کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 55

أمر آخر يستتبعه هذا الأسف و التحسر و هو سوء ظنهم برسول الله ص، و أنه هو الذي أوردهم هذا المورد و ألقاهم في هذه التهلكة كما يشير إليه قولهم على ما تلوح إليه هذه الآيات: لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا الآية، و قول المنافقين فيما سيجي‏ء: لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا الآية، أي أطاعونا و لم يطيعوا رسول الله ص فهو الذي أهلكهم، فهي تبين أنه (ص) ليس له أن يخون أحدا بل هو رسول منه تعالى شريف النفس كريم المحتد عظيم الخلق يلين لهم برحمة من الله، و يعفو عنهم و يستغفر لهم و يشاورهم في الأمر منه تعالى، و أن الله من به عليهم ليخرجهم من الضلال إلى الهدى.

قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا» «إلخ» المراد بهؤلاء الذين كفروا ما هو ظاهر اللفظ أعني الكافرين دون المنافقين- كما قيل- لأن النفاق بما هو نفاق ليس منشأ لهذا القول- و إن كان المنافقون يقولون ذلك- و إنما منشؤه الكفر فيجب أن ينسب إلى الكافرين.

و الضرب في الأرض كناية عن المسافرة، و غزي جمع غاز كطالب و طلب و ضارب و ضرب، و قوله: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً ، أي ليعذبهم بها فهو من قبيل وضع المغيا موضع الغاية، و قوله: وَ اللَّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏ ، بيان لحقيقة الأمر التي أخطأ فيها الكافرون القائلون: لو كانوا، و هذا الموت يشمل الموت حتف الأنف و القتل كما هو مقتضى إطلاق الموت وحده على ما تقدم، و قوله: وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ في موضع التعليل للنهي في قوله: لا تَكُونُوا «إلخ».

و قوله: «ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا» ، قدم فيه الموت على القتل ليكون النشر على ترتيب اللف في قوله: إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى‏ ، و لأن الموت أمر جار على الطبع و العادة المألوفة بخلاف القتل فإنه أمر استثنائي فقدم ما هو المألوف على غيره.

و محصل الآية نهي المؤمنين أن يكونوا كالكافرين فيقولوا لمن مات منهم في خارج بلده أو قومه، و فيمن قتل منهم في غزاة: لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا فإن هذا القول يسوق الإنسان إلى عذاب قلبي و نقمة إلهية و هو الحسرة الملقاة في قلوبهم، مع أنه من الجهل فإن القرب و البعد منهم ليس بمحيي و مميت بل الإحياء و الإماتة من الشئون المختصة بالله وحده لا شريك له فليتقوا الله و لا يكونوا مثلهم فإن الله بما يعملون بصير.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 56

قوله تعالى: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏ الظاهر أن المراد مما يجمعون هو المال و ما يلحق به الذي هو عمدة البغية في الحياة الدنيا.

و قد قدم القتل هاهنا على الموت لأن القتل في سبيل الله أقرب من المغفرة بالنسبة إلى الموت فهذه النكتة هي الموجبة لتقديم القتل على الموت، و لذلك عاد في الآية التالية:

وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ‏ إلى الترتيب الطبعي بتقديم الموت على القتل لفقد هذه النكتة الزائدة.

قوله تعالى: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ» إلى آخر الآية، الفظ هو الجافي القاسي، و غلظ القلب كناية عن عدم رقته و رأفته، و الانفضاض‏ التفرق.

و في الآية التفات عن خطابهم إلى خطاب رسول الله ص، و أصل المعنى:

فقد لان لكم رسولنا برحمة منا، و لذلك أمرناه أن يعفو عنكم و يستغفر لكم و يشاوركم في الأمر و أن يتوكل علينا إذا عزم.

