کتابخانه تفاسیر
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 37
و يقال: إنه يضاعف لهم العذاب.
بِما كانُوا يُفْسِدُونَ في الدنيا من الكفر و صد الناس عن الإيمان وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعني عليها، و إنما قال: مِنْ أَنْفُسِهِمْ لأنه كان يبعث إلى الأمم أنبياءها منها وَ جِئْنا بِكَ يا محمّد شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ الذين بعثت إليهم وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ يحتاج إليه من الأمر و النهي، و الحلال و الحرام، و الحدود و الأحكام وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ،
[سورة النحل (16): الآيات 90 الى 100]
إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ يعني بالإنصاف وَ الْإِحْسانِ إلى الناس، الوالبي عن ابن عبّاس: العدل: التوحيد، و الإحسان أداء الفرائض.
[و قيل:] العدل: شهادة أن لا إله إلّا الله، و الإحسان: الإخلاص فيه.
عطاء عنه: العدل: مصطلح الأنداد، و الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، مقاتل: العدل:
التوحيد، و الإحسان: العفو عن الناس، و قيل: العدل في الأفعال و الإحسان في الأقوال.
كقوله: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً «1» .
وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى صلة الرحم وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ القبيح من الأقوال و الأفعال.
و قال ابن عبّاس: الزنا.
وَ الْمُنْكَرِ ما لا يعرف في شريعة و لا سنّة وَ الْبَغْيِ الفسق و الظلم.
و قال ابن عيينة: [و العدل في مستوى] السر و العلانية. و الإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته. و الفحشاء أن تكون علانيته أحسن من سريرته.
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ تتعظون.
قتادة: إن الله تعالى أمر عباده بمكارم الأخلاق و معاليها، و نهاهم عن سفاسف الأخلاق و مذاقها.
و قال ابن مسعود: و أجمع آية في القرآن هذه الآية.
شهر بن حوشب عن ابن عبّاس قال : بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بفناء بيته بمكة جالسا إذ مرّ به عثمان بن مظعون فكسر إلى رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال له رسول الله: «ألا تجلس» [8] قال: بلى، فجلس إلى رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم مستقبله فبينما هو يحدّثه إذ شخص رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم بصره إلى السماء فنظر ساعة فأخذ يضع بصره حتّى وقع على يمينه في الأرض فتحرّف رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره فأخذ ينغض رأسه كأنّه يستفهم شيئا يقال له، ثمّ شخص رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم بصره إلى السماء كما شخص أول مرة فأتبعه بصره حتّى توارى في السماء فأقبل إلى
(1) سورة البقرة: 83.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 38
عثمان كحالته الأولى، فقال: يا محمّد فيما كنت أجالسك ما رأيتك تفعل فعلتك لغداة؟ قال:
«و ما رأيتني فعلت»؟ قال: رأيتك تشخص بصرك إلى السماء ثمّ وضعته على يمينك فتحرّفت إليه و تركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفهم شيئا يقال لك. فقال: «أ و فطنت إلى ذلك»؟ قال:
نعم، قال: «أتاني رسول الله جبرائيل آنفا و أنت جالس» قال: نعم: فماذا قال: لك؟ قال: قال:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ إلى آخره.
قال عثمان: فذلك الحين استقر الإيمان في قلبي و أحببت محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم «1» .
و روى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قرأ على الوليد بن المغيرة إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ إلى آخر الآية، قال له: يا ابن أخ أعد، فأعاد عليه. فقال: إن له و الله لحلاوة و إن عليه لطلاوة فإن أعلاه لمثمر و إن أسفله لمغدق و ما هو بقول بشر، ثمّ لم يسلم، فأنزل الله فيه: وَ أَعْطى قَلِيلًا وَ أَكْدى «2» .
وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها تشديدها [و يحنثوا فيها]، و التوكيد لغة أهل الحجاز، أمّا أهل نجد فإنهم يقولون: أكّدت تأكيدا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا بالوفاء إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ و اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية و إن كان حكمها عاما.
