کتابخانه تفاسیر
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 256
قتادة قال": كانت الآية تنسخ الآية- و كان نبي الله يقرأ الآية و السورة و ما شاء الله من السورة- ثم ترفع فينسيها الله نبيه فقال الله: يقص على نبيه ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها ، يقول: فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها أمر، فيها نهي.
أقول: و روى فيه أيضا في معنى الإنساء روايات عديدة و جميعها مطروحة بمخالفة الكتاب كما مر في بيان قوله أو ننسها.
[سورة البقرة (2): الآيات 108 الى 115]
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 257
(بيان)
قوله تعالى: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ ، سياق الآية يدل على أن بعض المسلمين- ممن آمن بالنبي- سأل النبي أمورا على حد سؤال اليهود نبيهم موسى (ع) و الله سبحانه وبخهم على ذلك في ضمن ما يوبخ اليهود بما فعلوا مع موسى و النبيين من بعده، و النقل يدل على ذلك.
قوله تعالى: سَواءَ السَّبِيلِ أي مستوى الطريق.
قوله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ، نقل أنه حي بن الأخطب و بعض من معه من متعصبي اليهود.
قوله تعالى: فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا ، قالوا: إنها آية منسوخة بآية القتال.
قوله تعالى: حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ، فيه كما مر إيماء إلى حكم سيشرعه الله تعالى في حقهم، و نظيره قوله تعالى: في الآية الآتية «أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ» ، مع قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا» : التوبة- 29، و سيأتي الكلام في معنى الأمر في قوله تعالى: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي» : إسراء- 85.
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 258
قوله تعالى: وَ قالُوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، شروع في إلحاق النصارى باليهود تصريحا و سوق الكلام في بيان جرائمهم معا.
قوله تعالى: بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ، هذه كرة ثالثة عليهم في بيان أن السعادة لا تدور مدار الاسم و لا كرامة لأحد على الله إلا بحقيقة الإيمان و العبودية، أولاها قوله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا» :، البقرة- 62، و ثانيتها، قوله تعالى:
«بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ» : البقرة- 81، و ثالثتها، هذه الآية و يستفاد من تطبيق الآيات تفسير الإيمان بإسلام الوجه إلى الله و تفسير الإحسان بالعمل الصالح.
قوله تعالى: وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ ، أي و هم يعملون بما أوتوا من كتاب الله لا ينبغي لهم أن يقولوا ذلك و الكتاب يبين لهم الحق و الدليل على ذلك قوله: «كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ » فالمراد بالذين لا يعلمون غير أهل الكتاب من الكفار و مشركي العرب قالوا: إن المسلمين ليسوا على شيء أو إن أهل الكتاب ليسوا على شيء.
قوله تعالى: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ ، ظاهر السياق أن هؤلاء كفار مكة قبل الهجرة فإن هذه الآيات نزلت في أوائل ورود رسول الله ص المدينة.
قوله تعالى: أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ ، يدل على مضي الواقعة و انقضائها لمكان قوله؛ كانَ ، فينطبق على كفار قريش و فعالهم بمكة كما ورد به النقل أن المانعين كفار، مكة كانوا يمنعون المسلمين عن الصلاة في المسجد الحرام و المساجد التي اتخذوها بفناء الكعبة.
قوله تعالى: وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، المشرق و المغرب و كل جهة من الجهات حيث كانت فهي لله بحقيقة الملك التي لا تقبل التبدل و الانتقال، لا كالملك الذي بيننا معاشر أهل الاجتماع، و حيث إن ملكه تعالى مستقر على ذات الشيء محيط بنفسه و أثره، لا كملكنا المستقر على أثر الأشياء و منافعها، لا على ذاتها، و الملك لا يقوم من جهة أنه ملك إلا بمالكه فالله سبحانه قائم على هذه الجهات محيط
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 259
بها و هو معها، فالمتوجه إلى شيء من الجهات متوجه إليه تعالى.
