کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 73

و على الثاني أن سياق الآية ينافي كون المراد بالعذاب فيها عذاب الآخرة، و خاصة بالنظر إلى قوله في الآية الثالثة- و هي في سياق الآية الأولى- « فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ‏ ».

و على الثالث: أن ذلك خلاف ظاهر الآية بلا شك حيث إن ظاهرها إثبات الاستغفار لهم حالا مستمرا لاستدعائه و هو ظاهر.

قوله تعالى: « وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَ تَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ‏ » المكاء بضم الميم الصفير، و المكاء بصيغة المبالغة طائر بالحجاز شديد الصفير، و منه المثل السائر: بنيك حمري و مكئكيني. و التصدية التصفيق بضرب اليد على اليد.

و قوله: « وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ‏ » الضمير لهؤلاء الصادين المذكورين في الآية السابقة و هم المشركون من قريش، و قوله: « فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ‏ » بيان إنجاز العذاب الموعد لهم بقرينة التفريع بالفاء.

و من هنا يتأيد أن الآيتين متصلتان كلاما واحدا و قوله: « وَ ما كانَ‏ » إلخ جملة حالية و المعنى: و ما لهم أن لا يعذبهم الله و الحال أنهم يصدون العباد من المؤمنين عن المسجد الحرام و ما كان صلاتهم عند البيت إلا ملعبة من المكاء و التصدية فإذا كان كذلك فليذوقوا العذاب بما كانوا يكفرون، و الالتفات في قوله: « فَذُوقُوا الْعَذابَ‏ » عن الغيبة إلى الخطاب لبلوغ التشديد.

و يستفاد من الآيتين أن الكعبة المشرفة لو تركت بالصد استعقب ذلك المؤاخذة الإلهية بالعذاب‏

قال علي (ع) في بعض وصاياه: «الله الله في بيت ربكم فإنه إن ترك لم تنظروا

«1» ».

قوله تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ » إلى آخر الآية يبين حال الكفار في ضلال سعيهم الذي يسعونه لإبطال دعوة الله و المنع عن سلوك السالكين لسبيل الله، و يشرح ذلك قوله: « فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ‏ » إلخ.

(1) نهج البلاغة في باب الوصايا.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 74

و بهذا السياق يظهر أن قوله: « وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‏ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ‏ » بمنزلة التعليل، و محصل المعنى أن الكفر سيبعثهم- بحسب سنة الله في الأسباب- إلى أن يسعوا في إبطال الدعوة و الصد عن سبيل الحق غير أن الظلم و الفسق و كل فساد لا يهدي إلى الفلاح و النجاح فسينفقون أموالهم في سبيل هذه الأغراض الفاسدة فتضيع الأموال في هذا الطريق فيكون ضيعتها موجبة لتحسرهم، ثم يغلبون فلا ينتفعون بها، و ذلك أن الكفار يحشرون إلى جهنم و يكون ما يأتون به في الدنيا من التجمع على الشر و الخروج إلى محاربة الله و رسوله بحذاء خروجهم محشورين إلى جهنم يوم القيامة.

و قوله: « فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ‏ » إلى آخر الآية من ملاحم القرآن و الآية من سورة الأنفال النازلة بعد غزوة بدر فكأنها تشير إلى ما سيقع من غزوة أحد أو هي و غيرها، و على هذا فقوله: « فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً » إشارة إلى غزوة أحد أو هي و غيرها، و قوله: « ثُمَّ يُغْلَبُونَ‏ » إلى فتح مكة، و قوله:

« وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‏ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ‏ » إلى حال من لا يوفق للإسلام منهم.

قوله تعالى: « لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى‏ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ‏ » الخباثة و الطيب معنيان متقابلان و قد مر شرحهما و التمييز إخراج الشي‏ء عما يخالفه و إلحاقه بما يوافقه بحيث ينفصل عما يخالفه، و الركم‏ جمع الشي‏ء فوق الشي‏ء و منه سحاب مركوم أي مجتمع الأجزاء بعضها إلى بعض و مجموعها و تراكم الأشياء تراكب بعضها بعضا.

و الآية في موضع التعليل لما أخبر به في الآية السابقة من حال الكفار بحسب السنة الكونية، و هو أنهم يسعون بتمام وجدهم و مقدرتهم إلى أن يطفئوا نور الله و يصدوا عن سبيل الله فينفقون في ذلك الأموال و يبذلون في طريقه المساعي غير أنهم لا يهتدون إلى مقاصدهم و لا يبلغون آمالهم بل تضيع أموالهم و تحبط أعمالهم و تضل مساعيهم، و يرثون بذلك الحسرة و الهزيمة.

