کتابخانه تفاسیر
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 346
«لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ» الآية- فكان الذي عفا الله عنه مخشي بن حمير- فتسمى عبد الرحمن، و سأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم بمقتله- فقتل باليمامة لا يعلم مقتله و لا من قتله- و لا يرى له أثر و لا عين.
أقول: و قصة مخشي بن حمير وردت في عدة روايات غير أنها على تقدير صحتها لا تستلزم نزول الآيات فيها على ما بينها و بين مضامين الآيات من البون البعيد.
و ليس من الواجب علينا إذا عثرنا على شيء من القصص الواقعة في زمن النبي ص أي قصة كانت أن نلجم بها آية من آيات القرآن الكريم ثم نعود فنفسر الآية بالقصة و نحكمها عليها.
و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ عن ابن عباس قال": ما أشبه الليلة بالبارحة: « كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً - إلى قوله- وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا » هؤلاء بنو إسرائيل أشبهناهم، و الذي نفسي بيده لتتبعنهم- حتى لو دخل رجل جحر ضب لدخلتموه:
أقول: و رواه في المجمع، أيضا عنه.
و في المجمع، عن تفسير الثعلبي عن أبي هريرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي ص قال: لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ذراعا بذراع- و شبرا بشبر و باعا بباع- حتى لو أن أحدا من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله كما صنعت فارس و الروم و أهل الكتاب؟ قال: فهل الناس إلا هم؟
و فيه، أيضا عن تفسير الثعلبي عن حذيفة قال: المنافقون الذين فيكم اليوم- شر من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله ص. قلنا: و كيف؟ قال: أولئك كانوا يخفون نفاقهم و هؤلاء أعلنوه.
و في العيون، بإسناده عن القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال: سألت الرضا (ع) عن قول الله عز و جل: « نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ » فقال: إن الله تبارك و تعالى لا ينسى و لا يسهو، و إنما ينسى و يسهو المخلوق المحدث- أ لا تسمعه عز و جل يقول: « وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا »، و إنما يجازي من نسيه و نسي لقاء يومه أن ينسيهم أنفسهم- كما قال عز و جل: « وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ- فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 347
أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » [و] قوله عز و جل « فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا » أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا.
و في تفسير العياشي، عن جابر عن أبي جعفر (ع): « نَسُوا اللَّهَ » قال: تركوا طاعة الله « فَنَسِيَهُمْ » قال: فتركهم.
و فيه، عن أبي معمر السعداني قال: قال علي (ع): في قوله: « نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ » فإنما يعني أنهم نسوا الله في دار الدنيا فلم يعملوا له بالطاعة- و لم يؤمنوا به و برسوله فنسيهم في الآخرة- أي لم يجعل لهم في ثوابه نصيبا فصاروا منسيين من الخير:
أقول: و رواه الصدوق في المعاني، بإسناده عن أبي معمر عنه (ع).
و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع):- في حديث- قلت: « وَ الْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ » قال: أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم- أي انقلبت و صارت عاليها سافلها.
و في التهذيب، بإسناده عن صفوان بن مهران قال: قلت لأبي عبد الله (ع)- تأتيني المرأة المسلمة قد عرفتني بعملي- و أعرفها بإسلامها ليس لها محرم فأحملها، قال:
فاحملها فإن المؤمن محرم للمؤمنة. ثم تلا هذه الآية: « وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ »:
أقول: و رواه العياشي في تفسيره عن صفوان الجمال عنه (ع).
و في تفسير العياشي، عن ثوير عن علي بن الحسين (ع) قال: إذا صار أهل الجنة في الجنة- و دخل ولي الله إلى جناته و مساكنه، و اتكأ، كل مؤمن على أريكته حفته خدامه، و تهدلت عليه الأثمار، و تفجرت حوله العيون، و جرت من تحته الأنهار، و بسطت له الزرابي، و وضعت له النمارق، و أتته الخدام بما شاءت هواه من قبل أن يسألهم ذلك- قال: و تخرج عليه الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء الله.
ثم إن الجبار يشرف عليهم فيقول لهم: أوليائي و أهل طاعتي و سكان جنتي في جواري الأهل أنبئكم بخير مما أنتم فيه؟ فيقولون: ربنا و أي شيء خير مما نحن فيه: فيما اشتهت أنفسنا و لذت أعيننا من النعم في جوار الكريم؟.
قال: فيعود عليهم القول فيقولون ربنا نعم- فأتنا بخير مما نحن فيه فيقول تبارك و تعالى لهم: رضاي عنكم و محبتي لكم خير و أعظم مما أنتم فيه- قال: فيقولون: نعم يا ربنا رضاك عنا- و محبتك لنا خير و أطيب لأنفسنا-.
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 348
ثم قرأ علي بن الحسين (ع) هذه الآية: « وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ- خالِدِينَ فِيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ- وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ».
