کتابخانه تفاسیر
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 349
(بيان)
تذكر الآيات طائفة أخرى من المنافقين تخلفوا عن حكم الصدقات فامتنعوا عن إيتاء الزكاة، و قد كانوا فقراء فعاهدوا الله إن أغناهم و آتاهم من فضله ليصدقن و ليكونن من الصالحين فلما آتاهم مالا بخلوا به و امتنعوا.
و تذكر آخرين من المنافقين يعيبون أهل السعة من المؤمنين بإيتاء الصدقات و كذلك يلمزون أهل العسرة منهم و يسخرون منهم و الله سبحانه يسمي هؤلاء جميعا منافقين، و يقضي فيهم بعدم المغفرة البتة.
قوله تعالى: « وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ » إلى آخر الآيتين. الإيتاء الإعطاء، و قد كثر إطلاق الإيتاء من الفضل على إعطاء المال، و من القرائن عليه في الآية قوله « لَنَصَّدَّقَنَ » أي لنتصدقن مما آتانا من المال و كذلك ما في الآية التالية من ذكر البخل به.
و السياق يفيد أن الكلام متعرض لأمر واقع، و الروايات تدل على أن الآيات نزلت في ثعلبة في قصة سيأتي نقلها في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى، و معنى الآيتين ظاهر.
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 350
قوله تعالى: « فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ » الآية. الأعقاب الإيراث قال في المجمع،: و أعقبه و أورثه و أداه نظائر و قد يكون أعقبه بمعنى جازاه. انتهى و هو مأخوذ من العقب، و معناه الإتيان بشيء عقيب شيء.
و الضمير في قوله: « فَأَعْقَبَهُمْ » راجع إلى البخل أو إلى فعلهم الذي منه البخل، و على هذا فالمراد بقوله: « يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ » يوم لقاء البخل أي جزاء البخل بنحو من العناية.
و يمكن أن يرجع الضمير إليه تعالى و المراد بيوم يلقونه يوم يلقون الله و هو يوم القيامة على ما هو المعروف من كلامه تعالى من تسمية يوم القيامة بيوم لقاء الله أو يوم الموت كما هو الظاهر من قوله تعالى: « مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ» : العنكبوت:- 5.
و هذا الثاني هو الظاهر على الثاني لأن الأنسب عند الذهن أن يقال: فهم على نفاقهم إلى أن يموتوا. دون أن يقال: فهم على نفاقهم إلى أن يبعثوا إذ لا تغير لحالهم فيما بعد الموت على أي حال.
و قوله: « بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ » الباء في الموضعين منه للسببية أي إن هذا البخل أورثهم نفاقا بما كان فيه من الخلف في الوعد و الاستمرار على الكذب الموجبين لمخالفة باطنهم لظاهرهم و هو النفاق.
و معنى الآية: فأورثهم البخل و الامتناع عن إيتاء الصدقات نفاقا في قلوبهم يدوم لهم ذلك و لا يفارقهم إلى يوم موتهم و إنما صار هذا البخل و الامتناع سببا لذلك لما فيه من خلف الوعد لله و الملازمة و الاستمرار على الكذب.
أو المعنى: جازاهم الله نفاقا في قلوبهم إلى يوم لقائه و هو يوم الموت لأنهم أخلفوه ما وعدوه و كانوا يكذبون.
و في الآية دلالة أولا: على أن خلف الوعد و كذب الحديث من أسباب النفاق و أماراته.
و ثانيا: أن من النفاق ما يعرض الإنسان بعد الإيمان كما أن من الكفر ما هو كذلك و هو الردة، و قد قال الله سبحانه: « ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ:» الروم:- 10 فذكر أن الإساءة ربما أدى بالإنسان إلى تكذيب آيات الله، و التكذيب ربما كان ظاهرا و باطنا معا و هو الكفر، أو باطنا فحسب و هو النفاق.
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 351
قوله تعالى: « أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ » الآية النجوى الكلام الخفي و الاستفهام للتوبيخ و التأنيب.
قوله تعالى: « الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ » الآية التطوع الإتيان بما لا تكرهه النفس و لا تحسبه شاقا و لذلك يستعمل غالبا في المندوبات لما في الواجبات من شائبة التحميل على النفس بعدم الرضى بالترك.
و مقابلة المطوعين من المؤمنين في الصدقات بالذين لا يجدون إلا جهدهم قرينة على أن المراد بالمطوعين فيها الذين يؤتون الزكاة على السعة و الجدة كأنهم لسعتهم و كثرة مالهم يؤتونها على طوع و رغبة من غير أن يشق ذلك عليهم بخلاف الذين لا يجدون إلا جهدهم أي مبلغ جهدهم و طاقتهم أو ما يشق عليهم القنوع بذلك.
و قوله: « الَّذِينَ يَلْمِزُونَ » الآية كلام مستأنف أو هو وصف للذين ذكروا بقوله:
« وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ » الآية كما قالوا. و المعنى: الذين يعيبون الذين يتطوعون بالصدقات من المؤمنين الموسرين و الذين لا يجدون من المال إلا جهد أنفسهم من الفقراء المعسرين فيعيبون المتصدقين موسرهم و معسرهم و غنيهم و فقيرهم و يسخرون منهم سخر الله منهم و لهم عذاب أليم، و فيه جواب لاستهزائهم و إيعاد بعذاب شديد.
قوله تعالى: « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ » الترديد بين الأمر و النهي كناية عن تساوي الفعل و الترك أي لغوية الفعل كما مر نظيره في قوله: « أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ:» التوبة:- 53.
فالمعنى أن هؤلاء المنافقين لا تنالهم مغفرة من الله و يستوي فيهم طلب المغفرة و عدمها لأن طلبها لهم لغو لا أثر له.
و قوله: « إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ » تأكيدا لما ذكر قبله من لغوية الاستغفار لهم، و بيان أن طبيعة المغفرة لا تنالهم البتة سواء سألت المغفرة في حقهم أو لم تسأل، و سواء كان الاستغفار مرة أو مرات قليلا أو كثيرا.
فذكر السبعين كناية عن الكثرة من غير أن يكون هناك خصوصية للعدد حتى يكون الواحد و الاثنان من الاستغفار حتى يبلغ السبعين غير مؤثر في حقهم فإذا جاوز السبعين أثر أثره، و لذلك علله بقوله: « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ » أي إن
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 352
المانع من شمول المغفرة هو كفرهم بالله و رسوله، و لا يختلف هذا المانع بعدم الاستغفار.
و لا وجوده واحدا أو كثيرا فهم على كفرهم.
و من هنا يظهر أن قوله: « وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » متمم لسابقه و الكلام مسوق سوق الاستدلال القياسي و التقدير: أنهم كافرون بالله و رسوله فهم فاسقون خارجون عن عبودية الله، و الله لا يهدي القوم الفاسقين، لكن المغفرة هداية إلى سعادة القرب و الجنة فلا تشملهم المغفرة و لا تنالهم البتة.
و استعمال السبعين في الكثرة المجردة عن الخصوصية كاستعمال المائة و الألف فيها كثير في اللغة.
(بحث روائي)
في المجمع،: قيل: نزلت في ثعلبة بن حاطب، و كان من الأنصار فقال للنبي ص: ادع الله أن يرزقني مالا فقال: يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه- أ ما لك في رسول الله أسوة حسنة؟ و الذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا و فضة لسارت-.
ثم أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول الله- ادع الله أن يرزقني مالا و الذي بعثك بالحق، لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه، فقال (ص): اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما- فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة- فتنحى عنها فنزل واديا من أوديتها- ثم كثرت نموا حتى تباعد من المدينة- فاشتغل بذلك عن الجمعة و الجماعة، و بعث رسول الله ص إليه المصدق ليأخذ الصدقة فأبى و بخل- و قال:
ما هذه إلا أخت الجزية فقال رسول الله ص: يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة، و أنزل الله الآيات:. عن أبي أمامة الباهلي و روي ذلك مرفوعا .
و قيل: إن ثعلبة أتى مجلسا من الأنصار فأشهدهم فقال: لئن آتاني الله من فضله تصدقت منه و آتيت كل ذي حق حقه و وصلت منه القرابة فابتلاه الله فمات ابن عم له فورثه مالا فلم يف بما قال فنزلت. عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قتادة.
و قيل: نزلت في ثعلبة بن حاطب و معتب بن قشير و هما من بني عمرو بن عوف
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 353
قالا: لئن رزقنا الله مالا لنصدقن فلما رزقهما الله المال بخلا به. عن الحسن و مجاهد.
أقول: ما ذكروه من الروايات لا يدفع بعضها البعض فمن الجائز أن يكون ثعلبة عاهد النبي ص بذلك ثم أشهد عليه جماعة من الأنصار، و أن يكون معه في ذلك غيره فتتأيد الروايات بعضها ببعض.
و تتأيد أيضا بما روي عن الضحاك أن الآيات نزلت في رجال من المنافقين:
نبتل بن الحارث، و جد بن قيس، و ثعلبة بن حاطب، و معتب بن قشير.
و أما ما
رواه في المجمع، عن الكلبي": أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة كان له مال بالشام- فأبطأ عنه و جهد لذلك جهدا شديدا- فحلف لئن آتاه الله ذلك المال ليصدقن- فأتاه الله تعالى ذلك فلم يفعل؛ فهو بعيد الانطباق على الآيات- لأن إيصال المال إلى صاحبه لا يسمى إيتاء من الفضل، و إنما هو الإعطاء و الرزق.
و في تفسير القمي، قال: و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع): - في الآية- قال: هو ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عوف- كان محتاجا فعاهد الله فلما آتاه بخل به.
