کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 66

واجبا كوجوب التام في الحضر. قالا: قلنا: إنما قال الله عز و جل « فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ» و لم يقل: افعلوا، كيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقال (ع):

أ و ليس قد قال الله « إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» - أ لا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض؟ لأن الله عز و جل ذكره في كتابه، و صنعه نبيه، و كذلك التقصير في السفر شي‏ء- صنعه النبي ص ذكره الله تعالى في كتابه.

قالا: فقلنا له: فمن صلى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟ قال: إن كان قد قرئت عليه آية التقصير- و فسرت له فصلى أربعا أعاد، و إن لم تكن قرئت عليه و لم يكن يعلمها فلا إعادة عليه.

و الصلوات كلها في السفر الفريضة ركعتان- كل صلاة إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير- تركها رسول الله ص في السفر و الحضر ثلاث ركعات‏

(الحديث).

و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و أحمد و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن الجارود و ابن خزيمة و الطحاري و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و النحاس في ناسخه و ابن حبان عن يعلى بن أمية قال: سألت عمر بن الخطاب، قلت: « فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا» و قد أمن الناس؟ فقال لي عمر: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله ص عن ذلك- فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و النسائي و ابن ماجة و ابن حبان و البيهقي في سننه عن أمية بن خالد بن أسد": أنه سأل ابن عمر: أ رأيت قصر الصلاة في السفر؟ إنا لا نجدها في كتاب الله، إنما نجد ذكر صلاة الخوف. فقال ابن عمر: يا ابن أخي إن الله أرسل محمدا ص و لا نعلم شيئا، فإنما نفعل كما رأينا رسول الله ص يفعل- و قصر الصلاة في السفر سنة سنها رسول الله ص.

و فيه:، أخرج ابن أبي شيبة و الترمذي و صححه و النسائي عن ابن عباس قال": صلينا مع رسول الله ص بين مكة و المدينة- و نحن آمنون لا نخاف شيئا ركعتين.

و فيه: أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 67

عن حارثة بن وهب الخزاعي قال": صليت مع النبي ص الظهر و العصر بمنى- أكثر ما كان الناس و آمنه ركعتين.

و في الكافي، بإسناده عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله (ع): قوله تعالى- «إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً»؟ قال: كتابا ثابتا، و ليس إن عجلت قليلا أو أخرت قليلا- بالذي يضرك ما لم تضع تلك الإضاعة- فإن الله عز و جل يقول.

« أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» .

أقول: إشارة إلى أن الفرائض موسعة من جهة الوقت كما يدل عليه روايات أخر.

و في تفسير العياشي، عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع): قال في صلاة المغرب في السفر: لا تترك إن تأخرت ساعة، ثم تصليها إن أحببت أن تصلي العشاء الآخرة، و إن شئت مشيت ساعة إلى أن يغيب الشفق، أن رسول الله ص صلى صلاة الهاجرة و العصر جميعا، و المغرب و العشاء الآخرة جميعا، و كان يؤخر و يقدم أن الله تعالى قال:

« إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً» إنما عنى وجوبها على المؤمنين، لم يعن غيره، إنه لو كان كما يقولون لم يصل رسول الله ص هكذا، و كان أعلم و أخبر و كان كما يقولون، و لو كان خيرا لأمر به محمد رسول الله ص.

و قد فات الناس مع أمير المؤمنين (ع) يوم صفين- صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة، و أمرهم علي أمير المؤمنين (ع) فكبروا و هللوا و سبحوا رجالا و ركبانا لقول الله « فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً» فأمر علي (ع) فصنعوا ذلك.

أقول: و الروايات كما ترى توافق ما قدمناه في البيان السابق و الروايات في المعاني السابقة و خاصة من طرق أئمة أهل البيت (ع) كثيرة جدا، و إنما أوردنا أنموذجا مما ورد منها.

