کتابخانه تفاسیر
الميزان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 55
أمر آخر يستتبعه هذا الأسف و التحسر و هو سوء ظنهم برسول الله ص، و أنه هو الذي أوردهم هذا المورد و ألقاهم في هذه التهلكة كما يشير إليه قولهم على ما تلوح إليه هذه الآيات: لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا الآية، و قول المنافقين فيما سيجيء: لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا الآية، أي أطاعونا و لم يطيعوا رسول الله ص فهو الذي أهلكهم، فهي تبين أنه (ص) ليس له أن يخون أحدا بل هو رسول منه تعالى شريف النفس كريم المحتد عظيم الخلق يلين لهم برحمة من الله، و يعفو عنهم و يستغفر لهم و يشاورهم في الأمر منه تعالى، و أن الله من به عليهم ليخرجهم من الضلال إلى الهدى.
قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا» «إلخ» المراد بهؤلاء الذين كفروا ما هو ظاهر اللفظ أعني الكافرين دون المنافقين- كما قيل- لأن النفاق بما هو نفاق ليس منشأ لهذا القول- و إن كان المنافقون يقولون ذلك- و إنما منشؤه الكفر فيجب أن ينسب إلى الكافرين.
و الضرب في الأرض كناية عن المسافرة، و غزي جمع غاز كطالب و طلب و ضارب و ضرب، و قوله: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً ، أي ليعذبهم بها فهو من قبيل وضع المغيا موضع الغاية، و قوله: وَ اللَّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ ، بيان لحقيقة الأمر التي أخطأ فيها الكافرون القائلون: لو كانوا، و هذا الموت يشمل الموت حتف الأنف و القتل كما هو مقتضى إطلاق الموت وحده على ما تقدم، و قوله: وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ في موضع التعليل للنهي في قوله: لا تَكُونُوا «إلخ».
و قوله: «ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا» ، قدم فيه الموت على القتل ليكون النشر على ترتيب اللف في قوله: إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى ، و لأن الموت أمر جار على الطبع و العادة المألوفة بخلاف القتل فإنه أمر استثنائي فقدم ما هو المألوف على غيره.
و محصل الآية نهي المؤمنين أن يكونوا كالكافرين فيقولوا لمن مات منهم في خارج بلده أو قومه، و فيمن قتل منهم في غزاة: لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا فإن هذا القول يسوق الإنسان إلى عذاب قلبي و نقمة إلهية و هو الحسرة الملقاة في قلوبهم، مع أنه من الجهل فإن القرب و البعد منهم ليس بمحيي و مميت بل الإحياء و الإماتة من الشئون المختصة بالله وحده لا شريك له فليتقوا الله و لا يكونوا مثلهم فإن الله بما يعملون بصير.
الميزان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 56
قوله تعالى: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ الظاهر أن المراد مما يجمعون هو المال و ما يلحق به الذي هو عمدة البغية في الحياة الدنيا.
و قد قدم القتل هاهنا على الموت لأن القتل في سبيل الله أقرب من المغفرة بالنسبة إلى الموت فهذه النكتة هي الموجبة لتقديم القتل على الموت، و لذلك عاد في الآية التالية:
وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ إلى الترتيب الطبعي بتقديم الموت على القتل لفقد هذه النكتة الزائدة.
قوله تعالى: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ» إلى آخر الآية، الفظ هو الجافي القاسي، و غلظ القلب كناية عن عدم رقته و رأفته، و الانفضاض التفرق.
و في الآية التفات عن خطابهم إلى خطاب رسول الله ص، و أصل المعنى:
فقد لان لكم رسولنا برحمة منا، و لذلك أمرناه أن يعفو عنكم و يستغفر لكم و يشاوركم في الأمر و أن يتوكل علينا إذا عزم.
