کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 298

و أما قوله تعالى: «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ، وَ لَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ» : البقرة- 134، فالخطاب فيه متوجه إلى جميع الأمة ممن آمن بالنبي، أو من بعث إليه.

(بحث علمي) [معنى قصة إبراهيم و سر تشريع الحج.]

إذا رجعنا إلى قصة إبراهيم (ع) و سيره بولده و حرمته إلى أرض مكة، و إسكانهما هناك، و ما جرى عليهما من الأمر، حتى آل الأمر، إلى ذبح إسماعيل و فدائه من جانب الله و بنائهما البيت، وجدنا القصة دورة كاملة من السير العبودي الذي يسير به العبد من موطن نفسه إلى قرب ربه، و من أرض البعد إلى حظيرة القرب بالإعراض عن زخارف الدنيا، و ملاذها، و أمانيها من جاه، و مال، و نساء و أولاد، و الانقلاع و التخلص عن وسائس الشياطين، و تكديرهم صفو الإخلاص و الإقبال و التوجه إلى مقام الرب و دار الكبرياء.

فها هي وقائع متفرقة مترتبة تسلسلت و تألفت قصة تاريخية تحكي عن سير عبودي من العبد إلى الله سبحانه و تشمل من أدب السير و الطلب و الحضور و رسوم الحب و الوله و الإخلاص على ما كلما زدت في تدبره إمعانا زادك استنارة و لمعانا.

ثم: إن الله سبحانه أمر خليله إبراهيم، أن يشرع للناس عمل الحج، كما قال‏ «وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى‏ كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ‏ إلى آخر الآيات»: الحج- 27، و ما شرعه (ع) و إن لم يكن معلوما لنا بجميع خصوصياته، لكنه كان شعارا دينيا عند العرب في الجاهلية إلى أن بعث الله النبي ص و شرع فيه ما شرع و لم يخالف فيه ما شرعه إبراهيم إلا بالتكميل كما يدل عليه قوله تعالى: «قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً» : الأنعام- 161، و قوله تعالى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً، وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏، وَ عِيسى‏» : الشورى- 13.

و كيف كان فما شرعه النبي ص من نسك الحج المشتمل على الإحرام و الوقوف‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 299

بعرفات و مبيت المشعر و التضحية و رمي الجمرات و السعي بين الصفا و المروة و الطواف و الصلاة بالمقام تحكي قصة إبراهيم، و تمثل مواقفه و مواقف أهله و مشاهدهم و يا لها من مواقف طاهرة إلهية القائد إليها جذبة الربوبية و السائق نحوها ذلة العبودية.

و العبادات المشروعة- على مشرعيها أفضل السلام- صور لمواقف الكملين من الأنبياء من ربهم، و تماثيل تحكي عن مواردهم و مصادرهم في مسيرهم إلى مقام القرب و الزلفى، كما قال تعالى: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» : الأحزاب- 21 و هذا أصل.

و في الأخبار المبينة لحكم العبادات و أسرار جعلها و تشريعها شواهد كثيرة على هذا المعنى، يعثر عليها المتتبع البصير.

[سورة البقرة (2): الآيات 130 الى 134]

وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَ لَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 300

(بيان)

قوله تعالى: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ‏ ، الرغبة إذا عديت بعن أفادت معنى الإعراض و النفرة، و إذا عديت بفي أفادت: معنى الشوق و الميل، و سفه يأتي متعديا و لازما، و لذلك ذكر بعضهم أن قوله: نَفْسَهُ‏ مفعول لقوله: سفه، و ذكر آخرون أنه تمييز لا مفعول، و المعنى على أي حال:

أن الإعراض عن ملة إبراهيم من حماقة النفس، و عدم تمييزها ما ينفعها مما يضرها و من هذه الآية يستفاد معنى‏

ما ورد في الحديث: أن العقل ما عبد به الرحمن.

قوله تعالى: وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا ، الاصطفاء أخذ صفوة الشي‏ء و تمييزه عن غيره إذا اختلطا، و ينطبق هذا المعنى بالنظر إلى مقامات الولاية على خلوص العبودية و هو أن يجري العبد في جميع شئونه على ما يقتضيه مملوكيته و عبوديته من التسليم الصرف لربه، و هو التحقق بالدين في جميع الشئون فإن الدين لا يشتمل إلا على مواد العبودية في أمور الدنيا و الآخرة و تسليم ما يرضاه الله لعبده في جميع أموره كما قال الله تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» : آل عمران- 19، فظهر: أن مقام الاصطفاء هو مقام الإسلام بعينه و يشهد بذلك قوله تعالى: «إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ الآية» فإن الظاهر أن الظرف متعلق بقوله: اصْطَفَيْناهُ‏ ، فيكون المعنى أن اصطفاءه إنما كان حين قال له ربه: أَسْلِمْ‏ ، فأسلم لله رب العالمين فقوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ ، بمنزلة التفسير لقوله:

اصْطَفَيْناهُ‏ .

و في الكلام التفات من التكلم إلى الغيبة في قوله: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ‏ ، و لم يقل إذ قلنا له أسلم، و التفات آخر من الخطاب إلى الغيبة في المحكي من قول إبراهيم:

قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ ، و لم يقل: قال أسلمت لك أما الأول، فالنكتة فيه الإشارة إلى أنه كان سرا استسر به ربه إذ أسره إليه فيما خلى به معه فإن للسامع المخاطب اتصالا بالمتكلم فإذا غاب المتكلم عن صفة حضوره انقطع المخاطب عن مقامه و كان بينه و بين ما للمتكلم من الشأن و القصة ستر مضروب، فأفاد أن القصة من مسامرات الأنس و خصائص الخلوة.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 301

و أما الثاني فلأن قوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ‏ ، يفيد معنى الاختصاص باللطف و الاسترسال في المسارة لكن أدب الحضور كان يقتضي من إبراهيم و هو عبد عليه طابع الذلة و التواضع أن لا يسترسل، و لا يعد نفسه مختصا بكرامة القرب متشرفا بحظيرة الأنس، بل يراها واحدا من العبيد الأذلاء المربوبين، فيسلم لرب يستكين إليه جميع العالمين فيقول: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ .

[معنى الإسلام- مراتب الإسلام و الإيمان.]

و الإسلام و التسليم و الاستسلام‏ بمعنى واحد، من السلم، و أحد الشيئين إذا كان بالنسبة إلى الآخر بحال لا يعصيه و لا يدفعه فقد أسلم و سلم و استسلم له، قال تعالى‏ «بَلى‏ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ» : البقرة- 112، و قال تعالى: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً» : الأنعام- 79، و وجه الشي‏ء ما يواجهك به، و هو بالنسبة إليه تعالى تمام وجود الشي‏ء، فإسلام الإنسان له تعالى هو وصف الانقياد و القبول منه لما يرد عليه من الله سبحانه من حكم تكويني، من قدر و قضاء، أو تشريعي من أمر أو نهي أو غير ذلك، و من هنا كان له مراتب بحسب ترتب الواردات بمراتبها.

الأولى: من مراتب الإسلام، القبول لظواهر الأوامر و النواهي بتلقي الشهادتين لسانا، سواء وافقه القلب، أو خالفه، قال تعالى: «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ» : الحجرات- 14، و يتعقب الإسلام بهذا المعنى أول مراتب الإيمان و هو الإذعان القلبي بمضمون الشهادتين إجمالا و يلزمه العمل في غالب الفروع.

الثانية: ما يلي الإيمان بالمرتبة الأولى، و هو التسليم و الانقياد القلبي لجل الاعتقادات الحقة التفصيلية و ما يتبعها من الأعمال الصالحة و إن أمكن التخطي في بعض الموارد، قال الله تعالى في وصف المتقين: «الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَ كانُوا مُسْلِمِينَ» : الزخرف- 69، و قال أيضا: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً» : البقرة- 208، فمن الإسلام ما يتأخر عن الإيمان محققا فهو غير المرتبة الأولى من الإسلام، و يتعقب هذا الإسلام المرتبة الثانية من الإيمان و هو الاعتقاد التفصيلي بالحقائق الدينية، قال تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» : الحجرات- 15، و قال‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 302

أيضا: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ» : الصف- 11، و فيه إرشاد المؤمنين إلى الإيمان، فالإيمان غير الإيمان.

الثالثة: ما يلي الإيمان بالمرتبة الثانية فإن النفس إذا أنست بالإيمان المذكور و تخلقت بأخلاقه تمكنت منها و انقادت لها سائر القوى البهيمية و السبعية، و بالجملة القوى المائلة إلى هوسات الدنيا و زخارفها الفانية الداثرة، و صار الإنسان يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، و لم يجد في باطنه و سره ما لا ينقاد إلى أمره و نهيه أو يسخط من قضائه و قدره، قال الله سبحانه: «فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» : النساء- 65، و يتعقب هذه المرتبة من الإسلام المرتبة الثالثة من الإيمان، قال الله تعالى‏ «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» إلى أن قال: «وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ» : المؤمنون- 3، و منه قوله تعالى: «إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ» إلى غير ذلك، و ربما عدت المرتبتان الثانية و الثالثة مرتبة واحدة.

و الأخلاق الفاضلة من الرضاء و التسليم، و الحسبة و الصبر في الله، و تمام الزهد و الورع، و الحب و البغض في الله، من لوازم هذه المرتبة.

الرابعة: ما يلي، المرتبة الثالثة من الإيمان فإن حال الإنسان و هو في المرتبة السابقة مع ربه حال العبد المملوك مع مولاه، إذ كان قائما بوظيفة عبوديته حق القيام، و هو التسليم الصرف لما يريده المولى أو يحبه و يرتضيه، و الأمر في ملك رب العالمين لخلقه أعظم من ذلك و أعظم و إنه حقيقة الملك الذي لا استقلال دونه لشي‏ء من الأشياء لا ذاتا و لا صفة، و لا فعلا على ما يليق بكبريائه جلت كبرياؤه.