و لما كان المشرق و المغرب جهتين إضافيتين شملتا سائر الجهات تقريبا إذ لا يبقى خارجا منهما إلا نقطتا الجنوب و الشمال الحقيقتان و لذلك لم يقيد إطلاق قوله فَأَيْنَما ، بهما بأن يقال: أينما تولوا منهما فكأن الإنسان أينما ولى وجهه فهناك إما مشرق أو مغرب، فقوله: وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ بمنزلة قولنا: و لله الجهات جميعا و إنما أخذ بهما لأن الجهات التي يقصدها الإنسان بوجهه إنما تتعين بشروق الشمس و غروبها و سائر الأجرام العلوية المنيرة.
قوله تعالى: فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، فيه وضع علة الحكم في الجزاء موضع الجزاء، و التقدير- و الله- أعلم فَأَيْنَما تُوَلُّوا جاز لكم ذلك فإن وجه الله هناك، و يدل على هذا التقدير تعليل الحكم بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ ، أي إن الله واسع الملك و الإحاطة عليم بقصودكم أينما توجهت، لا كالواحد من الإنسان أو سائر الخلق الجسماني لا يتوجه إليه إلا إذا كان في جهة خاصة، و لا أنه يعلم توجه القاصد إليه إلا من جهة خاصة كقدامه فقط، فالتوجه إلى كل جهة توجه إلى الله، معلوم له سبحانه.
و اعلم أن هذا توسعة في القبلة من حيث الجهة لا من حيث المكان، و الدليل عليه قوله: وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ .
(بحث روائي)
في التهذيب، عن محمد بن الحصين قال: كتب إلى عبد صالح الرجل- يصلي في يوم غيم في فلاة من الأرض- و لا يعرف القبلة فيصلي- حتى فرغ من صلاته بدت له الشمس- فإذا هو صلى لغير القبلة يعتد بصلاته أم يعيدها؟ فكتب يعيد ما لم يفت الوقت، أ و لم يعلم أن الله يقول:- و قوله الحق- فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ .
و في تفسير العياشي، عن الباقر (ع): في قوله تعالى: وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ إلخ، قال (ع): أنزل الله هذه الآية في التطوع خاصة- فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ ، و صلى رسول الله إيماء على راحلته- أينما توجهت به حين خرج إلى خيبر،
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 260
و حين رجع من مكة، و جعل الكعبة خلف ظهره.
أقول: و روى العياشي أيضا قريبا من ذلك عن زرارة عن الصادق (ع)، و كذا القمي و الشيخ عن أبي الحسن (ع)، و كذا الصدوق عن الصادق (ع).
و اعلم أنك إذا تصفحت أخبار أئمة أهل البيت حق التصفح، في موارد العام و الخاص و المطلق و المقيد من القرآن وجدتها كثيرا ما تستفيد من العام حكما، و من الخاص أعني العام مع المخصص حكما آخر، فمن العام مثلا الاستحباب كما هو الغالب و من الخاص الوجوب، و كذلك الحال في الكراهة و الحرمة، و على هذا القياس. و هذا أحد أصول مفاتيح التفسير في الأخبار المنقولة عنهم، و عليه مدار جم غفير من أحاديثهم.
و من هنا يمكنك أن تستخرج منها في المعارف القرآنية قاعدتين:
إحداهما: أن كل جملة وحدها، و هي مع كل قيد من قيودها تحكي عن حقيقة ثابتة من الحقائق أو حكم ثابت من الأحكام كقوله تعالى: «قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ» : الأنعام- 91، ففيه معان أربع: الأول: قُلِ اللَّهُ ، و الثاني: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ ، و الثالث: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ ، و الرابع: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ . و اعتبر نظير ذلك في كل ما يمكن.
و الثانية: أن القصتين أو المعنيين إذا اشتركا في جملة أو نحوها، فهما راجعان إلى مرجع واحد. و هذان سران تحتهما أسرار و الله الهادي.
[سورة البقرة (2): الآيات 116 الى 117]
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 261
(بيان) [نفي الولد عنه تعالى.]
