کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 177

الأخ‏ و أصله أخو هو المشارك غيره في الولادة تكوينا لمن ولده و غيره أب أو أم أو هما معا أو بحسب شرع إلهي كالأخ الرضاعي أو سنة اجتماعية كالأخ بالدعاء على ما كان يراه أقوام فهذا أصله، ثم أستعير لكل من ينتسب إلى قوم أو بلدة أو صنعة أو سجية و نحو ذلك يقال: أخو بني تميم و أخو يثرب و أخو الحياكة و أخو الكرم، و من هذا الباب قوله « وَ إِلى‏ عادٍ أَخاهُمْ هُوداً ».

و الكلام في قوله: « قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ‏ » كالكلام في نظير الخطاب من القصة السابقة. فإن قلت: لم حذف العاطف من قوله « قالَ يا قَوْمِ‏ » و لم يقل: فقال كما في قصة نوح؟ قلت: هو على تقدير سؤال كأنه لما قال: « وَ إِلى‏ عادٍ أَخاهُمْ هُوداً » قيل: فما قال هود؟ فأجيب و قيل: قال يا قوم اعبدوا الله الآية. كذا قاله الزمخشري في الكشاف،.

و لا يجري هذا الكلام في قصة نوح لأنه أول قصة أوردت، و هذه القصة قصة بعد قصة يهيأ فيها ذهن المخاطب للسؤال بعد ما وعى إجمال القصة و علم أن قصة الإرسال تتضمن دعوة و ردا و قبولا فكان بالحري إذا سمع المخاطب قوله « وَ إِلى‏ عادٍ أَخاهُمْ هُوداً » أن يسأل فيقول: ما قال هود لقومه؟ و جوابه قال لهم (إلخ).

قوله تعالى: « قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ‏ » إلى آخر الآية. لما كان في هذا الملإ من يؤمن بالله و يستر إيمانه كما سيأتي في القصة بخلاف الملإ من قوم نوح قال هاهنا في قصة هود: « قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ‏ » و قال في قصة نوح: « قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ‏ » كذا ذكره الزمخشري. و قوله تعالى حكاية عن قولهم: « إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَ إِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ‏ » أكدوا كلامهم مرة بعد مرة لأنهم سمعوا منه مقالا ما كانوا ليتوقعوا صدوره من أحد، و قد أخذت آلهتهم موضعها من قلوبهم، و استقرت سنة الوثنية بينهم استقرارا لا يجترئ معه أحد على أن يعترض عليها فتعجبوا من مقاله فردوه ردا عن تعجب، فجبهوه أولا بأن فيه سفاهة و هو خفة العقل التي تؤدي إلى الخطإ في الآراء، و ثانيا بأنهم يظنون بظن قوي جدا أنه من الكاذبين، و كأنهم يشيرون بالكاذبين إلى أنبيائهم لأن الوثنيين ما كانوا ليذعنوا بالنبوة و قد جاءهم أنبياء قبل هود كما يذكره‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 178

تعالى بقوله: «وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ» : هود: 59.

قوله تعالى: « قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ » الكلام في الآية نظير الكلام في نظيره من قصة نوح غير أن عادا زادوا وقاحة على قوم نوح حيث إن أولئك رموا نوحا بالضلال في الرأي و هؤلاء رموا هودا بالسفاهة لكن هودا لم يترك ما به من وقار النبوة، و لم ينس ما هو الواجب من أدب الدعوة الإلهية فأجابهم بقوله: « يا قَوْمِ‏ » فأظهر عطوفته عليهم و حرصه على إنجائهم « لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَ لكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ » فجرى على تجريد الكلام من كل تأكيد و اكتفى بمجرد رد تهمتهم و إثبات ما كان يدعيه من الرسالة للدلالة على ظهوره.

قوله تعالى: « أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَ أَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ‏ » أي لا شأن لي بما أني رسول إلا تبليغ رسالات ربي خالصا من شوب ما تظنون بي من كوني كاذبا فلست بغاش لكم فيما أريد أن أحملكم عليه، و لا خائن لما عندي من الحق بالتغيير و لا لما عندي من حقوقكم بالإضاعة، فما أريده منكم من التدين بدين التوحيد هو الذي أراه حقا، و هو الذي فيه نفعكم و خيركم، فإنما وصف نفسه بالأمين محاذاة لقولهم: « وَ إِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ‏ ».

قوله تعالى: « أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏ » إلى آخر الآية. البصطة هي البسطة قلبت السين صادا لمجاورتها الطاء و هو من حروف الإطباق كالصراط و السراط و الآلاء جمع إلى بفتح الهمزة و كسرها بمعنى النعمة كآناء جمع أنى و إنى.

