کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 130

على أعراف الحجاب بين الجنة و النار نادوا و هم لم يدخلوا.

و على من يميل إلى أن يجعل قوله: « لَمْ يَدْخُلُوها وَ هُمْ يَطْمَعُونَ‏ » بيانا لحال أصحاب الأعراف أن يجعل قوله: « لَمْ يَدْخُلُوها » استئنافا يخبر عن حال أصحاب الأعراف أو صفة لرجال و التقدير: و على الأعراف رجال لم يدخلوها و هم يطمعون و إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا .. إلخ كما نقل عن الزمخشري في الكشاف،.

لكن يبعد الاستئناف أن اللازم حينئذ إظهار الفاعل في قوله: « لَمْ يَدْخُلُوها » دون إضماره لمكان اللبس كما فعل ذلك في قوله: « وَ نادى‏ أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا » إلخ، و يبعد الوصفية الفصل بين الموصوف و الصفة بقوله: « وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ‏ » من غير ضرورة موجبة.

و هذا التقدير الذي تقدم أعني رجوع معنى قوله: « لَمْ يَدْخُلُوها وَ هُمْ يَطْمَعُونَ وَ إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ‏ » إلى آخر الآية، إلى قولنا: و على الأعراف رجال يطمعون في دخول الجنة و يتعوذون من دخول النار- على ما زعموا- هو الذي مهد لهم الطريق و سواه للقول بأن أصحاب الأعراف رجال استوت حسناتهم و سيئاتهم فلم يترجح لهم أن يدخلوا الجنة أو النار فأوقفوا على الأعراف!.

لكنك عرفت أن قوله « لَمْ يَدْخُلُوها » إلخ، حال أصحاب الجنة لا وصف أصحاب الأعراف، و أما قوله: « وَ إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ‏ » إلخ، فسيأتي ما في كونه بيانا لحال أصحاب الأعراف من الكلام.

قوله تعالى: « وَ إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏ » التلقاء كالبيان مصدر لقي يلقى ثم استعمل بمعنى جهة اللقاء، و ضمير الجمع في قوله: « أَبْصارُهُمْ‏ » و قوله: « قالُوا » عائد إلى « رِجالٌ‏ » و التعبير عن النظر إلى أصحاب النار بصرف أبصارهم إليه كأن الوجه فيه أن الإنسان لا يحب إلقاء النظر إلى ما يؤلمه النظر إليه و خاصة في مثل المورد الذي يشاهد الناظر فيه أفظع الحال و أمر العذاب و أشقه الذي لا يطاق النظر إليه غير أن اضطراب النفس و قلق القلب ربما يفتح العين نحوه للنظر إليه كان غيره هو الذي صرف نظره إليه و إن كان الإنسان لو خلي و طبعه لم يرغب في النظر و لو بوجه نحوه، و لذا قيل: « وَ إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ‏ » إلخ و لم يقل‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 131

و إذا نظروا إليه أو ما يفيد مفاده.

و معنى الآية: و إذا نظر أصحاب الأعراف أحيانا إلى أصحاب النار تعوذوا بالله من أن يجعلهم مع أصحاب النار فيدخلهم النار، و قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين.

و ليس دعاؤهم هذا الدعاء دالا على سقوط منزلتهم، و خوفهم من دخول النار كما يدل على رجائهم دخول الجنة قوله « وَ هُمْ يَطْمَعُونَ‏ » و ذلك أن ذلك مما دعا به أولوا العزم من الرسل و الأنبياء المكرمون و العباد الصالحون و كذا الملائكة المقربون فلا دلالة فيه و لو بالإشعار الضعيف على كون الداعي ذا سقوط في حاله و حيرة من أمره. هذا ما فسروا به الآية بإرجاع ضميري الجمع إلى « رِجالٌ‏ ».

لكنك خبير بأن ذلك لا يلائم الإظهار الذي في مفتتح الآية التالية في قوله:

« وَ نادى‏ أَصْحابُ الْأَعْرافِ‏ » إذ الكلام في هذه الآيات الأربع جار في أوصاف أصحاب الأعراف و أخبارهم كقوله: « يَعْرِفُونَ كُلًّا » إلخ، و قوله: « وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ » إلخ و قوله: « لَمْ يَدْخُلُوها » إلخ، على احتمال، و قوله: « وَ إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ‏ » إلخ، فكان من اللازم أن يقال: «و نادوا- أي أصحاب الأعراف- رجالا يعرفونهم» إلخ، و ليس في الكلام أي لبس و لا نكتة ظاهرة توجب العدول من الإضمار الذي هو الأصل في المقام إلى الإظهار بمثل قوله: « وَ نادى‏ أَصْحابُ الْأَعْرافِ‏ ».

فالظاهر أن ضميري الجمع أعني ما في قوله: « أَبْصارُهُمْ‏ » و قوله « قالُوا » راجعان إلى أصحاب الجنة، و الجملة إخبار عن دعائهم إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار كما أن الجملة السابقة بيان لطمعهم في دخول الجنة، و كل ذلك قبل دخولهم الجنة.

قوله تعالى: « وَ نادى‏ أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ‏ » إلى آخر الآية، في توصيف الرجال بقوله: « يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ‏ » دلالة على أن سيماءهم كما يدلهم على أصل كونهم من أصحاب الجنة يدلهم على أمور أخر من خصوصيات أحوالهم، و قد مرت الإشارة إليه.

و قوله: « قالُوا ما أَغْنى‏ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ‏ » تقريع لهم و شماتة، و كشف عن تقطع الأسباب الدنيوية عنهم فقد كانوا يستكبرون عن الحق و يستذلونه و يغترون بجمعهم.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 132

قوله تعالى: « أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ » إلى آخر الآية. الإشارة إلى أصحاب الجنة، و الاستفهام للتقرير أي هؤلاء هم الذين كنتم تجزمون قولا أنهم لا يصيبهم فيما يسلكونه من طريق العبودية خير، و أصابه الخير هي نيله تعالى إياهم برحمة و وقوع النكرة- بِرَحْمَةٍ - في حيز النفي يفيد استغراق النفي للجنس، و قد كانوا ينفون عن المؤمنين كل خير.

و قوله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ‏ ، أمر من أصحاب الأعراف للمؤمنين أن يدخلوا الجنة بعد تقرير حالهم بالاستفهام، و هذا هو الذي يفيده السياق.

و قول بعضهم في الآية: إنها بتقدير القول أي قيل لهم من قبل الرحمن: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم مما يكون في مستقبل أمركم، و لا أنتم تحزنون من شي‏ء ينغص عليكم حاضركم، و حذف القول للعلم به من قرائن الكلام كثير في التنزيل و في كلام العرب الخلص (انتهى). مدفوع بعدم مساعدة السياق و دلالة القرائن عليه بوجه كما تقدم بيانه، و ليس إذا جاز تقدير القول في محل لتبادر معناه من الكلام جاز ذلك في أي مقام أريد، و أي سياق أم أية قرينة تدل على ذلك في المقام؟

كلام في معنى الأعراف في القرآن‏

لم يذكر الأعراف في القرآن إلا في هذه الآيات الأربع من سورة الأعراف (46- 49) و قد استنتج باستيفاء البحث في الآيات الشريفة أنه من المقامات الكريمة الإنسانية التي تظهر يوم القيامة، و قد مثله الله سبحانه بأن بين الدارين دار الثواب و دار العقاب حجابا يحجز إحداهما من الأخرى- و الحجاب بالطبع خارج عن حكم طرفيه في عين أنه مرتبط بهما جميعا- و للحجاب أعراف و على الأعراف رجال مشرفون على الناس من الأولين و الآخرين يشاهدون كل ذي نفس منهم في مقامه الخاص به على اختلاف مقاماتهم و درجاتهم و دركاتهم من أعلى عليين إلى أسفل سافلين، و يعرفون كلا منهم بما له من الحال الذي يخصه و العمل الذي عمله، لهم أن يكلموا من شاءوا منهم، و يؤمنوا من شاءوا، و يأمروا بدخول الجنة بإذن الله.

و يستفادوا من ذلك أن لهم موقفا خارجا من موقفي السعادة التي هي النجاة

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 133

بصالح العمل، و الشقاوة التي هي الهلاك بطالح العمل، و مقاما أرفع من المقامين معا و لذلك كان مصدرا للحكم و السلطة عليهما جميعا.

و لك أن تعتبر في تفهم ذلك بما تجده عند الملوك و مصادر الحكم فهناك جماعة منعمون بنعمتهم مشمولون لرحمتهم يستدرون ضرع السعادة بما تشتهيه أنفسهم، و آخرون محبوسون في سجونهم معذبون بأليم عذابهم قد أحاط بهم هوان الشقاوة من كل جانب فهذان ظرفان ظرف السعادة و ظرف الشقاوة، و الظرفان متمايزان لا يختلطان بظرف آخر ثالث يحكم فيهما و يصلح شأن كل منهما و ينظم أمره و في هذا الظرف قوم خدمة يخدمون العرش بمداخلتهم الجانبين و إهداء النعم إلى أهل السعادة، و إيصال النقم إلى أهل الشقاوة، و هم مع ذلك من السعداء، و قوم آخر وراء الخدمة و العمال هم المدبرون لأمر الجميع و هم أقرب الوسائط من العرش، و هم أيضا من السعداء، فللسعادة مراتب من حيث الإطلاق و التقييد.

و ليس من الممتنع على ملك يوم الدين أن يخص قوما برحمته فيدخلهم بحسناتهم الجنة و يبسط عليهم بركاته بما أنه الغفور ذو الفضل العظيم، و يدخل آخرين في ناره و دار هوانه بما عملوه من سيئاتهم و هو عزيز ذو انتقام شديد العقاب ذو البطش، و يأذن لطائفة ثالثة أن يتوسطوا بينه و بين الفريقين بإجراء أوامره و أحكامه فيهم أو إصدارها عليهم بإسعاد من سعد منهم و إشقاء من شقي فإنه الواحد القهار الذي يقهر بوحدته كل شي‏ء كما شاء بتوسيط أو إسعاد أو إشقاء، و قد قال تعالى: « لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ » فافهم.

[بيان‏]

قوله تعالى: « وَ نادى‏ أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا » إلخ، الإفاضة من الفيض و هو سيلان الماء منصبا، قال تعالى: « تَرى‏ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ‏ » أي يسيل دمعها منصبا، و عطف سائر ما رزقهم الله من النعم على الماء يدل على أن المراد بالإفاضة صب مطلق النعم أعم من المائع و غيره على نحو عموم المجاز، و ربما قيل: إن الإفاضة حقيقة في إعطاء النعمة الكثيرة فيكون تعليقه على الماء و غيره حقيقة حينئذ.

و كيف كان ففي الآية إشعار بعلو مكانة أهل الجنة بالنسبة إلى مكان أهل النار.

و إنما أفرز الماء و هو من جملة ما رزقهم الله ثم قدم في الذكر على سائر ما رزقهم‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 134

الله لأن الحاجة إلى بارد الماء أسبق إلى الذهن طبعا بالنسبة إلى غيره عند ما تحيط الحرارة بالإنسان، و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: « الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً » إلى آخر الآية. اللهو ما يشغلك عما يهمك، و اللعب‏ الفعل المأتي به لغاية خيالية غير حقيقية، و الغرور إظهار النصح و استبطان الغش، و النسيان‏ يقابل الذكر، و ربما يستعار لترك الشي‏ء و عدم الاعتناء بشأنه كالشي‏ء المنسي، و على ذلك يجري في الآية، و الجحد النفي و الإنكار، و الآية مسوقة لتفسير الكافرين، و يستفاد منها تفسيرات ثلاثة للكفر: أولها: أنه اتخاذ الإنسان دينه لهوا و لعبا و غرور الحياة الدنيا له، و الثاني: نسيان يوم اللقاء، و الثالث:

الجحد بآيات الله، و لكل من التفاسير وجه.

و في قوله تعالى: « الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً » دلالة على أن الإنسان لا غنى له عن الدين على أي حال حتى من اشتغل باللهو و اللعب و محض حياته فيها محضا فإن الدين- كما تقدمت الإشارة إليه في تفسير قوله: « الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً » الآية- هو طريق الحياة الذي يسلكه الإنسان في الدنيا، و لا محيص له عن سلوكه، و قد نظمه الله سبحانه بحسب ما تهدي إليه الفطرة الإنسانية و دعت إليه، و هو دين الإنسان الذي يخصه و ينسب إليه، و هو الذي يهم الإنسان و يسوقه إلى غاية حقيقية هي سعادة حياته.

فحيث جرى عليه الإنسان و سلكه كان على دينه الذي هو دين الله الفطري، و حيث اشتغل عنه إلى غيره الذي يلهو عنه و لا يهديه إلا إلى غايات خيالية و هي اللذائذ المادية التي لا بقاء لها و لا نفع فيها يعود إلى سعادته فقد اتخذ دينه لهوا و لعبا و غرته الحياة الدنيا بسراب زخارفها.

و قوله تعالى: « فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا » أي اليوم نتركهم و لا نقوم بلوازم حياتهم السعيدة كما تركوا يومهم هذا فلم يقوموا بما يجب أن يعملوا له و بما كانوا بآياتنا يجحدون و نظير الآية في جعل تكذيب الآيات سببا لنسيان الله له يوم القيامة قوله: « قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى‏» : طه: 126، و قد بدل هناك الجحد نسيانا.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 135

قوله تعالى: « وَ لَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى‏ عِلْمٍ‏ » الآية عود على بدء الكلام أعني قوله في أول الآيات: « فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ‏ » أي من أعظم من هؤلاء ظلما و لقد أتممنا عليهم الحجة و أقمنا لهم البيان فجئناهم بكتاب فصلناه و أنزلناه إليهم على علم منا بنزوله؟.

فقوله: « عَلى‏ عِلْمٍ‏ » متعلق بقوله « لَقَدْ جِئْناهُمْ‏ » و الكلمة تتضمن احتجاجا على حقية الكتاب و التقدير: و لقد جئناهم بكتاب حق: و كيف لا يكون حقا؟ و قد نزل على علم منا بما يشتمل عليه من المطالب.

و قوله: « هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏ » أي هدى و إراءة طريق للجميع و رحمة للمؤمنين به خاصة، أو هدى و إيصالا بالمطلوب للمؤمنين و رحمة لهم، و الأول أنسب بالمقام و هو مقام الاحتجاج.

قوله تعالى: « هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ‏ » إلى آخر الآية. الضمير في تأويله راجع إلى الكتاب، و قد تقدم في تفسير قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ» الآية: آل عمران: 7 إن التأويل في عرف القرآن هو الحقيقة التي يعتمد عليها حكم أو خبر أو أي أمر ظاهر آخر اعتماد الظاهر على الباطن و المثل على المثل.

فقوله: « هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ‏ » معناه هل ينتظر هؤلاء الذين يفترون على الله كذبا أو يكذبون بآياته و قد تمت عليهم الحجة بالقرآن النازل عليهم، إلا حقيقة الأمر التي كانت هي الباعثة على سوق بياناته و تشريع أحكامه و الإنذار و التبشير الذين فيه؟ فلو لم ينتظروه لم يتركوا الأخذ بما فيه.

ثم يخبر تعالى عن حالهم في يوم إتيان التأويل بقوله: يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه إلخ، أي إذا انكشفت حقيقة الأمر يوم القيامة يعترف التاركون له بحقية ما جاءت به الرسل من الشرائع التي أوجبوا العمل بها، و أخبروا أن الله سيبعثهم و يجازيهم عليها.

و إذ شاهدوا عند ذلك أنهم صفر الأيدي من الخير، هالكون بفساد أعمالهم سألوا أحد أمرين يصلح به ما فسد من أمرهم إما شفعاء ينجونهم من الهلاك الذي أطل عليهم أو أنفسهم، بأن يردوا إلى الدنيا فيعملوا صالحا غير الذي كانوا يعملونه من السيئات و ذلك قوله حكاية عنهم: « فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 136

كُنَّا نَعْمَلُ» ؟.

و قوله تعالى: « قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‏ » فصل في معنى التعليل لما حكي عنهم من سؤال أحد أمرين: إما الشفعاء و إما الرد إلى الدنيا كأنه قيل: لما ذا يسألون هذا الذي يسألون؟ فقيل: « قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ‏ » فيما بدلوا دينهم لهوا و لعبا، و اختاروا الجحود على التسليم و قد زال عنهم الافتراءات المضلة التي كانت تحجبهم عن ذلك في الدنيا فبان لهم أنهم في حاجة إلى من يصلح لهم أعمالهم إما أنفسهم أو غيرهم ممن يشفع لهم.

و قد تقدم في مبحث الشفاعة في الجزء الأول من الكتاب أن في قوله « فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا » دلالة على أن هناك شفعاء يشفعون للناس إذ قال: مِنْ شُفَعاءَ ، و لم يقل: من شفيع فيشفع لنا.

بحث روائي‏

في الكافي، بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال‏ * في قوله تعالى: « وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ‏ » إذ دعوهم إلى سبيلهم- ذلك قول الله عز و جل فيهم إذ جمعهم إلى النار: « قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا- فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ » و قوله:

«كلما دخلت أمة لعنت أختها- حتى إذا اداركوا فيها يتبرأ بعضهم من بعض- و يلعن بعضهم بعضا- يريد أن بعضهم يحج بعضا رجاء الفلج- فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم، و ليس بأوان بلوى و لا اختبار- و لا قبول معذرة و لا حين نجاة.

أقول: و قوله (ع): قوله كلما دخلت أمة «إلخ» نقل للآية بالمعنى.

و في الدر المنثور،"* في قوله تعالى: « لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ » أخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال: قرأ رسول الله ص: «لا يفتح لهم» بالياء.

صفحه بعد