کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 72

أقول: و قد عرفت: أن ظاهر وحدة السياق في الآيات الشريفة أنها نزلت دفعة واحدة.

و في الدر المنثور،": في قوله تعالى: وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ - الآية"،: بطرق عن قتادة، قال": وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ - أي شرك و يكون الدين لله. قال: حتى يقال: لا إله إلا الله عليها قاتل رسول الله ص، و إليها دعا، و ذكر لنا: أن النبي ص كان يقول: إن الله أمرني أن أقاتل الناس حتى: يقولوا: لا إله إلا الله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين، قال: و إن الظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله يقاتل حتى يقول: لا إله إلا الله.

أقول: قوله و إن الظالم من قول قتادة، استفاد ذلك من قول النبي و هي استفادة حسنة، و روي نظير ذلك عن عكرمة.

و في الدر المنثور، أيضا أخرج البخاري و أبو الشيخ و ابن مردويه عن ابن عمر": أنه أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس صنعوا و أنت ابن عمر و صاحب النبي ص فما يمنعك أن تخرج؟ قال: يمنعني أن الله حرم دم أخي، قالا: أ لم يقل الله: وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ؟ قال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة و كان الدين لله و أنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة- و يكون الدين لغير الله.

أقول: و قد أخطأ في معنى الفتنة و أخطأ السائلان، و قد مر بيانه، و إنما المورد من مصاديق الفساد في الأرض أو الاقتتال عن بغي و لا يجوز للمؤمنين أن يسكتوا فيه.

و في المجمع،: في قوله تعالى: وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ - الآية، قال أي شرك، قال: و هو المروي عن أبي عبد الله (ع).

و في تفسير العياشي،": في قوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ‏ ":، عن العلاء بن الفضيل، قال": سألته عن المشركين أ يبتدئهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام؟ قال إذا كان المشركون ابتدءوهم باستحلالهم، رأى المسلمون بما أنهم يظهرون عليهم فيه، و ذلك قوله: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 73

و في الدر المنثور، أخرج أحمد و ابن جرير و النحاس في ناسخه عن جابر بن عبد الله قال": لم يكن رسول الله ص يغزو في الشهر الحرام حتى يغزى، و يغزو- فإذا حضره أقام حتى ينسلخ.

و في الكافي، عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل الحرم- فقال (ع) لا يقتل و لا يطعم و لا يسقى و لا يبايع حتى يخرج من الحرم- فيقام عليه الحد قال قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال (ص) يقام عليه الحد في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة، و قد قال الله: عز و جل: « فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ‏ » فقال هذا هو في الحرم فقال لا عدوان إلا على الظالمين.

و في الكافي، عن الصادق (ع): في قوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ، قال: لو أن رجلا أنفق ما في يديه في سبيل الله ما كان أحسن و لا وفق، أ ليس الله يقول: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏ ، يعني المقتصدين!

و روى الصدوق عن ثابت بن أنس، قال: قال رسول الله: طاعة السلطان واجبة، و من ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله، و دخل في نهيه يقول الله: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ .

و في الدر المنثور، بطرق كثيرة عن أسلم أبي عمران،": قال كنا بالقسطنطينية، و على أهل مصر عقبة بن عامر، و على أهل الشام فضالة بن عبيد فخرج صف عظيم من الروم- فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم- فصاح الناس فقالوا سبحان الله: يلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب، صاحب رسول الله:

فقال: يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل- و إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز الله دينه و كثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله- إن أموالنا قد ضاعت و أن الله قد أعز الإسلام و كثر ناصروه- فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع فيها- فأنزل الله على نبيه، يرد علينا ما قلنا: وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ فكانت التهلكة الإقامة في الأموال و إصلاحها و تركنا

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 74

الغزو.

أقول: و اختلاف الروايات كما ترى في معنى الآية يؤيد ما ذكرناه: أن الآية مطلقة تشمل جانبي الإفراط و التفريط في الإنفاق جميعا بل تعم الإنفاق و غيره‏

[سورة البقرة (2): الآيات 196 الى 203]

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏ وَ اتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200)

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202) وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى‏ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 75

(بيان)

نزلت الآيات في حجة الوداع، آخر حجة حجها رسول الله، و فيها تشريع حج التمتع.

قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏ ، تمام الشي‏ء هو الجزء الذي بانضمامه إلى سائر أجزاء الشي‏ء يكون الشي‏ء هو هو، و يترتب عليه آثاره المطلوبة منه‏ فالإتمام‏ هو ضم تمام الشي‏ء إليه بعد الشروع في بعض أجزائه، و الكمال‏ هو حال أو وصف أو أمر إذا وجده الشي‏ء ترتب عليه من الأثر بعد تمامه ما لا يترتب عليه لو لا الكمال، فانضمام أجزاء الإنسان بعضها إلى بعض هو تمامه، و كونه إنسانا عالما أو شجاعا أو عفيفا كماله، و ربما يستعمل التمام مقام الكمال بالاستعارة بدعوى كون الوصف الزائد على الشي‏ء داخلا فيه اهتماما بأمره و شأنه، و المراد بإتمام الحج و العمرة هو المعنى الأول الحقيقي، و الدليل عليه قوله تعالى بعده: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فإن ذلك تفريع على التمام بمعنى إيصال العمل إلى آخر أجزائه و ضمه إلى أجزائه المأتي بها بعد الشروع و لا معنى يصحح تفريعه على الإتمام بمعنى الإكمال و هو ظاهر.

و الحج‏ هو العمل المعروف بين المسلمين الذي شرعه إبراهيم الخليل (ع) و كان بعده بين العرب ثم أمضاه الله سبحانه لهذه الأمة شريعة باقية إلى يوم القيامة.

و يبتدأ هذا العمل بالإحرام و الوقوف في العرفات ثم المشعر الحرام، و فيها التضحية بمنى و رمي الجمرات الثلاث و الطواف و صلاته و السعي بين الصفا و المروة، و فيها أمور مفروضة أخر، و هو على ثلاثة أقسام: حج الإفراد، و حج القران، و حج التمتع الذي شرعه الله في آخر عهد رسول الله.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 76

و العمرة عمل آخر و هو زيارة البيت بالإحرام من أحد المواقيت و الطواف و صلاته و السعي بين الصفا و المروة و التقصير، و هما أعني الحج، و العمرة عبادتان لا يتمان إلا لوجه الله و يدل عليه قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏ الآية.

قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ‏ «إلخ»، الإحصار هو الحبس و المنع، و المراد الممنوعية عن الإتمام بسبب مرض أو عدو بعد الشروع بالإحرام و الاستيسار صيرورة الشي‏ء يسيرا غير عسير كأنه يجلب اليسر لنفسه، و الهدي‏ هو ما يقدمه الإنسان من النعم إلى غيره أو إلى محل للتقرب به، و أصله من‏ الهدية بمعنى التحفة أو من الهدى بمعنى الهداية التي هي السوق إلى المقصود، و الهدي و الهدية كالتمر و التمرة، و المراد به ما يسوقه الإنسان للتضحية به في حجه من النعم.

قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ‏ «إلخ» الفاء للتفريع، و تفريع هذا الحكم على النهي عن حلق الرأس يدل على أن المراد بالمرض هو خصوص المرض الذي يتضرر فيه من ترك الشعر على الرأس من غير حلق، و الإتيان بقوله:

أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ‏ بلفظة أو الترديد يدل على أن المراد بالأذى ما كان من غير طريق المرض كالهوام فهو كناية عن التأذي من الهوام كالقمل على الرأس، فهذان الأمران يجوزان الحلق مع الفدية بشي‏ء من الخصال الثلاث: التي هي الصيام، و الصدقة، و النسك.

و قد وردت السنة أن الصيام ثلاثة أيام، و أن الصدقة إطعام ستة مساكين، و أن النسك شاة.

قوله تعالى: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ‏ ، تفريع على الإحصار، أي إذا أمنتم المانع من مرض أو عدو أو غير ذلك‏ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ‏ ، أي تمتع بسبب العمرة من حيث ختمها و الإحلال إلى زمان الإهلال بالحج‏ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏ ، فالباء للسببية، و سببية العمرة للتمتع بما كان لا يجوز له في حال الإحرام كالنساء و الصيد و نحوهما من جهة تمامها بالإحلال.

قوله تعالى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏ ، ظاهر الآية أن ذلك نسك، لا جبران لما فات منه من الإهلال بالحج من الميقات فإن ذلك أمر يحتاج إلى زيادة مئونة في فهمه من الآية كما هو ظاهر.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 77

فإن قيل: إن ترتب قوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏ ، على قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ‏ ترتب الجزاء على الشرط مع أن اشتمال الشرط على لفظ التمتع مشعر بأن الهدي واقع بإزاء التمتع الذي هو نوع تسهيل شرع له تخفيفا فهو جبران لذلك.

قلت: يدفعه قوله تعالى: بِالْعُمْرَةِ ، فإن ذلك يناسب التجويز للتمتع في أثناء عمل واحد، و لا معنى للتسهيل حيث لا إحرام لتمام العمرة و عدم الإهلال بالحج بعد، على أن هذا الاستشعار لو صح فإنما يتم به كون تشريع الهدي من أجل تشريع التمتع بالعمرة إلى الحج لا كون الهدي جبرانا لما فاته من الإهلال بالحج من الميقات دون مكة، و ظاهر الآية كون قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏ إخبارا عن تشريع التمتع لا إنشاء للتشريع فإنه يجعل التمتع مفروغا عنه ثم يبنى عليه تشريع الهدي، ففرق بين قولنا: من تمتع فعليه هدي و قولنا تمتعوا و سوقوا الهدي، و أما إنشاء تشريع التمتع فإنما يتضمنه قوله: تعالى في ذيل الآية ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏ .

قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ‏ ، جعل الحج ظرفا للصيام باعتبار اتحاده مع زمان الاشتغال به و مكانه، فالزمان الذي يعد زمانا للحج، و هو من زمان إحرام الحج إلى الرجوع، زمان الصيام ثلاثة أيام، و لذلك وردت الروايات عن أئمة أهل البيت أن وقت الصيام قبل يوم الأضحى أو بعد أيام التشريق لمن لم يقدر على الصيام قبله و إلا فعند الرجوع إلى وطنه، و ظرف السبعة إنما هو بعد الرجوع فإن ذلك هو الظاهر من قوله: إِذا رَجَعْتُمْ‏ ، و لم يقل حين الرجوع على أن الالتفات من الغيبة إلى الحضور في قوله‏ إِذا رَجَعْتُمْ‏ لا يخلو عن إشعار بذلك.

قوله تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ، أي الثلاثة و السبعة عشرة كاملة و في جعل السبعة مكملة للعشرة لا متممة دلالة على أن لكل من الثلاثة و السبعة حكما مستقلا آخر على ما مر من معنى التمام و الكمال في أول الآية فالثلاثة عمل تام في نفسه، و إنما تتوقف على السبعة في كمالها لا تمامها.

قوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏ ، أي الحكم المتقدم ذكره و هو التمتع بالعمرة إلى الحج لغير الحاضر، و هو الذي بينه و بين المسجد الحرام.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 78

أكثر من اثني عشر ميلا على ما فسرته السنة، و أهل الرجل خاصته: من زوجته و عياله، و التعبير عن النائي البعيد بأن لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام من ألطف التعبيرات، و فيه إيماء إلى حكمة التشريع و هو التخفيف و التسهيل، فإن المسافر من البلاد النائية للحج، و هو عمل لا يخلو من الكد و مقاساة التعب و وعثاء الطريق، لا يخلو عن الحاجة إلى السكن و الراحة، و الإنسان إنما يسكن و يستريح عند أهله، و ليس للنائي أهل عند المسجد الحرام، فبدله الله سبحانه من التمتع بالعمرة إلى الحج و الإهلال بالحج من المسجد الحرام من غير أن يسير ثانيا إلى الميقات.

و قد عرفت: أن الجملة الدالة على تشريع المتعة إنما هي هذه الجملة أعني قوله:

ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ‏ «إلخ»، دون قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ‏ ، و هو كلام مطلق غير مقيد بوقت دون وقت و لا شخص دون شخص و لا حال دون حال.

قوله تعالى: وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ‏ ، التشديد البالغ في هذا التذليل مع أن صدر الكلام لم يشتمل على أزيد من تشريع حكم في الحج ينبئ عن أن المخاطبين كان المترقب من حالهم إنكار الحكم أو التوقف في قبوله و كذلك كان الأمر فإن الحج خاصة من بين الأحكام المشرعة في الدين كان موجودا بينهم من عصر إبراهيم الخليل معروفا عندهم معمولا به فيهم قد أنسته نفوسهم و ألفته قلوبهم و قد أمضاه الإسلام على ما كان تقريبا إلى آخر عهد النبي فلم يكن تغيير وضعه أمرا هينا سهل القبول عندهم و لذلك قابلوه بالإنكار و كان ذلك غير واقع في نفوس كثير منهم على ما يظهر من الروايات، و لذلك اضطر النبي ص إلى أن يخطبهم فيبين لهم أن الحكم لله يحكم ما يشاء، و أنه حكم عام لا يستثني فيه أحد من نبي أو أمة فهذا هو الموجب للتشديد الذي في آخر الآية بالأمر بالتقوى و التحذير عن عقاب الله سبحانه.

قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ‏ إلى قوله: فِي الْحَجِ‏ ، أي زمان الحج أشهر معلومات عند القوم و قد بينته السنة و هي: شوال و ذو القعدة و ذو الحجة.

صفحه بعد