کتابخانه تفاسیر
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 56
و روى السدي عن محمّد بن السائب عن باذان عن ابن عبّاس عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: دخل كلام بعضهم في بعض قالوا: قال رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم : «لما كانت ليلة أسري بي و أنا بمكة بين النائم و اليقظان، جاءني جبرئيل (عليه السلام) فقال يا محمّد قم فقمت فإذا جبرئيل و معه ميكائيل فقال جبرئيل لميكائيل: ائتني بطشت من ماء زمزم لكيما [و عطر قلبه] «1» و أشرح له صدره قال: فشق بطني فغسله ثلاث مرات و اختلف إليه ميكائيل بثلاث طشات من ماء زمزم، فشرح صدري و نزع ما كان فيه من غل و ملاه حلما و علما و إيمانا و ختم بين كتفيّ بخاتم النبوة، ثمّ أخذ جبرئيل بيدي حتّى انتهى بي إلى سقاية زمزم فقال لملك: ائتني بنور من ماء زمزم و من ماء الكوثر، فقال:
توضأ فتوضأت ثمّ قال لي: انطلق يا محمّد. قلت: إلى اين؟ قال: إلى ربك و رب كل شيء، فأخذ بيدي و أخرجني من المسجد فإذا أنا بالبراق- دابة فوق الحمار و دون البغل- خدّه كخد الإنسان و ذنبه كذنب البعير و عرفه كعرف الفرس و قوائمه كقوائم الإبل و أظلافه كأظلاف البقر و صدره كأنه ياقوتة حمراء و ظهره كأنه درة بيضاء عليه رحل من رحائل الجنة، و له جناحان في فخذيه يمر مثل البرق خطوة منتهى طرفه فقال لي: اركب، و هي دابة إبراهيم التي كان يزور عليها البيت الحرام.
قال: فلما وضعت يديّ عليه شمس «2» و استعصى عليّ، فقال جبرئيل: مه يا براق، فقال البراق: يا جبرئيل [مس ظهري] «3» فقال جبرئيل: هل مسست [ظهرا] «4» قال: لا و الله إلّا إني مررت يوما على [نصاب إبل] فمسحت يدي على رؤسهما و قلت:
إن قوما يعبدونكما من دون الله ضلال. فقال جبرئيل: يا براق أما تستحي فوالله ما ركبك مذ كنت قط نبي أكرم على الله من محمد صلّى اللّه عليه و سلّم قال: فارتعش البراق و أنصب عرقا حياء مني، ثمّ خفض لي حتى لزق بالأرض، فركبته و استويت عليه قام بي جبرئيل نحو المسجد الأقصى بخطوا البراق مدّ البصر يرسل إلى جنبي لا يفوتني و لا أفوته حينا أنا في مسيري إذا جاءني نداء عن يميني قال: يا محمّد على رسلك أسلك بقولها ثلاثا فلم أرفق عليه ثمّ مضيت حتّى جاوزته، فإذا أنا بامرأة عجوز رفعت لي عليها من كل زينة و بهجة تقول: يا محمّد إليّ، فلم ألتفت إليها و قلت: يا جبرئيل من هذا الذي ناداني عن يميني؟ فقال: داعية اليهود و الذي نفسي بيده لو أجبته لتهودت أمتك من بعدك و الذي ناداك من يسارك داعية النصارى، و الذي نفسي بيده لو أجبت لتنصّرت أمتك من بعدك، فأما التي رفعت لك بهجتها و زينتها فهي الدنيا لو التويت إليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة.
(1) هكذا في الأصل.
(2) شمست الدابة: شردت و جمحت وضعت ظهرها.
(3) هكذا في الأصل.
(4) هكذا في الأصل.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 57
ثمّ أتيت بإناءين أحدهما اللبن و الآخر خمرة فقيل لي: اشرب أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته. فقال لي جبرئيل: أصبت الفطرة أنت و أمتك، أما إنك لو أخذت الخمر لخمرت أمتك من بعدك قال: ثمّ سار رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم و سار معه جبرئيل فأتى على قوم يزرعون و يحصدون في يوم واحد، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء المهاجرون في سبيل الله يضاعف لهم الحسنة سبعمائة ضعف، و ما أنفقوا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ .
قال: ثمّ أتى على قوم يرضخ رؤسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيئا. قال: ما هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة.
ثمّ أتى على قوم إقبالهم رقاع و على أدبارهم رقاع فيسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع، و الزقوم قد صف جهنم و حجارتها فقال: ما هؤلاء يا جبرئيل؟
فقال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ* ... وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «1» ثمّ أتى على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضيج طيب و لحم آخر خبيث، فجعلوا يأكلون الخبيث و يدعون النضيج الطيب، قال: ما هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هذا الرجل من يكون عنده المرأة حلالا طيبا فأتى امرأة خبيثة فيبيت معها حتّى يصبح، فالمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا فتأتي الرجل الخبيث فتبيت معه حتّى تصبح، ثمّ أتى على [امرأة] في الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته و لا شيء آخر إلا فتّته. فقال: ما هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا مثل أمتك يقعدون على الطريق فيقطعون بمثل وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ «2» الآية ثمّ أتى على رجل جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها و هو يزيد عليها فقال: ما هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا الرجل من أمتك عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها و هو يزيد عليها، ثمّ أتى على قوم يقرض ألسنتهم و شفاههم بمقاريض من حديد، كلما قرضت عادت كما كانت. قال: ما هؤلاء يا جبرئيل؟ قال هؤلاء خطباء الفتنة، ثمّ أتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع.
قال: ما هذا؟ قال: هذا الرجل من أمتك يتكلم الكلمة العظيمة ثمّ يندم عليها و لا يستطيع أن يردها. قال: ثمّ أتى واد فوجد ريحا طيبة باردة و صوتا. قال: ما هذه الريح الطيبة و ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت الجنة، فقال: ربّ أرني بما وعدتني فقد كثر غرفي و استبرقي و حريري و سندسي و عبقري و لؤلؤي و مرجاني و فضتي و ذهبي و أكوابي و صحافي و أباريقي و فواكهي و عسلي و لبني و خمري و مائي، فأتني بما وعدتني. فقال: لك كل مؤمن و مؤمنة من آمن بي و برسلي
(1) سورة فصّلت: 46.
(2) سورة الأعراف: 56.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 58
و عمل صالحا و لم يشرك بي و لم يتخذ من دوني أندادا، و من خشيني فهو آمن و من سألني أعطيته و من أقرضني جزيته و من توكل عليّ كفيته، إني أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا لا أخلف الميعاد قد أفلح المؤمنين تبارك اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ قال: قد رضيت. قال ثمّ أتى على واد فسمع صوتا منكرا و وجد ريحا منتنه فقال: ما هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: [يا ربّ آتني] «1» ما وعدتني فقد كثرت سلاسلي و أغلالي و سعيري و حميمي و ضريعي و غساقي و عذابي، و قد بعد قعري و اشتد حرّي ائتني بما وعدتني، قال: لك كل مشرك و مشركة و كافر و كافرة و كل خبيث و خبيثة و كل جبار لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ .
قالت: قد رضيت يا رب، ثمّ سار و معه جبرئيل فقال له جبرئيل: انزل فصل. قال: فنزلت و صليت، فقال: أ تدري أين صليت؟ صليت بطيبة و إليها المهاجرة إلى الله. ثمّ قال: انزل فصلّ قال فنزلت فصليت فقال: أ تدري أين صليت! صليت بطور سيناء حيث كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى ثمّ قال:
انزل فصل، قال: فنزلت فصليت. فقال: أ تدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى (عليه السلام) قال: ثمّ مضينا حتّى أتينا بيت المقدس فلما انتهيت إليه إذا أنا بملائكة قد نزلوا من السماء يتلقونني بالبشارة و الكرامة من عند رب العزة يقولون: السلام عليك يا أول و يا آخر و يا حاشر، قال: قلت يا جبرئيل ما تحيتهم إياي؟ قال: إنك أول من تنشر عنه الأرض و عن أمتك، و أول شافع و أول مشفع و إنك آخر الأنبياء و إن الحشر لك و بأمتك يعني حشر يوم القيامة».
قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «ثمّ جاوزناهم حتّى انتهينا إلى باب المسجد، فأنزلني جبرئيل و ربط البراق بالحلقة الي كانت تربط بها الأنبياء (عليه السلام) بحطام عليه من حرير الجنة، فلما دخلت الباب إذا أنا بالأنبياء و المرسلين» [18] «2» .
و في حديث أبي العالية: «أرواح الأنبياء و المرسلين الذين بعثهم الله قبلي من لدن إدريس و نوح إلى عيسى قد جمعهم الله عزّ و جلّ، فسلموا عليّ و حيوني بمثل تحية الملائكة قلت:
يا جبرئيل من هؤلاء؟ قال: إخوتك الأنبياء، زعمت قريش أن لله شريكا، و اليهود و النصارى أن لله ولدا، سل هؤلاء المرسلين هل لله شريك؟ و ذلك قوله تعالى وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ «3» فأقرّوا بالربوبية لله تعالى ثمّ جمعهم و الملائكة صفوفا فقدمني و أمرني أن أصلي بهم فصليت بهم ركعتين. ثمّ إن الأنبياء أثنوا على ربهم فقال إبراهيم (عليه السلام) الحمد لله الذي اتخذني خليلا و أعطاني مُلْكاً عَظِيماً و جعلني
(1) عن تفسير الطبري: 15/ 12.
(2) راجع تفسير الطبري: 15/ 10- 16.
(3) سورة الزخرف: 45.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 59
أُمَّةً قانِتاً يؤتم بي و أنقذني من النار و جعلها عليّ بَرْداً وَ سَلاماً . ثمّ إن موسى (عليه السلام) أثنى على ربّه فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الذي كلمني تكليما و جعل هلاك فرعون منه و نجاة بني إسرائيل على يديّ، و جعل من أمتي قوما يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ . ثمّ إن داود (عليه السلام) أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما و علمني الزبور و ألان لي الحديد و سخر لي الجبال يسبحن و الطير و أعطاني الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ . ثمّ إن سليمان (عليه السلام) أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي سخر لي الرياح و سخر لي جنود الشياطين يعملون لي ما شئت مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ ، و علمني منطق الطير و آتاني من كل شيء فضلا و آتاني ملكا عظيما لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي و جعل ملكي ملكا طيبا ليس عليّ فيه حساب.
ثمّ إن عيسى (عليه السلام) أثنى على ربه فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الذي جعلني كلمة منه و جعلني أخلق مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ و جعلني أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ و رفعني و طهرني و أعاذني و أمّي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ فلم يكن للشيطان علينا سبيل.
ثمّ إن محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم قال: كلكم قد أثنى على ربه و أنا مثن على ربي فقال: الحمد لله الذي أرسلني رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ و كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً و أنزل عليّ القرآن (فيه بيان كل شيء) و جعل أمتي خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ «1» و جعل أمتي أُمَّةً وَسَطاً «2» و جعل أمتي هم الأولون و الآخرون و شرح لي صدري و وضع عني وزري و رفع لي ذكري و جعلني فاتحا و خاتما.
