کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 411

عن حريز عن أبي عبد الله (ع) قال*: نزلت: «فإن تنازعتم في شي‏ء- فأرجعوه إلى الله و إلى الرسول و إلى أولي الأمر منكم».

و ما في تفسير العياشي، عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر (ع)» و هو رواية الكافي، السابقة) و في الحديث*: ثم قال للناس: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» إيانا عنى خاصة «فإن خفتم تنازعا في الأمر- فارجعوا إلى الله و إلى الرسول و أولي الأمر منكم» هكذا نزلت، و كيف يأمرهم بطاعة أولي الأمر- و يرخص لهم في منازعتهم- إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ .

و في تفسير العياشي،: في رواية أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال*: نزلت (يعني آية أَطِيعُوا اللَّهَ) ، في علي بن أبي طالب (ع)- قلت له: إن الناس يقولون لنا: فما منعه أن يسمي عليا و أهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفر (ع): قولوا لهم: إن الله أنزل على رسوله الصلاة و لم يسم ثلاثا و لا أربعا- حتى كان رسول الله ص هو الذي فسر ذلك (لهم) و أنزل الحج و لم ينزل طوفوا أسبوعا- حتى فسر ذلك لهم رسول الله ص، و الله أنزل: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» تنزلت في علي و الحسن و الحسين (ع)، و قال في علي من كنت مولاه فعلي مولاه، و قال رسول الله ص:

أوصيكم بكتاب الله و أهل بيتي- إني سألت الله أن لا يفرق بينهما- حتى يوردهما علي الحوض فأعطاني ذلك، و قال: فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، إنهم لن يخرجوكم من باب هدى، و لن يدخلوكم في باب ضلال، و لو سكت رسول الله و لم يبين أهلها- لادعى آل عباس و آل عقيل و آل فلان، و لكن أنزل الله في كتابه: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ- وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» فكان علي و الحسن و الحسين و فاطمة (ع) تأويل هذه الآية، فأخذ رسول الله ص بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين (ص)- فأدخلهم تحت الكساء في بيت أم سلمة- و قال: اللهم إن لكل نبي ثقلا و أهلا فهؤلاء ثقلي و أهلي، و قالت أم سلمة: أ لست من أهلك؟ قال: إنك إلى خير، و لكن هؤلاء ثقلي و أهلي، الحديث:

أقول: و روي في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عنه (ع) مثله مع اختلاف يسير في اللفظ.

و في تفسير البرهان، عن ابن شهرآشوب عن تفسير مجاهد*: أنها نزلت في أمير المؤمنين‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 412

حين خلفه رسول الله ص بالمدينة- فقال: يا رسول الله أ تخلفني على النساء و الصبيان؟

فقال: يا أمير المؤمنين- أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ حين قال له:

«اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ» فقال الله: وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ .

قال: علي بن أبي طالب ولاه الله أمر الأمة بعد محمد، و حين خلفه رسول الله ص بالمدينة- فأمر الله العباد بطاعته و ترك خلافه.

و فيه، عنه عن أبانة الفلكي"*: أنها نزلت حين شكا أبو بريدة من علي (ع)، الخبر.

و في العبقات، عن كتاب ينابيع المودة، للشيخ سليمان بن إبراهيم البلخي عن المناقب عن سليم بن قيس الهلالي عن علي في حديث قال*: و أما أدنى ما يكون به العبد ضالا- أن لا يعرف حجة الله تبارك و تعالى و شاهده على عباده، الذي أمر الله عباده بطاعته، و فرض ولايته.

قال سليم: قلت: يا أمير المؤمنين صفهم لي، قال: الذين قرنهم الله بنفسه و نبيه فقال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فقلت له:

جعلني الله فداك أوضح لي، فقال: الذين قال رسول الله ص في مواضع- و في آخر خطبته يوم قبضه الله عز و جل إليه: إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي- إن تمسكتم بهما كتاب الله عز و جل، و عترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا- حتى يردا علي الحوض كهاتين- و جمع بين مسبحتيه- و لا أقول: كهاتين و جمع مسبحته و الوسطى- فتمسكوا بهما و لا تقدموهم فتضلوا.

أقول: و الروايات عن أئمة أهل البيت (ع) في المعاني السابقة كثيرة جدا و قد اقتصرنا فيما نقلناه على إيراد نموذج من كل صنف منها، و على من يطلبها أن يراجع جوامع الحديث.

