حاتم عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ قال: «اليهود»، وَ لَا الضَّالِّينَ قال: «النصارى» «1» [33].
و أخبرنا أبو القاسم الحبيبي، أخبرنا أبو زكريا العنبري، حدّثنا محمد بن عبد اللّه الوراق، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق عن معمر بن عبد اللّه بن بديل العقيلي عن عبد اللّه بن شقيق أنه أخبره من سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و هو بوادي القرى على فرسه فسأله رجل من القين، فقال: يا رسول اللّه، من هؤلاء الذين يقاتلونك؟ قال: «المغضوب عليهم»، و أشار إلى اليهود. فقال: من هؤلاء الطائفة الأخرى؟ فقال: «الضالون»، و أشار إلى النصارى «2» [34].
و تصديق هذا الحديث حكم اللّه تعالى بالغضب على اليهود في قوله: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ «3» ، و حكم الضلال على النصارى في قوله:
وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا «4» .
و قال الواقدي: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بالمخالفة و العصيان، وَ لَا الضَّالِّينَ عن الدين و الإيمان.
و قال التستري: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ البدعة، وَ لَا الضَّالِّينَ عن السنة.
فصل في آمين
و السنّة المستحبة أن يقول القارئ بعد فراغه من قراءة فاتحة الكتاب: آمين؛ سواء كان في الصلاة أو غير الصلاة؛ لما
أخبرنا عبد اللّه بن حامد الاصفهاني، أخبرنا محمد بن جعفر المطيري، حدّثنا الحسن بن علي بن عفان العامري، حدّثنا أبو داود عن سفيان، و أخبرنا عبد اللّه قال: و أخبرنا عبدوس بن الحسين، حدّثنا أبو حاتم الرازي، حدّثنا ابن كثير، أخبرنا سفيان عن سلمة عن حجر أبي العنبس الحضرمي عن أبي قايل بن حجر قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا قرأ: وَ لَا الضَّالِّينَ ، قال: «آمين»، و رفع بها صوته «5» [35].
(1) تفسير ابن كثير: 1/ 32.
(2) تفسير ابن كثير: 1/ 32 بتفاوت يسير.
(3) سورة المائدة: 60.
(4) سورة المائدة: 77.
(5) مسند أحمد: 4/ 316.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 125
و روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال : «لقّنني جبرائيل عليه السّلام آمين عند فراغي من فاتحة الكتاب» [36].
و قال «إنّه كالخاتم على الكتاب» «1»
و فيه لغتان: أمين بقصر الألف، و أنشد:
تباعد منّي فعطل إذ سألته
أمين فزاد اللّه ما بيننا بعدا
و آمين بمد الألف و أنشد:
يا ربّ لا تسلبني حبّها أبدا
و يرحم اللّه عبدا قال آمينا «2»
و هو مبني على الفتح مثل أين.
و اختلفوا في تفسيره
فأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر، أخبرنا أبو العباس محمد ابن إسحاق بن أيوب، أخبرنا الحسن بن علي بن زياد، حدّثنا عبيد بن يعيش عن محمد ابن الفضل عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : سألت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) عن معنى «آمين» قال: «ربّ افعل» [37] «3» .
و قال ابن عباس و قتادة: معناه: كذلك يكون.
و أخبرنا عبد اللّه بن حامد الوزّان، أخبرنا مكي بن عبدان، حدّثنا عبد اللّه بن حاتم، حدّثنا عبد اللّه بن نمير، أخبرنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف قال : آمين اسم من أسماء اللّه تعالى، و [بذلك] «4» قال مجاهد .
و قال سهل بن عبد اللّه: معناه: لا يقدر على هذا أحد سواك. و قال محمد بن علي النهدي: معناه لا تخيّب رجانا.
و قال عطية العوفي: آمين كلمة ليست بعربية، إنما هي عبرية أو سريانية ثمّ تكلمت به العرب فصار لغة لها. و قال عبد الرّحمن بن زيد: آمين كنز من كنوز العرش لا يعلم تأويله أحد إلّا اللّه عزّ و جلّ.
و قال أبو بكر الورّاق: آمين قوة للدعاء و استنزال للرحمة.
و قال الضحّاك بن مزاحم: آمين أربعة أحرف مقتطعة من أسماء اللّه تعالى، و هو خاتم رب العالمين يختم به براءة أهل الجنة و براءة أهل النار، و هي الجائزة التي منها يجوزون إلى الجنة و النار «5» .
(1) تفسير القرطبي: 1/ 127- 128.
(2) زاد المسير: 1/ 12، تفسير القرطبي: 1/ 128.
(3) الدرّ المنثور: 1/ 17، فتح القدير: 1/ 26.
(4) في المخطوط: ذلك.
(5) فيض القدير: 1/ 80، ح 20.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 126
يدلّ عليه ما
أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر، حدّثنا أبو الحسن محمد بن محمود بن عبد اللّه، حدّثنا محمد بن علي الحافظ، حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حمويه، حدّثنا سعيد بن جبير، حدّثنا المؤمل بن عبد الرّحمن بن عياش الثقفي، عن أبي أمية بن يعلى الثقفي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال : «آمين خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين» [38] «1» .
أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن حمدون بن الفضل بقراءتي عليه في صفر سنة ثمان و أربعمائة أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين بن الشرقي، حدّثنا محمد بن يحيى و عبد الرّحمن بن بشر و أحمد بن يوسف قالوا: حدّثنا عبد الرزّاق، أخبرنا معمّر عن همّام بن منبّه قال: حدّثنا أبو هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال : «إذا قال أحدكم آمين و الملائكة في السماء فوافق إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه» [39] «2» .
و حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمّد بن جعفر، أخبرنا محمّد أبو الحسن محمد بن الحسن بهراة، حدّثنا رجاء بن عبد اللّه، حدّثنا مالك بن سليم، عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج عن عطاء قال : آمين دعاء
[و عنه عن] النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال : «ما حسدكم اليهود على شيء، كما حسدوكم على آمين، و تسليم بعضكم على بعض» [40] «3» .
و قال وهب بن منبه: آمين على أربع أحرف، يخلق اللّه تعالى من كل حرف ملكا يقول:
اللهم اغفر لمن قال: آمين.
فصل في أسماء هذه السورة
هي عشرة، و كثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمّى:
الأول: فاتحة الكتاب، سمّيت بذلك لأنه يفتتح بها في المصاحف و التعليم و القراءة في الصلاة، و هي مفتتحة بالآية التي تفتتح بها الأمور تيمّنا و تبرّكا و هي التسمية. و قيل: سمّيت بذلك لأن الحمد فاتحة كل كتاب كما هي فاتحة القرآن. و قال الحسين بن الفضل: لأنها أول سورة نزلت من السماء.
و الثاني: سورة الحمد، لأن فيها ذكر الحمد، كما قيل: سورة (الأعراف) و (الأنفال) و (التوبة) و نحوها.
و الثالث: أمّ الكتاب و القرآن؛ سمّيت بذلك لأنها أوّل القرآن و الكتب المنزلة، فجميع ما
(1) كتاب الدعاء للطبراني: 89، كنز العمّال: 1/ 559، ح 2512.
(2) مسند أحمد: 2/ 312.
(3) المصنّف لعبد الرزّاق: 2/ 98، ح 2649.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج1، ص: 127
أودعها من العلوم مجموع في هذه السورة؛ فهي أصل لها كالأم للطفل، و قيل: سمّيت بذلك؛ لأنها أفضل سور القرآن كما أن مكة سميت أم القرى لأنها أشرف البلدان. و قيل: سمّيت بذلك لأنها مقدّمة على سور القرآن، فهي أصل و إمام لما يتلوها من السور، كما أن أم القرى أصل جميع البلدان دحيت الأرض من تحتها. و قيل: سمّيت بذلك لأنها مجمع العلوم و الخيرات، كما أن الدماغ يسمى أمّ الرأس؛ لأنها مجمع الحواس و المنافع.
و سمعت أبا القاسم الحسن بن محمّد المفسّر يقول: سمعت أبا بكر القفّال يقول: سمعت أبا بكر البريدي يقول : الأم في كلام العرب: الراية ينصبها العسكر.
قال قيس بن الخطيم:
نصبنا أمّنا حتى ابذعرّوا
و صاروا بعد إلفتهم شلالا
فسمّيت أم القرآن؛ لأن مفزع أهل الإيمان إليها كمفزع العسكر إلى الراية. و العرب تسمي الأرض أمّا؛ لأنّ معاد الخلق إليها في حياتهم و بعد مماتهم، قال أمية بن أبي الصلت:
و الأرض معقلنا و كانت أمّنا
فيها مقابرنا و فيها نولد «1»
و أنشدني أبو القاسم قال: أنشدنا أبو الحسين المظفّر محمد بن غالب الهمداني قال:
أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبي قال: أنشدني أحمد بن عبيدة:
نأوي إلى أمّ لنا تعتصب
كما ولها أنف عزيز و ذنب
و حاجب ما إن نواريها الغصب
من السحاب ترتدي و تنتقب «2»
يعني: نصبه كما وصف لها. و سميت الفاتحة أمّا لهذه المعاني. و قال الحسين بن الفضل:
سميت بذلك؛ لأنها إمام لجميع القرآن تقرأ في كل [صلاة و] «3» تقدم على كل سورة، كما أن أمّ القرى إمام لأهل الإسلام. و قال ابن كيسان: سميت بذلك؛ لأنها تامة في الفضل.
و الرابع: السبع المثاني، و سيأتي تفسيره في موضعه إن شاء اللّه.
و الخامس: الوافية،
حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري، حدّثنا أبي عن أمّه عن محمد بن نافع السنجري، حدّثنا أبو يزيد محبوب الشامي، حدّثنا عبد الجبار بن العلاء قال :
كان يسمي سفيان بن عيينة فاتحة الكتاب: الوافية، و تفسيرها لأنها لا تنصف و لا تحتمل الاجتزاء إلّا أن كل سورة من سور القرآن لو قرئ نصفها في ركعة و النصف الآخر في ركعة كان جائزا، و لو نصفت الفاتحة و قرئت في ركعتين كان غير جائز.
(1) تفسير القرطبي: 1/ 112.
(2) لسان العرب: 15/ 168 باختصار.