فالإنسان- و هو في المرتبة السابقة من التسليم- ربما أخذته العناية الربانية فأشهدت له أن الملك لله وحده لا يملك شي‏ء سواه لنفسه شيئا إلا به لا رب سواه، و هذا معنى وهبي، و إفاضة إلهية لا تأثير لإرادة الإنسان فيه، و لعل قوله تعالى:

رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ، وَ أَرِنا مَناسِكَنا ، الآية، إشارة

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 303

إلى هذه المرتبة من الإسلام فإن قوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ، أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ الآية ظاهره أنه أمر تشريعي لا تكويني، فإبراهيم كان مسلما باختياره، إجابة لدعوة ربه و امتثالا لأمره، و قد كان هذا من الأوامر المتوجهة إليه (ع) في مبادئ حاله، فسؤاله في أواخر عمره مع ابنه إسماعيل الإسلام و إراءة المناسك سؤال لأمر ليس زمامه بيده أو سؤال لثبات على أمر ليس بيده فالإسلام المسئول في الآية هو هذه المرتبة من الإسلام و يتعقب الإسلام بهذا المعنى المرتبة الرابعة من الإيمان و هو استيعاب هذا الحال لجميع الأحوال و الأفعال، قال تعالى: «أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ» : يونس- 62، فإن هؤلاء المؤمنين المذكورين في الآية يجب أن يكونوا على يقين من أن لا استقلال لشي‏ء دون الله، و لا تأثير لسبب إلا بإذن الله حتى لا يحزنوا من مكروه واقع، و لا يخافوا محذورا محتملا، و إلا فلا معنى لكونهم بحيث، لا يخوفهم شي‏ء، و لا يحزنهم أمر، فهذا النوع من الإيمان بعد الإسلام المذكور فافهم.

قوله تعالى: وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ‏ ، الصلاح‏ ، و هو اللياقة بوجه ربما نسب في كلامه إلى عمل الإنسان و ربما نسب إلى نفسه و ذاته، قال تعالى: «فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً» : الكهف- 110، و قال تعالى: «وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ» : النور- 32.

و صلاح العمل و إن لم يرد به تفسير بين من كلامه تعالى غير أنه نسب إليه من الآثار ما يتضح به معناه.

فمنها: أنه صالح لوجه الله، قال تعالى: «صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ» : الرعد- 22، و قال تعالى: «وَ ما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ» : البقرة- 272.

و منها: أنه صالح لأن يثاب عليه، قال تعالى: «ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً» : القصص- 80.

و منها: أنه يرفع الكلم الطيب الصاعد إلى الله سبحانه قال تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» : فاطر- 10، فيستفاد من هذه الآثار المنسوبة

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 304

إليه أن صلاح العمل معنى تهيؤه و لياقته لأن يلبس لباس الكرامة و يكون عونا و ممدا لصعود الكلام الطيب إليه تعالى، قال تعالى: «وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ» : الحج- 37، و قال تعالى: «كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ، وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ، وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً» : الإسراء- 20، فعطاؤه تعالى بمنزلة الصورة، و صلاح العمل بمنزلة المادة.

و أما صلاح النفس و الذات فقد قال تعالى: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَ الصِّدِّيقِينَ، وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ، وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» : النساء- 69، و قال تعالى: «وَ أَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ» : الأنبياء- 86، و قال تعالى حكاية عن سليمان: «وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ» : النمل- 19، و قال تعالى: «وَ لُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً إلى قوله‏ وَ أَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» : الأنبياء- 75، و ليس المراد الصلاح لمطلق الرحمة العامة الإلهية الواسعة لكل شي‏ء و لا الخاصة بالمؤمنين على ما يفيده قوله تعالى: «وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» : الأعراف- 156، إذ هؤلاء القوم و هم الصالحون، طائفة خاصة من المؤمنين المتقين، و من الرحمة ما يختص ببعض دون، بعض قال تعالى‏ «يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ» : البقرة- 105 و ليس المراد أيضا مطلق كرامة، الولاية و هو تولي الحق سبحانه أمر عبده، فإن الصالحين و إن شرفوا بذلك، و كانوا من الأولياء المكرمين على ما بيناه سابقا في قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» : فاتحة الكتاب- 5 و سيجي‏ء في تفسير الآية لكن هذه أعني الولاية صفة مشتركة بينهم و بين النبيين، و الصديقين، و الشهداء فلا يستقيم إذن عدهم طائفة خاصة في قبالهم.

نعم الأثر الخاص بالصلاح هو الإدخال في الرحمة، و هو الأمن العام من العذاب كما ورد المعنيان معا في الجنة، قال تعالى: «فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ» : الجاثية- 30، أي في الجنة، و قال تعالى: «يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ» : الدخان- 55 أي في الجنة.

و أنت إذا تدبرت قوله تعالى: «وَ أَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا» : الأنبياء- 75 و قوله:

صفحه بعد