قوله تعالى: وَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً يعطي السياق، أن المراد بالقائلين بهذه المقالة هم اليهود و النصارى: إذ قالت اليهود: عزير ابن الله، و قالت النصارى: المسيح ابن الله، فإن وجه الكلام مع أهل الكتاب، و إنما قال أهل الكتاب هذه الكلمة أعني قولهم: اتخذ الله ولدا أول ما قالوها تشريفا لأنبيائهم كما قالوا: نحن أبناء الله و أحباؤه ثم تلبست بلباس الجد و الحقيقة فرد الله سبحانه عليهم في هاتين الآيتين فأضرب عن قولهم بقوله: بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ إلخ، و يشتمل على برهانين ينفي كل منهما الولادة و تحقق الولد منه سبحانه، فإن اتخاذ الولد هو أن يجزي موجود طبيعي بعض أجزاء وجوده، و يفصله عن نفسه فيصيره بتربية تدريجية فردا من نوعه مماثلا لنفسه، و هو سبحانه منزه عن المثل، بل كل شيء مما في السموات و الأرض مملوك له، قائم الذات به، قانت ذليل عنده ذلة وجودية، فكيف يكون شيء من الأشياء ولدا له مماثلا نوعيا بالنسبة إليه؟ و هو سبحانه بديع السموات و الأرض، إنما يخلق ما يخلق على غير مثال سابق، فلا يشبه شيء من خلقه خلقا سابقا، و لا يشبه فعله فعل غيره في التقليد و التشبيه و لا في التدريج، و التوصل بالأسباب إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون من غير مثال سابق و لا تدريج، فكيف يمكن أن ينسب إليه اتخاذ الولد؟ و تحققه يحتاج إلى تربية و تدريج، فقوله: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ برهان تام، و قوله:
بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ برهان آخر تام، هذا.
و يستفاد من الآيتين:
أولا: شمول حكم العبادة لجميع المخلوقات مما في السموات و الأرض.
و ثانيا: أن فعله تعالى غير تدريجي، و يستدرج من هنا، أن كل موجود تدريجي فله وجه غير تدريجي، به يصدر عنه تعالى كما قال تعالى: «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» : يس- 82، و قال تعالى: «وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ» : القمر- 50، و تفصيل القول في هذه الحقيقة القرآنية، سيأتي إن شاء الله في ذيل قوله: «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً» : يس- 82 فانتظر.
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 262
قوله تعالى: سُبْحانَهُ مصدر بمعنى التسبيح و هو لا يستعمل إلا مضافا و هو مفعول مطلق لفعل محذوف أي سبحته تسبيحا، فحذف الفعل و أضيف المصدر إلى الضمير المفعول و أقيم مقامه، و في الكلمة تأديب إلهي بالتنزيه فيما يذكر فيه ما لا يليق بساحة قدسه تعالى و تقدس.
قوله تعالى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ، القنوت العبادة و التذلل.
قوله تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ ، بداعة الشيء كونه لا يماثل غيره مما يعرف و يؤنس به.
قوله تعالى: فَيَكُونُ ، تفريع على قول كن و ليس في مورد الجزاء حتى يجزم.
(بحث روائي)
في الكافي، و البصائر، عن سدير الصيرفي، قال: سمعت عمران بن أعين يسأل أبا جعفر (ع)- عن قول الله تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ، فقال أبو جعفر (ع): إن الله عز و جل ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله، فابتدع السماوات و الأرضين و لم يكن قبلهن سماوات و لا أرضون- أ ما تسمع لقوله: وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ .
؟ أقول: و في الرواية استفادة أخرى لطيفة، و هي أن المراد بالماء في قوله تعالى:
وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ غير المصداق الذي عندنا من الماء بدليل أن الخلقة مستوية على البداعة و كانت السلطنة الإلهية قبل خلق هذه السماوات و الأرض مستقرة مستوية على الماء فهو غير الماء و سيجيء تتمة الكلام في قوله تعالى: «وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ» : هود- 7.
(بحث علمي و فلسفي) [تميز الذوات وجودا و بداعة الإيجاد.]