کتابخانه تفاسیر
الموسوعة القرآنية، ج8، ص: 606
عظم فى بطنها زادها ضعفا على ضعف: وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ - وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا - ذلِكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ .
(وهى): الوهي شق فى الأديم و الثوب و نحوهما و منه يقال و هت عزالى السحاب بمائها، قال تعالى: وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ و كل شىء استرخى رباطه فقد و هى.
(وى): وى كلمة تذكر للتحسر و التندم و التعجب، تقول وى لعبد اللَّه، قال تعالى: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ - وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ و قيل وى لزيد، و قيل و يك كان ويلك فحذف منه اللام.
(ويل): قال الأصمعي: ويل قبح، و قد يستعمل على التحسر، و ويس استصغار، و ويح ترحم. و من قال ويل واد فى جهنم فإنه لم يرد أن ويلا فى اللغة هو موضوع لهذا، و إنما أراد من قال اللَّه تعالى ذلك فيه فقد استحق مقرا من النار و ثبت ذلك له: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ - وَ وَيْلٌ لِلْكافِرِينَ - وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ - فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا - فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا - وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ - وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ - يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا - يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ - يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ .
الموسوعة القرآنية، ج8، ص: 607
الهاء
(هبط): الهبوط الانحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر، و الهبوط بالفتح المنحدر، يقال هبطت أنا و هبطت غيرى، يكون اللازم و المتعدى على لفظ واحد، قال تعالى: وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ يقال هبطت و هبطته هبطا، و إذا استعمل فى الإنسان الهبوط فعلى سبيل الاستخفاف بخلاف الإنزال، فإن الإنزال ذكره تعالى فى الأشياء التي نبه على شرفها كإنزال الملائكة و القرآن و المطر و غير ذلك. و الهبط ذكر حيث نبه على الغض نحو قوله: وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ - فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها - اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ و ليس فى قوله: فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ تعظيم و تشريف، أ لا ترى أنه تعالى قال: وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ و قال جل ذكره: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً و يقال هبط المرض لحم العليل حطه عنه، و الهبيط الضامر من النوق و غيرها إذا كان ضمره من سوء غذاء و قلة تفقد.
(هبا): هبا الغبار يهبو ثار و سطع، و الهبوة كالغبرة و الهباء دقاق التراب و ما نبت فى الهواء فلا يبدو إلا فى أثناء ضوء الشمس فى الكوة، قال تعالى:
فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً - فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا .
(هجد): الهجود النوم و الهاجد النائم، و هجدته فتهجد أزلت هجوده نحو مرضته. و معناه أيقظته فتيقظ، و قوله تعالى: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ أي تيقظ بالقرآن و ذلك حث على إقامة الصلاة فى الليل المذكور فى قوله: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا* نِصْفَهُ و المتهجد المصلى ليلا، و أهجد البعير ألقى جرانه على الأرض متحريا للهجود.
(هجر): الهجر و الهجران مفارقة الإنسان غيره إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب، قال تعالى: وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ كناية عن عدم قربهن، و قوله تعالى: إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً فهذا هجر بالقلب أو بالقلب و اللسان. و قوله: وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا يحتمل الثلاثة و مدعو إلى أن يتحرى أي الثلاثة إن أمكنه مع تحرى المجاملة، و كذا قوله تعالى: وَ اهْجُرْنِي
الموسوعة القرآنية، ج8، ص: 608
مَلِيًّا و قوله تعالى: وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ فحث على المفارقة بالوجوه كلها.
و المهاجرة فى الأصل مصارمة العير و متاركته؛ من قوله عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا و قوله: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ و قوله: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ - فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكة إلى المدينة، و قيل مقتضى ذلك هجران الشهوات و الأخلاق الذميمة و الخطايا و تركها و رفضها، و قوله: إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي أي تارك لقومى و ذاهب إليه. و قوله: أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها و كذا المجاهدة تقتضى مع العدى مجاهدة النفس كما
روى فى الخبر: «رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»
و هو مجاهدة النفس، و
روى: «هاجروا و لا تهجروا»
أي كونوا من المهاجرين و لا تتشبهوا بهم فى القول دون الفعل، و الهجر الكلام القبيح المهجور لقبحه. و
فى الحديث «و لا تقولوا هجرا»
و أهجر فلان إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد، و هجر المريض إذا أتى ذلك من غير قصد و قرئ:
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ و قد يشبه المبالغ فى الهجر بالمهجر فيقال أهجر إذا قصد ذلك، قال الشاعر:
كما جدة الأعراق قال ابن ضرة
عليها كلاما جار فيه و أهجرا
و رماه بهاجرات كلامه أي فضائح كلامه، و قوله فلان هجيراه كذا إذا أولع بذكره و هذى به هذيان المريض المهجر، و لا يكاد يستعمل الهجير إلا فى العادة الذميمة اللهم إلا أن يستعمله فى ضده من لا يراعى مورد هذه الكلمة عن العرب. و الهجير و الهاجر الساعة التي يمتنع فيها من السير كالحر كأنها هجرت الناس و هجرت لذلك، و الهجار حبل يشد به الفحل فيصير سببا لهجرانه الإبل، و جعل على بناء العقال و الزمام، و فحل مهجور أي مشدود به، و هجار القوس و ترها و ذلك تشبيه بهجار الفحل.