و في الدر المنثور، أخرج البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي عن أبي هريرة عن النبي ص قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب- و إذا وعد أخلف و إذا اؤتمن خان.
أقول: و هو مروي بغير واحد من الطرق عن أئمة أهل البيت (ع)، و قد تقدم بعضها.
و فيه،": في قوله تعالى: « الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ » الآية": أخرج البخاري و مسلم و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و أبو نعيم في المعرفة عن ابن مسعود قال": لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا- فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا:
مراء، و جاء أبو عقيل بنصف صاع فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا فنزلت:
أقول: و الروايات في سبب نزول الآية كثيرة و أمثلها ما أوردناه، و في قريب من معناه روايات أخرى، و ظاهرها أن الآية مستقلة عما قبلها مستأنفة في نفسها.
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 354
و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن عروة: أن عبد الله بن أبي قال لأصحابه: لو لا أنكم تنفقون على محمد و أصحابه لانفضوا من حوله، و هو القائل:
ليخرجن الأعز منها الأذل- فأنزل الله عز و جل: « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً- فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ » قال النبي ص: لأزيدن على السبعين فأنزل الله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .
و فيه، أخرج ابن أبي شيبة و ابن جرير و ابن المنذر عن مجاهد قال:- لما نزلت:
« إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ » قال النبي ص: سأزيد على سبعين- فأنزل الله في السورة التي يذكر فيها المنافقون « فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ».
و فيه، أخرج ابن جرير عن ابن عباس: أن رسول الله ص قال: - لما نزلت هذه الآية- أسمع ربي قد رخص لي فيهم- فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة- لعل الله أن يغفر لهم فقال الله من شدة غضبه عليهم: « سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ- لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ».
أقول: مما لا ريب فيه أن هذه الآيات مما نزلت في أواخر عهد النبي (ع) و قد سبقتها في النزول السور المكية عامة و أكثر السور و الآيات المدنية قطعا، و مما لا ريب فيه لمن يتدبر كتاب الله أنه لا رجاء في نجاة الكفار و المنافقين و هم أشد منهم إذا ماتوا على كفرهم و نفاقهم، و لا مطمع في شمول المغفرة الإلهية لهم فهناك آيات كثيرة مكية و مدنية صريحة قاطعة في ذلك.
و النبي ص أجل من أن يخفى عليه ما أنزله الله إليه أو أن لا يثق بما وعدهم الله من العذاب المخلد وعدا حتميا فيطمع في نقض القضاء المحتوم بالإصرار عليه تعالى و الإلحاح في طلب الغفران لهم.
أو أن يخفى عليه أن الترديد في الآية لبيان اللغوية و أن لا خصوصية لعدد السبعين حتى يطمع في مغفرتهم لو زاد على السبعين.
و ليت شعري ما ذا يزيد قوله تعالى في سورة المنافقون: « سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » على قوله تعالى في هذه الآية « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ
الميزان فى تفسير القرآن، ج9، ص: 355
اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » و قد علل الله سبحانه نفي المغفرة نفيا مؤبدا فيهما بأنهم فاسقون و الله لا يهدي القوم الفاسقين.
فقد تلخص أن هذه الروايات و ما في معناها موضوعة يجب طرحها.
و في الدر المنثور، أخرج أحمد و البخاري و الترمذي و النسائي و ابن أبي حاتم و النحاس و ابن حبان و ابن مردويه و أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله ص للصلاة عليه- فقام عليه فلما وقف قلت: أ على عدو الله عبد الله بن أبي القائل كذا و كذا- و القائل كذا و كذا؟
أعدد أيامه و رسول الله ص يتبسم حتى إذا أكثرت- قال: يا عمر أخر عني إني قد خيرت قد قيل لي: « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً » فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها-.
ثم صلى عليه رسول الله ص و مشى معه حتى قام على قبره- حتى فرغ منه فعجبت لي و لجرأتي على رسول الله ص و الله و رسوله أعلم- فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان: « وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ » فما صلى رسول الله ص على منافق بعده- حتى قبضه الله عز و جل.
أقول:
قوله (ص) في الرواية: «فلو أعلم أني إن زدت على السبعين»
إلخ صريح في أنه كان آئسا من شمول المغفرة له، و هو يشهد بأن المراد من قوله: «إني قد خيرت قد قيل لي اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ » إن الله قد ردد الأمر و لم ينهه عن الاستغفار لا أنه خيره بين الاستغفار و عدمه تخييرا حقيقيا حتى ينتج تأثير الاستغفار في حصول المغفرة أو رجاء ذلك.
و من ذلك يعلم أن استغفاره (ص) لعبد الله و صلاته عليه و قيامه على قبره إن ثبت شيء من ذلك لم يكن شيء من ذلك لطلب المغفرة و الدعاء له جدا كما سيأتي في رواية القمي، و في الروايات كلام سيأتي.