کتابخانه تفاسیر
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 75
هذه الآية اخلق الإيمان في قلوبنا، لأنها هداية مقيدة إلى صراط و لا أن يراد بها ادعنا، و سائر وجوه الهداية يتجه، و الصِّراطَ نصب على المفعول الثاني، و الْمُسْتَقِيمَ الذي لا عوج فيه و لا انحراف، و المراد أنه استقام على الحق و إلى غاية الفلاح، و دخول الجنة، و إعلال مستقيم أن أصله مستقوم نقلت الحركة إلى القاف و انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، و صراط الذين بدل من الأول.
و قرأ عمر بن الخطاب، و ابن الزبير: «صراط من أنعمت عليهم».
و الَّذِينَ* جمع الذي، و أصله «لذ»، حذفت منه الياء للتنوين كما تحذف من عم، و قاض، فلما دخلته الألف و اللام ثبتت الياء. و «الذي» اسم مبهم ناقص محتاج إلى صلة و عائد، و هو مبني في إفراده و جمعه معرب في تثنيته. و من العرب من يعرب جمعه، فيقول في الرفع اللذون، و كتب الذي بلام واحدة في الإفراد و الجمع تخفيفا لكثرة الاستعمال، و اختلف الناس في المشار إليهم بأنه أنعم عليهم.
فقال ابن عباس و جمهور من المفسرين: إنه أراد صراط النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين، و انتزعوا ذلك من قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً، وَ إِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: 66- 69] فالآية تقتضي أن هؤلاء على صراط مستقيم، و هو المطلوب في آية الحمد.
و قال ابن عباس أيضا: «المنعم عليهم هم المؤمنون».
و قال الحسن بن أبي الحسن: «المنعم عليهم أصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم».
و حكى مكي و غيره عن فرقة من المفسرين أن المنعم عليهم مؤمنو بني إسرائيل، بدليل قوله تعالى:
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ* [البقرة: 40، 47، 122].
و قال ابن عباس: «المنعم عليهم أصحاب موسى قبل أن يبدلوا».
قال القاضي أبو محمد: و هذا و الذي قبله سواء.
و قال قتادة بن دعامة: «المنعم عليهم الأنبياء خاصة».
و حكى مكي عن أبي العالية أنه قال: «المنعم عليهم محمد صلى اللّه عليه و سلم و أبو بكر و عمر».
قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه: و قد تقدم ما حكاه عنه الطبري من أنه فسر الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ بذلك، و على ما حكى مكي ينتقض الأول و يكون الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* طريق محمد صلى اللّه عليه و سلم و أبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما. و هذا أقوى في المعنى، لأن تسمية أشخاصهم طريقا تجوز، و اختلف القراء في الهاء من عَلَيْهِمْ ، فقرأ حمزة «عليهم» بضم الهاء و إسكان الميم، و كذلك لديهم و إليهم. قرأ الباقون في جميعها بكسر الهاء و اختلفوا في الميم.
فروي عن نافع التخيير بين ضمها و سكونها. و روي عنه أنه كان لا يعيب ضم الميم، فدل ذلك على أن قراءته كانت بالإسكان.
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 76
و كان عبد اللّه بن كثير يصل الميم بواو انضمت الهاء قبلها أو انكسرت فيقرأ «عليهم و و قلوبهمو و سمعهمو و أبصارهمو».
و قرأ ورش الهاء مكسورة و الميم موقوفة، إلا أن تلقى الميم ألفا أصلية فيلحق في اللفظ واوا مثل قوله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ* [البقرة: 6].
و كان أبو عمرو، و عاصم، و ابن عامر، و الكسائي، يكسرون، و يسكنون الميم، فإذا لقي الميم حرف ساكن اختلفوا فكان عاصم، و ابن كثير، و نافع يمضون على كسر الهاء و ضم الميم، مثل قوله تعالى:
عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ* [البقرة: 61، آل عمران: 112] و مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ [القصص: 23] و ما أشبه ذلك، و كان أبو عمرو يكسر الهاء و الميم فيقول: عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ* و إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ [يس: 14] و ما أشبه ذلك.
و كان الكسائي يضم الهاء و الميم معا، فيقرأ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ و مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ .
قال أبو بكر أحمد بن موسى: و كل هذا الاختلاف في كسر الهاء و ضمها إنما هو في الهاء التي قبلها كسرة أو ياء ساكنة، فإذا جاوزت هذين لم يكن في الهاء إلا الضم، فإذا لم يكن قبل الميم هاء قبلها كسرة أو ياء ساكنة لم يجز في الميم إلا الضم و التسكين في مثل قوله تعالى: منكم و أنتم.
