کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 170

الآخرة و ذكر الحساب يوم الدين، أو التعمق في الطعن في آيات الله المذكرة ليوم الحساب المبشرة المنذرة، و بالتلبس بهذه الصفات الأربعة، و هي ترك الصلاة لله و ترك الإنفاق في سبيل الله و الخوض و تكذيب يوم الدين ينهدم أركان الدين، و بالتلبس بها تقوم قاعدته على ساق فإن الدين هو الاقتداء بالهداة الطاهرين بالإعراض عن الإخلاد إلى الأرض و الإقبال إلى يوم لقاء الله، و هذان هما ترك الخوض و تصديق يوم الدين و لازم هذين عملا التوجه إلى الله بالعبودية، و السعي في رفع حوائج جامعة الحياة و هذان هما الصلاة و الإنفاق في سبيل الله، فالدين يتقوم بحسب جهتي العلم و العمل بهذه الخصال الأربع، و تستلزم بقية الأركان كالتوحيد و النبوة استلزاما هذا، فأصحاب اليمين هم الفائزون بالشفاعة، و هم المرضيون دينا و اعتقادا سواء كانت أعمالهم مرضية غير محتاجة إلى شفاعة يوم القيامة أو لم تكن، و هم المعنيون بالشفاعة، فالشفاعة للمذنبين من أصحاب اليمين، و قد قال تعالى: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» : النساء- 31، فمن كان له ذنب باق إلى يوم القيامة فهو لا محالة من أهل الكبائر، إذ لو كان الذنب من الصغائر فقط لكان مكفرا عنه، فقد بان أن الشفاعة لأهل الكبائر من أصحاب اليمين،

و قد قال النبي ص: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي- فأما المحسنون فما عليهم من سبيل‏

، الحديث.

و من جهة أخرى إنما سمي هؤلاء بأصحاب اليمين في مقابل أصحاب الشمال و ربما سموا أصحاب الميمنة في مقابل أصحاب المشأمة، و هو من الألفاظ التي اصطلح عليه القرآن مأخوذ من إيتاء الإنسان يوم القيامة كتابه بيمينه أو بشماله، قال تعالى:

«يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‏ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا» : إسراء- 72، و سنبين في الآية إن شاء الله تعالى أن المراد من إيتاء الكتاب باليمين اتباع الإمام الحق، و من إيتائه بالشمال اتباع إمام الضلال كما قال تعالى في فرعون: «يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ» : هود- 98، و بالجملة مرجع التسمية بأصحاب اليمين أيضا إلى ارتضاء الدين كما أن إليه مرجع التوصيف بالصفات الأربعة المذكورة هذا.

ثم إنه تعالى قال في موضع آخر من كلامه: «وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى‏»

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 171

: الأنبياء- 28، فأثبت الشفاعة على من ارتضى، و قد أطلق الارتضاء من غير تقييد بعمل و نحوه، كما فعله في قوله: «إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا» : طه- 109، ففهمنا أن المراد به ارتضاء أنفسهم أي ارتضاء دينهم لا ارتضاء عملهم، فهذه الآية أيضا ترجع من حيث الإفادة إلى ما ترجع إليه الآيات السابقة ثم إنه تعالى قال « يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى‏ جَهَنَّمَ وِرْداً لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً» فهو يملك الشفاعة (أي المصدر المبني للمفعول) و ليس كل مجرم بكافر محتوم له النار، بدليل قوله تعالى: «إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى‏ وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى‏» : طه- 75، فمن لم يكن مؤمنا قد عمل صالحا فهو مجرم سواء كان لم يؤمن، أو كان قد آمن و لم يعمل صالحا، فمن المجرمين من كان على دين الحق لكنه لم يعمل صالحا و هو الذي قد اتخذ عند الله عهدا لقوله تعالى: «أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» : يس- 61 فقوله تعالى: «وَ أَنِ اعْبُدُونِي» عهد بمعنى الأمر و قوله تعالى: هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ‏ ، عهد بمعنى الالتزام لاشتمال الصراط المستقيم على الهداية إلى السعادة و النجاة، فهؤلاء قوم من أهل الإيمان يدخلون النار لسوء أعمالهم، ثم ينجون منها بالشفاعة، و إلى هذا المعنى يلوح قوله تعالى‏ «قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً» : البقرة- 80، فهذه الآيات أيضا ترجع إلى ما ترجع إليه الآيات السابقة، و الجميع تدل على أن مورد الشفاعة أعني المشفوع لهم يوم القيمة هم الدائنون بدين الحق من أصحاب الكبائر، و هم الذين ارتضى الله دينهم.