و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن جابر قال: قال رسول الله ص: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله: هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟ قالوا: يا ربنا و هل بقي شيء؟ إلا قد أنلتناه؟ فيقول: نعم رضائي فلا أسخط عليكم أبدا.
أقول: و هذا المعنى وارد في روايات كثيرة من طرق الفريقين.
و في جامع الجوامع، عن أبي الدرداء عن النبي ص: عدن دار الله التي لم ترها عين- و لم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة: النبيون و الصديقون و الشهداء يقول الله: طوبى لمن دخلك.
أقول: و لا ينافي خصوص سكنة الجنة في الرواية عمومهم في الآية لدلالة قوله تعالى: « وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ:» الحديد:- 19 على أن الله سبحانه سيلحق عامة المؤمنين بالصديقين و الشهداء.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ » الآية:
قال حدثني أبي عن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: جاهد الكفار و المنافقين بإلزام الفرائض.
و في الدر المنثور، أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال": لما نزلت:
« يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ » أمر رسول الله ص أن يجاهد بيده فإن لم يستطع فبقلبه- فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فليلقه بوجه مكفهر.
أقول: و في الرواية تشويش من حيث ترتب أجزائها فالجهاد بالقلب بعد الجميع و قد تخلل بينها.
[سورة التوبة (9): الآيات 75 الى 80]
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 349
(بيان)
تذكر الآيات طائفة أخرى من المنافقين تخلفوا عن حكم الصدقات فامتنعوا عن إيتاء الزكاة، و قد كانوا فقراء فعاهدوا الله إن أغناهم و آتاهم من فضله ليصدقن و ليكونن من الصالحين فلما آتاهم مالا بخلوا به و امتنعوا.
و تذكر آخرين من المنافقين يعيبون أهل السعة من المؤمنين بإيتاء الصدقات و كذلك يلمزون أهل العسرة منهم و يسخرون منهم و الله سبحانه يسمي هؤلاء جميعا منافقين، و يقضي فيهم بعدم المغفرة البتة.
قوله تعالى: « وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ » إلى آخر الآيتين. الإيتاء الإعطاء، و قد كثر إطلاق الإيتاء من الفضل على إعطاء المال، و من القرائن عليه في الآية قوله « لَنَصَّدَّقَنَ » أي لنتصدقن مما آتانا من المال و كذلك ما في الآية التالية من ذكر البخل به.
و السياق يفيد أن الكلام متعرض لأمر واقع، و الروايات تدل على أن الآيات نزلت في ثعلبة في قصة سيأتي نقلها في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى، و معنى الآيتين ظاهر.
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 350
قوله تعالى: « فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ » الآية. الأعقاب الإيراث قال في المجمع،: و أعقبه و أورثه و أداه نظائر و قد يكون أعقبه بمعنى جازاه. انتهى و هو مأخوذ من العقب، و معناه الإتيان بشيء عقيب شيء.
و الضمير في قوله: « فَأَعْقَبَهُمْ » راجع إلى البخل أو إلى فعلهم الذي منه البخل، و على هذا فالمراد بقوله: « يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ » يوم لقاء البخل أي جزاء البخل بنحو من العناية.
و يمكن أن يرجع الضمير إليه تعالى و المراد بيوم يلقونه يوم يلقون الله و هو يوم القيامة على ما هو المعروف من كلامه تعالى من تسمية يوم القيامة بيوم لقاء الله أو يوم الموت كما هو الظاهر من قوله تعالى: « مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ» : العنكبوت:- 5.
و هذا الثاني هو الظاهر على الثاني لأن الأنسب عند الذهن أن يقال: فهم على نفاقهم إلى أن يموتوا. دون أن يقال: فهم على نفاقهم إلى أن يبعثوا إذ لا تغير لحالهم فيما بعد الموت على أي حال.
و قوله: « بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ » الباء في الموضعين منه للسببية أي إن هذا البخل أورثهم نفاقا بما كان فيه من الخلف في الوعد و الاستمرار على الكذب الموجبين لمخالفة باطنهم لظاهرهم و هو النفاق.
و معنى الآية: فأورثهم البخل و الامتناع عن إيتاء الصدقات نفاقا في قلوبهم يدوم لهم ذلك و لا يفارقهم إلى يوم موتهم و إنما صار هذا البخل و الامتناع سببا لذلك لما فيه من خلف الوعد لله و الملازمة و الاستمرار على الكذب.
أو المعنى: جازاهم الله نفاقا في قلوبهم إلى يوم لقائه و هو يوم الموت لأنهم أخلفوه ما وعدوه و كانوا يكذبون.
و في الآية دلالة أولا: على أن خلف الوعد و كذب الحديث من أسباب النفاق و أماراته.