(هجع): الهجوع: النوم ليلا، قال تعالى: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ و ذلك يصح أن يكون معناه كان هجوعهم قليلا من أوقات الليل، و يجوز أن يكون معناه لم يكونوا يهجعون و القليل يعبر به عن النفي و المشارف لنفيه لقلته، و لقيته بعد هجعة أي بعد نومة و قولهم رجل هجع كقولك نوم للمستنيم إلى كل شىء.
الموسوعة القرآنية، ج8، ص: 609
(هدد): الهد هدم له وقع و سقوط شىء ثقيل، و الهدة صوت وقعه، قال تعالى: وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا و هددت البقرة إذا أوقعتها للذبح، و الهد المهدود كالذبح للمذبوح و يعبر به عن الضعيف و الجبان، و قيل مررت برجل هدك من رجل كقولك حسبك و تحقيقه يهدك و يزعجك وجود مثله، و هددت فلانا و تهددته إذا زعزعته بالوعيد، و الهدهدة تحريك الصبى لينام، و الهدهد طائر معروف، قال تعالى: ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ و جمعه هداهد، و الهداهد بالضمّ واحد قال الشاعر:
كهداهد كسر الرماة جناحه
يدعو بقارعة الطريق هديلا
(هدم): الهدم إسقاط البناء، يقال هدمته هدما، و الهدم ما يهدم و منه استعير دم هدم أي هدر، و الهدم بالكسر كذلك لكن اختص بالثوب البالي و جمعه أهدام، و هدمت البناء على التكثير، قال تعالى: لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ .
(هدى): الهداية دلالة بلطف و منه الهدية و هوادى الوحش أي متقدماتها الهادية لغيرها، و خص ما كان دلالة بهديت و ما كان إعطاء بأهديت نحو أهديت الهدية و هديت إلى البيت إن قيل كيف جعلت الهداية دلالة بلطف و قد قال اللَّه تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ - وَ يَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ قيل ذلك استعمل فيه استعمال اللفظ على التهكم مبالغة فى المعنى كقوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ و قول الشاعر:
تحية بينهم ضرب وجيع
و هداية اللَّه تعالى للإنسان على أربعة أوجه، الأول: الهداية التي عم بجنسها كل مكلف من العقل و الفطنة و المعارف الضرورية التي أعم منها كل شىء بقدر فيه حسب احتماله كما قال تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ؛ الثاني: الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء و إنزال القرآن و نحو ذلك و هو المقصود بقوله تعالى: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا الثالث:
التوفيق الذي يختص به من اهتدى و هو المعنى بقوله تعالى: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً و قوله: مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ و قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ و قوله: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا - وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً - فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا - وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ
الموسوعة القرآنية، ج8، ص: 610
يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، الرابع: الهداية فى الآخرة إلى الجنة المعنى بقوله:
سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ - وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ إلى قوله:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا و هذه الهدايات الأربع مترتبة فإن من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثانية بل لا يصح تكليفه، و من لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة و الرابعة، و من حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها، و من حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله. ثم ينعكس فقد تحصل الأولى و لا يحصل له الثاني و لا يحصل الثالث، و الإنسان لا يقدر أن يهدى أحدا إلا بالدعاء و تعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات و إلى الأول أشار بقوله:
وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ - يَهْدُونَ بِأَمْرِنا - وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أي داع، و إلى سائر الهدايات أشار بقوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ و كل هداية ذكر اللَّه عزّ و جلّ أنه منع الظالمين و الكافرين فهى الهداية الثالثة و هى التوفيق الذي يختص به المهتدون، و الرابعة التي هى الثواب فى الآخرة و إدخال الجنة نحو قوله عزّ و جلّ: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً إلى قوله: وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ و كقوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ و كل هداية نفاها اللَّه عن النبي صلّى اللَّه عليه و سلّم و عن البشر، و ذكر أنهم غير قادرين عليها فهى ما عدا المختص من الدعاء و تعريف الطريق، و ذلك كإعطاء العقل و التوفيق و إدخال الجنة، كقوله عز ذكره: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ - وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى - وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ - إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ - وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ - وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ - إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ و إلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى: أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ و قوله: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ أي طالب الهدى و متحريه هو الذي يوفقه و يهديه إلى طريق الجنة لا من ضاده فيتحرى طريق الضلال و الكفر كقوله: وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ و فى أخرى: الظَّالِمِينَ و قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ الكاذب الكفار هو الذي لا يقبل هدايته، فإن ذلك راجع إلى هذا و إن لم يكن لفظه موضوعا لذلك، و من لم يقبل هدايته لم يهده، كقولك من لم يقبل هديتى لم أهد له و من لم يقبل عطيتى لم أعطه، و من رغب عنى لم أرغب فيه، و على هذا النحو قوله تعالى: وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ و فى أخرى: الْفاسِقِينَ و قوله: أَ فَمَنْ يَهْدِي