و ذلك أن هذه الأعمال و التقلبات تسير على سنة إلهية و تتوجه إلى غاية تكوينية ربانية، و هي أن الله سبحانه يميز في هذا النظام الجاري الشر من الخير و الخبيث من الطيب و يركم الخبيث بجعل بعضه على بعض، و يجعل ما اجتمع منه و تراكم في جهنم‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 75

و هي الغاية التي تسير إليها قافلة الشر و الخبيث يحلها الجميع و هي دار البوار كما أن الخير و الطيب إلى الجنة، و الأولون هم الخاسرون كما أن الآخرين هم الرابحون المفلحون.

و من هنا يظهر أن قوله: « لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ‏ » إلخ قريب المضمون من قوله تعالى في مثل ضربه للحق و الباطل: « أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ‏ : الرعد:- 17 و الآية تشير إلى قانون كلي إلهي و هو إلحاق فرع كل شي‏ء بأصله.

قوله تعالى: « قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ‏ » إلى آخر الآية الانتهاء الإقلاع عن الشي‏ء لأجل النهي، و السلوف‏ التقدم، و السنة هي الطريقة و السيرة.

أمر النبي ص أن يبلغهم ذلك و في معناه تطميع و تخويف و حقيقته دعوة إلى ترك القتال و الفتنة ليغفر الله لهم بذلك ما تقدم من قتلهم و إيذائهم للمؤمنين فإن لم ينتهوا عما نهوا عنه فقد مضت سنة الله في الأولين منهم بالإهلاك و الإبادة و خسران السعي.

قوله تعالى: « وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » الآية و ما بعدها يشتملان على تكليف المؤمنين بحذاء ما كلف به الكفار في الآية السابقة، و المعنى: قل لهم أن ينتهوا عن المحادة لله و رسوله يغفر لهم ما قد سلف و إن يعودوا إلى مثل ما عملوا فقد علموا بما جرى على سابقتهم قل لهم كذا و أما أنت و المؤمنون فلا تهنوا فيما يهمكم من إقامة الدين و تصفية جو صالح للمؤمنين، و قاتلوهم حتى تنتهي هذه الفتن التي تفاجئكم كل يوم، و لا تكون فتنة بعد فإن انتهوا فإن الله يجازيهم بما يرى من أعمالهم، و إن تولوا عن الانتهاء فأديموا القتال و الله مولاكم فاعلموا ذلك و لا تهنوا و لا تخافوا.

و الفتنة ما يمتحن به النفوس و تكون لا محالة مما يشق عليها، و غلب استعمالها في المقاتل و ارتفاع الأمن و انتقاض الصلح، و كان كفار قريش يقبضون على المؤمنين بالنبي ص قبل الهجرة و بعدها إلى مدة في مكة و يعذبونهم و يجبرونهم على ترك الإسلام و الرجوع إلى الكفر، و كانت تسمى فتنة.

و قد ظهر بما يفيده السياق من المعنى السابق أن قوله: « وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 76

فِتْنَةٌ » كناية عن تضعيفهم بالقتال حتى لا يغتروا بكفرهم و لا يلقوا فتنة يفتتن بها المؤمنون و يكون الدين كله لله لا يدعو إلى خلافه أحد، و أن قوله: « فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » المراد به الانتهاء عن القتال و لذلك أردفه بمثل قوله: « فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » أي عندئذ يحكم الله فيهم بما يناسب أعمالهم و هو بصير بها، و أن قوله: « وَ إِنْ تَوَلَّوْا » إلخ أي إن تولوا عن الانتهاء، و لم يكفوا عن القتال و لم يتركوا الفتنة فاعلموا أن الله مولاكم و ناصركم و قاتلوهم مطمئنين بنصر الله نعم المولى و نعم النصير.

و قد ظهر أن قوله: « وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ‏ » لا ينافي إقرار أهل الكتاب على دينهم إن دخلوا في الذمة و أعطوا الجزية فلا نسبة للآية مع قوله تعالى: « حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ:» التوبة:- 29. بالناسخية و المنسوخية.

و لبعض المفسرين وجوه في معنى الانتهاء و المغفرة و غيرهما من مفردات الآيات الثلاث لا كثير جدوى في التعرض لها تركناها.