4- من تقع منه الشفاعة؟

قد عرفت أن الشفاعة منها تكوينية، و منها تشريعية، فأما الشفاعة التكوينية فجملة الأسباب الكونية شفعاء عند الله بما هم وسائط بينه و بين الأشياء. و أما الشفاعة التشريعية، و هي الواقعة في عالم التكليف و المجازات، فمنها ما يستدعي في الدنيا مغفرة من الله سبحانه أو قربا و زلفى، فهو شفيع متوسط بينه و بين عبده. و منه‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 172

التوبة كما قال تعالى: «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنِيبُوا إِلى‏ رَبِّكُمْ» : الزمر- 54، و يعم شموله لجميع المعاصي حتى الشرك. و منه الإيمان قال تعالى: «آمِنُوا بِرَسُولِهِ‏ ، إلى قوله: وَ يَغْفِرْ لَكُمْ» : الحديد- 28. و منه كل عمل صالح. قال تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ» : المائدة- 9، و قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ» : المائدة- 35 و الآيات فيه كثيرة، و منه القرآن لقوله تعالى: «يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» : المائدة- 16.

و منه كل ما له ارتباط بعمل صالح، و المساجد و الأمكنة المتبركة و الأيام الشريفة، و منه الأنبياء و الرسل باستغفارهم لأممهم. قال تعالى: «وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً» : النساء- 64. و منه الملائكة في استغفارهم للمؤمنين، قال تعالى: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» : المؤمن- 7، و قال تعالى: «وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» : الشورى- 5، و منه المؤمنون باستغفارهم لأنفسهم و لإخوانهم المؤمنين.

قال تعالى حكاية عنهم‏ «وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا» : البقرة- 276.

و منها الشفيع يوم القيمة بالمعنى الذي عرفت فمنهم الأنبياء. قال تعالى: «وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ» إلى أن قال: «وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى‏» : الأنبياء- 29، فإن منهم عيسى بن مريم و هو نبي، و قال تعالى: «وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ»: الزخرف- 86، و الآيتان تدلان على جواز الشفاعة من الملائكة أيضا لأنهم قالوا إنهم بنات الله سبحانه. و منهم الملائكة.

قال تعالى: «وَ كَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَرْضى‏» : النجم- 26، و قال تعالى: «يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ» : طه- 110، و منهم الشهداء

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 173

لدلالة قوله تعالى: «وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ» : الزخرف- 86، على تملكهم للشفاعة لشهادتهم بالحق، فكل شهيد فهو شفيع يملك الشهادة غير أن هذه الشهادة كما مر في سورة الفاتحة و سيأتي في قوله تعالى‏ «وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» : البقرة- 143 شهادة الأعمال دون الشهادة بمعنى القتل في معركة القتال، و من هنا يظهر أن المؤمنين أيضا من الشفعاء فإن الله عز و جل أخبر بلحوقهم بالشهداء يوم القيامة، قال تعالى:

«وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ» : الحديد- 19، كما سيجي‏ء بيانه.

5- بما ذا تتعلق الشفاعة؟

قد عرفت أن الشفاعة منها تكوينية تتعلق بكل سبب تكويني في عالم الأسباب و منها شفاعة تشريعية متعلقة بالثواب و العقاب فمنها ما يتعلق بعقاب كل ذنب، الشرك فما دونه كشفاعة التوبة و الإيمان قبل يوم القيامة و منها ما يتعلق بتبعات بعض الذنوب كبعض الأعمال الصالحة، و أما الشفاعة المتنازع فيها و هي شفاعة الأنبياء و غيرهم يوم القيامة لرفع العقاب ممن استحقه بالحساب، فقد عرفت في الأمر الثالث أن متعلقها أهل المعاصي الكبيرة ممن يدين دين الحق و قد ارتضى الله دينه.