فقال إبراهيم (عليه السلام): بهذا أفضلكم محمّد، ثمّ أتى بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها: إناء فيه ماء فقيل له: اشرب فشرب منه يسيرا، ثمّ دفع إليه إناء آخر فيه لبن فقيل له: اشرب فشرب منه حتّى روى، ثمّ دفع إليه إناء آخر فيه خمر فقيل له: اشرب، فقال: لا أريده قد رويت. فقال له جبرئيل: قد أصبت أما إنها ستحرم على أمتك، و لو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلّا قليل، و لو رويت من الماء لغرقت و غرقت أمتك ثمّ أخذ جبرئيل (عليه السلام) بيدي فانطلق بي إلى الصخرة فصعد بي إليها فإذا معراج إلى السماء لم أر مثله حسنا و جمالا لم ينظر الناظرون إلى شيء قط أحسن منه. و منه تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ أصله على صخرة بيت المقدس و رأسه ملتصق بالسماء إحدى عارضيه ياقوتة حمراء و الأخرى زبرجدة خضراء درجة من فضة و درجة من ذهب و درجة من زمرد مكلل بالدر و الياقوت و هو المعراج الذي ينطلق منه ملك الموت لقبض الأرواح [لمغاراتهم فيمنكم شخص أسرعت] «3» عنه المعرفة إذا عاينه لحسنه، فاحتملني جبرئيل حتّى
(1) سورة البقرة: 143.
(2) سورة آل عمران: 110.
(3) هكذا في الأصل.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 60
وضعني على جناحه ثمّ ارتفع بي إلى سماء الدنيا من ذلك المعراج، فقرع الباب فقيل: من؟
قال: أنا جبرئيل. قال: و من معك؟ قال: محمّد.
قال: أ و قد بعث محمّد؟ قال: نعم. قال: مرحبا به حيّاه الله من أخ و من خليفة فنعم الأخ و نعم الخليفة و نعم المجيء جاء ففتح الباب و دخلنا. قال: فبينما أنا أسير في السماء الدنيا إذ رأيت ديكا له زغب أخضر و رأس أبيض بياض ريشه كأشد بياض ما رأيته قط، و زغب أخضر تحت ريشه كأشد خضرة ما رأيتها قط و إذا رجلا في تخوم الأرض السابعة السفلى و رأسه عند العرش مثنيّ عنقه تحت العرش له جناحان من منكبيه إذا نشرهما جاوز المشرق و المغرب فإذا كان في بعض [الميل] نشر جناحيه و خفق بهما، و صرخ بالتسبيح لله عزّ و جلّ يقول سبحان الملك القدوس الكبير المتعال لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ* ، فإذا فعل ذلك سبّحت ديكة الأرض كلها و خفقت بأجنحتها و أخذت في الصراخ فإذا سكن ذلك الديك في السماء سكنت ديكة الأرض كلها، ثمّ إذا هاج بنحو ما فعلوا في السماء صاحت ديكة الأرض جوابا له بالتسبيح لله عزّ و جلّ بنحو قوله.
قال رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم: «لم أزل منذ رأيت ذلك الديك مشتاقا إليه أن أراه ثانية».
قال: ثمّ مررت بملك نصف جسده مما يلي رأسه نار و النصف الآخر ثلج و ما بينهم رتق، فلا النار يذيب الثلج و لا الثلج يطفئ النار، و هو قائم ينادي بصوت له حسن رفيع: اللهم مؤلف بين الثلج و النار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين.
فقلت: يا جبرئيل من هذا؟ قال: ملك من الملائكة يقال له حبيب و كلّه الله بأكناف السماوات و أطراف الأرضين، ما أنصحه لأهل الأرض هذا قوله منذ خلقه الله تعالى. قال: ثمّ مررت بملك آخر جالس على كرسي قد جمع الدنيا بين ركبتيه، و في يديه لوح مكتوب من نور ينظر فيه لا يلتفت يمينا و لا شمالا ينظر فيه كهيئة الحزين. فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ ما مررت أنا بملك أنا أشد خوفا منه شيء من هذا؟ قال: و ما يمنعك كلّنا بمنزلتك، هذا ملك الموت دائب في قبض الأرواح و هو أشد الملائكة عملا و أدأبهم. قلت: يا جبرئيل كل من مات نظر إلى هذا؟
قال: نعم. قلت: كفى بالموت من طامة. فقال: يا محمّد ما بعد الموت أطمّ و أعظم، قلت: يا جبرئيل أدنني من ملك الموت أسلم عليه و أساله فأدناني منه فسلمت عليه فأومى إليّ فقال له جبرئيل: هذا محمّد نبي الرحمة و رسول العرب فرحب بي و حياني و أحسن بشارتي و إكرامي.
