کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 349

(بيان)

تذكر الآيات طائفة أخرى من المنافقين تخلفوا عن حكم الصدقات فامتنعوا عن إيتاء الزكاة، و قد كانوا فقراء فعاهدوا الله إن أغناهم و آتاهم من فضله ليصدقن و ليكونن من الصالحين فلما آتاهم مالا بخلوا به و امتنعوا.

و تذكر آخرين من المنافقين يعيبون أهل السعة من المؤمنين بإيتاء الصدقات و كذلك يلمزون أهل العسرة منهم و يسخرون منهم و الله سبحانه يسمي هؤلاء جميعا منافقين، و يقضي فيهم بعدم المغفرة البتة.

قوله تعالى: « وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ‏ » إلى آخر الآيتين. الإيتاء الإعطاء، و قد كثر إطلاق الإيتاء من الفضل على إعطاء المال، و من القرائن عليه في الآية قوله « لَنَصَّدَّقَنَ‏ » أي لنتصدقن مما آتانا من المال و كذلك ما في الآية التالية من ذكر البخل به.

و السياق يفيد أن الكلام متعرض لأمر واقع، و الروايات تدل على أن الآيات نزلت في ثعلبة في قصة سيأتي نقلها في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى، و معنى الآيتين ظاهر.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 350

قوله تعالى: « فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى‏ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ‏ » الآية. الأعقاب‏ الإيراث قال في المجمع،: و أعقبه و أورثه و أداه نظائر و قد يكون أعقبه بمعنى جازاه. انتهى و هو مأخوذ من العقب، و معناه الإتيان بشي‏ء عقيب شي‏ء.

و الضمير في قوله: « فَأَعْقَبَهُمْ‏ » راجع إلى البخل أو إلى فعلهم الذي منه البخل، و على هذا فالمراد بقوله: « يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ‏ » يوم لقاء البخل أي جزاء البخل بنحو من العناية.

و يمكن أن يرجع الضمير إليه تعالى و المراد بيوم يلقونه يوم يلقون الله و هو يوم القيامة على ما هو المعروف من كلامه تعالى من تسمية يوم القيامة بيوم لقاء الله أو يوم الموت كما هو الظاهر من قوله تعالى: « مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ» : العنكبوت:- 5.

و هذا الثاني هو الظاهر على الثاني لأن الأنسب عند الذهن أن يقال: فهم على نفاقهم إلى أن يموتوا. دون أن يقال: فهم على نفاقهم إلى أن يبعثوا إذ لا تغير لحالهم فيما بعد الموت على أي حال.

و قوله: « بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ‏ » الباء في الموضعين منه للسببية أي إن هذا البخل أورثهم نفاقا بما كان فيه من الخلف في الوعد و الاستمرار على الكذب الموجبين لمخالفة باطنهم لظاهرهم و هو النفاق.

و معنى الآية: فأورثهم البخل و الامتناع عن إيتاء الصدقات نفاقا في قلوبهم يدوم لهم ذلك و لا يفارقهم إلى يوم موتهم و إنما صار هذا البخل و الامتناع سببا لذلك لما فيه من خلف الوعد لله و الملازمة و الاستمرار على الكذب.

أو المعنى: جازاهم الله نفاقا في قلوبهم إلى يوم لقائه و هو يوم الموت لأنهم أخلفوه ما وعدوه و كانوا يكذبون.

و في الآية دلالة أولا: على أن خلف الوعد و كذب الحديث من أسباب النفاق و أماراته.

و ثانيا: أن من النفاق ما يعرض الإنسان بعد الإيمان كما أن من الكفر ما هو كذلك و هو الردة، و قد قال الله سبحانه: « ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ:» الروم:- 10 فذكر أن الإساءة ربما أدى بالإنسان إلى تكذيب آيات الله، و التكذيب ربما كان ظاهرا و باطنا معا و هو الكفر، أو باطنا فحسب و هو النفاق.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 351

قوله تعالى: « أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ‏ » الآية النجوى الكلام الخفي و الاستفهام للتوبيخ و التأنيب.

قوله تعالى: « الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ‏ » الآية التطوع‏ الإتيان بما لا تكرهه النفس و لا تحسبه شاقا و لذلك يستعمل غالبا في المندوبات لما في الواجبات من شائبة التحميل على النفس بعدم الرضى بالترك.

و مقابلة المطوعين من المؤمنين في الصدقات بالذين لا يجدون إلا جهدهم قرينة على أن المراد بالمطوعين فيها الذين يؤتون الزكاة على السعة و الجدة كأنهم لسعتهم و كثرة مالهم يؤتونها على طوع و رغبة من غير أن يشق ذلك عليهم بخلاف الذين لا يجدون إلا جهدهم أي مبلغ جهدهم و طاقتهم أو ما يشق عليهم القنوع بذلك.