و نكتة الالتفات ما تقدم في أول آيات الغزوة أن الكلام فيه شوب عتاب و توبيخ، و لذلك اشتمل على بعض الأعراض في ما يناسبه من الموارد و منها هذا المورد الذي يتعرض فيه لبيان حال من أحوالهم لها مساس بالاعتراض على النبي ص فإن تحزنهم لقتل من قتل منهم ربما دلهم على المناقشة في فعل النبي ص، و رميه بأنه أوردهم مورد القتل و الاستيصال، فأعرض الله تعالى عن مخاطبتهم و التفت إلى نبيه ص فخاطبه بقوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ .
و الكلام متفرع على كلام آخر يدل عليه السياق، و التقدير: و إذا كان حالهم ما تراه من التشبه بالذين كفروا و التحسر على قتلاهم فبرحمة منا لنت لهم و إلا لانفضوا من حولك. و الله أعلم.
و قوله: «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» إنما سيق ليكون إمضاء لسيرته (ص) فإنه كذلك كان يفعل، و قد شاورهم في أمر القتال قبيل يوم أحد، و فيه إشعار بأنه إنما يفعل ما يؤمر و الله سبحانه عن فعله راض.
و قد أمر الله تعالى نبيه ص أن يعفو عنهم فلا يرتب على فعالهم أثر المعصية، و أن يستغفر فيسأل الله أن يغفر لهم- و هو تعالى فاعله لا محالة- و اللفظ و إن كان
الميزان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 57
مطلقا لا يختص بالمورد غير أنه لا يشمل موارد الحدود الشرعية و ما يناظرها و إلا لغا التشريع، على أن تعقيبه بقوله: وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ لا يخلو عن الإشعار بأن هذين الأمرين إنما هما في ظرف الولاية و تدبير الأمور العامة مما يجري فيه المشاورة معهم.
و قوله: «فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» ، و إذا أحبك كان وليا و ناصرا لك غير خاذلك، و لذا عقب الآية بهذا المعنى و دعا المؤمنين أيضا إلى التوكل فقال: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ثم أمرهم بالتوكل بوضع سببه موضعه فقال: وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أي لإيمانهم بالله الذي لا ناصر و لا معين إلا هو.
قوله تعالى: «وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ» ، الغل هو الخيانة، قد مر في قوله تعالى:
«ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ» : آل عمران- 79، إن هذا السياق معناه تنزيه ساحة النبي عن السوء و الفحشاء بطهارته، و المعنى: حاشا أن يغل و يخون النبي ربه أو الناس (و هو أيضا من الخيانة لله) و الحال أن الخائن يلقى ربه بخيانته ثم توفى نفسه ما كسبت.
ثم ذكر أن رمي النبي بالخيانة قياس جائر مع الفارق فإنه متبع رضوان الله لا يعدو رضا ربه، و الخائن باء بسخط عظيم من الله و مأواه جهنم و بئس المصير، و هذا هو المراد بقوله: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ الآية.
و يمكن أن يكون المراد به التعريض للمؤمنين بأن هذه الأحوال من التعرض لسخط الله، و الله يدعوكم بهذه المواعظ إلى رضوانه، و ما هما سواء.
ثم ذكر أن هذه الطوائف من المتبعين لرضوان الله و البائين بسخط من الله درجات مختلفة، و الله بصير بالأعمال فلا تزعموا أنه يفوته الحقير من خير أو شر فتسامحوا في اتباع رضوانه أو البوء بسخطه.
قوله تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» ، في الآية التفات آخر من خطاب المؤمنين إلى تنزيلهم منزلة الغيبة، و قد مر الوجه العام في هذه الموارد من الالتفات و الوجه الخاص بما هاهنا أن الآية مسوقة سوق الامتنان و المن على المؤمنين لصفة إيمانهم و لذا قيل: على المؤمنين، و لا يفيده غير الوصف حتى لو قيل: الذين آمنوا، لأن المشعر
الميزان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 58
بالعلية- على ما قيل- هو الوصف أو أنه الكامل في هذا الإشعار، و المعنى ظاهر.
و في الآية أبحاث أخر سيأتي شطر منها في المواضع المناسبة لها إن شاء الله العزيز.
