کتابخانه تفاسیر
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج7، ص: 192
و اختلف العلماء في حكم هذا الاستثناء و معنى الآية، فقال الحسن و ابن جريج: قال الله سبحانه (يا موسى إنّما أخفتك لقتلك).
قال الحسن: و كانت الأنبياء تذنب فتعاقب، ثم تذنب و الله فتعاقب.
قال ابن جريج: فمعنى الآية: لا يخيف الله سبحانه الأنبياء بذنب يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتى يتوب، فقوله إِلَّا على هذا التأويل استثناء صحيح، و تناهى الخبر عن الرسل عند قوله إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الرسل و غيرهم من الناس، و في الآية استغنى عنه بدلالة الكلام عليه تقديرها (فمن ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنّي غفور رحيم).
و قال الفرّاء: يقول القائل: كيف صيّر خائفا من ظلم ثم بدّل حسنا بعد سوء و هو مغفور له؟
فأقول له: في الآية وجهان:
أحدهما: أن تقول أنّ الرسل معصومة، مغفور لها، آمنة يوم القيامة، و من خلط عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً من سائر الناس فهو يخاف و يرجو، فهذا وجه.
و الآخر: أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة لأنّ المعنى لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إنما الخوف على غيرهم.
ثمّ استثنى فقال عزّ من قائل: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ يقول: كان مشركا فتاب من الشرك و عمل حسنة مغفور له و ليس بخائف.
قال: و قد قال بعض النحويّين: إِلَّا هاهنا بمعنى الواو يعني: و لا من ظلم منهم كقوله سبحانه (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) .
و قال بعضهم: قوله إِلَّا ليس باستثناء من المرسلين لأنّه لا يجوز عليهم الظلم و إنّما معنى الآية: لكن من ظلم فعليه الخوف فإذا تاب أزال الله سبحانه و تعالى عنه الخوف.
وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ و إنّما أمره بإدخال يده في جيبه لأنّه كان عليه في ذلك الوقت مدرعة من صوف، و لم يكن لها كمّ، قاله المفسّرون.
تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ برص و آفة فِي تِسْعِ آياتٍ يقول هذه آية مع تسع آيات أنت مرسل بهنّ.
إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ فترك ذكر مرسل لدلالة الكلام عليه، كقول الشاعر:
رأتني بحبليها فصدّت مخافة
و في الحبل روعاء الفؤاد فروق «1»
(1) لسان العرب: 2/ 621.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج7، ص: 193
أراد: راتني مقبلا بحبليها، فترك ذكره لدلالة الكلام عليه.
إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً مضيئة بيّنة يبصر بها قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ .
[سورة النمل (27): الآيات 15 الى 26]
وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ عِلْماً وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ نبوّته و علمه و ملكه دون سائر أولاده، و كان لداود (عليه السلام) تسعة عشر ابنا.
قال مقاتل: كان سليمان أعظم ملكا من داود و أقضى منه، و كان داود أشدّ تعبّدا من سليمان (عليهما السلام).
وَ قالَ سليمان شاكرا لنعم الله سبحانه و تعالى عليه يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ جعل ذلك من الطير كمنطق بني آدم إذ فهمه عنها وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ .
قال مقاتل في هذه الآية: كان سليمان (عليه السلام) جالسا إذ مرّ به طائر يطوف فقال لجلسائه: هل تدرون ما يقول الطائر الذي مرّ بنا؟ قالوا: أنت أعلم، فقال سليمان: إنّه قال لي:
السلام عليك أيّها الملك المسلّط على بني إسرائيل، أعطاك الله سبحانه و تعالى الكرامة و أظهرك على عدوّك، إنّي منطلق الى فروخي ثم أمرّ بك الثانية، و إنّه سيرجع إلينا الثانية فانظروا إلى رجوعه.
قال: فنظر القوم طويلا إذ مرّ بهم فقال: السلام عليك أيّها الملك إن شئت أن تأذن لي كيما أكسب على فروخي حتى يشبّوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت، فأخبرهم سليمان بما قال و أذن له.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج7، ص: 194
و قال فرقد السخي: مرّ سليمان على بلبل فوق شجرة يحرّك رأسه و يميل ذنبه فقال لأصحابه: أ تدرون ما يقول هذا البلبل؟ قالوا: الله و نبيّه أعلم، قال: يقول: أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفا.
و أخبرني الحسين بن محمد بن الحسن العدل قال: حدّثنا عبيد الله بن محمد بن شنبة و أحمد ابن جعفر بن حمدان قالا: حدّثنا الفضل بن العباس الرازي قال: حدّثنا أبو عبيد قال:
حدّثنا موسى ابن إبراهيم قال: حدّثنا عباد بن إبراهيم عن الكلبي عن رجل عن كعب قال :
صاحت ورشان عند سليمان بن داود (عليه السلام) فقال: أ تدرون ما تقول؟
قالوا: لا.
قال: فإنّها تقول «1» : ليت ذا الخلق لم يخلقوا.
و صاح طاوس عند سليمان (عليه السلام) فقال: أ تدرون ما يقول؟
قالوا: لا.
قال: فإنّه يقول «2» : من لا يرحم لا يرحم.
و صاح صرد عند سليمان فقال: أ تدرون ما يقول؟
قالوا: لا.
قال: فإنّه يقول: استغفروا اللّه يا مذنبين، فمن ثمّ نهى رسول الله صلى اللّه عليه و سلّم عن قتله.
قال: فصاحت طيطوى عند سليمان (عليه السلام) فقال: أ تدرون ما تقول؟
قالوا: لا.
قال: فإنّها تقول: كلّ حىّ ميّت، و كلّ جديد بال.
و صاح خطّاف عند سليمان (عليه السلام) فقال: أ تدرون ما يقول؟
قالوا: لا.
قال: فإنّه تقول: قدّموا خيرا تجدوه، فمن ثمّ نهى رسول الله صلى اللّه عليه و سلّم عن قتله.
و هدرت حمامة عند سليمان (عليه السلام) فقال: أ تدرون ما تقول هذه الحمامة؟
(1) في النسخة الثانية (أصفهان) زيادة: لدوا للموت و ابنوا للخراب، و صاحت فاختة عند سليمان، فقال:
أ تدرون ما تقول؟ قالوا: لا قال: فإنها تقول:
(2) في النسخة الثانية زيادة: كما تدين تدان، و صاح هدهد عند سليمان، فقال: أ تدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول:
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج7، ص: 195
قالوا: لا.
قال: فإنها تقول: سبحان ربي الأعلى ملء سمائه و أرضه.
و صاح قمريّ عند سليمان (عليه السلام) فقال: أ تدرون ما يقول؟
قالوا: لا.
قال: فإنّه يقول: سبحان ربّي الأعلى، و الغراب يدعو على العشّار، و الحدأة تقول: كلّ شيء هالك إلّا الله. و القطاة تقول: من سكت سلم، و الببغاء تقول: ويل لمن الدنيا همّه، و الضفدع يقول: سبحان ربّي القدّوس، و البازي يقول: سبحان ربي و بحمده، و الضفدعة تقول:
سبحان المذكور بكلّ مكان.
و أخبرنا الحسين بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال: حدّثنا الفضل بن العباس بن مهران قال: حدّثنا أبو عبيد قال: حدّثنا موسى بن إبراهيم قال: أخبرنا إسماعيل عن عياش عن زرّ عن مكحول قال: صاح درّاج عند سليمان بن داود (عليه السلام) فقال: أ تدرون ما يقول؟
قالوا: لا.
قال فإنّه يقول: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى .
و بإسناده عن موسى بن إبراهيم قال: أخبرنا صالح الهروي عن الحسن قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه و سلّم : «الديك إذا صاح يقول: اذكروا الله يا غافلين» «1» [108].
و روى جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جدّه عن الحسن بن علي قال : إذا صاح النسر قال: يا ابن آدم عش ما شئت آخره الموت، و إذا صاح العقاب قال: في البعد من الناس أنس، و إذا صاح القبّر قال: الهي العن مبغضي آل محمد، و إذا صاح الخطّاف قرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، يمدّ الضَّالِّينَ كما يمد للقارئ.
وَ حُشِرَ و جمع لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ في مسير لهم فَهُمْ يُوزَعُونَ أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا، و ذلك أنّه جعل على كلّ صنف منهم وزعة ترد أولاها على أخراها لئلّا يتقدّموا في المسير كما يصنع الملوك.
و روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يُوزَعُونَ : يدفعون. ابن زيد و مقاتل:
يساقون، السدّي: يوقفون، و أصل الوزع في كلام العرب الكفّ و المنع، و منه
الحديث : ما يزع السلطان أكثر ممّا يزع القرآن
و يقال للأمر أوزعه.
