کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 28

[سورة الفاتحة (1): الآيات 6 الى 7]

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)

بيان [معنى الصراط و الهداية.]

قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ إلخ؛ أما الهداية فيظهر معناها في ذيل الكلام على الصراط و أما الصراط فهو و الطريق و السبيل قريب المعنى، و قد وصف تعالى الصراط بالاستقامة ثم بين أنه الصراط الذي يسلكه الذين أنعم الله تعالى عليهم، فالصراط الذي من شأنه ذلك هو الذي سئل الهداية إليه و هو بمعنى الغاية للعبادة أي: إن العبد يسأل ربه أن تقع عبادته الخالصة في هذا الصراط.

بيان ذلك: أن الله سبحانه قرر في كلامه لنوع الإنسان بل لجميع من سواه سبيلا يسلكون به إليه سبحانه فقال تعالى: «يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ» : الإنشقاق- 6 و قال تعالى: «وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ : التغابن- 3، و قال: «أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» : الشورى- 53، إلى غير ذلك من الآيات و هي واضحة الدلالة على أن الجميع سالكوا سبيل، و أنهم سائرون إلى الله سبحانه.

ثم بين: أن السبيل ليس سبيلا واحدا ذا نعت واحد بل هو منشعب إلى شعبتين منقسم إلى طريقين، فقال: «أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» : يس- 61.

فهناك طريق مستقيم و طريق آخر وراءه، و قال تعالى‏ «فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» : البقرة- 186، و قال تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ» : غافر- 60، فبين تعالى: أنه قريب من عباده و أن الطريق الأقرب إليه تعالى طريق عبادته و دعائه، ثم قال تعالى في وصف الذين لا يؤمنون: «أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ» : السجدة- 44 فبين: أن غاية الذين لا يؤمنون في مسيرهم و سبيلهم بعيدة.

فتبين: أن السبيل إلى الله سبيلان: سبيل قريب و هو سبيل المؤمنين و سبيل‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 29

بعيد و هو سبيل غيرهم فهذا نحو اختلاف في السبيل و هناك نحو آخر من الاختلاف، قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ» : الأعراف- 40. و لو لا طروق من متطرق لم يكن للباب معنى فهناك طريق من السفل إلى العلو، و قال تعالى: «وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى‏» : طه- 81 و الهوي هو السقوط إلى أسفل، فهناك طريق آخر أخذ في السفالة و الانحدار، و قال تعالى: «وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ» : البقرة- 108، فعرف الضلال عن سواء السبيل بالشرك لمكان قوله: فقد ضل، و عند ذلك تقسم الناس في طرقهم ثلاثة أقسام: من طريقه إلى فوق و هم الذين يؤمنون بآيات الله و لا يستكبرون عن عبادته، و من طريقه إلى السفل و هم المغضوب عليهم، و من ضل الطريق و هو حيران فيه و هم الضالون، و ربما أشعر بهذا التقسيم قوله تعالى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ .

و الصراط المستقيم لا محالة ليس هو الطريقين الآخرين من الطرق الثلاث أعني:

طريق المغضوب عليهم و طريق الضالين فهو من الطريق الأول الذي هو طريق المؤمنين غير المستكبرين إلا أن قوله تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ» : المجادلة- 11. يدل على أن نفس الطريق الأول أيضا يقع فيه انقسام.

و بيانه: أن كل ضلال فهو شرك كالعكس على ما عرفت من قوله تعالى: «وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ» : البقرة- 108. و في هذا المعنى قوله تعالى « أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً» : يس- 62. و القرآن يعد الشرك ظلما و بالعكس، كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عن الشيطان لما قضي الأمر: «إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» : إبراهيم- 22. كما يعد الظلم ضلالا في قوله تعالى‏ «الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ» : الأنعام- 82 و هو ظاهر من ترتيب الاهتداء و الأمن من الضلال أو العذاب الذي يستتبعه الضلال، على ارتفاع الظلم و لبس الإيمان به، و بالجملة الضلال و الشرك و الظلم أمرها واحد و هي متلازمة مصداقا، و هذا هو المراد من قولنا: إن كل واحد منها معرف بالآخر أو

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 30

هو الآخر، فالمراد المصداق دون المفهوم.

إذا عرفت هذا علمت أن الصراط المستقيم الذي هو صراط غير الضالين صراط لا يقع فيه شرك و لا ظلم البتة كما لا يقع فيه ضلال البتة، لا في باطن الجنان من كفر أو خطور لا يرضى به الله سبحانه، و لا في ظاهر الجوارح و الأركان من فعل معصية أو قصور في طاعة، و هذا هو حق التوحيد علما و عملا إذ لا ثالث لهما و ما ذا بعد الحق إلا الضلال؟

و ينطبق على ذلك قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ» : الأنعام- 82، و فيه تثبيت للأمن في الطريق و وعد بالاهتداء التام بناء على ما ذكروه: من كون اسم الفاعل حقيقة في الاستقبال فليفهم فهذا نعت من نعوت الصراط المستقيم.