[سورة آلعمران (3): الآيات 165 الى 171]
بيان
الآيات من تتمة الآيات النازلة في خصوص غزوة أحد، و فيه تعرض لحال عدة من المنافقين خذلوا جماعة المؤمنين عند خروجهم من المدينة إلى أحد، و فيها جواب ما
الميزان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 59
قالوه في المقتولين، و وصف حال المستشهدين بعد القتل و أنهم منعمون في حضرة القرب يستبشرون بإخوانهم من خلفهم.
قوله تعالى: «أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها» لما نهاهم أن يكونوا كالذين كفروا في التحزن لقتلاهم و التحسر عليهم ببيان أن أمر الحياة و الموت إلى الله وحده لا إليهم حتى يدورا مدار قربهم و بعدهم و خروجهم إلى القتال أو قعودهم عنه رجع ثانيا إلى بيان سببه القريب على ما جرت عليه سنة الأسباب، فبين أن سببه إنما هو المعصية الواقعة يوم أحد منهم و هو معصية الرماة بتخلية مراكزهم، و معصية من تولى منهم عن القتال بعد ذلك، و بالجملة سببه معصيتهم الرسول- و هو قائدهم- و فشلهم و تنازعهم في الأمر و ذلك سبب للانهزام بحسب سنة الطبيعة و العادة.
فالآية في معنى قوله: أ تدرون من أين أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها؟ إنما أصابتكم من عند أنفسكم و هو إفسادكم سبب الفتح و الظفر بأيديكم و مخالفتكم قائدكم و فشلكم و اختلاف كلمتكم.
و قد وصفت المصيبة بقوله: قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها و هو إشارة إلى مقايسة ما أصابهم الكفار يوم أحد، و هو قتل سبعين رجلا منهم بما أصابوا الكفار يوم بدر و هو مثلا السبعين فإنهم قتلوا منهم يوم بدر سبعين رجلا و أسروا سبعين رجلا.
و في هذا التوصيف تسكين لطيش قلوبهم و تحقير للمصيبة فإنهم أصيبوا من أعدائهم بنصف ما أصابوهم فلا ينبغي لهم أن يحزنوا أو يجزعوا.
و قيل: إن معنى الآية: أنكم أنفسكم اخترتم هذه المصيبة، و ذلك أنهم اختاروا الفداء من الأسرى يوم بدر، و كان الحكم فيهم القتل، و شرط عليهم أنكم إن قبلتم الفداء قتل منكم في القابل بعدتهم فقالوا: رضينا فإنا نأخذ الفداء و ننتفع به، و إذا قتل منا فيما بعد كنا شهداء.
و يؤيد هذا الوجه بل يدل عليه ما ذيل به الآية أعني قوله: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إذ لا تلائم هذه الفقرة الوجه السابق البتة إلا بتعسف، و سيجيء روايته عن أئمة أهل البيت (ع) في البحث الروائي الآتي.
قوله تعالى: «وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ» إلى آخر الآيتين، الآية الأولى
الميزان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 60
تؤيد ما تقدم أن المراد بقوله: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ، اختيارهم الفداء من أسرى يوم بدر، و شرطهم على أنفسهم لله ما شرطوا فإصابة هذه المصيبة بإذن الله، و أما الوجه الأول المذكور و هو أن المعنى أن سبب إصابة المصيبة القريب هو مخالفتكم فلا تلاؤم ظاهرا بينه و بين نسبة المصيبة إلى إذن الله و هو ظاهر.
فعلى ما ذكرنا يكون ذكر استناد إصابة المصيبة إلى إذن الله بمنزلة البيان لقوله:
هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ، و ليكون توطئة لانضمام قوله: وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ، و بانضمامه يتمهد الطريق للتعرض لحال المنافقين و ما تكلموا به و جوابه و بيان حقيقة هذا الموت الذي هو القتل في سبيل الله.
و قوله: أو ادفعوا أي لو لم تقاتلوا في سبيل الله فادفعوا عن حريمكم و أنفسكم و قوله: هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان، اللام بمعنى إلى فهذا حالهم بالنسبة إلى الكفر الصريح، و أما النفاق فقد واقعوه بفعلهم ذلك.