و في الخبر : لا بدّ للناس من وزعة
. و قال الشاعر:
(1) تفسير القرطبي: 13/ 166.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج7، ص: 196
على حين عاتبت المشيب على الصبا
و قلت ألمّا أصح و الشيب وازع «1»
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا طلحة بن محمد و عبيد الله بن أحمد قالا: حدّثنا أبو بكر ابن مجاهد قال: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا سنيد قال: حدّثنا حجاج عن أبي معشر عن محمد بن كعب في هذه الآية قال: بلغنا أنّ سليمان (عليه السلام) كان عسكره مائة فرسخ، خمسة و عشرون منها للإنس، و خمسة و عشرون للجن، و خمسة و عشرون للوحش، و خمسة و عشرون للطير، و كان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة صريحة و سبعمائة سرية، فأمر الريح العاصف فحملته و أمر الرخاء فسرت به، فأوحي إليه- و هو يسير بين السماء و الأرض- إنّي قد زدت في ملكك أنّه لا يتكلّم أحد من الخلائق بشيء إلّا جاءت الريح فأخبرتك به.
و قال مقاتل: نسجت الشياطين لسليمان (عليه السلام) بساطا فرسخا في فرسخ ذهبا في إبريسم، و كان يوضع له منبر من الذهب في وسط البساط فيقعد عليه، و حوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب و فضة، يقعد الأنبياء على كراسي الذهب، و العلماء على كراسي الفضة، و حولهم الناس، و حول الناس الجنّ و الشياطين، و تظلّه الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس، و ترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح الى الرّواح و من الرواح إلى الصباح.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن مالك القطيعي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال: حدّثنا أبو بكر يعني ابن عياش عن إدريس ابن وهب بن منبه قال: حدّثني أبي قال: إنّ سليمان (عليه السلام) ركب البحر يوما فمرّ بحرّاث فنظر إليه الحرّاث فقال: لقد أوتي آل داود ملكا عظيما، فحملت الريح كلامه في أذن سليمان فنزل حتى أتى الحرّاث فقال: إنّي سمعت قولك و إنّما مشيت إليك لأن لا تتمنى ما لا تقدر عليه، لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير ممّا أوتي آل داود، فقال الحرّاث: أذهب الله همّك كما أذهبت همّي.
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ .
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا مخلد بن جعفر «2» قال: حدّثنا الحسن بن علوية قال:
حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا إسحاق بن بشر قال: أخبرنا أبو إلياس عن وهب بن منبه عن كعب قال: إنّ سليمان (عليه السلام) كان إذا ركب حمل أهله و سائر حشمه و خدمه و كتّابه تلك السقوف بعضها فوق بعض على قدر درجاتهم، و قد اتّخذ مطابخ و مخابز تحمل فيها تنانير الحديد و قدور عظام تسع في قدر عشرة جزائر، و قد اتّخذ ميادين للدوابّ أمامه، فيطبخ الطبّاخون و يخبز الخابزون و تجري الدواب بين يديه بين السماء و الأرض و الريح تهوي بهم.
(1) لسان العرب: 4/ 83.
(2) في النسخة الثانية زيادة: الباقوحي.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج7، ص: 197
فسار بمن اصطحبه إلى اليمن، فسلك المدينة مدينة الرسول صلى اللّه عليه و سلّم فقال سليمان: هذه دار هجرة نبىّ في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به، و طوبى لمن اتّبعه، و طوبى لمن اقتدى به، و رأى حول البيت أصناما تعبد من دون الله سبحانه، فلمّا جاوز سليمان البيت بكى البيت فأوحى الله سبحانه إلى البيت: ما يبكيك؟ فقال: يا ربّ أبكاني هذا نبيّ من أنبيائك و قوم من أولياءك مرّوا عليّ، فلم يهبطوا فيّ و لم يصلّوا عندي و لم يذكروك بحضرتي، و الأصنام تعبد حولي من دونك، فأوحى الله سبحانه إليه أن لا تبك و إنّي سوف أملأك وجوها سجّدا، و أنزل فيك قرآنا جديدا، و أبعث منك نبيّا في آخر الزمان أحبّ أنبيائي إليّ، و أجعل فيك عمّارا من خلقي يعبدونني و أفرض على عبادي فريضة يرفّون إليك رفّة النّسور الى وكرها و يحنّون إليك حنين الناقة إلى ولدها و الحمامة إلى بيضتها، و أطهّرك من الأوثان و عبدة الشيطان.