و قوله: « الَّذِينَ يَلْمِزُونَ‏ » الآية كلام مستأنف أو هو وصف للذين ذكروا بقوله:

« وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ‏ » الآية كما قالوا. و المعنى: الذين يعيبون الذين يتطوعون بالصدقات من المؤمنين الموسرين و الذين لا يجدون من المال إلا جهد أنفسهم من الفقراء المعسرين فيعيبون المتصدقين موسرهم و معسرهم و غنيهم و فقيرهم و يسخرون منهم سخر الله منهم و لهم عذاب أليم، و فيه جواب لاستهزائهم و إيعاد بعذاب شديد.

قوله تعالى: « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏ » الترديد بين الأمر و النهي كناية عن تساوي الفعل و الترك أي لغوية الفعل كما مر نظيره في قوله: « أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ:» التوبة:- 53.

فالمعنى أن هؤلاء المنافقين لا تنالهم مغفرة من الله و يستوي فيهم طلب المغفرة و عدمها لأن طلبها لهم لغو لا أثر له.

و قوله: « إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏ » تأكيدا لما ذكر قبله من لغوية الاستغفار لهم، و بيان أن طبيعة المغفرة لا تنالهم البتة سواء سألت المغفرة في حقهم أو لم تسأل، و سواء كان الاستغفار مرة أو مرات قليلا أو كثيرا.

فذكر السبعين كناية عن الكثرة من غير أن يكون هناك خصوصية للعدد حتى يكون الواحد و الاثنان من الاستغفار حتى يبلغ السبعين غير مؤثر في حقهم فإذا جاوز السبعين أثر أثره، و لذلك علله بقوله: « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ » أي إن‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 352

المانع من شمول المغفرة هو كفرهم بالله و رسوله، و لا يختلف هذا المانع بعدم الاستغفار.

و لا وجوده واحدا أو كثيرا فهم على كفرهم.

و من هنا يظهر أن قوله: « وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ‏ » متمم لسابقه و الكلام مسوق سوق الاستدلال القياسي و التقدير: أنهم كافرون بالله و رسوله فهم فاسقون خارجون عن عبودية الله، و الله لا يهدي القوم الفاسقين، لكن المغفرة هداية إلى سعادة القرب و الجنة فلا تشملهم المغفرة و لا تنالهم البتة.

و استعمال السبعين في الكثرة المجردة عن الخصوصية كاستعمال المائة و الألف فيها كثير في اللغة.

(بحث روائي)

في المجمع،: قيل: نزلت في ثعلبة بن حاطب، و كان من الأنصار فقال للنبي ص: ادع الله أن يرزقني مالا فقال: يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه- أ ما لك في رسول الله أسوة حسنة؟ و الذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا و فضة لسارت-.

ثم أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول الله- ادع الله أن يرزقني مالا و الذي بعثك بالحق، لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه، فقال (ص): اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما- فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة- فتنحى عنها فنزل واديا من أوديتها- ثم كثرت نموا حتى تباعد من المدينة- فاشتغل بذلك عن الجمعة و الجماعة، و بعث رسول الله ص إليه المصدق ليأخذ الصدقة فأبى و بخل- و قال:

ما هذه إلا أخت الجزية فقال رسول الله ص: يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة، و أنزل الله الآيات:. عن أبي أمامة الباهلي و روي ذلك مرفوعا .

و قيل: إن ثعلبة أتى مجلسا من الأنصار فأشهدهم فقال: لئن آتاني الله من فضله تصدقت منه و آتيت كل ذي حق حقه و وصلت منه القرابة فابتلاه الله فمات ابن عم له فورثه مالا فلم يف بما قال فنزلت. عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قتادة.

و قيل: نزلت في ثعلبة بن حاطب و معتب بن قشير و هما من بني عمرو بن عوف‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 353

قالا: لئن رزقنا الله مالا لنصدقن فلما رزقهما الله المال بخلا به. عن الحسن و مجاهد.

أقول: ما ذكروه من الروايات لا يدفع بعضها البعض فمن الجائز أن يكون ثعلبة عاهد النبي ص بذلك ثم أشهد عليه جماعة من الأنصار، و أن يكون معه في ذلك غيره فتتأيد الروايات بعضها ببعض.

و تتأيد أيضا بما روي عن الضحاك أن الآيات نزلت في رجال من المنافقين:

نبتل بن الحارث، و جد بن قيس، و ثعلبة بن حاطب، و معتب بن قشير.

و أما ما

رواه في المجمع، عن الكلبي": أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة كان له مال بالشام- فأبطأ عنه و جهد لذلك جهدا شديدا- فحلف لئن آتاه الله ذلك المال ليصدقن- فأتاه الله تعالى ذلك فلم يفعل؛ فهو بعيد الانطباق على الآيات- لأن إيصال المال إلى صاحبه لا يسمى إيتاء من الفضل، و إنما هو الإعطاء و الرزق.

و في تفسير القمي، قال: و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع): - في الآية- قال: هو ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عوف- كان محتاجا فعاهد الله فلما آتاه بخل به.

و في الدر المنثور، أخرج البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي عن أبي هريرة عن النبي ص قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب- و إذا وعد أخلف و إذا اؤتمن خان.