و قوله: «يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ» ، ذكر الأفواه للتأكيد و للتقابل بينها و بين القلوب.
قوله تعالى: «الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا» ، المراد بإخوانهم إخوانهم في النسب و هم القتلى، و إنما ذكر إخوتهم لهم ليكون مع انضمام قوله: و قعدوا أوقع تعيير و تأنيب عليهم فإنهم قعدوا عن إمداد إخوانهم حتى أصابهم ما أصابهم من القتل الذريع، و قوله: قل فادرءوا جواب عن قولهم ذاك، و الدرء : الدفع.
قوله تعالى: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً» الآية، و في الآية التفات عن خطاب المؤمنين إلى خطاب رسول الله ص، و الوجه فيه ما تكرر ذكره في تضاعيف هذه الآيات، و يحتمل أن يكون الخطاب تتمة الخطاب في قوله:
قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ .
و المراد بالموت بطلان الشعور و الفعل، و لذا ذكرهما في قوله: بَلْ أَحْياءٌ «إلخ» حيث ذكر الارتزاق و هو فعل، و الفرح الاستبشار و معهما شعور.
قوله تعالى: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ الآية، الفرح ضد الحزن و، البشارة و البشرى ما يسرك من الخبر و الاستبشار طلب السرور بالبشرى، و المعنى: أنهم فرحون بما
الميزان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 61
وجدوه من الفضل الإلهي الحاضر المشهود عندهم، و يطلبون السرور بما يأتيهم من البشرى بحسن حال من لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم و لا هم يحزنون.
و من ذلك يظهر أولا أن هؤلاء المقتولين في سبيل الله يأتيهم و يتصل بهم أخبار خيار المؤمنين الباقين بعدهم في الدنيا.
و ثانيا أن هذه البشرى هي ثواب أعمال المؤمنين و هو أن لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و ليس ذلك إلا بمشاهدتهم هذا الثواب في دارهم التي هم فيها مقيمون فإنما شأنهم المشاهدة دون الاستدلال ففي الآية دلالة على بقاء الإنسان بعد الموت ما بينه و بين يوم القيامة، و قد فصلنا القول فيه في الكلام على نشأة البرزخ في ذيل قوله تعالى: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ الآية: «البقرة: 154».
قوله تعالى: «يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ» الآية، هذا الاستبشار أعم من الاستبشار بحال غيرهم و بحال أنفسهم و الدليل عليه قوله: وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فإنه بإطلاقه شامل للجميع، و لعل هذه هي النكتة في تكرار الاستبشار و كذا تكرار الفضل فتدبر في الآية.
و قد نكر الفضل و النعمة و أبهم الرزق في الآيات ليذهب ذهن السامع فيها كل مذهب ممكن، و لذا أبهم الخوف و الحزن ليدل في سياق النفي على العموم.
و التدبر في الآيات يعطي أنها في صدد بيان أجر المؤمنين أولا، و أن هذا الأجر رزقهم عند الله سبحانه ثانيا، و أن هذا الرزق نعمة من الله و فضل ثالثا، و أن الذي يشخص هذه النعمة و الفضل هو أنهم لا خوف عليهم و لا هم يحزنون رابعا.
و هذه الجملة أعني قوله: أن لا خوف عليهم و لا هم يحزنون كلمة عجيبة كلما أمعنت في تدبرها زاد في اتساع معناها على لطف و رقة و سهولة بيان، و أول ما يلوح من معناها أن الخوف و الحزن مرفوعان عنهم، و الخوف إنما يكون من أمر ممكن محتمل يوجب انتفاء شيء من سعادة الإنسان التي يقدر نفسه واجدة لها، و كذا الحزن إنما يكون من جهة أمر واقع يوجب ذلك، فالبلية أو كل محذور إنما يخاف منها إذا لم يقع بعد فإذا وقعت زال الخوف و عرض الحزن فلا خوف بعد الوقوع و لا حزن قبله.