6- متى تنفع الشفاعة؟

و نعني بها أيضا الشفاعة الرافعة للعقاب، و الذي يدل عليه قوله سبحانه: «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ» : المدثر- 42، فالآيات كما مر دالة على توصيف من تناله الشفاعة و من يحرم منها غير أنها تدل على أن الشفاعة إنما تنفع في الفك عن هذه الرهانة و الإقامة و الخلود في سجن النار، و أما ما يتقدم عليه من أهوال يوم القيامة و عظائمها فلا دليل على وقوع شفاعة فيها لو لم تدل الآية على انحصار الشفاعة في الخلاص من رهانة النار.

اعلم أنه يمكن أن يستفاد من هذه الآيات وقوع هذا التساؤل بعد استقرار

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 174

أهل الجنة في الجنة و أهل النار في النار و تعلق الشفاعة بجمع من المجرمين بإخراجهم من النار، و ذلك لمكان قوله: فِي جَنَّاتٍ‏ ، الدال على الاستقرار و قوله: ما سَلَكَكُمْ‏ فإن‏ السلوك‏ هو الإدخال لكن لا كل إدخال بل إدخال على سبيل النضد و الجمع و النظم ففيه معنى الاستقرار و كذا قوله: فَما تَنْفَعُهُمْ‏ ، فإن ما لنفي الحال، فافهم ذلك.

و أما نشأة البرزخ و ما يدل على حضور النبي (ع) و الأئمة (ع) عند الموت و عند مساءلة القبر و إعانتهم إياه على الشدائد كما سيأتي في قوله تعالى: «وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ» : النساء- 158، فليس من الشفاعة عند الله في شي‏ء و إنما هو من سبيل التصرفات و الحكومة الموهوبة لهم بإذن الله سبحانه، قال تعالى:

«وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَ هُمْ يَطْمَعُونَ‏ ، إلى أن قال: «وَ نادى‏ أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى‏ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ، أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» : الأعراف- 46، 48، 49، و من هذا القبيل من وجه قوله تعالى: «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ» : إسراء- 71، فوساطة الإمام في الدعوة، و إيتاء الكتاب من قبيل الحكومة الموهوبة فافهم.

فتحصل أن المتحصل من أمر الشفاعة وقوعها في آخر موقف من مواقف يوم القيامة باستيهاب المغفرة بالمنع عن دخول النار، أو إخراج بعض من كان داخلا فيها، باتساع الرحمة أو ظهور الكرامة.

(بحث روائي) [بحث آخر في الشفاعة.]

في أمالي الصدوق، عن الحسين بن خالد عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال: قال رسول الله ص: من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي- و من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي- ثم قال (ص) إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل، قال الحسين بن خالد: فقلت للرضا (ع) يا بن رسول الله- فما معنى قول الله عز و جل: «وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى‏ » قال (ع)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 175

لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه.

أقول: قوله (ص): إنما شفاعتي، هذا المعنى رواه الفريقان بطرق متعددة عنه (ص) و قد مر استفادة معناه من الآيات.

و في تفسير العياشي، عن سماعة بن مهران عن أبي إبراهيم (ع): في قول الله: عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ، قال: يقوم الناس يوم القيامة مقدار أربعين عاما- و يؤمر الشمس، فيركب على رءوس العباد، و يلجمهم العرق، و يؤمر الأرض لا تقبل من عرقهم شيئا- فيأتون آدم فيستشفعون منه فيدلهم على نوح، و يدلهم نوح على إبراهيم، و يدلهم إبراهيم على موسى، و يدلهم موسى على عيسى، و يدلهم عيسى- فيقول:

عليكم بمحمد خاتم البشر فيقول محمد ص: أنا لها فينطلق حتى يأتي باب الجنة- فيدق فيقال له: من هذا؟ و الله أعلم فيقول: محمد، فيقال: افتحوا له فإذا فتح الباب- استقبل ربه فخر ساجدا- فلا رفع رأسه حتى يقال له: تكلم و سل تعط و اشفع تشفع- فيرفع رأسه و يستقبل ربه فيخر ساجدا- فيقال له مثلها فيرفع رأسه- حتى إنه ليشفع من قد أحرق بالنار- فما أحد من الناس يوم القيامة- في جميع الأمم أوجه من محمد ص- و هو قول الله تعالى: عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً .

أقول: و هذا المعنى مستفيض مروي بالاختصار و التفصيل بطرق متعددة من العامة و الخاصة، و فيها دلالة على كون المقام المحمود في الآية هو مقام الشفاعة، و لا ينافي ذلك كون غيره (ص) من الأنبياء، و غيرهم جائز الشفاعة لإمكان كون شفاعتهم فرعا لشفاعته فافتتاحها بيده (ص).

و في تفسير العياشي، أيضا: عن أحدهما (ع): في قوله تعالى: عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ، قال: هي الشفاعة.

و في تفسير العياشي، أيضا: عن عبيد بن زرارة قال: سئل أبو عبد الله (ع) عن المؤمن هل له شفاعة؟ قال: نعم- فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد ص يومئذ؟ قال: نعم إن للمؤمنين خطايا و ذنوبا- و ما من أحد إلا يحتاج إلى شفاعة محمد يومئذ. قال: و سأله رجل عن قول رسول الله: أنا سيد ولد آدم و لا

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 176

فخر. قال نعم. قال: يأخذ حلقة باب الجنة فيفتحها فيخر ساجدا- فيقول الله:

ارفع رأسك اشفع تشفع اطلب تعط- فيرفع رأسه ثم يخر ساجدا- فيقول الله: ارفع رأسك اشفع تشفع و اطلب تعط- ثم يرفع رأسه فيشفع فيشفع و يطلب فيعطى.

و في تفسير الفرات،: عن محمد بن القاسم بن عبيد معنعنا عن بشر بن شريح البصري قال: قلت لمحمد بن علي (ع)، أية آية في كتاب الله أرجى؟ قال: فما يقول فيها قومك؟

قلت: يقولون: «يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» .

قال: لكنا أهل بيت لا نقول ذلك. قال: قلت: فأي شي‏ء تقولون فيها؟ قال:

نقول: وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏ ؛ الشفاعة و الله الشفاعة و الله الشفاعة.

أقول: أما كون قوله تعالى: «عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ؛ الآية» مقام الشفاعة فربما ساعد عليه لفظ الآية أيضا مضافا إلى ما استفاض عنه (ص) أنه مقام الشفاعة فإن قوله تعالى: أَنْ يَبْعَثَكَ، يدل على أنه مقام سيناله يوم القيامة. و قوله‏ مَحْمُوداً مطلق فهو حمد غير مقيد يدل على وقوعه من جميع الناس من الأولين و الآخرين، و الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري ففيه دلالة على وقوع فعل منه (ص) ينتفع به و يستفيد منه الكل فيحمده عليه، و لذلك‏

قال (ع) في رواية عبيد بن زرارة السابقة: و ما من أحد إلا يحتاج إلى شفاعة محمد يومئذ

الحديث. و سيجي‏ء بيان هذا المعنى بوجه آخر وجيه.

و أما كون قوله تعالى: وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏ ، أرجى آية في كتاب الله دون قوله تعالى: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا الآية، فإن النهي عن القنوط و إن تكرر ذكره في القرآن الشريف إلا أن قوله (ص) حكاية عن إبراهيم (ع): قال: «وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ:» : حجر 56، و قوله تعالى حكاية عن يعقوب (ع): «إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ» : يوسف- 87، ناظرتان إلى اليأس و القنوط من الرحمة التكوينية بشهادة المورد.

صفحه بعد