کتابخانه تفاسیر
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 217
قوله: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً» : الشورى- 23، و يمكن أن يكون من التفسير لما سيجيء في سورة المائدة أنها العمل بما يقتضيه التوحيد و إنما نسب إلى علي (ع) لأنه أول فاتح من هذه الأمة لهذا الباب فانتظر.
[سورة البقرة (2): الآيات 83 الى 88]
وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (88)
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 218
(بيان)
قوله تعالى: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ، الآية في بديع نظمها تبتدئ أولا بالغيبة و تنتهي إلى الخطاب حيث تقول: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ، ثم إنها تذكر أولا الميثاق و هو أخذ للعهد، و لا يكون إلا بالقول، ثم تحكي ما أخذ عليه الميثاق فتبتدئ، فيه بالخبر، حيث تقول: لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ، و تختتم بالإنشاء حيث تقول وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً إلخ. و لعل الوجه في ذلك كله أن الآيات المتعرضة لحال بني إسرائيل لما بدئت بالخطاب لمكان اشتمالها على التقريع و التوبيخ و جرت عليه كان سياق الكلام فيها الخطاب ثم لما تبدل الخطاب بالغيبة بعد قصة البقرة لنكتة داعية إليها كما مر حتى انتهت إلى هذه الآية، فبدئت أيضا بالغيبة لكن الميثاق حيث كان بالقول و بني على حكايته حكي بالخطاب فقيل: لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ إلخ، و هو نهي في صورة الخبر. و إنما فعل ذلك دلالة على شدة الاهتمام به، كان الناهي لا يشك في عدم تحقق ما نهى عنه في الخارج، و لا يرتاب في أن المكلف المأخوذ عليه الميثاق سوف لا ينتهي عن نهيه، فلا يوقع الفعل قطعا و كذا قوله: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ ذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ ، كل ذلك أمر في صورة الخبر.
ثم إن الانتقال إلى الخطاب من قبل الحكاية أعطى فرصة للانتقال إلى أصل الكلام، و هو خطاب بني إسرائيل لمكان الاتصال في قوله: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلخ و انتظم بذلك السياق.
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 219
قوله تعالى: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ، أمر أو خبر بمعنى الأمر و التقدير و أحسنوا بالوالدين إحسانا، و ذي القربى و اليتامى و المساكين، أو التقدير: و تحسنون بالوالدين إحسانا، إلخ، و قد رتب موارد الإحسان أخذا من الأهم و الأقرب إلى المهم و الأبعد فقرابة الإنسان أقرب إليه من غيرهم، و الوالدان و هما الأصل الذي تتكي عليه و تقوم به شجرة وجوده أقرب من غيرهما من الأرحام، و في غير القرابة أيضا اليتامى أحق بالإحسان لصغرهم و فقدهم من يقوم بأمرهم من المساكين. هذا و قوله: وَ الْيَتامى ، اليتيم من مات أبوه، و لا يقال لمن ماتت أمه يتيم. و قيل اليتيم في الإنسان إنما تكون من جهة الأب و في غير الإنسان من سائر الحيوان من جهة الأم و قوله تعالى: وَ الْمَساكِينِ ، جمع مسكين و هو الفقير العادم الذليل. و قوله تعالى: حُسْناً مصدر بمعنى الصفة جيء به للمبالغة. و في بعض القراءات حسنا، بفتح الحاء و السين صفة مشبهة. و المعنى قولوا للناس قولا حسنا، و هو كناية عن حسن المعاشرة مع الناس، كافرهم، و مؤمنهم و لا ينافي حكم القتال حتى تكون آية القتال ناسخة له لأن مورد القتال غير مورد المعاشرة فلا ينافي الأمر بحسن المعاشرة كما أن القول الخشن في مقام التأديب لا ينافي حسن المعاشرة.
قوله تعالى: لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ ، خبر في معنى الإنشاء نظير ما مر في قوله:
لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ، و السفك الصب.
قوله تعالى: تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ ، التظاهر هو التعارف، و الظهير العون مأخوذ من الظهر لأن العون يلي ظهر الإنسان.
قوله تعالى: وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ ، الضمير للشأن و القصة كقوله تعالى:
قوله تعالى: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ ، أي ما هو الفرق بين الإخراج و الفدية حيث أخذتم بحكم الفدية و تركتم حكم الإخراج و هما جميعا في الكتاب ، أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ .
قوله تعالى: وَ قَفَّيْنا التقفية الاتباع و إتيان الواحد قفا الواحد.
قوله تعالى: وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ ، سيأتي الكلام فيه في سورة آل عمران.
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 220
قوله تعالى: وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ جمع أغلف من الغلاف أي قلوبنا محفوظة تحت لفائف و أستار و حجب، فهو نظير قوله تعالى: «وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ» : حم سجدة- 5، و هو كناية عن عدم إمكان استماع ما يدعون إليه.
(بحث روائي)
في الكافي، عن أبي جعفر (ع): في قوله تعالى: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً الآية. قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال فيكم.
و في الكافي، أيضا عن الصادق (ع) قال: قولوا للناس و لا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو.
و في المعاني، عن الباقر (ع) قال: قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فإن الله عز و جل يبغض السباب اللعان الطعان- على المؤمنين الفاحش المفحش السائل- و يحب الحيي الحليم العفيف المتعفف.