ثم إنه تعالى عرف هؤلاء المنعم عليهم الذين نسب صراط المستقيم إليهم بقوله تعالى:

«وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» : النساء- 68. و قد وصف هذا الإيمان و الإطاعة قبل هذه الآية بقوله‏ «فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً» : النساء- 66. فوصفهم بالثبات التام قولا و فعلا و ظاهرا و باطنا على العبودية لا يشذ منهم شاذ من هذه الجهة و مع ذلك جعل هؤلاء المؤمنين تبعا لأولئك المنعم عليهم و في صف دون صفهم لمكان مع و لمكان قوله: «وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » و لم يقل: فأولئك من الذين.

و نظير هذه الآية قوله تعالى: «وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ» : الحديد- 19. و هذا هو إلحاق المؤمنين بالشهداء و الصديقين في الآخرة، لمكان قوله: عند ربهم، و قوله: لهم أجرهم.

فأولئك (و هم أصحاب الصراط المستقيم) أعلى قدرا و أرفع درجة و منزلة من هؤلاء و هم المؤمنون الذين أخلصوا قلوبهم و أعمالهم من الضلال و الشرك و الظلم، فالتدبر

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 31

في هذه الآيات يوجب القطع بأن هؤلاء المؤمنين (و شأنهم هذا الشأن) فيهم بقية بعد، لو تمت فيهم كانوا من الذين أنعم الله عليهم، و ارتقوا من منزلة المصاحبة معهم إلى درجة الدخول فيهم و لعلهم نوع من العلم بالله، ذكره في قوله تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ» : المجادلة- 11. فالصراط المستقيم أصحابه منعم عليهم بنعمة هي أرفع النعم قدرا، يربو على نعمة الإيمان التام، و هذا أيضا نعت من نعوت الصراط المستقيم.

ثم إنه تعالى على أنه كرر في كلامه ذكر الصراط و السبيل لم ينسب لنفسه أزيد من صراط مستقيم واحد، و عد لنفسه سبلا كثيرة فقال عز من قائل‏ «وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» : العنكبوت- 69. و كذا لم ينسب الصراط المستقيم إلى أحد من خلقه إلا ما في هذه الآية ( صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ الآية) و لكنه نسب السبيل إلى غيره من خلقه، فقال تعالى: «قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ» : يوسف- 108. و قال تعالى‏ «سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ»: لقمان- 15. و قال: «سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ» : النساء- 114، و يعلم منها: أن السبيل غير الصراط المستقيم فإنه يختلف و يتعدد و يتكثر باختلاف المتعبدين السالكين سبيل العبادة بخلاف الصراط المستقيم كما يشير إليه قوله تعالى: «قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» : المائدة- 16، فعد السبل كثيرة و الصراط واحدا و هذا الصراط المستقيم إما هي السبل الكثيرة و إما أنها تؤدي إليه باتصال بعضها إلى بعض و اتحادها فيها.

و أيضا قال تعالى: «وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ» : يوسف- 106.

فبين أن من الشرك (و هو ضلال) ما يجتمع مع الإيمان و هو سبيل، و منه يعلم أن السبيل يجامع الشرك، لكن الصراط المستقيم لا يجامع الضلال كما قال: وَ لَا الضَّالِّينَ‏ .

و التدبر في هذه الآيات يعطي أن كل واحد من هذه السبل يجامع شيئا من النقص أو الامتياز، بخلاف الصراط المستقيم، و أن كلا منها هو الصراط المستقيم لكنه‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 32

غير الآخر و يفارقه لكن الصراط المستقيم يتحد مع كل منها في عين أنه يتحد مع ما يخالفه، كما يستفاد من بعض الآيات المذكورة و غيرها كقوله: «وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» : يس- 61. و قوله تعالى: «قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً» : الأنعام- 161. فسمى العبادة صراطا مستقيما و سمى الدين صراطا مستقيما و هما مشتركان بين السبل جميعا، فمثل الصراط المستقيم بالنسبة إلى سبل الله تعالى كمثل الروح بالنسبة إلى البدن، فكما أن للبدن أطوارا في حياته هو عند كل طور غيره عند طور آخر، كالصبا و الطفولية و الرهوق و الشباب و الكهولة و الشيب و الهرم لكن الروح هي الروح و هي متحدة بها و البدن يمكن أن تطرأ عليه أطوار تنافي ما تحبه و تقتضيه الروح لو خليت و نفسها بخلاف الروح فطرة الله التي فطر الناس عليها و البدن مع ذلك هو الروح أعني الإنسان، فكذلك السبيل إلى الله تعالى هو الصراط المستقيم إلا أن السبيل كسبيل المؤمنين و سبيل المنيبين و سبيل المتبعين للنبي ص أو غير ذلك من سبل الله تعالى، ربما اتصلت به آفة من خارج أو نقص لكنهما لا يعرضان الصراط المستقيم كما عرفت أن الإيمان و هو سبيل ربما يجامع الشرك و الضلال لكن لا يجتمع مع شي‏ء من ذلك الصراط المستقيم، فللسبيل مراتب كثيرة من جهة خلوصه و شوبه و قربه و بعده، و الجميع على الصراط المستقيم أو هي هو.

و قد بين الله سبحانه هذا المعنى، أعني: اختلاف السبل إلى الله مع كون الجميع من صراطه المستقيم في مثل ضربه للحق و الباطل في كلامه، فقال تعالى: «أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ» : الرعد- 17. فبين: أن القلوب و الأفهام في تلقي المعارف و الكمال مختلفة، مع كون الجميع متكئة منتهية إلى رزق سماوي واحد، و سيجي‏ء تمام الكلام في هذا المثل في سورة الرعد، و بالجملة فهذا أيضا نعت من نعوت الصراط المستقيم.

و إذا تأملت ما تقدم من نعوت الصراط المستقيم تحصل لك أن الصراط المستقيم‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 33

مهيمن على جميع السبل إلى الله و الطرق الهادية إليه تعالى، بمعنى أن السبيل إلى الله إنما يكون سبيلا له موصلا إليه بمقدار يتضمنه من الصراط المستقيم حقيقة، مع كون الصراط المستقيم هاديا موصلا إليه مطلقا و من غير شرط و قيد، و لذلك سماه الله تعالى صراطا مستقيما، فإن‏ الصراط هو الواضح من الطريق، مأخوذ من سرطت سرطا إذا بلعت بلعا، كأنه يبلع سالكيه فلا يدعهم يخرجوا عنه و لا يدفعهم عن بطنه، و المستقيم هو الذي يريد أن يقوم على ساق فيتسلط على نفسه و ما لنفسه كالقائم الذي هو مسلط على أمره، و يرجع المعنى إلى أنه الذي لا يتغير أمره و لا يختلف شأنه فالصراط المستقيم ما لا يتخلف حكمه في هدايته و إيصاله سالكيه إلى غايته و مقصدهم قال تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً» : النساء- 174. أي لا يتخلف أمر هذه الهداية، بل هي على حالها دائما، و قال تعالى: «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ وَ هذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً» : الأنعام- 126. أي هذه طريقته التي لا يختلف و لا يتخلف، و قال تعالى: «قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ» : الحجر- 42. أي هذه سنتي و طريقتي دائما من غير تغيير، فهو يجري مجرى قوله: «فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا» : الفاطر- 42.

و قد تبين مما ذكرناه في معنى الصراط المستقيم أمور.

أحدها: أن الطرق إلى الله مختلفة كمالا و نقصا و غلاء و رخصا، في جهة قربها من منبع الحقيقة و الصراط المستقيم كالإسلام و الإيمان و العبادة و الإخلاص و الإخبات، كما أن مقابلاتها من الكفر و الشرك و الجحود و الطغيان و المعصية كذلك، قال سبحانه‏ «وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» : الأحقاف- 19.

و هذا نظير المعارف الإلهية التي تتلقاها العقول من الله فإنها مختلفة باختلاف الاستعدادات و متلونة بألوان القابليات على ما يفيده المثل المضروب في قوله تعالى:

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 34

« أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها الآية».

و ثانيها: أنه كما أن الصراط المستقيم مهيمن على جميع السبل، فكذلك أصحابه الذين مكنهم الله تعالى فيه و تولى أمرهم و ولاهم أمر هداية عباده حيث قال: «وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» : النساء- 71. و قال تعالى: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ» : المائدة- 55. و الآية نازلة في أمير المؤمنين علي (ع) بالأخبار المتواترة و هو (ع) أول فاتح لهذا الباب من الأمة و سيجي‏ء تمام الكلام في الآية.

و ثالثها: أن الهداية إلى الصراط يتعين معناها بحسب تعين معناه، و توضيح ذلك أن‏ الهداية هي الدلالة على ما في الصحاح، و فيه أن تعديتها لمفعولين لغة أهل الحجاز، و غيرهم يعدونه إلى المفعول الثاني بإلى، و قوله هو الظاهر، و ما قيل: إن الهداية إذا تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها، فهي بمعنى الإيصال إلى المطلوب، و إذا تعدت بإلى فبمعنى إراءة الطريق، مستدلا بنحو قوله تعالى: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» : القصص- 56. حيث إن هدايته بمعنى إراءة الطريق ثابتة فالمنفي غيرها و هو الإيصال إلى المطلوب قال تعالى: «وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً» : النساء- 70. و قال تعالى: «وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» : الشورى- 52.

صفحه بعد