فقال بعضهم: نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم أمرهم الله بالوفاء بها.
و قال مجاهد و قتادة: نزلت في حلف أهل الجاهلية.
ثمّ ضرب جلّ ثناؤه مثلا لنقض العهد، فقال عز من قائل: وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أي من بعد إبرامه و إحكامه، و كان بعض أهل اللغة يقول: القوة ما غزل على طاقة واحدة و لم يثن.
الكلبي و مقاتل: هي امرأة خرقاء حمقاء من قريش يقال لها: ريطة بنت عمرو بن سعد بن كعب بن زيد مناة بن تميم كانت اتخذت مغزلا بقدر ذراع و صنارة مثل الإصبع و فتل عظمة على قدرها و كانت تغزل من الصوف و الشعر و الوبر و تأمر جواريها بذلك فكنّ يغزلنّ من الغداة إلى نصف النهار، فإذا انتصف النهار أمرت جواريها بنقض جميع ما غزلن فهذا كان دأبها.
و قوله أَنْكاثاً يعني أنقاضا واحدتها نكثة، و هو كل ما نقض بعد الفتل غزلا كان أو حبالا تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أي دخلا و خيانة و خديعة.
قال أبو عبيدة: كل أمر لم يكن صحيحا فهو دخل.
(1) أسباب النزول للواحدي: 189.
(2) سورة النجم: 34.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 39
أَنْ تَكُونَ أي لأن تكون أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى أكثر و أجلّ مِنْ أُمَّةٍ .
قال مجاهد: ذلك أنهم كانوا يحالفون الحلف فيجدون أكبر منهم و أعز و يستيقنوه فيحلف هؤلاء و يحالفون الأكثر فنهاهم الله تعالى عن ذلك إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ يختبركم بأمره إياكم بالوفاء بالعهد وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ في الدنيا وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً على ملّة واحدة، وَ لكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ بخذلانه إياهم عدلا منه فيهم وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ بتوفيقه إياهم فضلا منه وَ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .
وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا خديعة و فسادا بَيْنَكُمْ يغرون بها الناس فتسكنون إلى إيمانكم و يأمنون ثمّ ينقضونها و يختلفون فيها فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها فتهلكوا بعد ما كنتم آمنين، و العرب تقول لكل مبتل بعد عافية أو ساقط في ورطة بعد سلامة: زلّت قدميه.
كقول الشاعر:
سيمنع منك السبق إن كنت سابقاً
و تلطع إن زلت بك القدمان «1»
وَ تَذُوقُوا السُّوءَ العذاب بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا يعني و لا تنقظوا عهودكم تطلبون بنقضها عوضا قليلا من الدنيا، و لكن أوفوا بها
(1) جامع البيان للطبري: 14/ 221 و فيه: النعلان بدل: القدمان، تفسير القرطبي: 10/ 172، و فيه و تقتل بدل و تلطع.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 40
فإنما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بذلك خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فصل ما بين العوضين ثمّ بين ذلك ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَ لَنَجْزِيَنَ بالنون عاصم. الباقون بالياء.
الَّذِينَ صَبَرُوا على الوفاء في السرّاء و الضراء أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ دون أسوأها و يغفر سيئاتهم بفضله مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً اختلفوا فيها:
فقال سعيد بن جبير و عطاء و الضحاك: هي الرزق الحلال، و هو رواية ابن أبي مالك و أبي الربيع عن ابن عبّاس.
و قال الحسن و علي و زيد و وهب بن منبّه: هي القناعة و الرضا بما قسم الله، و هذه رواية عكرمة عن ابن عبّاس.
و قال مقاتل بن حيان: يعني أحسن في الطاعة، و هي رواية عبيد بن سليم عن الضحاك، فقال: من يعمل صالحا وَ هُوَ مُؤْمِنٌ في فاقة أو ميسرة فحياة طيبة. و من أعرض عن ذكر الله فلم يؤمن و لم يعمل عملا صالحا فمعيشة ضنك لا خير فيها.
أبو بكر الوراق: هي حلاوة الطاعة.
الوالبي عن ابن عبّاس: هي السعادة، مجاهد و قتادة و ابن زيد: هي الجنة، و مثله روي عن الحسن و قال: لا تطيب الحياة لأحد إلّا في الجنة.
وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ .
قال أبو صالح: جلس ناس من أهل التوراة و أهل الإنجيل و أهل الأوثان، فقال هؤلاء:
نحن أفضل، و قال هؤلاء: نحن أفضل، فأنزل الله عزّ و جلّ هذه الآية فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ يعني فإذا كنت قارئا للقرآن فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .
قال محمّد بن جرير، و قال الآخرون: مجازه: فإذا أردت قراءة القرآن فَاسْتَعِذْ ، كقوله:
إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا «1» الآية، أي الطهارة مقدمة على الصلاة، و قوله: إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ «2» معناها و إذا أردتم تطليق النساء لأنه محال أن يأمرهم بالتطليق المعين بعد ما مضى التطليق. و أما حكم الآية: فاعلم أن الاستعاذة عند قراءة القرآن مستحبة في الصلاة و غير الصلاة، هذا قول جماعة الفقهاء إلّا مالكا، فإنه لا يتعوذ إلّا في قيام رمضان، و احتج بما
روي أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم كان يفتتح الصلاة ب الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
، و إنما تأويل هذا
(1) سورة المائدة: 6.
(2) سورة الطلاق: 1.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 41
الحديث أنه كان يفتتح القراءة في الصلاة ب الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، يدل عليه أن الصلاة تفتتح بالتكبير بلا خلاف على أن الخبر متروك الظاهر.
و يدل على صحة ما قلنا
حديث جبير بن مطعم قال : رأيت رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم يصلّي فقال:
«الله أكبر كبيرا و الحمد لله و سبحان الله بكرة و أصيلا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخة و نفثة و همزة».
و قال ابن مسعود: نفخة الكبر و نفثة الشعر و همزة المرض يعني الجنون، فإذا تقرر هذا ثبت أن الخبر المتقدم متروك بالظاهر مأخوذ المعنى.
و اختلف الفقهاء في وقت الاستعاذة:
فقال أكثرهم: قبل القراءة، و هو قول الجمهور، و هو الصحيح المشهور.
و قال أبو هريرة: يتعوذ بعد القراءة و إليه ذهب داود بن علي.
و قال مالك في الصلاة التي يتعوذ فيها و هي قيام رمضان: يتعوذ بعد القراءة و احتج بظاهر الآية، و قد بينّا وجهها، و الدليل على أنها قبل القراءة، ما
روى أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم يقول : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ثمّ يقرأ
، و أما الكلام في محل الاستعاذة في الصلاة، فقد قال الشافعي: يقولها في أول الركعة، و قيل: إن قال حيث يفتتح كل ركعة قبل القراءة فحسن ما يقرأ به في شيء من الصلاة كما أمره به في أول ركعة. هذا قول عامة الفقهاء.
و قال ابن سيرين: يتعوذ في كل ركعة قبل القراءة. و الصحيح المذهب الأوّل، لأن
المروي في الأخبار أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم ما كان يتعوّذ إلّا في الأولى
، و أما صفتها و في الصلاة فهي أن ينظر فإن كانت صلاة يسرّ فيها بالقراءة أسرّ فيها بالاستعاذة، و إن كانت يجهر فيها بالقراءة:
فقال الشافعي في (الأم): روي أن أبا هريرة أمّ الناس رافعا صوته: ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم «1» ، و كان ابن عمر يعوذ في نفسه.
قال الشافعي: فإن شاء جهر بها و إن شاء أسرّ بها.
قال الثعلبي: و الاختيار الإخفاء ليفرّق بين ما هو قرآن و ما هو ليس بقرآن.