قال القاضي أبو محمد: و حكى صاحب الدلائل قال: «قرأ بعضهم عليهم و بواو و ضمتين، و بعضهم بضمتين و ألغى الواو، و بعضهم بكسرتين و ألحق الياء، و بعضهم بكسرتين و ألغى الياء، و بعضهم بكسر الهاء و ضم الميم».
قال: «و ذلك مروي عن الأئمة و رؤساء اللغة».
قال ابن جني: «حكى أحمد بن موسى عليهم و و عليهم بضم الميم من غير إشباع إلى الواو، و عليهم بسكون الميم».
و قرأ الحسن و عمرو بن فائد «عليهمي».
و قرىء «عليهم» بكسر الميم دون إشباع إلى الياء.
و قرأ الأعرج: «عليهم» بكسر الياء و ضم الميم من غير إشباع.
و هذه القراءات كلها بضم الهاء إلا الأخيرة و بإزاء كل واحدة منها قراءة بكسر الهاء فيجيء في الجميع عشر قراءات.
و قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ .
اختلف القراء في الراء من غير، فقرأ نافع و عاصم و أبو عمرو و ابن عامر و حمزة و الكسائي بخفض الراء، و قرأ ابن كثير بالنصب، و روي عنه الخفض.
قال أبو علي: «الخفض على ضربين: على البدل، من الَّذِينَ ، أو على الصفة للنكرة، كما تقول مررت برجل غيرك، و إنما وقع هنا صفة ل الَّذِينَ لأن الَّذِينَ هنا ليس بمقصود قصدهم، فالكلام بمنزلة قولك إني لأمر بالرجل مثلك فأكرمه».
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 77
قال: «و النصب في الراء على ضربين: على الحال كأنك قلت أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم، أو على الاستثناء كأنك قلت إلا المغضوب عليهم، و يجوز النصب على أعني». و حكي نحو هذا عن الخليل.
و مما يحتج به لمن ينصب أن غَيْرِ نكرة فكره أن يوصف بها المعرفة، و الاختيار الذي لا خفاء به الكسر. و قد روي عن ابن كثير، فأولى القولين ما لم يخرج عن إجماع قراء الأمصار.
قال أبو بكر بن السراج: «و الذي عندي أن غَيْرِ في هذا الموضع مع ما أضيف إليه معرفة، و هذا شيء فيه نظر و لبس، فليفهم عني ما أقول: اعلم أن حكم كل مضاف إلى معرفة أن يكون معرفة، و إنما تنكرت غير و مثل مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما، و ذلك إذا قلت رأيت غيرك فكل شيء سوى المخاطب فهو غيره، و كذلك إذا قلت رأيت مثلك فما هو مثله لا يحصى لكثرة وجوه المماثلة، فإنما صارا نكرتين من أجل المعنى فأما إذا كان شيء معرفة له ضد واحد و أردت إثباته، و نفي ضده، و علم ذلك السامع فوصفته بغير و أضفت غير إلى ضده فهو معرفة، و ذلك كقولك عليك بالحركة غير السكون، و كذلك قولك غير المغضوب لأن من أنعم عليه لا يعاقبه إلا من غضب عليه، و من لم يغضب عليه فهو الذي أنعم عليه، فمتى كانت غير على هذه الصفة و قصد بها هذا المقصد فهي معرفة».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه: أبقى أبو بكر الَّذِينَ على حد التعريف، و جوز نعتها ب غَيْرِ لما بينه من تعرف غير في هذا الموضع، و غير أبي بكر وقف مع تنكر غير، و ذهب إلى تقريب الَّذِينَ من النكرة إذ هو اسم شائع لا يختص به معين، و على هذا جوز نعتها بالنكرة، و الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اليهود، و الضالون النصارى. و هكذا قال ابن مسعود، و ابن عباس، و مجاهد، و السدي، و ابن زيد، و روي ذلك عدي بن حاتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و ذلك بين من كتاب اللّه تعالى، لأن ذكر غضب اللّه على اليهود متكرر فيه كقوله: وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ* [البقرة: 61، آل عمران: 112]، و كقوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ [المائدة: 60] فهؤلاء اليهود، بدلالة قوله تعالى بعده: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ [البقرة: 65] و الغضب عليهم هو من اللّه تعالى، و غضب اللّه تعالى عبارة عن إظهاره عليهم محنا و عقوبات و ذلة و نحو ذلك، مما يدل على أنه قد أبعدهم عن رحمته بعدا مؤكدا مبالغا فيه، و النصارى كان محققوهم على شرعة قبل ورود شرع محمد صلى اللّه عليه و سلم، فلما ورد ضلوا، و أما غير محققيهم فضلالهم متقرر منذ تفرقت أقوالهم في عيسى عليه السلام. و قد قال اللّه تعالى فيهم:
وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ [المائدة: 77].