و نكتة الالتفات ما تقدم في أول آيات الغزوة أن الكلام فيه شوب عتاب و توبيخ، و لذلك اشتمل على بعض الأعراض في ما يناسبه من الموارد و منها هذا المورد الذي يتعرض فيه لبيان حال من أحوالهم لها مساس بالاعتراض على النبي ص فإن تحزنهم لقتل من قتل منهم ربما دلهم على المناقشة في فعل النبي ص، و رميه بأنه أوردهم مورد القتل و الاستيصال، فأعرض الله تعالى عن مخاطبتهم و التفت إلى نبيه ص فخاطبه بقوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ‏ .

و الكلام متفرع على كلام آخر يدل عليه السياق، و التقدير: و إذا كان حالهم ما تراه من التشبه بالذين كفروا و التحسر على قتلاهم فبرحمة منا لنت لهم و إلا لانفضوا من حولك. و الله أعلم.

و قوله: «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» إنما سيق ليكون إمضاء لسيرته (ص) فإنه كذلك كان يفعل، و قد شاورهم في أمر القتال قبيل يوم أحد، و فيه إشعار بأنه إنما يفعل ما يؤمر و الله سبحانه عن فعله راض.

و قد أمر الله تعالى نبيه ص أن يعفو عنهم فلا يرتب على فعالهم أثر المعصية، و أن يستغفر فيسأل الله أن يغفر لهم- و هو تعالى فاعله لا محالة- و اللفظ و إن كان‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 57

مطلقا لا يختص بالمورد غير أنه لا يشمل موارد الحدود الشرعية و ما يناظرها و إلا لغا التشريع، على أن تعقيبه بقوله: وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ لا يخلو عن الإشعار بأن هذين الأمرين إنما هما في ظرف الولاية و تدبير الأمور العامة مما يجري فيه المشاورة معهم.

و قوله: «فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» ، و إذا أحبك كان وليا و ناصرا لك غير خاذلك، و لذا عقب الآية بهذا المعنى و دعا المؤمنين أيضا إلى التوكل فقال: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ‏ ثم أمرهم بالتوكل بوضع سببه موضعه فقال: وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏ أي لإيمانهم بالله الذي لا ناصر و لا معين إلا هو.

قوله تعالى: «وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ» ، الغل‏ هو الخيانة، قد مر في قوله تعالى:

«ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ» : آل عمران- 79، إن هذا السياق معناه تنزيه ساحة النبي عن السوء و الفحشاء بطهارته، و المعنى: حاشا أن يغل و يخون النبي ربه أو الناس (و هو أيضا من الخيانة لله) و الحال أن الخائن يلقى ربه بخيانته ثم توفى نفسه ما كسبت.

ثم ذكر أن رمي النبي بالخيانة قياس جائر مع الفارق فإنه متبع رضوان الله لا يعدو رضا ربه، و الخائن باء بسخط عظيم من الله و مأواه جهنم و بئس المصير، و هذا هو المراد بقوله: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ‏ الآية.

و يمكن أن يكون المراد به التعريض للمؤمنين بأن هذه الأحوال من التعرض لسخط الله، و الله يدعوكم بهذه المواعظ إلى رضوانه، و ما هما سواء.

ثم ذكر أن هذه الطوائف من المتبعين لرضوان الله و البائين بسخط من الله درجات مختلفة، و الله بصير بالأعمال فلا تزعموا أنه يفوته الحقير من خير أو شر فتسامحوا في اتباع رضوانه أو البوء بسخطه.

قوله تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» ، في الآية التفات آخر من خطاب المؤمنين إلى تنزيلهم منزلة الغيبة، و قد مر الوجه العام في هذه الموارد من الالتفات و الوجه الخاص بما هاهنا أن الآية مسوقة سوق الامتنان و المن على المؤمنين لصفة إيمانهم و لذا قيل: على المؤمنين، و لا يفيده غير الوصف حتى لو قيل: الذين آمنوا، لأن المشعر

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 58

بالعلية- على ما قيل- هو الوصف أو أنه الكامل في هذا الإشعار، و المعنى ظاهر.

و في الآية أبحاث أخر سيأتي شطر منها في المواضع المناسبة لها إن شاء الله العزيز.