و ثانيا: أن من النفاق ما يعرض الإنسان بعد الإيمان كما أن من الكفر ما هو كذلك و هو الردة، و قد قال الله سبحانه: « ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ:» الروم:- 10 فذكر أن الإساءة ربما أدى بالإنسان إلى تكذيب آيات الله، و التكذيب ربما كان ظاهرا و باطنا معا و هو الكفر، أو باطنا فحسب و هو النفاق.
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 351
قوله تعالى: « أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ » الآية النجوى الكلام الخفي و الاستفهام للتوبيخ و التأنيب.
قوله تعالى: « الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ » الآية التطوع الإتيان بما لا تكرهه النفس و لا تحسبه شاقا و لذلك يستعمل غالبا في المندوبات لما في الواجبات من شائبة التحميل على النفس بعدم الرضى بالترك.
و مقابلة المطوعين من المؤمنين في الصدقات بالذين لا يجدون إلا جهدهم قرينة على أن المراد بالمطوعين فيها الذين يؤتون الزكاة على السعة و الجدة كأنهم لسعتهم و كثرة مالهم يؤتونها على طوع و رغبة من غير أن يشق ذلك عليهم بخلاف الذين لا يجدون إلا جهدهم أي مبلغ جهدهم و طاقتهم أو ما يشق عليهم القنوع بذلك.
و قوله: « الَّذِينَ يَلْمِزُونَ » الآية كلام مستأنف أو هو وصف للذين ذكروا بقوله:
« وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ » الآية كما قالوا. و المعنى: الذين يعيبون الذين يتطوعون بالصدقات من المؤمنين الموسرين و الذين لا يجدون من المال إلا جهد أنفسهم من الفقراء المعسرين فيعيبون المتصدقين موسرهم و معسرهم و غنيهم و فقيرهم و يسخرون منهم سخر الله منهم و لهم عذاب أليم، و فيه جواب لاستهزائهم و إيعاد بعذاب شديد.
قوله تعالى: « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ » الترديد بين الأمر و النهي كناية عن تساوي الفعل و الترك أي لغوية الفعل كما مر نظيره في قوله: « أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ:» التوبة:- 53.
فالمعنى أن هؤلاء المنافقين لا تنالهم مغفرة من الله و يستوي فيهم طلب المغفرة و عدمها لأن طلبها لهم لغو لا أثر له.
و قوله: « إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ » تأكيدا لما ذكر قبله من لغوية الاستغفار لهم، و بيان أن طبيعة المغفرة لا تنالهم البتة سواء سألت المغفرة في حقهم أو لم تسأل، و سواء كان الاستغفار مرة أو مرات قليلا أو كثيرا.
فذكر السبعين كناية عن الكثرة من غير أن يكون هناك خصوصية للعدد حتى يكون الواحد و الاثنان من الاستغفار حتى يبلغ السبعين غير مؤثر في حقهم فإذا جاوز السبعين أثر أثره، و لذلك علله بقوله: « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ » أي إن
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 352
المانع من شمول المغفرة هو كفرهم بالله و رسوله، و لا يختلف هذا المانع بعدم الاستغفار.
و لا وجوده واحدا أو كثيرا فهم على كفرهم.
و من هنا يظهر أن قوله: « وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » متمم لسابقه و الكلام مسوق سوق الاستدلال القياسي و التقدير: أنهم كافرون بالله و رسوله فهم فاسقون خارجون عن عبودية الله، و الله لا يهدي القوم الفاسقين، لكن المغفرة هداية إلى سعادة القرب و الجنة فلا تشملهم المغفرة و لا تنالهم البتة.
و استعمال السبعين في الكثرة المجردة عن الخصوصية كاستعمال المائة و الألف فيها كثير في اللغة.
(بحث روائي)
في المجمع،: قيل: نزلت في ثعلبة بن حاطب، و كان من الأنصار فقال للنبي ص: ادع الله أن يرزقني مالا فقال: يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه- أ ما لك في رسول الله أسوة حسنة؟ و الذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا و فضة لسارت-.
ثم أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول الله- ادع الله أن يرزقني مالا و الذي بعثك بالحق، لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه، فقال (ص): اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما- فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة- فتنحى عنها فنزل واديا من أوديتها- ثم كثرت نموا حتى تباعد من المدينة- فاشتغل بذلك عن الجمعة و الجماعة، و بعث رسول الله ص إليه المصدق ليأخذ الصدقة فأبى و بخل- و قال:
ما هذه إلا أخت الجزية فقال رسول الله ص: يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة، و أنزل الله الآيات:. عن أبي أمامة الباهلي و روي ذلك مرفوعا .
و قيل: إن ثعلبة أتى مجلسا من الأنصار فأشهدهم فقال: لئن آتاني الله من فضله تصدقت منه و آتيت كل ذي حق حقه و وصلت منه القرابة فابتلاه الله فمات ابن عم له فورثه مالا فلم يف بما قال فنزلت. عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قتادة.