ثم أنكر (ع) تعجبهم من رسالته إليهم نظير ما تقدم من نوح (ع) و ذكرهم نعم الله عليهم، و خص من بينها نعمتين ظاهرتين هما أن الله جعلهم خلفاء في الأرض بعد نوح، و أن الله خصهم من بين الأقوام ببسطة الخلق و عظم الهيكل البدني المستلزم لزيادة الشدة و القوة، و من هنا يظهر أنهم كانوا ذوي حضارة و تقدم، و صيت في البأس و القوة و القدرة. ثم أتبعهما بالإشارة إلى سائر النعم بقوله تعالى: « فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏ ».

قوله تعالى: « قالُوا أَ جِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَ نَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا » الآية.

فيه تعلق منهم بتقليد الآباء، و تعجيز هود مشوبا بنوع من الاستهزاء بما أنذرهم به‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 179

من العذاب.

قوله تعالى: « قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَ غَضَبٌ‏ » إلى آخر الآية.

الرجس و الرجز هو الأمر الذي إذا وقع على الشي‏ء أوجب ابتعاده أو الابتعاد عنه، و لذا يطلق على القاذورة لأن الإنسان يتنفر و يبتعد عنه، و على العذاب لأن المعذب- اسم مفعول- يبتعد عمن يعذبه أو من الناس الآمنين من العذاب.

أجابهم بأن إصرارهم على عبادة الأوثان بتقليد آبائهم أوجب أن يحق عليهم البعد عن الله بالرجس و الغضب، ثم فرع عليه أن هددهم بما يستعجلون من العذاب، و أخبرهم بنزوله عليهم لا محالة، و كنى عن ذلك بأمرهم بالانتظار و إخبارهم بأنه مثلهم في انتظار نزول العذاب فقال: « فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ‏ ».

و أما قوله: « أَ تُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ‏ » فهو رد لما استندوا إليه في ألوهية آلهتهم و هو أنهم وجدوا آباءهم على عبادتها- و هم أكمل منهم و ممن في طبقتهم كهود و أعقل- فيجب عليهم أن يقلدوهم.

و محصله أنكم و آباءكم سواء في أنكم جميعا أتيتم بأشياء ليس لكم على ما ادعيتم من صفتها و هي الألوهية من سلطان و هو البرهان و الحجة القاطعة فلا يبقى لها من الألوهية إلا الأسماء التي سميتموها بها إذ قلتم: إله الخصب و إله الحرب و إله البحر و إله البر، و ليس لهذه الأسماء مصاديق إلا في أوهامكم، فهل تجادلونني في الأسماء، و للإنسان أن يسمي كل ما شاء بما شاء إذا لم يعتبر تحقق المعنى في الخارج.

و قد تكرر في القرآن الاستدلال على بطلان الوثنية بهذا البيان: « أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ‏ » و هو من ألطف البيان و أرقه، و أبلغ الحجة و أقطعها إذ لو لم يأت الإنسان لما يدعيه من دعوى بحجة برهانية لم يبق لما يدعيه من النعت إلا التسمية و التعبير، و من أبده الجهل أن يعتمد الإنسان على مثل هذا النعت الموهوم.

و هذا البيان يطرد و يجري بالتحليل في جميع الموارد التي يثق فيها الإنسان على غير الله سبحانه من الأسباب، و يعطيها من الاستقلال ما يوجب تعلق قلبه بها و طاعته لها و تقربه منها فإن الله سبحانه عد في موارد من كلامه طاعة غيره و الركون إلى من سواه عبادة له قال: «أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 180

وَ أَنِ اعْبُدُونِي» : يس: 61.

قوله تعالى: « فَأَنْجَيْناهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا » إلى آخر الآية، تنكير الرحمة للدلالة على النوع أي بنوع من الرحمة و هي الرحمة التي تختص بالمؤمنين من النصرة الموعودة لهم قال تعالى: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» : المؤمن: 51، و قال: «وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» : الروم: 47.

و قوله: « وَ قَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا » الآية كناية عن إهلاكهم و قطع نسلهم فإن‏ الدابر هو الذي يلي الشي‏ء من خلفه فربما وصف به الأمر السابق على الشي‏ء كأمس الدابر، و ربما وصف به اللاحق كدابر القوم و هو الذي في آخرهم فنسبه القطع إلى الدابر بعناية أن النسل اللاحق دابر متصل بالإنسان في سبب ممتد، و إهلاك الإنسان كذلك كأنه قطع هذا السبب الموصول فيما بينه و بين نسله.

و سيأتي تفصيل البحث عن قصة هود (ع) في تفسير سورة هود إن شاء الله.

[سورة الأعراف (7): الآيات 73 الى 79]

وَ إِلى‏ ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَ قالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 181

بيان‏

قوله تعالى: « وَ إِلى‏ ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً » إلى آخر الآية. ثمود أمة قديمة من العرب سكنوا أرض اليمن بالأحقاف بعث الله إليهم « أَخاهُمْ صالِحاً » و هو منهم ف « قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ‏ » دعاهم إلى التوحيد و قد كانوا مشركين يعبدون الأصنام على النحو الذي دعا نوح و هود (ع) قومهما المشركين.