فأما لفظة الاستعاذة فالأولى و المستحب أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لنص القرآن و
الخبر المتصل المتسلسل، و هو أني قرأت على الشيخ أبي الفضل محمّد بن أبي جعفر
(1) كتاب الام: 1/ 129.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 42
الخزاعي، فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في المواضع كلّها فأني قرأت على أبي الحسين عبد الرحمن بن محمّد بالبصرة فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقال: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فأني قرأت على عبد الله أبي حامد الزنجاني فقلت: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فأني قرأت على أبي عثمان إسماعيل بن إبراهيم الأهوازي فقلت: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فأني قرأت على محمّد بن عبد الله بن بسطام فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فأني قرأت على روح بن عبد المؤمن فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فأني قرأت على يعقوب الحضرمي فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فأني قرأت على سلام بن المنذر، فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلقد قرأت على عاصم فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلقد قرأت على زر بن حبيش فقلت:
أعوذ بالسميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلقد قرأت على عبد الله بن مسعود فقلت: أعوذ بالسميع العليم، فقال لي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلقد قرأت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقلت: أعوذ بالله السميع العليم، فقال لي: «يا ابن أم عبد قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبرائيل عن القلم عن اللوح المحفوظ».
قال ابن عجلان: و هكذا علمني أخي أحمد، و قال: هكذا علمني أخي، و قال: هكذا علمني وكيع بن الجراح، و قال: هكذا علمني سفيان الثوري.
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ حجة و ولاية عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ .
قال سفيان: لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ أن يحملهم على ذنب لا يغفر.
إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ يطيعونه وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ أي بالله مُشْرِكُونَ .
و قال بعضهم: الكناية راجعة إلى الشيطان، و مجاز الكلام: الذين يسمعون قوله مشركون بالله، و هذا كما يقال: صار فلان بك عالما، أي من أجلك و بسببك عالما.
[سورة النحل (16): الآيات 101 الى 106]
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 43
وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ يعني و إذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكما آخر، وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ فيما يغيّر و يبدل أعلم بما هو أصلح لخلقه فيما عدّل من أحكامه قالُوا إِنَّما أَنْتَ يا محمّد مُفْتَرٍ و ذلك أن المشركين قالوا: إن محمدا يسجد بأصحابه يأمرهم اليوم و يؤمّرهم غدا و يأتيهم بما هو أهون عليهم، و ما هو إلا مفتر يتقوله من تلقاء نفسه.
قال الله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ حقيقة القرآن و بيان الناسخ و المنسوخ من الأحكام قُلْ نَزَّلَهُ يعني القرآن رُوحُ الْقُدُسِ جبرئيل مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا تثبيتا للمؤمنين و تقوية لإيمانهم [.....] «1» تصديقا و يقينا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ آدمي و ما هو من عند الله، و اختلف العلماء في هذا البشر من هو:
قال ابن عبّاس : كان قينا بمكة اسمه بلعام و كان نصرانيا يسمى اللسان و كان المشركون يرون رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم يدخل عليه و يخرج منه فقالوا: إنما يعلمه بلعام، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
و قال عكرمة و قتادة : كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يقرّي غلاما لبني المغيرة يقال له يعيش و كان يقرأ الكتب، [فقالوا]: إنما يعلمه يعيش فأنزل الله تعالى هذه الآية.
و قال الفراء : قال المشركون إنما يتعلّم محمّد عن مملوك كان لحويطب بن عبد العزى و كان قد أسلم فحسن إسلامه و كان أعجمي فأنزل الله تعالى هذه الآية «2» .
و قال ابن إسحاق : كان رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم فيما بلغني كثيرا ما يجلس عند المروة إلى غلام رومي نصراني، يقال له: خير، عبد لبعض بني الحضرمي و كان يقرأ الكتب.
و قال المشركون: و الله ما يعلم محمدا كثيرا ما يأتي به إلّا خير النصراني، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
و قال طلحة بن عمر : بلغني أن خديجة رضى اللّه عنها كانت تختلف إلى خير فكانت قريش تقول: إن عبد بني الحضرمي يعلّم خديجة و خديجة، تعلّم محمّدا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال عبيد الله بن مسلم الحضرمي : كان لنا عبدان من أهل [عين التمر] يقال لأحدهما
(1) غير مقروءة في المخطوط.