و اعلم أن هناك من طرق أهل السنة روايات أخرى تعارض ما تقدم، و هي مع ذلك تتدافع في أنفسها، و النظر فيها و في سائر الروايات الحاكية لكيفية صلاة الخوف خاصة و صلاة القصر في السفر عامة مما هو راجع إلى الفقه.

و في تفسير القمي، في قوله‏ «وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ» (الآية) إنه معطوف على قوله‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 68

في سورة آل عمران‏ «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ». و قد ذكرنا هناك سبب نزول الآية

[سورة النساء (4): الآيات 105 الى 126]

إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى‏ مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109)

وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110) وَ مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى‏ نَفْسِهِ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً (112) وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَ ما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114)

وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى‏ وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً (115) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَ إِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119)

يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (120) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (121) وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (122) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً (123) وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124)

وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (125) وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطاً (126)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 69

(بيان)

ذي يفيده التدبر في الآيات أنها ذات سياق واحد تتعرض للتوصية بالعدل في‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 70

القضاء، و النهي عن أن يميل القاضي في قضائه، و الحاكم في حكمه إلى المبطلين، و يجور على المحقين كائنين من كانوا.

و ذلك بالإشارة إلى بعض الحوادث الواقعة عند نزول الآيات، ثم البحث فيما يتعلق بذلك من الحقائق الدينية و الأمر بلزومها و رعايتها، و تنبيه المؤمنين أن الدين إنما هو حقيقة لا اسم، و إنما ينفع التلبس به دون التسمي.

و الظاهر أن هذه القصة هي التي يشير إليها قوله تعالى‏ «وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً» حيث يدل على أنه كان هناك شي‏ء من المعاصي التي تقبل الرمي كسرقة أو قتل أو إتلاف أو إضرار و نحوها، و أنه كان من المتوقع أن يهتموا بإضلال النبي ص في حكمه و الله عاصمه.

و الظاهر أن هذه القصة أيضا هي التي تشير إليها الآيات الأول كما في قوله تعالى‏ «وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً» (الآية) و قوله‏ «يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ» (الآية) و قوله‏ «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ» (إلخ) فإن الخيانة و إن كان ظاهرها ما يكون في الودائع و الأمانات لكن سياق قوله‏ «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ» كما سيجي‏ء بيانه يعطي أن المراد بها ما يتحقق في سرقة و نحوها بعناية أن المؤمنين كنفس واحدة، و ما لبعضهم من المال مسئول عنه البعض الآخر من حيث رعاية احترامه، و الاهتمام بحفظه و حمايته، فتعدي بعضهم إلى مال البعض خيانة منهم لأنفسهم.

فالتدبر يقرب أن القصة كأنها سرقة وقعت من بعضهم ثم رفع الأمر إلى النبي ص فرمى بها السارق غيره ممن هو بري‏ء منها، ثم ألح قوم السارق عليه (ص) أن يقضي لهم، و بالغوا في أن يغيروه (ص) على المتهم البري‏ء فأنزلت الآيات و برأه الله مما قالوا.

فالآيات أشد انطباقا على ما روي في سبب النزول من قصة سرقة أبي طعمة بن الأبيرق، و إن كانت أسباب النزول- كما سمعت مرارا- في أغلب ما رويت من قبيل تطبيق القصص المأثورة على ما يناسبها من الآيات القرآنية.

و يستفاد من الآيات حجية قضائه (ص)، و عصمته و حقائق أخر سيأتي بيانها

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 71

إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى‏ : «إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ» ظاهر الحكم بين الناس هو القضاء بينهم في مخاصماتهم و منازعاتهم مما يرجع إلى الأمور القضائية و رفع الاختلافات بالحكم، و قد جعل الله تعالى الحكم بين الناس غاية لإنزال الكتاب فينطبق مضمون الآية على ما يتضمنه قوله تعالى‏ «كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» : (الآية) (البقرة: 213) و قد مر تفصيل القول فيه.

فهذه الآية (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) (إلخ) في خصوص موردها نظيرة تلك الآية (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً)، في عمومها، و تزيد عليها في أنها تدل على جعل حق الحكم لرسول الله ص و الحجية لرأيه و نظره فإن الحكم و هو القطع في القضاء و فصل الخصومة لا ينفك عن إعمال نظر من القاضي الحاكم و إظهار عقيدة منه مضافا إلى ما عنده من العلم بالأحكام العامة و القوانين الكلية في موارد الخصومة فإن العلم بكليات الأحكام و حقوق الناس أمر، و القطع و الحكم بانطباق مورد النزاع على بعضها دون بعض أمر آخر.

فالمراد بالإراءة في قوله‏ «لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ» إيجاد الرأي و تعريف الحكم لا تعليم الأحكام و الشرائع كما احتمله بعضهم.

و مضمون الآية على ما يعطيه السياق أن الله أنزل إليك الكتاب و علمك أحكامه و شرائعه و حكمه لتضيف إليها ما أوجد لك من الرأي و عرفك من الحكم فتحكم بين الناس، و ترفع بذلك اختلافاتهم.

قوله تعالى‏ : «وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً» عطف على ما تقدمه من الجملة الخبرية لكونها في معنى الإنشاء كأنه قيل: فاحكم بينهم و لا تكن للخائنين خصيما.

و الخصيم‏ هو الذي يدافع عن الدعوى و ما في حكمها، و فيه نهيه (ص) عن أن يكون خصيما للخائنين على من يطالبهم بحقوقه فيدافع عن الخائنين و يبطل حقوق المحقين من أهل الدعوى.

و ربما أمكن أن يستفاد من عطف قوله‏ «وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ»، على ما تقدمه‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 72

و هو أمره (ص) أمرا مطلقا بالحكم أن المراد بالخيانة مطلق التعدي على حقوق الغير ممن لا ينبغي منه ذلك لا خصوص الخيانة للودائع و إن كان ربما عطف الخاص على العام لعناية ما بشأنه لكن المورد كالخالي عن العناية، و سيجي‏ء لهذا الكلام تتمة.

قوله تعالى‏ : «وَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً» الظاهر أن الاستغفار هاهنا هو أن يطلب من الله سبحانه الستر على ما في طبع الإنسان من إمكان هضم الحقوق و الميل إلى الهوى و مغفرة ذلك، و قد مر مرارا أن العفو و المغفرة يستعملان في كلامه تعالى في شئون مختلفة يجمعها جامع الذنب، و هو التباعد من الحق بوجه. فالمعنى- و الله أعلم-: و لا تكن للخائنين خصيما و لا تمل إليهم، و اطلب من الله سبحانه أن يوفقك لذلك و يستر على نفسك أن تميل إلى الدفاع عن خيانتهم و يتسلط عليك هوى النفس.

و الدليل على إرادة ذلك ما في ذيل الآيات «الكريمة وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ» فإن الآية تنص على أنهم لا يضرون النبي ص و إن بذلوا غاية جهدهم في تحريك عواطفه إلى إيثار الباطل و إظهاره على الحق فالنبي ص في أمن إلهي من الضرر، و الله يعصمه فهو لا يجور في حكمه و لا يميل إلى الجور، و لا يتبع الهوى، و من الجور و الميل إلى الهوى المذموم أن يفرق في حكمه بين قوي و ضعيف، أو صديق و عدو، أو مؤمن و كافر ذمي، أو قريب و بعيد، فأمره بأن يستغفر ليس لصدور ذنب ذي وبال و تبعة منه، و لا لإشرافه على ما لا يحمد منه بل ليسأل من الله أن يظهره على هوى النفس، و لا ريب في حاجته في ذلك إلى ربه و عدم استغنائه عنه و إن كان على عصمة، فإن لله سبحانه أن يفعل ما يشاء.

صفحه بعد