و أما الذي روي عن قدماء المفسرين فهي ثلاثة أقوال: الخلفاء الراشدون، و أمراء السرايا و العلماء، و ما نقل عن الضحاك أنهم أصحاب النبي ص فهو يرجع إلى القول الثالث فإن اللفظ المنقول منه: أنهم أصحاب رسول الله ص هم الدعاة الرواة، و ظاهره أنه تعليل بالعلم فيرجع إلى التفسير بالعلماء.

و اعلم أيضا أنه قد نقل في أسباب نزول هذه الآيات أمور كثيرة، و قصص مختلفة شتى لكن التأمل فيها لا يدع ريبا في أنها جميعا من قبيل التطبيق النظري من رواتها، و لذلك تركنا إيرادها لعدم الجدوى في نقلها، و إن شئت تصديق ذلك فعليك بالرجوع‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 413

إلى الدر المنثور، و تفسير الطبري، و أشباههما.

و في محاسن البرقي، بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) * في قول الله تعالى:

فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ‏ الآية، قال: التسليم، الرضا، و القنوع بقضائه.

و في الكافي، بإسناده عن عبد الله الكاهلي قال*: قال أبو عبد الله (ع): لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له، و أقاموا الصلاة، و آتوا الزكاة، و حجوا البيت، و صاموا شهر رمضان- ثم قالوا الشي‏ء صنعه الله و صنع رسوله ص: لم صنع هكذا و كذا، و لو صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين، ثم تلا هذه الآية:

«فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ- ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» ثم قال أبو عبد الله (ع): عليكم بالتسليم.

و في تفسير العياشي، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله (ع) قال*: سمعته يقول: و الله لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له و أقاموا الصلاة، و آتوا الزكاة، و حجوا البيت، و صاموا شهر رمضان- ثم قالوا لشي‏ء صنعه رسول الله ص: لم صنع كذا و كذا؟ و وجدوا ذلك في أنفسهم لكانوا بذلك مشركين، ثم قرأ: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ- ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً - مما قضى محمد و آل محمد وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً .

أقول: و في معنى الروايتين روايات أخر، و الذي ذكره (ع) تعميم في الآية من جهة الملاك من جهتين: من جهة أن الحكم لا يفرق فيه بين أن يكون حكما تشريعيا أو تكوينيا، و من جهة أن الحاكم بالحكم لا يفرق فيه بين أن يكون هو الله أو رسوله.

و اعلم أن هناك روايات تطبق الآيات أعني قوله: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ‏ إلى آخر الآيات على ولاية علي (ع) أو على ولاية أئمة أهل البيت (ع)، و هو من مصاديق التطبيق على المصاديق، فإن الله سبحانه و رسوله ص و الأئمة من أهل البيت (ع) مصاديق الآيات و هي جارية فيهم.

و في أمالي الشيخ، بإسناده إلى علي بن أبي طالب (ع) قال*: جاء رجل من الأنصار إلى النبي ص- فقال: يا رسول الله ما أستطيع فراقك، و إني لأدخل منزلي فأذكرك- فأترك ضيعتي و أقبل حتى أنظر إليك حبا لك، فذكرت إذا كان يوم القيامة فأدخلت الجنة- فرفعت في أعلى عليين فكيف لي بك يا نبي الله؟ فنزل: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ- مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ- وَ حَسُنَ‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 414

أُولئِكَ رَفِيقاً» - فدعا النبي ص الرجل فقرأها عليه و بشره بذلك.

أقول: و هذا المعنى مروي من طرق أهل السنة أيضا رواه في الدر المنثور، عن الطبراني و ابن مردويه و أبي نعيم في الحلية و الضياء المقدسي في صفة الجنة و حسنه عن عائشة، و عن الطبراني و ابن مردويه من طريق الشعبي عن ابن عباس، و عن سعيد بن منصور و ابن المنذر عن الشعبي، و عن ابن جرير عن سعيد بن جبير.

و في تفسير البرهان، عن ابن شهرآشوب عن أنس بن مالك عمن سمى عن أبي صالح عن ابن عباس" * في قوله تعالى: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ- فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ» يعني محمدا- و «الصِّدِّيقِينَ» يعني عليا و كان أول من صدق- و «الشُّهَداءِ» - يعني عليا و جعفرا و حمزة و الحسن و الحسين (ع).