قال: ثم مضى سليمان حتى مرّ بوادي السدير، واد من الطائف فأتى عَلى وادِ النَّمْلِ ف قالَتْ نَمْلَةٌ تمشي، و كانت عرجاء تتكاوس، و كانت مثل المذنب في العظم، فنادت النملة يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ يعني أنّ سليمان يفهم مقالتها و كان لا يتكلّم خلق إلّا حملت الريح ذلك فألقته في مسامع سليمان (عليه السلام).
قال فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي إلى قوله فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ يعني مع عبادك الموحّدين.
و قال قتادة و مقاتل: وادي النمل بأرض الشام.
قال نوف الحميري: كان نمل وادي سليمان مثل الذباب.
و قال الشعبي: النملة التي فقه سليمان كلامها كانت ذات جناحين.
قال مقاتل: سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال. و اختلفوا في اسم تلك النملة.
فأخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الحسني الدينوري قال: حدّثنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن يوسف الصرصري قال: حدّثنا الهيثم بن خلف الدوري قال: حدّثنا هارون بن حاتم البزاز قال: حدّثنا إبراهيم بن الزبرقان التيمي عن أبي روق عن الضحاك قال: كان اسم النملة التي كلّمت سليمان بن داود (عليه السلام) طاحية.
و أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا طلحة و عبيد الله قالا: حدّثنا ابن مجاهد قال: حدّثني الفضل بن الحسن قال: حدّثنا أبو محمد النعمان بن شبل الباهلي قال: حدّثنا ابن أبي روق عن أبيه قال: كان اسم نملة سليمان حرمي، و هو قول مقاتل.
و رأيت في بعض الكتب أنّ سليمان لمّا سمع قول النملة قال: ائتوني بها، فأتوه بها فقال لها: لم حذّرت النمل ظلمي؟ أما علمت أنّي نبي عدل؟ فلم قلت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ ؟
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج7، ص: 198
فقالت النملة: أما سمعت قولي: وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ ؟ مع ما أنّي لم أرد حطم النفوس و إنّما أردت حطم القلوب، خشيت أن يتمنّين ما أعطيت و يشتغلن بالنظر عن التسبيح، فقال لها:
عظيني، فقالت النملة: هل علمت لم سمّي أبوك داود؟
قال: لا.
قالت: لأنّه داوى جرحه فردّ. هل تدري لم سمّيت سليمان؟
قال: لا.
قالت: لأنّك سليم و كنت إلى ما أوتيت لسلامة صدرك و إنّ لك أن تلحق بأبيك ثم قالت:
أ تدري لم سخّر الله لك الريح؟
قال: لا.
قالت: أخبرك الله أنّ الدنيا كلّها ريح، فَتَبَسَّمَ سليمان ضاحِكاً متعجّبا مِنْ قَوْلِها، وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي الى آخر الآية.
أخبرني ابن فنجويه قال: أخبرنا ابن شنبة قال: أخبرنا الحضرمي قال: حدّثنا حسن الخلّال قال: حدّثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : نهى رسول الله صلى اللّه عليه و سلّم عن قتل أربعة من الدواب: الهدهد و الصرد و النحلة و النملة.
وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ أي طلبها و بحث عنها فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ فتح ابن كثير و عاصم و الكسائي و أيّوب (لِيَ) هاهنا و في سورة يس وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ «1» و أرسل حمزة الياء فيهما جميعا «2» ، و أمّا أبو عمرو فكان يرسل الياء في هذه و يفتح في يس، و فرّق بينهما فقال: لأنّ هذه للتي في النمل استفهام و الأخرى انتفاء.
أَمْ كانَ قيل: الميم صلة و قيل: أم بمعنى بل كان مِنَ الْغائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً و كان عذابه أن ينتف ريشه و ذنبه فيدعه ممعطا ثم يلقيه في بيت النمل فيلدغه، و قال عبد الله بن شدّاد: نتفه و تشميسه.
الضحّاك: لأشدّن رجله و لأشمسنّه.
مقاتل بن حيّان: لأطلينّه بالقطران و لأشمسنّه.
و قيل: لأودعنّه القفص، و قيل: لأفرّقنّ بينه و بين إلفه، و قيل: لأمنعنه من خدمتي، و قيل:
لأبدّدنّ عليه؟.
(1) سورة يس: 22.