کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 432

ثم قال ما محصله: إنهما لما كانا من نعم الله تعالى من جهة هذه الحكم المترتبة عليهما كان من عمل فيهما بعمل ينافي الحكم المقصودة منهما فقد كفر بنعمة الله.

و فرع على ذلك حرمة كنزهما فإنه ظلم و إبطال لحكمتهما، إذ كنزهما كحبس الحاكم بين الناس في سجن و منعه عن الحكم بين الناس و إلقاء الهرج بين الناس من غير وجود من يرجعون إليه بالعدل.

و فرع عليه حرمة اتخاذ آنية الذهب و الفضة فإن فيه قصدهما بالاستقلال و هما مقصودان لغيرهما، و ذلك ظلم كمن اتخذ حاكم البلد في الحياكة و المكس و الأعمال التي يقوم بها أخساء الناس.

و فرع عليه أيضا حرمة معاملة الربا على الدراهم و الدنانير فإنه كفر بالنعمة و ظلم، فعنهما خلقا لغيرهما لا لنفسهما، إذ لا غرض يتعلق بأعيانهما.

و قد اشتبه عليه الأمر في اعتبار أصلهما و الفروع التي فرعها على ذلك:

أما أولا: فإنه ذكر أن لا غرض يتعلق بهما في أنفسهما، و لو كان كذلك لم يمكن أن يقدرا غيرهما من الأمتعة و الحوائج، و كيف يجوز أن يقدر شي‏ء شيئا بما ليس فيه؟ و هل يمكن أن يقدر الذراع طول شي‏ء إلا بالطول الذي له؟ أو يقدر المن ثقل شي‏ء إلا بثقله الذي فيه؟.

على أن اعترافه بكونهما عزيزين في نفسهما لا يستقيم إلا بكونهما مقصودين لأنفسهما، و كيف يتصور عزة و كرامة من غير مطلوبية.

على أنها لو لم يكونا إلا مقصودين لغيرهما بالخلقة لم يكن فرق بين الدينار و الدرهم أعني الذهب و الفضة في الاعتبار، و الواقع يكذب ذلك، و لكان جميع أنواع النقود متساوية القيم، و لم يقع الاعتبار على غيرهما من الأمتعة كالجلد و الملح و غيرهما.

و أما ثانيا: فلأن الحكمة المقتضية لحرمة الكنز ليس هي إعطاء المقصودية بالاستقلال لهما، بل ما يظهر من قوله تعالى: «وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ:» الآية التوبة- 34، من تحريم الفقراء عن الارتزاق بهما مع قيام الحاجة إلى العمل و المبادلة دائما كما سيجي‏ء بيان ذلك في تفسير الآية.

و أما ثالثا: فلأن ما ذكره من الوجه في تحريم اتخاذ آنية الذهب و الفضة و كونه ظلما و كفرا موجود في اتخاذ الحلي منهما، و كذا في بيع الصرف، و لم يعدا في الشرع ظلما و كفرا و لا حراما.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 433

و أما رابعا: فلأن ما ذكر من المفسدة لو كان موجبا لما ذكره من الظلم و الكفر بالنعمة لجرى في مطلق الصرف كما يجري في المعاملة الربوية بالنسيئة و القرض، و لم يجر في الربا الذي في المكيل و الموزون مع أن الحكم واحد، فما ذكره غير تام جمعا و منعا.

و الذي ذكره تعالى في حكمة التحريم منطبق على ما قدمناه من أخذ الزيادة من غير عوض. قال تعالى: «وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ:» الروم- 39، فجعل الربا رابيا في أموال الناس و ذلك أنه ينمو بضم أجزاء من أموال الناس إلى نفسه كما أن البذر من النبات ينمو بالتغذي من الأرض و ضم أجزائها إلى نفسه، فلا يزال الربا ينمو و يزيد هو و ينقص أموال الناس حتى يأتي إلى آخرها، و هذا هو الذي ذكرناه فيما تقدم، و بذلك يظهر أن المراد بقوله تعالى: وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ‏ الآية يعني به لا تظلمون الناس و لا تظلمون من قبلهم أو من قبل الله سبحانه فالربا ظلم على الناس.

[سورة البقرة (2): الآيات 282 الى 283]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى‏ وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى‏ أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى‏ أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ وَ إِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ (282) وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى‏ سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 434

(بيان)

قوله تعالى: إِذا تَدايَنْتُمْ‏ «إلخ»، التداين‏ ، مداينة بعضهم بعضا، و الإملال و الإملاء إلقاء الرجل للكاتب ما يكتبه، و البخس‏ هو النقص و الحيف و السأمة هي الملال، و المضارة مفاعلة من الضرر و يستعمل لما بين الاثنين و غيره. و الفسوق‏ هو الخروج عن الطاعة. و الرهان‏ ، و قرئ فرهن بضمتين و كلاهما جمع الرهن بمعنى المرهون.

و الإظهار الواقع في موقع الإضمار في قوله تعالى: فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ‏ ، لرفع اللبس برجوع الضمير إلى الكاتب السابق ذكره.

و الضمير البارز في قوله: أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ‏ ، فائدته تشريك من عليه الحق مع وليه، فإن هذه الصورة تغاير الصورتين الأوليين بأن الولي في الصورتين الأوليين هو المسئول بالأمر المستقل فيه بخلاف هذه الصورة فإن الذي عليه الحق يشارك الولي في العمل فكأنه قيل: ما يستطيعه من العمل فعليه ذلك و ما لا يستطيعه هو فعلى وليه.

و قوله: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما ، على تقدير حذر أن تضل إحداهما، و في قوله:

إِحْداهُمَا الْأُخْرى‏ وضع الظاهر موضع المضمر، و النكتة فيه اختلاف معنى اللفظ في الموضعين، فالمراد من الأول إحداهما لا على التعيين، و من الثاني إحداهما بعد ضلال الأخرى، فالمعنيان مختلفان.

و قوله‏ وَ اتَّقُوا أمر بالتقوى فيما ساقه الله إليهم في هذه الآية من الأمر و النهي، و أما قوله: وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ‏ ، فكلام مستأنف مسوق في مقام الامتنان كقوله تعالى في آية الإرث: «يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا» النساء- 176، فالمراد به‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 435

الامتنان بتعليم شرائع الدين و مسائل الحلال و الحرام.

و ما قيل: إن قوله: وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ‏ يدل على أن التقوى سبب للتعليم الإلهي، فيه أنه و إن كان حقا يدل عليه الكتاب و السنة، لكن هذه الآية بمعزل عن الدلالة عليه لمكان واو العطف على أن هذا المعنى لا يلائم سياق الآية و ارتباط ذيلها بصدرها.

و يؤيد ما ذكرنا تكرار لفظ الجلالة ثانيا فإنه لو لا كون قوله‏ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ‏ ، كلاما مستأنفا كان مقتضى السياق أن يقال: يعلمكم بإضمار الفاعل، ففي قوله تعالى:

وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ‏ ، أظهر الاسم أولا و ثانيا لوقوعه في كلامين مستقلين، و أظهر ثالثا ليدل به على التعليل، كأنه قيل: هو بكل شي‏ء عليم لأنه الله.

و اعلم: أن الآيتين تدلان على ما يقرب من عشرين حكما من أصول أحكام الدين و الرهن و غيرهما، و الأخبار فيها و فيما يتعلق بها كثيرة لكن البحث عنها راجع إلى الفقه، و لذلك آثرنا الإغماض عن ذلك فمن أراد البحث عنها فعليه بمظانه من الفقه‏

[سورة البقرة (2): آية 284]

لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (284)

(بيان)

قوله تعالى: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ ، كلام يدل على ملكه تعالى لعالم الخلق مما في السماوات و الأرض، و هو توطئة لقوله بعده: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏ ، أي إن له ما في السماوات و الأرض و من جملتها أنتم و أعمالكم و ما اكتسبتها نفوسكم، فهو محيط بكم مهيمن على أعمالكم لا يتفاوت عنده كون أعمالكم بادية ظاهرة، أو خافية مستورة فيحاسبكم عليها.

و ربما استظهر من الآية: كون السماء مسانخا لأعمال القلوب و صفات النفس فما في النفوس هو مما في السماوات، و لله ما في السماوات كما أن ما في النفوس إذا أبدي بعمل الجوارح كان مما في الأرض، و لله ما في الأرض فما انطوى في النفوس سواء أبدي أو أظهر مملوك لله محاط له سيتصرف فيه بالمحاسبة.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 436

قوله تعالى: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏ ، الإبداء هو الإظهار مقابل الإخفاء، و معنى ما في أنفسكم ما استقر في أنفسكم على ما يعرفه أهل العرف و اللغة من معناه، و لا مستقر في النفس إلا الملكات و الصفات من الفضائل و الرذائل كالإيمان و الكفر و الحب و البغض و العزم و غيرها فإنها هي التي تقبل الإظهار و الإخفاء. أما إظهارها فإنما تتم بأفعال مناسبة لها تصدر من طريق الجوارح يدركها الحس و يحكم العقل بوجود تلك المصادر النفسية المسانخة لها، إذ لو لا تلك الصفات و الملكات النفسانية من إرادة و كراهة و إيمان و كفر و حب و بغض و غير ذلك لم تصدر هذه الأفعال، فبصدور الأفعال يظهر للعقل وجود ما هو منشؤها. و أما إخفاؤها فبالكف عن فعل ما يدل على وجودها في النفس.

و بالجملة ظاهر قوله: ما فِي أَنْفُسِكُمْ‏ ، الثبوت و الاستقرار في النفس، و لا يعني بهذا الاستقرار التمكن في النفس بحيث يمتنع الزوال كالملكات الراسخة، بل ثبوتا تاما يعتد به في صدور الفعل كما يشعر به قوله: إِنْ تُبْدُوا و قوله: أَوْ تُخْفُوهُ‏ فإن الوصفين يدلان على أن ما في النفس بحيث يمكن أن يكون منشأ للظهور أو غير منشإ له و هو الخفاء، و هذه الصفات يمكن أن تكون كذلك سواء كانت أحوالا أو ملكات، و أما الخطورات و الهواجس النفسانية الطارقة على النفس من غير إرادة من الإنسان و كذلك التصورات الساذجة التي لا تصديق معها كتصور صور المعاصي من غير نزوع و عزم فلفظ الآية غير شامل لها البتة لأنها كما عرفت غير مستقرة في النفس، و لا منشأ لصدور الأفعال.

فتحصل: أن الآية إنما تدل على الأحوال و الملكات النفسانية التي هي مصادر الأفعال من الطاعات و المعاصي، و أن الله سبحانه و تعالى يحاسب الإنسان بها، فتكون الآية في مساق قوله تعالى: «لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ:» البقرة- 225، و قوله تعالى: «فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» : البقرة- 283، و قوله تعالى:

«إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا:» الإسراء- 36، فجميع هذه الآيات دالة على أن للقلوب و هي النفوس أحوالا و أوصافا يحاسب الإنسان بها، و كذا قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ:» النور- 9، فإنها ظاهرة في أن العذاب إنما هو على الحب الذي هو أمر قلبي، هذا.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 437

فهذا ظاهر الآية و يجب أن يعلم: أن الآية إنما تدل على المحاسبة بما في النفوس سواء أظهر أو أخفى، و أما كون الجزاء في صورتي الإخفاء و الإظهار على حد سواء، و بعبارة أخرى كون الجزاء دائرا مدار العزم سواء فعل أو لم يفعل و سواء صادف الفعل الواقع المقصود أو لم يصادف كما في صورة التجري مثلا فالآية غير ناظرة إلى ذلك.

و قد أخذ القوم في معنى الآية مسالك شتى لما توهموا أنها تدل على المؤاخذة على كل خاطر نفساني مستقر في النفس أو غيره و ليس إلا تكليفا بما لا يطاق، فمن ملتزم بذلك و من مؤول يريد به التخلص.

فمنهم من قال: إن الآية تدل على المحاسبة بكل ما يرد القلب، و هو تكليف بما لا يطاق، لكن الآية منسوخة بما يتلوها من قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها الآية.

و فيه: أن الآية غير ظاهرة في هذا العموم كما مر. على أن التكليف بما لا يطاق غير جائز بلا ريب. على أنه تعالى يخبر بقوله: «وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ:» الحج- 78، بعدم تشريعه في الدين ما لا يطاق.

و منهم من قال: إن الآية مخصوصة بكتمان الشهادة و مرتبطة بما تقدمتها من آية الدين المذكورة فيها و هو مدفوع بإطلاق الآية كقول من قال: إنها مخصوصة بالكفار.

و منهم من قال: إن المعنى أن تبدوا بأعمالكم ما في أنفسكم من السوء بأن تتجاهروا و تعلنوا بالعمل أو تخفوه بأن تأتوا الفعل خفية يحاسبكم به الله.

و منهم من قال: إن المراد بالآية مطلق الخواطر إلا أن المراد بالمحاسبة الأخبار أي جميع ما يخطر ببالكم سواء أظهرتموها أو أخفيتموها فإن الله يخبركم به يوم القيامة فهو في مساق قوله تعالى: «فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ:» المائدة- 105، و يدفع هذا و ما قبله؟ بمخالفة ظاهر الآية كما تقدم.

قوله تعالى: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ، الترديد في التفريع بين المغفرة و العذاب لا يخلو من الإشعار بأن المراد بما في النفوس هي الصفات و الأحوال النفسانية السيئة، و إن كانت المغفرة ربما استعملت في القرآن في غير مورد المعاصي أيضا لكنه استعمال كالنادر يحتاج إلى مئونة القرائن الخاصة. و قوله: وَ اللَّهُ‏ تعليل راجع إلى مضمون الجملة الأخيرة، أو إلى مدلول الآية بتمامها.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص: 438

(بحث روائي)

في صحيح مسلم، عن أبي هريرة قال*: لما نزلت على رسول الله ص‏ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ- وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏ - اشتد ذلك على أصحاب رسول الله ص فأتوا رسول الله ص- ثم جثوا على الركب فقالوا يا رسول الله- كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة و الصيام و الجهاد و الصدقة- و قد أنزل الله هذه الآية و لا نطيقها. فقال رسول الله ص: أ تريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم: سمعنا و عصينا؟ بل قولوا: سمعنا و أطعنا- غفرانك ربنا و إليك المصير. فلما اقترأها القوم و ذلت بها ألسنتهم- أنزل الله في أثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ‏ الآية، فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها إلى آخرها:

أقول: و رواه في الدر المنثور، عن أحمد و مسلم و أبي داود في ناسخه و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن أبي هريرة

، و روي قريبا منه بعدة من الطرق عن ابن عباس. و روى النسخ أيضا بعدة طرق عن غيرهما كابن مسعود و عائشة.

و روي عن الربيع بن أنس": أن الآية محكمة غير منسوخة و إنما المراد بالمحاسبة- ما يخبر الله العبد به يوم القيامة بأعماله التي عملها في الدنيا.

و روي عن ابن عباس بطرق": أن الآية مخصوصة بكتمان الشهادة و أدائها. فهي محكمة غير منسوخة.

و روي عن عائشة أيضا": أن المراد بالمحاسبة ما يصيب الرجل من الغم و الحزن- إذا هم بالمعصية و لم يفعلها

، فالآية أيضا محكمة غير منسوخة.

و روي من طريق علي عن ابن عباس": في قوله: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏ : فذلك سرائرك و علانيتك يحاسبكم به الله- فإنها لم تنسخ، و لكن الله إذا جمع الخلائق يوم القيامة- يقول: إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي، فأما المؤمنون فيخبرهم و يغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم- و هو قوله: يحاسبكم به الله يقول يخبركم. و أما أهل الشك و الريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب، و هو قوله:

وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ‏ .

صفحه بعد