أقول: و روى مثل الحديث في الكافي، بطريق آخر عن الصادق (ع) و كذا العياشي عنه (ع) و مثل الحديث الثاني في الكافي، عنه. و مثل الحديث الثالث العياشي عن الباقر (ع) و كان هذه المعاني استفيدت من إطلاق الحسن عند القائل و إطلاقه من حيث المورد.
و في تفسير العياشي، عن الصادق (ع) قال: إن الله بعث محمدا ص بخمسة أسياف- فسيف على أهل الذمة. قال الله: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ، نزلت في أهل الذمة ثم نسختها أخرى- قوله: «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ»
الحديث.
أقول: و هو منه (ع) أخذ بإطلاق آخر للقول و هو شموله للكلام و لمطلق التعرض. يقال لا تقل له إلا حسنا و خيرا أي لا تتعرض له إلا بالخير و الحسن، و لا تمسسه إلا بالخير و الحسن. هذا إن كان النسخ في قوله (ع) هو النسخ بالمعنى الأخص
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 221
و هو المصطلح و يمكن أن يكون المراد هو النسخ بالمعنى الأعم، على ما سيجيء في قوله تعالى: «ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها» : البقرة- 106، و هو الكثير في كلامهم (ع) لتكون هذه الآية و آية القتال غير متحدتين موردا
[سورة البقرة (2): الآيات 89 الى 93]
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 222
(بيان)
قوله تعالى: وَ لَمَّا جاءَهُمْ إلخ، السياق يدل على أن هذا الكتاب هو القرآن.
و قوله: وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ، على وقوع تعرض بهم من كفار العرب، و أنهم كانوا يستفتحون أي يطلبون الفتح عليهم ببعثة النبي ص و هجرته و أن ذلك الاستفتاح قد استمر منهم قبل الهجرة، بحيث كان الكفار من العرب أيضا يعرفون ذلك منهم لمكان قوله: كانُوا ، و قوله: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا ، أي عرفوا أنه هو بانطباق ما كان عندهم من الأوصاف عليه كفروا.
قوله تعالى: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بيان لسبب كفرهم بعد العلم و أن السبب الوحيد في ذلك هو البغي و الحسد، فقوله بغيا، مفعول مطلق نوعي. و قوله أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ » متعلق به، و قوله تعالى: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ، أي رجعوا بمصاحبته أو بتلبس غضب بسبب كفرهم بالقرآن على غضب بسبب كفرهم بالتوراة من قبل، و المعنى أنهم كانوا قبل البعثة و الهجرة ظهيرا للنبي ص و مستفتحا به و بالكتاب النازل عليه، ثم لما نزل بهم النبي ص و نزل عليه القرآن و عرفوا أنه هو الذي كانوا يستفتحون به و ينتظرون قدومه هاج بهم الحسد، و أخذهم الاستكبار، فكفروا و أنكروا ما كانوا يذكرونه كما كانوا يكفرون بالتوراة من قبل، فكان ذلك منهم كفرا على كفر.
قوله تعالى: وَ يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ ، أي يظهرون الكفر بما وراءه، و إلا فهم بالذي أنزل إليهم و هو التوراة أيضا كافرون.
قوله تعالى: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ ، الفاء للتفريع. و السؤال متفرع على قولهم: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا ، أي لو كان قولكم: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا حقا و صدقا فلم تقتلون أنبياء الله، و لم كفرتم بموسى باتخاذ العجل، و لم قلتم عند أخذ الميثاق و رفع الطور:
قوله تعالى: وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ، الإشراب هو السقي، و المراد بالعجل
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 223
حب العجل، وضع موضعه للمبالغة كأنهم قد أشربوا نفس العجل و به يتعلق قوله في قلوبهم، ففي الكلام استعارتان أو استعارة و مجاز.
قوله تعالى: قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ ، بمنزلة أخذ النتيجة مما أورد عليهم من قتل الأنبياء و الكفر بموسى، و الاستكبار بإعلام المعصية، و فيه معنى الاستهزاء بهم.
(بحث روائي)
في تفسير العياشي، عن الصادق (ع): في قوله تعالى: «وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ » الآية- قال (ع): كانت اليهود تجد في كتبهم- أن مهاجر محمد رسول الله ص ما بين عير و أحد- فخرجوا يطلبون الموضع، فمروا بجبل يقال له حداد- فقالوا حداد و أحد سواء، فتفرقوا عنده، فنزل بعضهم بتيماء، و بعضهم بفدك، و بعضهم بخيبر، فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم، فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه، و قال لهم أمر بكم ما بين عير و أحد، فقالوا له إذا مررت بهما فأذنا لهما، فلما توسط بهم أرض المدينة، قال ذلك عير و هذا أحد فنزلوا عن ظهر إبله- و قالوا له قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة بنا إلى إبلك- فاذهب حيث شئت و كتبوا إلى إخوانهم- الذين بفدك و خيبر أنا قد أصبنا الموضع- فهلموا إلينا فكتبوا إليهم أنا قد استقرت بنا الدار- و اتخذنا بها الأموال و ما أقربنا منكم- فإذا كان ذلك أسرعنا إليكم، و اتخذوا بأرض المدينة أموالا- فلما كثرت أموالهم بلغ ذلك تبع فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم- ثم آمنهم فنزلوا عليه فقال لهم- إني قد استطبت بلادكم و لا أراني إلا مقيما فيكم، فقالوا: ليس ذلك لك إنها مهاجر نبي، و ليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك، فقال لهم فإني مخلف فيكم من أسرتي- من إذا كان ذلك ساعده و نصره- فخلف حيين تراهم: