کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 389

لا يحتمله النظام الموجود المعهود في هذا العالم، لا في الوحي فقط، بل في كل إعلام عمومي و تبيين مطلق، بل إنما يكون باتصال الخبر إلى بعض الناس من غير واسطة و إلى بعض آخرين بواسطتهم، بتبليغ الحاضر الغائب، و العالم الجاهل، فالعالم يعد من وسائط البلوغ و أدواته، كاللسان و الكلام: فإذا بين الخبر للعالم المأخوذ عليه الميثاق بعلمه مع غيره من المشافهين فقد بين الناس، فكتمان العالم علمه هذا كتمان العلم عن الناس بعد البيان لهم و هو السبب الوحيد الذي عده الله سبحانه سببا لاختلاف الناس في الدين و تفرقهم في سبل الهداية و الضلالة، و إلا فالدين فطري تقبله الفطرة و تخضع له القوة المميزة بعد ما بين لها، قال تعالى‏ «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» : الروم- 30، فالدين فطري على الخلقة لا يدفعه الفطرة أبدا لو ظهر لها ظهورا ما بالصفاء من القلب، كما في الأنبياء، أو ببيان قولي، و لا محالة ينتهي هذا الثاني إلى ذلك الأول فافهم ذلك.

و لذلك جمع في الآية بين كون الدين فطريا على الخلقة و بين عدم العلم به فقال:

فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ، و قال: لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ ، و قال تعالى:

«وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ» : البقرة- 213، فأفاد أن الاختلاف فيما يشتمل عليه الكتاب إنما هو ناش عن بغي العلماء الحاملين له، فالاختلافات الدينية و الانحراف عن جادة الصواب معلول بغي العلماء بالإخفاء و التأويل و التحريف، و ظلمهم، حتى أن الله عرف الظلم بذلك يوم القيامة كما قال: «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً» : الأعراف- 44، و الآيات في هذا المعنى كثيرة.

فقد تبين أن الآية مبتنية على الآية أعني، أن قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى‏ مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ‏ الآية، مبتنية على قوله تعالى:

كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ‏ الآية، و مشيرة إلى جزاء هذا البغي بذيلها و هو قوله: أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ‏ إلخ.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 390

قوله تعالى: أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ‏ ، بيان لجزاء بغي الكاتمين لما أنزله الله من الآيات و الهدى، و هو اللعن من الله، و اللعن من كل لاعن، و قد كرر اللعن لأن‏ اللعن‏ مختلف فإنه من الله التبعيد من الرحمة و السعادة و من اللاعنين سؤاله من الله، و قد أطلق اللعن منه و من اللاعنين و أطلق اللاعنين، و هو يدل على توجيه كل اللعن من كل لاعن إليهم و الاعتبار يساعد عليه فإن الذي يقصده لاعن بلعنه هو البعد عن السعادة، و لا سعادة بحسب الحقيقة، إلا السعادة الحقيقية الدينية، و هذه السعادة لما كانت مبينة من جانب الله، مقبولة عند الفطرة، فلا يحرم عنها محروم إلا بالرد و الجحود، و كل هذا الحرمان إنما هو لمن علم بها و جحدها عن علم دون من لا يعلم بها و لم تبين له، و قد أخذ الميثاق على العلماء أن يبثوا علمهم و ينشروا ما عندهم من الآيات و الهدى، فإذا كتموه و كفوا عن بثه فقد جحدوه فأولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون، و يشهد لما ذكرنا الآية الآتية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ - إلى قوله‏ أَجْمَعِينَ‏ الآية فإن الظاهر أن قوله: إِنَ‏ للتعليل أو لتأكيد مضمون هذه الآية، بتكرار ما هو في مضمونها و معناها و هو قوله: الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ .

قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا الآية استثناء من الآية السابقة، و المراد بتقييد توبتهم بالتبين أن يتبين أمرهم و يتظاهروا بالتوبة، و لازم ذلك أن يبينوا ما كتموه للناس و أنهم كانوا كاتمين و إلا فلم يتوبوا بعد لأنهم كاتمون بعد بكتمان أنهم كانوا كاتمين.

قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ ، كناية عن إصرارهم على كفرهم و عنادهم و تعنتهم في قبول الحق فإن من لا يدين بدين الحق لا لعناد و استكبار بل لعدم تبينه له ليس بكافر بحسب الحقيقة، بل مستضعف، أمره إلى الله، و يشهد بذلك تقييد كفر الكافرين في غالب الآيات و التكذيب و خاصة في آيات هبوط آدم المشتملة على أول تشريع شرع لنوع الإنسان، قال تعالى: «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً» إلى قوله- «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» : البقرة- 39، فالمراد بالذين كفروا في الآية هم المكذبون المعاندون- و هم الكاتمون لما أنزل الله- و جازاهم الله تعالى بقوله: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ‏ ، و هذا حكم من الله سبحانه أن يلحق بهم كل لعن لعن به ملك من الملائكة أو أحد من الناس جميعا من غير استثناء، فهؤلاء سبيلهم سبيل الشيطان،

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 391

إذ قال الله سبحانه فيه: «وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى‏ يَوْمِ الدِّينِ» : الحجر- 35، فجعل جميع اللعن عليه فهؤلاء- و هم العلماء الكاتمون لعلمهم- شركاء الشيطان في اللعن العام المطلق و نظراؤه فيه، فما أشد لحن هذه الآية و أعظم أمرها! و سيجي‏ء في الكلام على قوله تعالى: «لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى‏ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ» : الأنفال- 37، ما يتعلق بهذا المقام إن شاء الله العزيز.

قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها ، أي في اللعنة و قوله: لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ‏ ، في تبديل السياق بوضع العذاب موضع اللعنة دلالة على أن اللعنة تتبدل عليهم عذابا.

و اعلم أن في هذه الآيات موارد من الالتفات، فقد التفت في الآية الأولى من التكلم مع الغير إلى الغيبة في قوله: أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ‏ ، لأن المقام مقام تشديد السخط، و السخط يشتد إذا عظم اسم من ينسب إليه أو وصفه- و لا أعظم من الله سبحانه- فنسب إليه اللعن ليبلغ في الشدة كل مبلغ، ثم التفت في الآية الثانية من الغيبة إلى التكلم وحده بقوله: فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏ ، للدلالة على كمال الرحمة و الرأفة، بإلقاء كل نعت و طرح كل صفة و تصدى الأمر بنفسه تعالى و تقدس، فليست الرأفة و الحنان المستفادة من هذه الجملة كالتي يستفاد من قولنا مثلا: فأولئك يتوب الله عليهم أو يتوب ربهم عليهم، ثم التفت في الآية الثالثة من التكلم وحده إلى الغيبة بقوله: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ‏ ، و الوجه فيه نظير ما ذكرناه في الالتفات الواقع في الآية الأولى.

(بحث روائي)

في تفسير العياشي، عن بعض أصحابنا عن الصادق (ع) قال: قلت له: أخبرني عن قول الله عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ‏ الآية، قال: نحن نعنى بها- و الله المستعان- إن الواحد منا إذا صارت إليه لم يكن له- أو لم يسعه إلا أن يبين للناس من يكون بعده.

و عن الباقر (ع)،: في الآية، قال: يعني بذلك نحن، و الله المستعان.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 392

و عن محمد بن مسلم قال (ع): هم أهل الكتاب.

أقول: كل ذلك من قبيل الجري و الانطباق، و إلا فالآية مطلقة.

و في بعض الروايات عن علي (ع): تفسيره بالعلماء إذا فسدوا.

و في المجمع، عن النبي: في الآية، قال: من سئل عن علم يعلمه فكتمه- ألجم يوم القيامة بلجام من نار، و هو قوله: أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ‏ .

أقول: و الخبران يؤيدان ما قدمناه.

و في تفسير العياشي، عن الصادق (ع): في قوله تعالى: وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ‏ ، قال: نحن هم، و قد قالوا: هوام الأرض.

أقول: هو إشارة إلى ما يفيده قوله تعالى: «وَ يَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى‏ رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» : هود- 18، فإنهم الأشهاد المأذونون في الكلام يوم القيامة، و القائلون صوابا، و قوله: و قالوا: هوام الأرض، هو منقول عن المفسرين كمجاهد و عكرمة و غيرهما، و ربما نسب في بعض الروايات إلى النبي ص.

و في تفسير العياشي، عن الصادق (ع): إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى‏ ، في علي.

أقول: و هو من قبيل الجري و الانطباق‏

[سورة البقرة (2): الآيات 163 الى 167]

وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 393

(بيان)

الآيات متحدة متسقة ذات نظم واحد- و هي تذكر التوحيد- و تقيم عليه البرهان و تذكر الشرك و ما ينتهي إليه أمره.

قوله تعالى: وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ، قد مر معنى الإله في الكلام على البسملة من سورة الحمد في أول الكتاب، و أما الوحدة فمفهومها من المفاهيم البديهية التي لا نحتاج في تصورها إلى معرف يدلنا عليها، و الشي‏ء ربما يتصف بالوحدة من حيث وصف من أوصافه، كرجل واحد، و عالم واحد، و شاعر واحد، فيدل به على أن الصفة التي فيه لا تقبل الشركة و لا تعرضها الكثرة، فإن الرجولية التي في زيد مثلا- و هو رجل واحد- ليست منقسمة بينه و بين غيره، بخلاف ما في زيد و عمرو مثلا- و هما رجلان- فإنه منقسم بين اثنين كثير بهما، فزيد من جهة هذه الصفة- و هي الرجولية- واحد لا يقبل الكثرة، و إن كان من جهة هذه الصفة و غيرها من الصفات كعلمه، و قدرته، و حياته، و نحوها ليس بواحد بل كثير حقيقة، و الله سبحانه واحد، من جهة أن‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 394

الصفة التي لا يشاركه فيها غيره، كالألوهية فهو واحد في الألوهية، لا يشاركه فيها غيره تعالى، و العلم و القدرة و الحياة، فله علم لا كالعلوم و قدرة و حياة لا كقدرة غيره و حياته، و واحد من جهة أن الصفات التي له لا تتكثر و لا تتعدد إلا مفهوما فقط، فعلمه و قدرته و حياته جميعها شي‏ء واحد هو ذاته، ليس شي‏ء منها غير الآخر بل هو تعالى يعلم بقدرته و يقدر بحياته و حي بعلمه، لا كمثل غيره في تعدد الصفات عينا و مفهوما، و ربما يتصف الشي‏ء بالوحدة من جهة ذاته، و هو عدم التكثر و التجزي في الذات بذاته، فلا تتجزى إلى جزء و جزء، و إلى ذات و اسم و هكذا، و هذه الوحدة هي المسماة بأحدية الذات، و يدل على هذا المعنى بلفظ أحد، الذي لا يقع في الكلام من غير تقييد بالإضافة إلا إذا وقع في حيز النفي أو النهي أو ما في معناهما كقولنا ما جاءني أحد، فيرتفع بذلك أصل الذات سواء كان واحدا أو كثيرا، لأن الوحدة مأخوذة في أصل الذات لا في وصف من أوصافه بخلاف قولنا: ما جاءني واحد فإن هذا القول لا يكذب بمجي‏ء اثنين أو أزيد لأن الوحدة مأخوذة في صفة الجائي و هو الرجولية في رجل واحد مثلا فاحتفظ بهذا الإجمال حتى نشرحه تمام الشرح في قوله تعالى: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» : الإخلاص- 1، إن شاء الله تعالى.

و بالجملة فقوله: وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ، تفيد بجملته اختصاص الألوهية بالله عز اسمه، و وحدته فيها وحدة تليق بساحة قدسه تبارك و تعالى، و ذلك أن لفظ الواحد بحسب المتفاهم عند هؤلاء المخاطبين لا يدل على أزيد من مفهوم الوحدة العامة التي تقبل الانطباق على أنواع مختلفة لا يليق بالله سبحانه إلا بعضها فهناك وحدة عددية و وحدة نوعية و وحدة جنسية و غير ذلك، فيذهب وهم كل من المخاطبين إلى ما يعتقده و يراه من المعنى، و لو كان قيل: و الله إله واحد، لم يكن فيه توحيد لأن أرباب الشرك يرون أنه تعالى إله واحد، كما أن كل واحد من آلهتهم إله واحد، و لو كان قيل: و إلهكم واحد لم يكن فيه نص على التوحيد، لإمكان أن يذهب الوهم إلى أنه واحد في النوع، و هو الألوهية، نظير ما يقال في تعداد أنواع الحيوان: الفرس واحد، و البغل واحد، مع كون كل منهما متعددا في العدد، لكن لما قيل: و إلهكم إله واحد فأثبت معنى إله واحد- و هو في مقابل إلهين اثنين و آلهة كثيرة- على قوله: إلهكم كان نصا في التوحيد بقصر أصل الألوهية على واحد من الآلهة التي اعتقدوا بها.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 395

قوله تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، جي‏ء به لتأكيد نصوصية الجملة السابقة في التوحيد و نفي كل توهم أو تأويل يمكن أن يتعلق بها، و النفي فيه نفي الجنس، و المراد بالإله ما يصدق عليه الإله حقيقة و واقعا، و حينئذ فيصح أن يكون الخبر المحذوف هو موجود أو كائن، أو نحوهما، و التقدير لا إله بالحقيقة و الحق بموجود، و حيث كان لفظة الجلالة مرفوعا لا منصوبا فلفظ إلا ليس للاستثناء، بل وصف بمعنى غير، و المعنى لا إله غير الله بموجود.

فقد تبين أن الجملة أعني قوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، مسوقة لنفي غير الله من الآلهة الموهومة المتخيلة لا لنفي غير الله و إثبات وجود الله سبحانه، كما توهمه كثيرون، و يشهد بذلك أن المقام إنما يحتاج إلى النفي فقط، ليكون تثبيتا لوحدته في الألوهية لا الإثبات و النفي معا، على أن القرآن الشريف يعد أصل وجوده تبارك و تعالى بديهيا لا يتوقف في التصديق العقلي به، و إنما يعني عنايته بإثبات الصفات، كالوحدة، و الفاطرية، و العلم، و القدرة، و غير ذلك.

و ربما يستشكل تقدير الخبر لفظ الموجود أو ما بمعناه أنه يثبت نفي وجود إله غير الله لا نفي إمكانه، فيجاب عنه بأنه لا معنى لفرض موجود ممكن مساوي الوجود و العدم ينتهي إليه وجود جميع الموجودات بالفعل و جميع شئونها، و ربما يجاب عنه بتقدير حق، و المعنى لا معبود حق إلا هو.

قوله تعالى: الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ‏ ، قد مر الكلام في معناهما في تفسير البسملة من سورة الفاتحة و بذكر الاسمين يتم معنى الربوبية، فإليه تعالى ينتهي كل عطية عامة، بمقتضى رحمانيته، و كل عطية خاصة واقعة في طريق الهداية و السعادة الأخروية بمقتضى رحيميته.

صفحه بعد