[سورة آل‏عمران (3): الآيات 165 الى 171]

أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (165) وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَ قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)

فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)

بيان‏

الآيات من تتمة الآيات النازلة في خصوص غزوة أحد، و فيه تعرض لحال عدة من المنافقين خذلوا جماعة المؤمنين عند خروجهم من المدينة إلى أحد، و فيها جواب ما

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 59

قالوه في المقتولين، و وصف حال المستشهدين بعد القتل و أنهم منعمون في حضرة القرب يستبشرون بإخوانهم من خلفهم.

قوله تعالى: «أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها» لما نهاهم أن يكونوا كالذين كفروا في التحزن لقتلاهم و التحسر عليهم ببيان أن أمر الحياة و الموت إلى الله وحده لا إليهم حتى يدورا مدار قربهم و بعدهم و خروجهم إلى القتال أو قعودهم عنه رجع ثانيا إلى بيان سببه القريب على ما جرت عليه سنة الأسباب، فبين أن سببه إنما هو المعصية الواقعة يوم أحد منهم و هو معصية الرماة بتخلية مراكزهم، و معصية من تولى منهم عن القتال بعد ذلك، و بالجملة سببه معصيتهم الرسول- و هو قائدهم- و فشلهم و تنازعهم في الأمر و ذلك سبب للانهزام بحسب سنة الطبيعة و العادة.

فالآية في معنى قوله: أ تدرون من أين أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها؟ إنما أصابتكم من عند أنفسكم و هو إفسادكم سبب الفتح و الظفر بأيديكم و مخالفتكم قائدكم و فشلكم و اختلاف كلمتكم.

و قد وصفت المصيبة بقوله: قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها و هو إشارة إلى مقايسة ما أصابهم الكفار يوم أحد، و هو قتل سبعين رجلا منهم بما أصابوا الكفار يوم بدر و هو مثلا السبعين فإنهم قتلوا منهم يوم بدر سبعين رجلا و أسروا سبعين رجلا.

و في هذا التوصيف تسكين لطيش قلوبهم و تحقير للمصيبة فإنهم أصيبوا من أعدائهم بنصف ما أصابوهم فلا ينبغي لهم أن يحزنوا أو يجزعوا.

و قيل: إن معنى الآية: أنكم أنفسكم اخترتم هذه المصيبة، و ذلك أنهم اختاروا الفداء من الأسرى يوم بدر، و كان الحكم فيهم القتل، و شرط عليهم أنكم إن قبلتم الفداء قتل منكم في القابل بعدتهم فقالوا: رضينا فإنا نأخذ الفداء و ننتفع به، و إذا قتل منا فيما بعد كنا شهداء.

و يؤيد هذا الوجه بل يدل عليه ما ذيل به الآية أعني قوله: إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ إذ لا تلائم هذه الفقرة الوجه السابق البتة إلا بتعسف، و سيجي‏ء روايته عن أئمة أهل البيت (ع) في البحث الروائي الآتي.

قوله تعالى: «وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ» إلى آخر الآيتين، الآية الأولى‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 60

تؤيد ما تقدم أن المراد بقوله: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏ ، اختيارهم الفداء من أسرى يوم بدر، و شرطهم على أنفسهم لله ما شرطوا فإصابة هذه المصيبة بإذن الله، و أما الوجه الأول المذكور و هو أن المعنى أن سبب إصابة المصيبة القريب هو مخالفتكم فلا تلاؤم ظاهرا بينه و بين نسبة المصيبة إلى إذن الله و هو ظاهر.

فعلى ما ذكرنا يكون ذكر استناد إصابة المصيبة إلى إذن الله بمنزلة البيان لقوله:

هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏ ، و ليكون توطئة لانضمام قوله: وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ‏ ، و بانضمامه يتمهد الطريق للتعرض لحال المنافقين و ما تكلموا به و جوابه و بيان حقيقة هذا الموت الذي هو القتل في سبيل الله.

و قوله: أو ادفعوا أي لو لم تقاتلوا في سبيل الله فادفعوا عن حريمكم و أنفسكم و قوله: هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان، اللام بمعنى إلى فهذا حالهم بالنسبة إلى الكفر الصريح، و أما النفاق فقد واقعوه بفعلهم ذلك.