الموسوعة القرآنية، ج8، ص: 611
إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى و قد قرئ: (يهدى إلى أن يهدى) أي لا يهدى غيره و لكن يهدى أي لا يعلم شيئا و لا يعرف أي لا هداية له و لو هدى أيضا لم يهتد؛ لأنها موات من حجارة و نحوها، و ظاهر اللفظ أنه إذا هدى اهتدى لإخراج الكلام أنها أمثالكم كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ و إنما هى أموات. و قال فى موضع آخر: وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ شَيْئاً وَ لا يَسْتَطِيعُونَ و قوله عزّ و جلّ:
إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ - وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ - وَ هَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فذلك إشارة إلى ما عرف من طريق الخير و الشر و طريق الثواب و العقاب بالعقل و الشرع.
و كذا قوله: فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ - إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ - وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ فهو إشارة إلى التوفيق الملقى فى الروع فيما يتحراه الإنسان و إياه عنى بقوله عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً و عدى الهداية فى مواضع بنفسه و فى مواضع باللام و فى مواضع بإلى، قال تعالى: وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ - وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و قال تعالى: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ و قال: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى، وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى و ما عدى بنفسه نحو: وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً - وَ هَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ - اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ - أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ - وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً - أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ - وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً .
و لما كانت الهداية و التعليم يقتضى شيئين: تعريفا من المعرف، و تعرفا من المعرف، و بهما تم الهداية و التعليم فإنه متى حصل البذل من الهادي و المعلم و لم يحصل القبول صح أن يقال لم يهد و لم يعلم اعتبارا بعدم القبول و صح أن يقال هدى و علم اعتبارا ببذله، فإذا كان كذلك صح أن يقال إن اللَّه تعالى لم يهد الكافرين و الفاسقين من حيث إنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية و التعليم، و صح أن يقال هداهم و علمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ الهداية.
فعلى الاعتبار بالأول يصح أن يحمل قوله تعالى: وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - وَ الْكافِرِينَ و على الثاني قوله عزّ و جلّ: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى و الأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال: هداه اللَّه فلم يهتد كقوله:
وَ أَمَّا ثَمُودُ الآية، و قوله: لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلى قوله:
وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فهم الذين قبلوا هداه و اهتدوا به و قوله
الموسوعة القرآنية، ج8، ص: 612
تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ - وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً فقد قيل عنى به الهداية العامة التي هى العقل و سنة الأنبياء و أمرنا أن نقول ذلك بألسنتنا و إن كان قد فعل ليعطينا بذلك ثوابا كما أمرنا أن نقول اللهم صل على محمد و إن كان قد صلى عليه بقوله:
إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ و قيل إن ذلك دعاء بحفظنا عن استغواء الغواة و استهواء الشهوات، و قيل هو سؤال للتوفيق الموعود به فى قوله: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً و قيل سؤال للهداية إلى الجنة فى الآخرة و قوله عزّ و جلّ: وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فإنه يعنى به من هداه بالتوافق المذكور فى قوله عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً .
و الهدى و الهداية فى موضوع اللغة واحد لكن قد خص اللَّه عزّ و جلّ لفظة الهدى بما تولاه و أعطاه و اختص هو به دون ما هو إلى الإنسان نحو قوله تعالى:
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ - أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ - وَ هُدىً لِلنَّاسِ - فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ - قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى - وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ - وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى - إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ - أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى .
و الاهتداء يختص بما يتحراه الإنسان على طريق الاختيار إما فى الأمور الدنيوية أو الأخروية قال تعالى: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها و قال: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا . و يقال ذلك لطلب الهداية نحو قوله تعالى: وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ و قال: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ - فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا - فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا .