کتابخانه تفاسیر
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 129
[سورة يونس (10): الآيات 26 الى 36]
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يوسف بن يعقوب الفقيه في آخرين قالوا: حدثنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار. الحسن بن عرفة العبدي حدثني سلم بن سالم البلخي عن نوح عن أبيّ عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى اللّه عليه و سلّم عن هذه الآية لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ فقال: «الذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى و هي الجنّة و الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم» [79] «1» .
و هو قول أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) و حذيفة و أبي موسى و صهيب و عبادة بن الصامت و كعب ابن عجرة و عامر بن سعد و عبد الرحمن بن سابط و الحسن و عكرمة و أبي الجوزاء و الضحاك و السدي و عطاء و مقاتل، يدلّ عليه:
ما
أخبرنا أبو إسحاق بن الفضل القهندري أخبرنا أبو علي الصفار. الحسن بن عرفة. يزيد ابن هارون عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال:
قال: رسول الله صلى اللّه عليه و سلّم : «إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا أن: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا لم تروه، قال: فيقولون و ما هو؟ ألم تبيضّ وجوهنا و تزحزحنا عن النار و تدخلنا الجنة. قال:
فيكشف الحجاب- تبارك و تعالى- فينظرون إليه- قال: فو الله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم منه [80] «2» .
(1) معاني القرآن للنحاس: 3/ 289.
(2) مسند أحمد: 4/ 332.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 130
قال ابن عباس: الذين أَحْسَنُوا الْحُسْنى يعني الذين شهدوا أن لا إله إلّا الله الجنة.
و روى عطية عنه هي أن واحدة من الحسنات واحدة و الزيادة التضعيف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف «1» .
و روى جويبر عن الليث عن عبد الرحمن بن سابط قال: الحسنى: النظرة، و الزيادة:
النظر. قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ «2» .
و روى الحكم عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال : الزيادة غرفة من لؤلؤ واحدة لها أربعة ألف باب.
مجاهد: الحسنى: حسنة مثل حسنة و الزيادة مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٌ ، ابن زيد:
الحسنى: الجنة و الزيادة ما أعطاهم في الدعاء لا يحاسبهم به يوم القيامة.
حكى منصور بن عمار عن يزيد بن شجرة قال: الزيادة: هي أن تمرّ السحابة بأهل الجنة فتمطرهم من كل النوادر، و تقول لهم: ما تريدون ان أمطركم؟ فلا يريدون شيئا إلّا مطرتهم.
وَ لا يَرْهَقُ يغشى و يلحق وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ غبار و هو جمع قترة. قال الشاعر:
متوج برداء الملك يتبعه
موج ترى فوقه الرايات و القترا «3»
و قال ابن عباس و قتادة: سواد الوجوه، و قرأ الحسن: قَتْرٌ بسكون التاء و هما لغتان كالقدر و القدر وَ لا ذِلَّةٌ هوان، و قال قتادة: كآبة و كسوف. قال ابن أبي ليلى: هذا بعد نظرهم إلى ربهم أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. وَ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها يجوز أن يكون الجزاء مرفوعا بإضمار أي: لهم جزاء، و يجوز أن يكون مرفوعا بالياء، فيجوز أن يكون ابتداء و خبره بمثلها أي: مثلها بزيادة الباء فيها كقولهم: بحسبك قول السوء.
وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ من عذاب الله مِنْ عاصِمٍ أي من مانع، و من صلة كَأَنَّما أُغْشِيَتْ ألبست وُجُوهُهُمْ قِطَعاً أكثر القراء على فتح الطاء و هو جمع قطعة و يكون «مُظْلِماً» على هذه القراءة نصبا على الحال و القطع دون النعت كأنه أراد قطع من الليل المظلم فلما حذف الألف و اللام نصب. يجوز أن يكون مُظْلِماً صفة لقطع- وسط الكلام- كقول الشاعر:
لو أن مدحة حي منشر أحدا
و قرأ أبو جعفر و الكسائي و ابن كثير قِطَعاً بإسكان الطاء و تكون مُظْلِماً على هذا نعت كقوله: بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ* ، اعتبارا بقراءة أبيّ: كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ
(1) تفسير الطبري: 11/ 141/ 142.
(2) سورة القيامة: 22. 23.
(3) البيت للفرزدق كما في الصحاح: 2/ 785.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 131
اثبتوا و قفوا في موضعكم و لا تبرحوا أَنْتُمْ وَ شُرَكاؤُكُمْ يعني الأوثان فَزَيَّلْنا ميّزنا و فرقنا بين المشركين و شركائهم و قطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا بذلك حين [اتخذوا] كل معبود من دون الله من خلقه وَ قالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ يقولون بلى كنا نعبدكم فيقول الأصنام: فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ أي ما كنا عن عبادتكم إيّانا إلّا غافلين، ما كنا نسمع و لا نبصر و لا نعقل. قال الله تعالى: هُنالِكَ تَبْلُوا أي تخبر و قيل: تعلم، و قرأ يحيى بن وثاب و الأعمش و طلحة و عيسى و حمزة و الكسائي (تَبْلُوا) بالتاء «1» ، و هي قراءة ابن مسعود في معنى: و تقرأ.
كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ صحيفتها، و قيل: معناه تتبع ما قدمت من خير و شرّ، و قال ابن زيد [تعاون] وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَ [بطل] عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ [من الآلهة] قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ المطر وَ الْأَرْضِ النبات أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ مَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ الذي فعل هذه الأشياء فَقُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ أفلا تخافون عقابه في شرككم فَذلِكُمُ اللَّهُ الذي يفعل هذه الأشياء رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ فمن أين تصرفون عن عبادته و أنتم مقرّون كَذلِكَ فسرها الكلبي هكذا في جميع القرآن حَقَّتْ وجبت كَلِمَةُ رَبِّكَ حكمه و علمه السابق.
و قرأ الأعرج: كلمات عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا كفروا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ينشئ من غير أصل و لا [مثال] ثُمَّ يُعِيدُهُ يحييه بهيئته بعد الموت [أي قل لهم يا محمد ذلك على وجهة التوبيخ و التقرير] «2» فإن أجابوك و إلّا قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ تصرفون عن قصد السبيل قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ أوثانكم مَنْ يَهْدِي يرشد إِلَى الْحَقِ فإذا قالوا: لا، فلا بدّ لهم منه قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِ أي إلى الحق أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي .
اختلف القراء فيه، فقرأ أهل المدينة: مجزومة الهاء مشدّدة الدال لأن أصله يهتدي فأدغمت التاء في الدال و تركت الهاء على [السكون] في قراءتهم بين ساكنين كما فعلوا في قوله:
( تَعُدُّوا* و يَخِصِّمُونَ ).
و قرأ ابن كثير و ابن عامر بفتح الهاء و تشديد الدال و قلبت الياء المدغمة الى الهاء، فاختاره أبو عبيد و أبو حاتم، و قرأ عاصم و ورش بكسر الهاء و تشديد الدال فرارا من التقاء الساكنين.
[لأن الجزم إذا اضطر إلى حركته] تحول إلى الكسر. قال أبو حاتم: هي لغة سفلى مضر.
(1) أي تتلو، راجع زاد المسير: 4/ 25.
(2) أثبتناه من تفسير القرطبي: 8/ 341.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 132
و روى يحيى ابن آدم عن أبي بكر عن عاصم بكسر الهاء و الياء و تشديد الدال [لإتباع] الكسر الكسر و قيل: هو على لغة من يقرأ نَعْبُدُ و نَسْتَعِينُ و لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ* و نحوها، و قرأ أبو عمرو بين الفتح و الجزم على مذهبه في الإخفاء، و قرأ حمزة و الكسائي و خلف: بجزم الهاء و تخفيف الدال على معنى يهتدي، يقال: هديته فهدى أي اهتدى فقال: خبرته فخبر و نقصته فنقص.
إِلَّا أَنْ يُهْدى في معنى الآية وجهان: فصرفها قوم إلى الرؤساء و المظلين. أراد لا يرشدون إلّا أن يرشدوا و حملها الآخرون على الأصنام، قالوا: وجه الكلام و المعنى لا يمشي إلّا أن يحمل و ينتقل عن مكانه إلّا أن ينقل كقول الشاعر:
للفتى عقل يعيش به
حيث تهدي ساقه قدمه «1»
يريد حيث يحمل فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ تقضون لأنفسكم وَ ما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا منهم إنها آلهة و أنها تشفع لهم في الآخرة و أراد بالأكثر الكل إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ .
[سورة يونس (10): الآيات 37 الى 52]
(1) البيت لطرفه كما في الصحاح: 6/ 2534.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 133
وَ ما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ قال الفراء: معناه و ما ينبغي لهذا القرآن أن يفترى كقوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ «1» و قوله: وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً «2» ، و قال الكسائي: أن في محل نصب الخبر و يفترى صلة له و تقديره: و ما كان هذا القرآن مفترى، و قيل: أن بمعنى اللام أي و ما كان القرآن ليفترى من دون الله وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ الْكِتابِ تمييز الحلال من الحرام و الحق من الباطل لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ أي يقولون.
قال أبو عبيدة: أم بمعنى الواو أي و يقولون افتراه، اختلق محمّد القرآن من قبل نفسه.
قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ شبيه القرآن و قرأ ابن السميقع: بِسُورَةِ مِثْلِهِ مضافة، فتحتمل أن تكون الهاء كناية عن القرآن و عن الرسول وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ ممن تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ ليعينوكم على ذلك، و قال ابن كيسان: وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ على المخالفة ليعينوكم، و قال مجاهد: شهداءكم بمعنى ناسا يشهدون لكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إنّ محمدا افتراه.
ثم قال: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ يعني القرآن وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ تفسيره.
و قال الضحاك: يعني عاقبته و ما وعد الله في القرآن انه كائن من الوعيد و التأويل ما يؤول إليه الأمر.