و قوله: «يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ» ، ذكر الأفواه للتأكيد و للتقابل بينها و بين القلوب.

قوله تعالى: «الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا» ، المراد بإخوانهم إخوانهم في النسب و هم القتلى، و إنما ذكر إخوتهم لهم ليكون مع انضمام قوله: و قعدوا أوقع تعيير و تأنيب عليهم فإنهم قعدوا عن إمداد إخوانهم حتى أصابهم ما أصابهم من القتل الذريع، و قوله: قل فادرءوا جواب عن قولهم ذاك، و الدرء : الدفع.

قوله تعالى: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً» الآية، و في الآية التفات عن خطاب المؤمنين إلى خطاب رسول الله ص، و الوجه فيه ما تكرر ذكره في تضاعيف هذه الآيات، و يحتمل أن يكون الخطاب تتمة الخطاب في قوله:

قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ .

و المراد بالموت بطلان الشعور و الفعل، و لذا ذكرهما في قوله: بَلْ أَحْياءٌ «إلخ» حيث ذكر الارتزاق و هو فعل، و الفرح الاستبشار و معهما شعور.

قوله تعالى: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ‏ الآية، الفرح‏ ضد الحزن و، البشارة و البشرى‏ ما يسرك من الخبر و الاستبشار طلب السرور بالبشرى، و المعنى: أنهم فرحون بما

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 61

وجدوه من الفضل الإلهي الحاضر المشهود عندهم، و يطلبون السرور بما يأتيهم من البشرى بحسن حال من لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم و لا هم يحزنون.

و من ذلك يظهر أولا أن هؤلاء المقتولين في سبيل الله يأتيهم و يتصل بهم أخبار خيار المؤمنين الباقين بعدهم في الدنيا.

و ثانيا أن هذه البشرى هي ثواب أعمال المؤمنين و هو أن لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و ليس ذلك إلا بمشاهدتهم هذا الثواب في دارهم التي هم فيها مقيمون فإنما شأنهم المشاهدة دون الاستدلال ففي الآية دلالة على بقاء الإنسان بعد الموت ما بينه و بين يوم القيامة، و قد فصلنا القول فيه في الكلام على نشأة البرزخ في ذيل قوله تعالى: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ‏ الآية: «البقرة: 154».

قوله تعالى: «يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ» الآية، هذا الاستبشار أعم من الاستبشار بحال غيرهم و بحال أنفسهم و الدليل عليه قوله: وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ‏ ، فإنه بإطلاقه شامل للجميع، و لعل هذه هي النكتة في تكرار الاستبشار و كذا تكرار الفضل فتدبر في الآية.

و قد نكر الفضل و النعمة و أبهم الرزق في الآيات ليذهب ذهن السامع فيها كل مذهب ممكن، و لذا أبهم الخوف و الحزن ليدل في سياق النفي على العموم.

و التدبر في الآيات يعطي أنها في صدد بيان أجر المؤمنين أولا، و أن هذا الأجر رزقهم عند الله سبحانه ثانيا، و أن هذا الرزق نعمة من الله و فضل ثالثا، و أن الذي يشخص هذه النعمة و الفضل هو أنهم لا خوف عليهم و لا هم يحزنون رابعا.

و هذه الجملة أعني قوله: أن لا خوف عليهم و لا هم يحزنون كلمة عجيبة كلما أمعنت في تدبرها زاد في اتساع معناها على لطف و رقة و سهولة بيان، و أول ما يلوح من معناها أن الخوف و الحزن مرفوعان عنهم، و الخوف إنما يكون من أمر ممكن محتمل يوجب انتفاء شي‏ء من سعادة الإنسان التي يقدر نفسه واجدة لها، و كذا الحزن إنما يكون من جهة أمر واقع يوجب ذلك، فالبلية أو كل محذور إنما يخاف منها إذا لم يقع بعد فإذا وقعت زال الخوف و عرض الحزن فلا خوف بعد الوقوع و لا حزن قبله.

صفحه بعد