و قوله: « قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏ » أي شاهد قاطع في شهادته و يبينه قوله بالإشارة إلى نفس البينة: « هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً » و هي الناقة التي أخرجها الله لهم من الجبل آية لنبوته بدعائه (ع)، و هي العناية في إضافة الناقة إلى الله سبحانه.

و قوله: « فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ‏ » الآية. تفريع على كون الناقة آية لله، و حكم لا يخلو عن تشديد عليهم يستتبع كلمة العذاب التي تفصل بين كل رسول و أمته قال تعالى: «وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» : يونس: 47، و في الآية تلويح إلى أن تخليتهم الناقة و شأنها في الأكل و السير في الأرض كانت مما يشق عليهم فكانوا يتحرجون من ذلك، و في قوله: « فِي أَرْضِ اللَّهِ‏ » إيماء إليه فوصاهم و حذرهم أن يمنعوها من إطلاقها و يمسوها بسوء كالعقر و النحر فإن وبال ذلك عذاب أليم يأخذهم.

قوله تعالى: « وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ » إلى آخر الآية. دعاهم إلى أن يذكروا نعم الله عليهم كما دعا هود عادا إلى ذلك، و ذكرهم أن الله جعلهم خلفاء يخلفون أمما من قبلهم كعاد، و بوأهم من الأرض أي مكنهم في منازلهم منها، يتخذون‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 182

من سهولها- و السهل‏ خلاف الجبل سمي به لسهولة قطعه- قصورا و هي الدور التي لها سور على ما قيل، و ينحتون الجبال بيوتا يأوون إليها و يسكنونها.

ثم جمع الجميع و لخصها في قوله: « فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ‏ » و أورده في صورة التفريع مع أنه إجمال للتفصيل الذي قبله بإيهام المغايرة كأنه لما أمر بذكر النعم و عد من تفاصيل النعم أشياء كأنهم لا يعلمون بها قيل ثانيا: فإذا كان لله فيكم آلاء و نعم عظيمة أمثال التي ذكرت فاذكروا آلاء الله.

و أما قوله: « وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ‏ » فمعطوف على قوله: « فَاذْكُرُوا » عطف اللازم على ملزومه، و فسر العثي بالفساد و فسر بالاضطراب و المبالغة. قال الراغب في المفردات،: العيث و العثي‏ يتقاربان نحو جذب و جبذ إلا أن العيث أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حسا، و العثي فيما يدرك حكما يقال: عثى يعثي عثيا، و على هذا: « وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ‏ ». انتهى.

قوله تعالى: « قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ‏ » إلى آخر الآيتين، دل سبحانه ببيان قوله: « لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا » بقوله: « لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ‏ » على أن المستضعفين هم المؤمنون و أن المؤمنين إنما كانوا من المستضعفين و لم يكن ليؤمن به أحد من المستكبرين، و الباقي ظاهر.

قوله: « فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ‏ » إلى آخر الآية عقر النخلة قطعها من أصلها، و عقر الناقة نحرها، و عقر الناقة أيضا قطع قوائمها، و العتو هو التمرد و الامتناع و ضمن في الآية معنى الاستكبار بدليل تعديته بعن، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: « فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ‏ » إلى آخر الآيتين.

الرجفة هي الاضطراب و الاهتزاز الشديد كما في زلزلة الأرض و تلاطم البحر، و الجثوم‏ في الإنسان و الطير كالبروك في البعير.

و قد ذكر الله هنا في سبب هلاكهم أنه أخذتهم الرجفة، و قال في موضع آخر:

«وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ» : هود: 67، و في موضع آخر: «فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ» : حم السجدة: 17، و الصواعق السماوية لا تخلو عن صيحة هائلة تقارنها، و لا ينفك ذلك غالبا عن رجفة الأرض هي نتيجة الاهتزاز الجوي الشديد إلى الأرض،

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص: 183

و توجف من جهة أخرى القلوب و ترتعد الأركان، فالظاهر أن عذابهم إنما كان بصاعقة سماوية اقترنت صيحة هائلة و رجفة في الأرض أو في قلوبهم فأصبحوا في دارهم أي في بلدهم جاثمين ساقطين على وجوههم و ركبهم.

و الآية تدل على أن ذلك كان مرتبطا بما كفروا و ظلموا آية من آيات الله مقصودا بها عذابهم عذاب الاستئصال، و لا نظر في الآية إلى كيفية حدوثها، و الباقي ظاهر.

[سورة الأعراف (7): الآيات 80 الى 84]

وَ لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَ ما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83) وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)

بيان‏

صفحه بعد