أقول: و هو مروي بغير واحد من الطرق عن أئمة أهل البيت (ع)، و قد تقدم بعضها.

و فيه،": في قوله تعالى: « الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ‏ » الآية": أخرج البخاري و مسلم و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و أبو نعيم في المعرفة عن ابن مسعود قال": لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا- فجاء رجل فتصدق بشي‏ء كثير فقالوا:

مراء، و جاء أبو عقيل بنصف صاع فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا فنزلت:

« الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ- وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ‏ » الآية.

أقول: و الروايات في سبب نزول الآية كثيرة و أمثلها ما أوردناه، و في قريب من معناه روايات أخرى، و ظاهرها أن الآية مستقلة عما قبلها مستأنفة في نفسها.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 354

و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن عروة: أن عبد الله بن أبي قال لأصحابه: لو لا أنكم تنفقون على محمد و أصحابه لانفضوا من حوله، و هو القائل:

ليخرجن الأعز منها الأذل- فأنزل الله عز و جل: « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً- فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏ » قال النبي ص: لأزيدن على السبعين فأنزل الله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏ .

و فيه، أخرج ابن أبي شيبة و ابن جرير و ابن المنذر عن مجاهد قال:- لما نزلت:

« إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏ » قال النبي ص: سأزيد على سبعين- فأنزل الله في السورة التي يذكر فيها المنافقون « فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏ ».

و فيه، أخرج ابن جرير عن ابن عباس: أن رسول الله ص قال: - لما نزلت هذه الآية- أسمع ربي قد رخص لي فيهم- فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة- لعل الله أن يغفر لهم فقال الله من شدة غضبه عليهم: « سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ- لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ‏ ».

أقول: مما لا ريب فيه أن هذه الآيات مما نزلت في أواخر عهد النبي (ع) و قد سبقتها في النزول السور المكية عامة و أكثر السور و الآيات المدنية قطعا، و مما لا ريب فيه لمن يتدبر كتاب الله أنه لا رجاء في نجاة الكفار و المنافقين و هم أشد منهم إذا ماتوا على كفرهم و نفاقهم، و لا مطمع في شمول المغفرة الإلهية لهم فهناك آيات كثيرة مكية و مدنية صريحة قاطعة في ذلك.

و النبي ص أجل من أن يخفى عليه ما أنزله الله إليه أو أن لا يثق بما وعدهم الله من العذاب المخلد وعدا حتميا فيطمع في نقض القضاء المحتوم بالإصرار عليه تعالى و الإلحاح في طلب الغفران لهم.

أو أن يخفى عليه أن الترديد في الآية لبيان اللغوية و أن لا خصوصية لعدد السبعين حتى يطمع في مغفرتهم لو زاد على السبعين.

و ليت شعري ما ذا يزيد قوله تعالى في سورة المنافقون: « سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ‏ » على قوله تعالى في هذه الآية « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 355

اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ‏ » و قد علل الله سبحانه نفي المغفرة نفيا مؤبدا فيهما بأنهم فاسقون و الله لا يهدي القوم الفاسقين.

فقد تلخص أن هذه الروايات و ما في معناها موضوعة يجب طرحها.

و في الدر المنثور، أخرج أحمد و البخاري و الترمذي و النسائي و ابن أبي حاتم و النحاس و ابن حبان و ابن مردويه و أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله ص للصلاة عليه- فقام عليه فلما وقف قلت: أ على عدو الله عبد الله بن أبي القائل كذا و كذا- و القائل كذا و كذا؟

أعدد أيامه و رسول الله ص يتبسم حتى إذا أكثرت- قال: يا عمر أخر عني إني قد خيرت قد قيل لي: « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً » فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها-.

ثم صلى عليه رسول الله ص و مشى معه حتى قام على قبره- حتى فرغ منه فعجبت لي و لجرأتي على رسول الله ص و الله و رسوله أعلم- فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان: « وَ لا تُصَلِّ عَلى‏ أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى‏ قَبْرِهِ‏ » فما صلى رسول الله ص على منافق بعده- حتى قبضه الله عز و جل.

أقول:

قوله (ص) في الرواية: «فلو أعلم أني إن زدت على السبعين»

إلخ صريح في أنه كان آئسا من شمول المغفرة له، و هو يشهد بأن المراد من قوله: «إني قد خيرت قد قيل لي‏ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ‏ » إن الله قد ردد الأمر و لم ينهه عن الاستغفار لا أنه خيره بين الاستغفار و عدمه تخييرا حقيقيا حتى ينتج تأثير الاستغفار في حصول المغفرة أو رجاء ذلك.

و من ذلك يعلم أن استغفاره (ص) لعبد الله و صلاته عليه و قيامه على قبره إن ثبت شي‏ء من ذلك لم يكن شي‏ء من ذلك لطلب المغفرة و الدعاء له جدا كما سيأتي في رواية القمي، و في الروايات كلام سيأتي.

صفحه بعد