و قيل للحسين بن الفضل: هل تجد في القرآن (من جهل شيئا عاداه؟) فقال: نعم في موضعين بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ، و قوله: وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ «3» كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من كفار الأمم الخالية فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ أي كما كذب هؤلاء المشركون بالقرآن كذلك كذب في هذا و بشّر المشركون بالهلاك و العذاب وَ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ أي و من قومك من سيؤمن بالقرآن وَ مِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ لعلم الله السابق فيهم وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ الذين لا يؤمنون وَ إِنْ كَذَّبُوكَ يا محمد فَقُلْ لِي عَمَلِي الإيمان وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ الشرك أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ .
قال مقاتل و الكلبي: هذه الآية منسوخة بآية الجهاد، ثم أخبر أن التوفيق للإيمان به لا بغيره، و أن أحدا لا يؤمن إلّا بتوفيقه و هدايته، و ذكر أن الكفار يستمعون القرآن و قول محمد صلى اللّه عليه و سلّم فينظرون إليه و يرون أعلامه و أدلته على نبوته و لا ينفعهم ذلك و لا يهتدون لإرادة الله و علمه فيهم فقال: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ بأسماعهم الظاهرة أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ
(1) سورة آل عمران: 161.
(2) سورة التوبة: 122.
(3) سورة الأحقاف: 11.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 134
بأبصارهم الظاهرة أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ و هذا تسلية من الله تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه و سلّم يقول ما لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع، و لا تقدر أن تخلق للأعمى بصرا يهتدي به فكذلك لا تقدر أن توفقهم للإيمان و قد حكمت عليهم أن لا يؤمنوا إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً لأنه في جميع أفعاله عادل.
وَ لكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالكفر و المعصية و فعلهم ما ليس لهم أن يفعلوا [و ألزمهم] ما ليس للفاعل أن يفعله.
وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا قال الضحاك: كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ قصرت الدنيا في أعينهم من هول ما استقبلوا، و قال ابن عباس: كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا في قبورهم إلّا قدر ساعة مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ حين بعثوا من القبور يعرف بعضهم بعضا كمعرفتهم في الدنيا ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ. وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ يا محمد في حياتك بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من العذاب أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل ذلك فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ في الآخرة ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ مجزيهم به.
قال المفسرون: فكان البعض الذي أراه قبلهم ببدر و سائر العذاب بعد موتهم وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ خلت رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ فكذبوه قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ أي عذبوا في الدنيا و اهلكوا بالحق و العدل.
و قال مجاهد و مقاتل: فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ يوم القيامة قُضِيَ بينه و بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ لا يعذبون بغير ذنب و لا يؤاخذون بغير حجة و لا ينقصون من حسناتهم و يزادوا على سيئاتهم وَ يَقُولُونَ أي المشركون مَتى هذَا الْوَعْدُ الذي وعدتنا يا محمد من العذاب.
و قيل: قيام الساعة إِنْ كُنْتُمْ أنت يا محمد و أتباعك صادِقِينَ. قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَ لا نَفْعاً لا أقدر لها على ضرّ و لا نفع إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أن أملكه لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ مدة [و أجل] إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ وقت [انتهاء] أعمارهم فَلا يَسْتَأْخِرُونَ يتأخرون ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ. قُلْ لهم إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ الله بَياتاً ليلا أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ المشركون و قد وقعوا فيه أَ ثُمَ هنالك و حينئذ، و ليس بحرف عطف إِذا ما وَقَعَ نزل العذاب آمَنْتُمْ بِهِ صدقتم بالعذاب في وقت نزوله.
و قيل: بأنه في وقت البأس آلْآنَ فيه إضمار أي، و قيل: أنّهم الآن يؤمنون وَ قَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ و تكذبون ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أشركوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ اليوم إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ في الدنيا.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 135
[سورة يونس (10): الآيات 53 الى 61]
وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ و يستخبرونك يا محمد أَ حَقٌّ هُوَ ما تعدنا من العذاب و قيام الساعة قُلْ إِي كلمة تحقيق وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ لا شك فيه وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فأتيقن وَ لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ أشركت ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ يوم القيامة وَ أَسَرُّوا و أخفوا النَّدامَةَ على كفرهم لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ و فرغ من عذابهم وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ. أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ إلى قوله قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ تذكرة مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ و دواء لِما فِي الصُّدُورِ إلى قوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ .
قال أبو سعيد الخدري: فضل الله القرآن و رحمته أن جعلكم من أهله.
و قال ابن عمر: فضل الله الإسلام وَ بِرَحْمَتِهِ تزيينه في القلب.
خالد بن معدان: فضل الله الإسلام وَ بِرَحْمَتِهِ السنّة.
الكسائي: فضل الله النعم الظاهرة، و رحمته النعم الباطنة. بيانه: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً .
أبو بكر الوراق: فضل الله النعماء و هو ما أعطى و جنى و رحمته الآلاء و هي ما صرف.
و روى ابن عيينة فضل الله التوفيق و رحمته العصمة.
سهل بن عبد الله: فضل الله الإسلام و رحمته السنة.
الحسين بن الفضل: فضل الله الإيمان و رحمته الجنة.
ذو النون المصري: فضل الله دخول الجنان و رحمته النجاة من النيران.
عمر بن عثمان الصدفي: فضل الله كشف الغطاء و رحمته الرؤية و اللقاء.