و قد ورد في بعض الأخبار كون «نعم المولى و نعم النصير» من أسماء الله الحسنى و المراد بالاسم حينئذ لا محالة غير الاسم بمعناه المصطلح بل كل ما يخص بلفظه شيئا من المصاديق كما ورد نظيره في قوله تعالى: « لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ‏ » و قد مر استيفاء الكلام في الأسماء الحسنى في ذيل قوله تعالى: « وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏:» الأعراف- 180 في الجزء الثامن من الكتاب.

(بحث روائي)

في تفسير القمي،": في قوله تعالى: « وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا » الآية- أنها نزلت بمكة قبل الهجرة.

و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و أبو الشيخ عن ابن جريح (رض)": « وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا » قال: هي مكية.

أقول: و هو ظاهر ما رواه أيضا عن عبد بن حميد عن معاوية بن قرة، لكن عرفت أن سياق الآيات لا يساعد عليه.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 77

و فيه، أخرج عبد الرزاق و أحمد و عبد بن حميد و ابن المنذر و الطبراني و أبو الشيخ و ابن مردويه و أبو نعيم في الدلائل و الخطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما": في قوله:

« وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ‏ » قال: تشاورت قريش ليلة بمكة- فقال بعضهم:

إذا أصبح فأثبتوه بالوثائق- يريدون النبي ص- و قال بعضهم: بل اقتلوه، و قال بعضهم بل أخرجوه- فأطلع الله نبيه ص على ذلك- فبات علي رضي الله عنه على فراش النبي ص- و خرج النبي (ص) حتى لحق بالغار، و بات المشركون يحرسون عليا رضي الله عنه- يحسبونه النبي (ص) فلما أصبحوا ثاروا عليه- فلما رأوه عليا رضي الله عنه رد الله مكرهم- فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل- اختلط عليهم فصعدوا في الجبل- فرأوا على بابه نسج العنكبوت- فقالوا: لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه- فمكث ثلاث ليال.

و في تفسير القمي،": كان سبب نزولها- أنه لما أظهر رسول الله ص الدعوة بمكة- قدمت عليه الأوس و الخزرج- فقال لهم رسول الله ص: تمنعوني و تكونون لي جارا- حتى أتلو كتاب الله عليكم و ثوابكم على الله الجنة؟ فقالوا: نعم خذ لربك و لنفسك ما شئت- فقال لهم: موعدكم العقبة- في الليلة الوسطى من ليالي التشريق- فحجوا و رجعوا إلى منى- و كان فيهم ممن قد حج بشر كثير-.

فلما كان اليوم الثاني من أيام التشريق- قال لهم رسول الله ص: إذا كان الليل- فاحضروا دار عبد المطلب على العقبة، و لا تنبهوا نائما، و لينسل واحد فواحد- فجاء سبعون رجلا من الأوس و الخزرج- فدخلوا الدار فقال لهم رسول الله ص:

تمنعوني و تجيروني حتى أتلو عليكم كتاب ربي- و ثوابكم على الله الجنة-.

فقال أسعد بن زرارة و البراء بن معرور- و عبد الله بن حرام نعم يا رسول الله- اشترط لربك و نفسك ما شئت. فقال: أما ما أشترط لربي- فأن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا، و ما أشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون أنفسكم- و تمنعون أهلي مما تمنعون أهليكم و أولادكم. فقالوا فما لنا على ذلك؟ فقال: الجنة في الآخرة، و تملكون العرب، و يدين لكم العجم في الدنيا، و تكونون ملوكا في الجنة فقالوا: قد رضينا-.

فقال: أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا- يكونون شهداء عليكم بذلك- كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا- فأشار إليهم جبرائيل فقال: هذا نقيب-

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 78

و هذا نقيب تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس: فمن الخزرج أسعد بن زرارة و البراء بن معرور- و عبد الله بن حرام أبو جابر بن عبد الله- و رافع بن مالك و سعد بن عبادة و المنذر بن عمر- و عبد الله بن رواحة و سعد بن ربيع- و عبادة بن صامت و من الأوس أبو الهيثم بن التيهان و هو من اليمن- و أسيد بن حصين و سعد بن خيثمة.

فلما اجتمعوا و بايعوا لرسول الله ص صاح إبليس: يا معشر قريش و العرب- هذا محمد و الصباة من أهل يثرب- على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم- فأسمع أهل منى، و هاجت قريش فأقبلوا بالسلاح، و سمع رسول الله ص النداء فقال للأنصار:

تفرقوا فقالوا: يا رسول الله- إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا. فقال رسول الله ص: لم أومر بذلك- و لم يأذن الله لي في محاربتهم. قالوا: فتخرج معنا؟ قال:

أنتظر أمر الله-.

فجاءت قريش على بكرة أبيها قد أخذوا السلاح- و خرج حمزة و أمير المؤمنين (ع) بالسلاح- و معهما السيوف فوقفا على العقبة- فلما نظرت قريش إليهما- قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم له؟ فقال حمزة: ما اجتمعنا و ما هاهنا أحد- و الله لا يجوز هذه العقبة أحد إلا ضربته بسيفي-.

فرجعوا إلى مكة و قالوا: لا نأمن أن يفسد أمرنا- و يدخل واحد من مشائخ قريش في دين محمد- فاجتمعوا في دار الندوة، و كان لا يدخل دار الندوة إلا من أتى عليه أربعون سنة- فدخلوا أربعين رجلا من مشائخ قريش، و جاء إبليس في صورة شيخ كبير- فقال له البواب، من أنت؟ فقال: أنا شيخ من أهل نجد- لا يعدمكم مني رأي صائب- إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل- جئت لأشير عليكم- فقال:

ادخل فدخل إبليس-.

فلما أخذوا مجلسهم قال أبو جهل: يا معشر قريش إنه لم يكن أحد من العرب أعز منا- نحن أهل الله- تفد إلينا العرب في السنة مرتين و يكرموننا، و نحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع- فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله- فكنا نسميه الأمين لصلاحه و سكونه و صدق لهجته- حتى إذا بلغ ما بلغ و أكرمناه ادعى أنه رسول الله- و أن أخبار السماء تأتيه فسفه أحلامنا، و سب آلهتنا، و أفسد شباننا، و فرق جماعتنا، و زعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار، و لم يرد علينا شي‏ء أعظم من‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 79

هذا، و قد رأيت فيه رأيا. قالوا: و ما رأيت؟ قال: رأيت أن ندس إليه رجلا منا ليقتله- فإن طلبت بنو هاشم بديته أعطيناهم عشر ديات-.

فقال الخبيث: هذا رأي خبيث- قالوا: و كيف ذلك؟ قال: لأن قاتل محمد مقتول لا محالة- فمن هذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم؟ فإنه إذا قتل محمدا تعصبت بنو هاشم و حلفاؤهم من خزاعة، و إن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمد على الأرض- فتقع بينكم الحروب في حرمكم و تتفانون-.

فقال آخر منهم: فعندي رأي آخر. قال: و ما هو؟ قال: نثبته في بيت و نلقي عليه قوته- حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت- كما مات زهير و النابغة و إمرؤ القيس. فقال إبليس: هذا أخبث من الآخر. قالوا: و كيف ذاك؟ قال: لأن بني هاشم لا ترضى بذلك- فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم- فاجتمعوا عليكم فأخرجوه-.

قال آخر منهم: لا و لكنا نخرجه من بلادنا- و نتفرغ لعبادة آلهتنا. قال إبليس:

هذا أخبث من ذينك الرأيين المتقدمين، قالوا: و كيف؟ قال: لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها، و أتقن الناس لسانا و أفصحهم لهجة- فتحملوه إلى بوادي العرب فيخدعهم و يسحرهم بلسانه- فلا يفجئوكم إلا و قد ملأها خيلا و رجلا. فبقوا حائرين-.

ثم قالوا لإبليس: فما الرأي يا شيخ؟ قال: ما فيه إلا رأي واحد. قالوا:

و ما هو؟ قال: يجتمع من كل بطن من بطون قريش- فيكون معهم من بني هاشم رجل- فيأخذون سكينا أو حديدة أو سيفا- فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة- حتى يتفرق دمه في قريش كلها- فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه- فقد شاركوه فيه- فإن سألوكم أن تعطوكم الدية فأعطوهم ثلاث ديات. قالوا: نعم و عشر ديات. قالوا: الرأي رأي الشيخ النجدي فاجتمعوا فيه، و دخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي ص-.

فنزل جبرئيل على رسول الله ص فأخبره- أن قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك- فأنزل الله عليه في ذلك: « وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ- أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ‏ »-.

صفحه بعد