قال مكي رحمه اللّه حكاية: دخلت لَا في قوله وَ لَا الضَّالِّينَ لئلا يتوهم أن الضَّالِّينَ عطف على الَّذِينَ .
قال: «و قيل هي مؤكدة بمعنى غير».
و حكى الطبري أن لَا زائدة، و قال: هي هنا على نحو ما هي عليه في قول الراجز:
فما ألوم البيض ألا تسخرا- أراد أن تسخر- و في قول الأحوص: [الطويل]
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 78
و يلحينني في اللهو أن لا أحبّه
و للهو داع دائب غير غافل
و قال الطبري: يريد: و يلحينني في اللهو أن أحبه».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه: و بيت الأحوص إنما معناه إرادة أن لا أحبه ف «لا» فيه متمكنة.
قال الطبري: و منه قوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف: 12] و إنما جاز أن تكون لا بمعنى الحذف، و لأنها تقدمها الجحد في صدر الكلام، فسيق الكلام الآخر مناسبا للأول، كما قال الشاعر:
ما كان يرضي رسول اللّه فعلهم
و الطيبان أبو بكر و لا عمر
و قرأ عمر بن الخطاب و أبي بن كعب: «غير المغضوب عليهم و غير الضالين».
و روي عنهما في الراء النصب و الخفض في الحرفين.
قال الطبري: «فإن قال قائل أليس الضلال من صفة اليهود، كما أن النصارى عليهم غضب فلم خص كل فريق بذكر شيء مفرد؟ قيل: هم كذلك و لكن و سم اللّه لعباده كل فريق بما قد تكررت العبارة عنه به و فهم به أمره».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق: و هذا غير شاف، و القول في ذلك أن أفاعيل اليهود من اعتدائهم، و تعنتهم، و كفرهم مع رؤيتهم الآيات، و قتلهم الأنبياء أمور توجب الغضب في عرفنا، فسمى تعالى ما أحل بهم غضبا، و النصارى لم يقع لهم شيء من ذلك، إنما ضلوا من أول كفرهم دون أن يقع منهم ما يوجب غضبا خاصا بأفاعيلهم، بل هو الذي يعم كل كافر و إن اجتهد، فلهذا تقررت العبارة عن الطائفتين بما ذكر، و ليس في العبارة ب الضَّالِّينَ تعلق للقدرية في أنهم أضلوا أنفسهم لأن هذا إنما هو كقولهم تهدم الجدار و تحركت الشجرة و الهادم و المحرك غيرهما، و كذلك النصارى خلق اللّه الضلال فيهم و ضلوا هم بتكسبهم.
و قرأ أيوب السختياني: «الضألين» بهمزة غير ممدودة كأنه فر من التقاء الساكنين، و هي لغة.
حكى أبو زيد قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ: «فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس و لا جأن» فظننته قد لحن حتى سمعت من العرب دأبة و شأبة.
قال أبو الفتح: و على هذه اللغة قول كثير [الطويل].
إذا ما العوالي بالعبيط احمأرّت و قول الآخر: [الطويل].
و للأرض أما سودها فتجللت
بياضا و أمّا بيضها فادهأمّت
و أجمع الناس على أنّ عدد آي سورة الحمد سبع آيات: الْعالَمِينَ آية، الرَّحِيمِ آية، الدِّينِ آية، نَسْتَعِينُ آية، الْمُسْتَقِيمَ آية، أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ آية، وَ لَا الضَّالِّينَ آية. و قد ذكرنا في تفسير بسم اللّه الرحمن الرحيم ما ورد من خلاف ضعيف في ذلك.
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 79
القول في آمين
روى أبو هريرة و غيره عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: إذا قال الإمام: وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7] فقولوا آمين. فإن الملائكة في السماء تقول آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.
و روي أن جبريل عليه السلام لما علم النبي عليه السلام فاتحة الكتاب وقت نزولها فقرأها قال له:
«قل آمين».
و قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: «آمين خاتم رب العالمين، يختم بها دعاء عبده المؤمن».
و روي أن النبي صلى اللّه عليه و سلم سمع رجلا يدعو فقال: «أوجب إن ختم. فقال له رجل بأي شيء يختم يا رسول اللّه؟ قال: «بآمين».
و معنى «آمين» عند أكثر أهل العلم: اللهم استجب، أو أجب يا رب، و نحو هذا. قاله الحسن بن أبي الحسن و غيره، و نص عليه أحمد بن يحيى ثعلب و غيره.
و قال قوم: «هو اسم من أسماء اللّه تعالى»، روي ذلك عن جعفر بن محمد و مجاهد و هلال بن يساف، و قد روي أن «آمين» اسم خاتم يطبع به كتب أهل الجنة التي تؤخذ بالإيمان.
قال القاضي أبو محمد: فمقتضى هذه الآثار أن كلّ داع ينبغي له في آخر دعائه أن يقول: «آمين» و كذلك كل قارئ للحمد في غير صلاة، لكن ليس بجهر الترتيل. و أما في الصلاة فقال بعض العلماء:
«يقولها كل مصلّ من إمام و فذ و مأموم قرأها أو سمعها».
و قال مالك في المدونة: «لا يقول الإمام «آمين» و لكن يقولها من خلفه و يخفون، و يقولها الفذ».
و قد روي عن مالك رضي اللّه عنه: أن الإمام يقولها أسرّ أم جهر.
و روي عنه: «الإمام لا يؤمن في الجهر».
و قال ابن حبيب: «يؤمن».
و قال ابن بكير: «هو مخير».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه: فهذا الخلاف إنما هو في الإمام، و لم يختلف في الفذ و لا في المأموم إلا ابن نافع. قال في كتاب ابن حارث: «لا يقولها المأموم إلا إن سمع الإمام يقول وَ لَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7]، و إذا كان ببعد لا يسمعه فلا يقل».
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 80
و قال ابن عبدوس: «يتحرى قدر القراءة و يقول آمين». و هي لفظة مبنية على الفتح لالتقاء الساكنين، و كأن الفتح مع الياء أخف من سائر الحركات، و من العرب من يقول «آمين» فيمده، و منه قول الشاعر:
[البسيط]
آمين آمين لا أرضى بواحدة
حتى أبلغها ألفين آمينا
و من العرب من يقول «أمين» بالقصر، و منه قول الشاعر: [جبير بن الأضبط].
تباعد مني فطحل إذ رأيته
أمين فزاد اللّه ما بيننا بعدا
و اختلف الناس في معنى قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة» فقيل في الإجابة، و قيل في خلوص النية، و قيل في الوقت، و الذي يترجح أن المعنى فمن وافق في الوقت مع خلوص النية، و الإقبال على الرغبة إلى اللّه تعالى بقلب سليم، و الإجابة تتبع حينئذ، لأنّ من هذه حاله فهو على الصراط المستقيم.
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 81
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سورة البقرة
هذه السورة مدنية، نزلت في مدد شتّى، و فيها آخر آية نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و هي: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: 280].
و يقال لسورة البقرة: «فسطاط القرآن» و ذلك لعظمها و بهائها و ما تضمنت من الأحكام و المواعظ.
و تعلمها عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما بفقهها و جميع ما تحتوي عليه من العلوم في ثمانية أعوام، و فيها خمسمائة حكم، و خمسة عشر مثلا.
و روى الحسن بن أبي الحسن أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «أي القرآن أفضل؟» قالوا:
اللّه و رسوله أعلم. قال: «سورة البقرة» ثم قال: «و أيها أفضل؟» قالوا: اللّه و رسوله أعلم، قال: «آية الكرسي».
و يقال إن آيات الرحمة و الرجاء و العذاب تنتهي فيها معانيها إلى ثلاثمائة و ستين معنى.
و روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، و أعطيت طه و الطواسين من ألواح موسى. و أعطيت فاتحة الكتاب و خواتيم سورة البقرة من تحت العرش».
و في الحديث الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «تجيء البقرة و آل عمران يوم القيامة كأنهما غيايتان بينهما شرف، أو غمامتان سوداوان، أو كأنهما ظلة من طير صوافّ تجادلان عن صاحبهما».
و في البخاري أنه عليه الصلاة و السلام قال: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه».
و روى أبو هريرة عنه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان».
و روي عنه عليه السلام أنه قال: «لكل شيء سنام و سنام القرآن سورة البقرة، فيها آية هي سيدة أي القرآن هي آية الكرسي».
و عدد آي سورة البقرة مائتان و خمس و ثمانون آية، و قيل: ست و ثمانون، و قيل سبع و ثمانون.
قوله تعالى:
[سورة البقرة (2): آية 1]