و قال: أبشر يا محمّد فإني ارى الخير كله في أمتك. فقلت: الحمد لله المنان بالنعم، ما هذا اللوح الذي بين يديك؟ قال: مكتوب فيه آجال الخلائق.
قلت: فأين أسماء من قبضت أرواحهم في الدهور الخالية؟ قال: تلك في لوح آخر قد علمت خلقها، و لذلك أصنع بكل ذي روح إذا قبضت روحه خلّفت عليها، فقلت: يا ملك
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 61
الموت سبحان الله كيف تقدر على قبض أرواح جميع أهل الأرض و أنت في مكانك هذا لا تبرح؟ قال: ألا ترى أن الدنيا كلها بين ركبتي و جميع الخلائق بين عيني و يداي يبلغان المشرق و المغرب و خلقهما فإذا نفد أجل عبد من عباد الله نظرت إليه و إلى أعواني فإذا نظر أعواني من الملائكة اليّ فنظرت إليه عرفوا أنه مقبوض فعمدوا إليه يعالجون نزع روحه فإذا بلغ الروح الحلقوم علمت ذلك و لا يخفى عليّ شيء من أمري، أمددت يدي إليه فقبضته فلا يلي قبضه غيري، فذلك أمري و أمر ذوي الأرواح من عباد الله.
قال: إنما أبكاني حديثه و أنا عنده ثمّ جاوزنا فمررنا بملك آخر ما رأيت من الملائكة خلقا مثله عابس الوجه كريه المنظر شديد البطش ظاهر الغضب، فلما نظر رغبت منه شيئا و سألته فقلت: يا جبرئيل من هذا؟ فإني رعبت منه رعبا شديدا قال: فلا تعجب أن ترعب منه كلنا بمنزلتك في الرعب منه، هذا مالك خازن النار لم يتبسم قط و لم يزل منذ ولّاه الله عزّ و جلّ جهنم يزداد كل يوم غضبا و غيظا على أعداء الله عزّ و جلّ و أهل معصيته لينتقم منهم، قلت:
ادنني منه. فأدناني منه فسلم عليه جبرئيل فلم يرفع رأسه فقال جبرئيل: يا مالك هذا محمّد رسول العرب فنظر اليّ و حياني و بشرني بالخير. فقلت: مذ كم أنت واقف على جهنم؟ فقال: مذ خلقت حتّى الآن و كذلك إلى أن تقوم الساعة فقلت: يا جبرئيل مرة ليرني طرفا من النار فأمره ففعل فخرج منه لهب ساطع أسود معه دخان مكدر مظلم امتلأ منه الآفاق فرأيت هولا عظيما و أمرا فظيعا أعجز عن صفته لكم فغشي عليّ و كاد يذهب نفسي، فضمّني جبرئيل و أمر أن يرد النار فردّها.
قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «فجاوزناها فمررنا بملائكة كثيرة لا يحصى عدتهم إلّا الله عزّ و جلّ منهم وجوه بين كتفيه و وجوه في صدره في كل وجه أفواه و السن، فهو يحمد الله و يسبحه بتلك الألسن و رأيت من أجسامهم و خلقهم و عبادتهم أمرا عظيما، ثمّ جاوزناها فإذا برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء كما ينقص من خليقة الناس عن يمينه باب تخرج منه ريح طيبة و عن شماله باب تخرج منه ريح خبيثة إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك فإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله بكى بحزن، فقلت: يا جبرئيل من هذا و ما هذان البابان؟ قال: هذا أبوك آدم (عليه السلام) هذا الباب عن يمينه باب الجنة إذا نظر إلى من يدخل من ذريته الجنة ضحك و استبشر، و الباب الذي عن شماله باب جهنم إذا نظر إلى من يدخل من ذريته جهنم بكى و حزن قال: ثمّ صعدنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبرئيل (عليه السلام) فقيل: من هذا؟ قال: جبرئيل. قيل و من معك؟ قال: محمّد، قيل: و قد أرسله الله.
قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ و من خليفة فنعم الأخ و نعم الخليفة و نعم المجيء، فدخلنا فإذا بشابين فقلت: يا جبرئيل من هذان الشابان؟ فقال: هذا عيسى و يحيى أبناء الخالة.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج6، ص: 62
قال: ثمّ صعدت إلى السماء الثالثة فاستفتح فقالوا: من هذا؟
قال: جبرئيل. قيل و من معك؟ قال: محمّد. قالوا: و قد أرسل محمّد؟ قال: نعم. قالوا:
حياه الله من أخ و من خليفة فنعم الأخ و نعم الخليفة و نعم المجيء جاء، فدخلنا فإذا برجل قد فضّل على الناس بالحسن كأفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب قلت: من هذا يا جبرئيل؟
قال: هذا أخوك يوسف (عليه السلام)».
قال صلّى اللّه عليه و سلّم: «ثمّ صعد بي إلى السماء الرابعة فاستفتح قالوا: من هذا؟ قال: جبرئيل، قالوا:
و من معك؟ قال: محمّد. قالوا: و قد أرسل محمّد؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه الله من أخ و من خليفة فنعم الأخ و نعم الخليفة و نعم المجيء جاء، فدخلنا فإذا برجل من حاله [كذا] فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ قال: «هذا إدريس رفعه الله مَكاناً عَلِيًّا و هو مسند ظهره إلى دواوين الخلائق التي فيها أمورهم.
قال: ثمّ صعد بي إلى السماء الخامسة فاستفتح قالوا: من هذا؟ قال: جبرئيل: قالوا: من معك؟ قال: محمّد قالوا: و قد أرسل محمّد؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ و من خليفة فنعم الأخ و نعم الخليفة و نعم المجيء جاء.
قال: ثمّ دخلنا فإذا برجل جالس و حوله قوم يقصّ عليهم فقلت: يا جبرئيل من هذا؟ و من هؤلاء الذين حوله؟ قال: هذا هارون [المحبب] و هؤلاء الذين حوله بنو إسرائيل».
قال «ثمّ صعدنا إلى السماء السادسة فاستفتح فقالوا: من هذا؟ قال: جبرئيل. قالوا: و من معك؟ قال: محمّد؟ قالوا: و قد أرسل محمّد؟ قال: نعم قالوا: حياه الله من أخ و من خليفة فنعم الأخ و نعم الخليفة و نعم المجيء جاء، ثمّ دخلنا فإذا برجل جالس فجاوزناه فبكى الرجل فقلت: يا جبرئيل من هذا؟ قال: هذا موسى. قلت: فما له يبكي؟ قال: يزعم بنو إسرائيل أني أكرم بني آدم على الله عزّ و جلّ، و هذا رجل من بني آدم و قد خلفني في دنياه و أنا في آخرتي فلو أنه بنفسه لم أبال و لكن مع كل نبي أمته».
قال: «ثمّ صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح فقيل من هذا؟ قال: جبرئيل. قيل و من معك؟ قال: محمّد. قالوا: و قد أرسل محمّد؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه الله من أخ و من خليفة، فنعم الأخ و نعم الخليفة و نعم المجيء جاء، ثمّ دخلنا فإذا برجل [أشمط] جالس على كرسي عند باب الجنة و عنده قوم جلوس [بيض] الوجوه أمثال القراطيس، و قوم في ألوانهم شيء [...] «1» فقام الذين في ألوانهم شيء فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه فخرجوا منه و قد خلص من ألوانهم شيء،