أقول: و في هذا المعنى أخبار أخر.

و في الكافي، عن الباقر (ع) قال*: أعينونا بالورع- فإنه من لقي الله بالورع كان له عند الله فرحا- فإن الله عز و جل يقول: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ‏ ، و تلا الآية- ثم قال:

فمنا النبي و منا الصديق و منا الشهداء و الصالحون.

و فيه، عن الصادق (ع)*: المؤمن مؤمنان: مؤمن وفى الله بشروطه- التي اشترطها عليه- فذلك مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين- و حسن أولئك رفيقا، و ذلك ممن يشفع و لا يشفع له، و ذلك ممن لا يصيبه أهوال الدنيا و و لا أهوال الآخرة، و مؤمن زلت به قدم- فذلك كخامة الزرع كيفما كفأته الريح انكفأ، و ذلك ممن يصيبه أهوال الدنيا و أهوال الآخرة- و يشفع له، و هو على خير.

أقول: في الصحاح: الخامة: الغضة الرطبة من النبات انتهى، و يقال: كفأت فلانا فانكفأ أي صرفته فانصرف و رجع، و هو (ع) يشير في الحديث إلى ما تقدم في تفسير قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ : «الفاتحة: 7» أن المراد بالنعمة الولاية فينطبق على قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ‏ : «يونس:

63» و لا سبيل لأهوال الحوادث إلى أولياء الله الذين ليس لهم إلا الله سبحانه.

[سورة النساء (4): الآيات 71 الى 76]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (71) وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (72) وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَ مَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75)

الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 415

بيان‏

الآيات بالنسبة إلى ما تقدمها- كما ترى- بمنزلة ذي المقدمة بالنسبة إلى المقدمة و هي تحث و تستنهض المؤمنين للجهاد في سبيل الله، و قد كانت المحنة شديدة على المؤمنين أيام كانت تنزل هذه الآيات، و هي كأنها الربع الثاني من زمن إقامة رسول الله ص بالمدينة كانت العرب هاجت عليهم من كل جانب لإطفاء نور الله، و هدم ما ارتفع من بناية الدين يغزو رسول الله ص مشركي مكة و طواغيت قريش، و يسري السرايا إلى أقطار الجزيرة، و يرفع قواعد الدين بين المؤمنين، و في داخلهم جمع المنافقين و هم ذو قوة و شوكة، و قد بان يوم أحد أن لهم عددا لا ينقص من نصف عدة المؤمنين بكثير «1» .

و كانوا يقلبون الأمور على رسول الله ص، و يتربصون به الدوائر، و يثبطون المؤمنين و فيهم مرضى القلوب سماعون لهم، و حولهم اليهود يفتنون المؤمنين و يغزونهم‏

(1) و قد تقدم في أحاديث أحد أن النبي ص خرج إلى أحد في ألف ثم رجع منهم ثلاثمائة من المنافقين مع عبد الله بن أبي، و بقي مع النبي سبعمائة.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 416

و كانت عرب المدينة تحترمهم، و تعظم أمرهم من قديم عهدهم فكانوا يلقون إليهم من باطل القول و مضلات الأحاديث ما يبطل به صادق إرادتهم، و ينتقض به مبرم جدهم، و من جانب آخر كانوا يشجعون المشركين عليهم، و يطيبون نفوسهم في مقاومتهم، و البقاء و الثبات على كفرهم و جحودهم، و تفتين من عندهم من المؤمنين.

فالآيات السابقة كالمسوقة لإبطال كيد اليهود للمسلمين، و إمحاء آثار إلقاءاتهم على المؤمنين، و ما في هذه الآيات من حديث المنافقين هو كتتميم إرشاد المؤمنين، و تكميل تعريفهم حاضر الحال ليكونوا على بصيرة من أمرهم، و على حذر من الداء المستكن الذي دب في داخلهم، و نفذ في جمعهم، و ليبطل بذلك كيد أعدائهم الخارجين المحيطين بهم، و يرتد أنفاسهم إلى صدورهم، و ليتم نور الدين في سطوعه، و الله متم نوره و لو كره المشركون و الكافرون.

قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً» الحذر بالكسر فالسكون ما يحذر به و هو آلة الحذر كالسلاح، و ربما قيل: إنه مصدر كالحذر بفتحتين، و النفر هو السير إلى جهة مقصودة، و أصله الفزع، فالنفر من محل السير فزع عنه و إلى محل السير فزع إليه، و الثبات‏ جمع ثبة، و هي الجماعة على تفرقة، فالثبات الجماعة بعد الجماعة بحيث تتفصل ثانية عن أولى، و ثالثة عن ثانية، و يؤيد ذلك مقابلة قوله: «فَانْفِرُوا ثُباتٍ» قوله: «أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً» .

و التفريع في قوله: فَانْفِرُوا ثُباتٍ‏ ، على قوله: خُذُوا حِذْرَكُمْ‏ ، بظاهره يؤيد كون المراد بالحذر ما به الحذر على أن يكون كناية عن التهيؤ التام للخروج إلى الجهاد و يكون المعنى: خذوا أسلحتكم أي أعدوا للخروج و اخرجوا إلى عدوكم فرقة فرقة (سرايا) أو اخرجوا إليهم جميعا (عسكرا).

و من المعلوم أن التهيؤ و الإعداد يختلف باختلاف عدة العدو و قوته فالترديد في قوله: أو انفروا، ليس تخييرا في كيفية الخروج و إنما الترديد بحسب تردد العدو من حيث العدة و القوة أي إذا كان عددهم قليلا فثبة، و إن كان كثيرا فجميعا.

فيئول المعنى- و خاصة بملاحظة الآية التالية: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ‏ ،- إلى نهيهم عن أن يضعوا أسلحتهم، و ينسلخوا عن الجد و بذل الجهد في أمر الجهاد فيموت عزمهم و يفتقد نشاطهم في إقامة أعلام الحق، و يتكاسلوا أو يتبطئوا أو يتثبطوا في قتال أعداء الله، و تطهير الأرض من قذارتهم.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 417

قوله تعالى: «وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ» ، قيل: إن اللام الأولي لام الابتداء لدخولها على اسم إن، و اللام الثانية لام القسم لدخولها على الخبر و هي جملة فعلية مؤكدة بنون التأكيد الثقيلة، و التبطئة و الإبطاء بمعنى، و هو التأخير في العمل.

و قوله: «وَ إِنَّ مِنْكُمْ» ، يدل على أن هؤلاء من المؤمنين المخاطبين في صدر الآية بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، على ما هو ظاهر كلمة «مِنْكُمْ» كما يدل عليه ما سيأتي من قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ‏ ، فإن الظاهر أن هؤلاء أيضا كانوا من المؤمنين، مع قوله تعالى بعد ذلك: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ‏ ، و قوله: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ «إلخ» و كذا قوله: فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ‏ ، و قوله: وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ ، و قوله: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ ، كل ذلك تحريض و استنهاض للمؤمنين و فيهم هؤلاء المبطئون على ما يلوح إليه اتصال الآيات.

على أنه ليس في الآيات ما يدل بظاهره على أن هؤلاء المبطئين من المنافقين الذين لم يؤمنوا إلا بظاهر من القول، مع أن في بعض ما حكى الله عنهم دلالة ما على إيمانهم في الجملة كقوله تعالى: فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَ‏ ، و قوله تعالى: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ‏ «إلخ».

نعم ذكر المفسرون أن المراد بقوله: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ‏ ، المنافقون، و أن معنى كونهم منهم دخولهم في عددهم، أو اشتراكهم في النسب فهم منهم نسبا أو اشتراكهم مع المؤمنين في ظاهر حكم الشريعة بحقن الدماء و الإرث و نحو ذلك لتظاهرهم بالشهادتين، و قد عرفت أن ذلك تصرف في ظاهر القرآن من غير وجه.

و إنما دعاهم إلى هذا التفسير حسن الظن بالمسلمين في صدر الإسلام (كل من لقي النبي ص و آمن به) و البحث التحليلي فيما ضبطه التاريخ من سيرتهم و حياتهم مع النبي و بعد يضعف هذا الظن، و الخطابات القرآنية الحادة في خصوصهم توهن هذا التقدير.

و لم تسمح الدنيا حتى اليوم بأمة أو عصابة طاهرة تألفت من أفراد طاهرة من غير استثناء مؤمنة واقفة على قدم صدق من غير عثرة قط (إلا ما نقل في حديث الطف) بل مؤمنو صدر الإسلام كسائر الجماعات البشرية فيهم المنافق و المريض قلبه و المتبع هواه و الطاهر سره.

صفحه بعد